بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن زيد ابن ارقم رضي الله عنه قال لا اقول لكم الا كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كان يقول اللهم اني اعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم وعذاب القبر اللهم ات نفسي تقواها وزكها انت خير من زكاها انت وليها ومولاها اللهم اني اعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها. رواه مسلم في هذا الدعاء اشارة وتنبيه الى ان تزكية النفوس بيد الله علام الغيوب وان مفتاحها الاعظم هو الدعاء والافتقار الى الله تعالى وامر هذه النفس عظيم وشأنها كبير قال الله تعالى والشمس وضحاها والقمر اذا تلاها والنهار اذا جلاها والليل اذا يغشاها والسماء وما بناها والارض وما طحاها ونفس وما سواها فالهمها فجورها وتقواها قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها فهي اية كبيرة من ايات الله التي هي حقيقة بالاقسام بها فانها في غاية اللطف والخفة سريعة التنقل والحركة والتغير والتأثر والانفعالات النفسية من الهم والارادة والقصد والحب والبغض وهي التي لولاها لكان البدن مجرد تمثال لا فائدة فيه وتسويتها على هذا الوجه اية من ايات الله العظيمة وقوله قد افلح من زكاها اصل الزكاة الزيادة في الخير والمراد ان من سعى في تزكية نفسه واصلاحها وسموها بالاستكثار من الطاعات والخيرات والابتعاد عن الشرور والسيئات تحقق فلاحه وقوله وقد خاب من دساها اصل التدسية الاخفاء العاصي قد اخفى نفسه الكريمة بفعل الاثام وطمرها بالرذائل والخسائس وقمعها واهلكها بفعل العيوب حتى صارت نفسا دنيئة وضيعة منحطة واستحقت بذلك الخيبة والخسران ولما كانت تزكية النفس بهذه الاهمية وجب على كل مسلم ناصح لنفسه ان يعنى بها عناية فائقة وان يجاهد نفسه في حياته على تحقيق هذه الغاية الحميدة ليفلح في دنياه واخراه وينعم بالسعادة الحقيقية والتوحيد اصل ما تزكو به النفوس وهو الغاية التي من اجلها خلق الله الخلق واوجدهم كما قال سبحانه وتعالى وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون وهو محور دعوة الانبياء والرسل كما قال تعالى ولقد بعثنا في كل امة رسولا ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت وهو اول واجب على المكلف وقد توعد الله سبحانه الذين لا يزكون انفسهم بالتوحيد والايمان بالعذاب الشديد يوم القيامة فقال سبحانه ويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالاخرة هم كافرون فمتى اخلص العبد الذل لله والمحبة له خلصت اعماله وصحت وزكت نفسه وطابت ومتى ادخل عليها ما يشوبها من شوائب الشرك دخل على نفسه من الدنس والتدسية بحسب ذلك فلا زكاة للنفس الا بتحقيق التوحيد. وافراد الله بالعبادة واخلاص العمل له. كما قال تعالى الا لاهي الدين الخالص ولا زكاة للنفس الا بتخليصها من الشرك بجميع انواعه وتخليصها من كل ما يناقض التوحيد ويضعفه ثم ان من اعظم ما ينال به العبد زكاء نفسه الدعاء فانه مفتاح زكاة النفوس وفيه يظهر العبد العجز والافتقار تذلل والانكسار والاعتراف بقوة الله وقدرته وله اثر عظيم في فتح ابواب الخير كما قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في وصيته لابي القاسم المغربي الدعاء مفتاح كل خير فكل خير يرجوه العبد لنفسه من خيرات الدنيا والاخرة فبابه الدعاء وله اثر عظيم في فتح ابواب الخير فالدعاء مفتاح كل خير فكل خير يرجوه العبد لنفسه من خيرات الدنيا والاخرة فبابه الدعاء لان زكاة نفس العبد بيد الله فالله سبحانه وتعالى هو الذي يزكي من يشاء والامر كله له وتحت مشيئته كما قال الله تعالى بل الله يزكي من يشاء وقال تعالى ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من احد ابدا. ولكن الله يزكي من يشاء ومن علم ان صلاح نفسه وزكاتها واستقامتها بيد الله لجأ اليه واقبل على بابه ملحا عليه بالدعاء راجيا طامعا لينال منه زكاة نفسه ونجاتها وفلاحها في الدنيا والاخرة والقرآن الكريم منبع التزكية ومعينها قال الله سبحانه لقد من الله على المؤمنين اذ بعث فيهم رسولا من انفسهم يتلو عليهم اياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة فاعظم ما تزكو به النفس القرآن الكريم الذي هو كتاب التزكية ومنبعها ومعينها ومصدرها فمن اراد لنفسه التزكية فليطلبها في كتاب الله قال ابن عباس رضي الله عنهما وظمن الله لمن اتبع القرآن الا يضل في الدنيا ولا يشقى في الاخرة ثم تلى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى واتخاذ الاسوة والقدوة الصالحة نافع غاية النفع في التزكية للنفس قال الله تعالى لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الاخر وذكر الله وكثيرا قال ابن كثير رحمه الله هذه الاية الكريمة اصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في اقواله وافعاله واحواله فاتباع الرسول صلى الله عليه وسلم والتأسي به والسير على منهاجه القويم هو عين التزكية ولا يمكن الوصول اليها بغير ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولهذا وجب على من اراد تزكية نفسه ان يجاهد نفسه على الاتباع والاقتداء والتأسي بالرسول صلى الله عليه وسلم والحذر من المحدثات والمخترعات والطرائق المبتدعات التي يدعي اربابها انها تزكي النفوس وحقيقة التزكية تخلية النفس اولا بتطهيرها عن الرذائل والمعاصي والذنوب ثم تحليتها بعد ذلك بفعل الطاعات والقربات كما قال تعالى خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصلي عليهم فقوله تطهرهم فيه اشارة الى مقام التخلية عن السيئات بتطهيرهم من الذنوب وقوله تعالى وتزكيهم فيه اشارة الى مقام التحلية بالفظائل والحسنات وتقديم التطهير على التزكية من باب تقديم التخلية على التحلية فلا بد لمن اراد تزكية نفسه ان يقلع اولا عن الذنوب والاثام التي تفسد القلب وتحجب عن نور الهداية والايمان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ان العبد اذا اخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء فاذا هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه وان عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه وهو الران الذي ذكر الله. كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ثم يجاهد نفسه على الاستكثار من الصالحات التي تزكو بها نفسه كما قال تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله فالتزكية وان كان اصلها النماء والبركة وزيادة الخير فانما تحصل بازالة الشر فلهذا صار التزكي يجمع هذا وهذا وقال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله عند قوله تعالى بل الله يزكي من يشاء اي بالايمان والعمل الصالح بالتخلي عن الاخلاق الرذيلة والتحلي بالصفات الجميلة ومما يعين العبد على تزكية نفسه تذكر الموت ولقاء الله والوقوف بين يديه ومجازاته العبادة باعمالهم قال الله تعالى يا ايها الذين امنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اكثروا ذكر هادم اللذات يعني الموت وهو مدرك كل الناس لا محالة وملاقيهم بلا ريب كما قال الله قل ان الموت الذي تفرون منه فانه ملاقيكم وقال تعالى اينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة ففي ذكر العبد للموت منفعة عظيمة فبذلك تستيقظ القلوب الغافلة وتحيا القلوب الميتة ويحسن اقبال العبد على الله. وتزول عنه غفلته واعراضه عن طاعة الله ولا يزال العبد بخير ما كان ناظرا لموقفه بين يدي الله يوم القيامة ومماته ومصيره بعد الممات قال سفيان بن عيينة رحمه الله يقول ابراهيم التيمي رحمه الله مثلت نفسي في الجنة اكل ثمارها واشرب من انهارها واعانق ابكارها ثم مثلت نفسي في النار اكل من زقومها واشرب من صديدها واعالج سلاسلها واغلالها فقلت لنفسي اي نفسي اي شيء تريدين قالت اريد ان ارد الى الدنيا فاعمل صالحا قال قلت فانت في الامنية فاعملي والعبد في هذا المقام بحاجة الى تخير الجلساء وانتقاء الرفقاء الذين يعينونه على الخير ويشدون من ازرق كما قال تعالى واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعدو عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من اغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان امره فرطا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم الرجل على دين خليله فلينظر احدكم من يخالل واسأل الله تعالى ان يزكي نفوسنا وان يصلح اعمالنا وان يسدد اقوالنا وان يبصرنا بالحق ويرزقنا اتباعه وان يهدينا لاحسن الاخلاق والاعمال وان يصرف عنا سيئها وان يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته