بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن ابي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال ان العبد اذا اخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء فاذا هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه وان عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه وهو الران الذي ذكر الله كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون. رواه الترمذي ان من الامور النافعة للعبد في اصلاح قلبه النظر في عواقب الذنوب ومضارها الجسيمة على المرء في دنياه واخراه ولا سيما اظرارها على قلبه فان للمعاصي من الاثار الخطيرة على القلب ما لا يعلمه الا الله سبحانه وللامام ابن القيم رحمه الله في كتابه الداء والدواء تفاصيل نافعة في ذكر هذه الاثار وفيما يلي تلخيص لبعض ما ذكر فمن عواقب الذنوب الوخيمة حرمان العلم فان العلم نور يقذفه الله في القلب. والمعصية تطفئ ذلك النور ولما جلس الشافعي بين يدي ما لك رحمهما الله وقرأ عليه اعجبه ما رأى من وفور فطنته وتوقد كائه وكمال فهمه فقال اني ارى الله قد القى على قلبك نورا فلا تطفئه بظلمة المعصية وقال الشافعي رحمه الله شكوت الى وكيع سوء حفظي فارشدني الى ترك المعاصي وقال اعلم بان العلم فظل وفضل الله لا يؤتاه عاصي ومنها وحشة يجدها العاصي في قلبه بينه وبين الله لا يوازنها ولا يقارنها لذة اصلا ولو اجتمعت له لذات الدنيا باسرها لم تفي بتلك الوحشة وهذا امر لا يحس به الا من في قلبه حياة. وما لجرح بميت ايلام فلو لم يترك الذنوب الا حذرا من وقوع تلك الوحشة لكان العاقل حريا بتركها شكى رجل الى بعض العارفين وحشة يجدها في نفسه فقال له اذا كنت قد اوحشتك الذنوب فدعها اذا شئت واستأنسي ومنها ظلمة يجدها في قلبه حقيقة يحس بها كما يحس بظلمة الليل البهيم اذا ادلهم فتصير ظلمة المعاصي لقلبه كالظلمة الحسية لبصره فان الطاعة نور والمعصية ظلمة. وكلما قويت الظلمة ازدادت حيرته. حتى يقع في البدع والضلالات والامور المهلكة وهو لا يشعر قال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما ان للحسنة ضياء في الوجه ونورا في القلب وسعة في الرزق وقوة في البدن ومحبة في قلوب الخلق وان للسيئة سوادا في الوجه وظلمة في القلب ووهنا في البدن ونقصا في الرزق وبغضة في قلوب الخلق ومنها ان المعاصي توهن القلب والبدن اما وهنها للقلب فامر ظاهر بل لا تزال توهنه حتى تزيل حياته واما وهنها للبدن فان المؤمن قوته من قلبه. وكلما قوي قلبه قوي بدنه ومنها حرمان الطاعة فلو لم يكن للذنب عقوبة الا انه يصد عن طاعة تكون بدلة ويقطع طريق طاعة اخرى فينقطع عليه طريق ثالثة ثم رابعة وهلم جرا فينقطع عليه بالذنب طاعات كثيرة. كل واحدة منها خير له من الدنيا وما عليها وهذا كرجل اكلة اوجبت له مرظة طويلة منعته من عدة اكلات اطيب منها ومنها ان المعاصي تزرع امثالها ويولد بعضها بعضا حتى يعز على العبد مفارقتها والخروج منها كما قال بعض السلف ان من عقوبة السيئة السيئة بعدها وان من ثواب الحسنة الحسنة بعدها فالعبد اذا عمل حسنة قالت اخرى الى جانبها اعملني ايضا فاذا عملها قالت الثانية كذلك. وهلم جرا فتضاعف الربح وتزايدت الحسنات وكذلك جانب السيئات ايضا حتى تصير الطاعات والمعاصي هيئات راسخة وصفات لازمة وملكات ثابتة ومنها وهو من اخوفها على العبد انها تضعف القلب عن ارادته فتقوى ارادة المعصية وتضعف ارادة التوبة شيئا فشيئا الى ان تنسلخ من قلبه ارادة التوبة بالكلية فلو مات نصفه لما تاب الى الله ومنها انه ينسلخ من القلب استقباحها فتصير له عادة فلا يستقبح من نفسه رؤية الناس له ولا كلامهم فيه وهذا عند ارباب الفسوق هو غاية التهتك وتمام اللذة حتى يفتخر احدهم بالمعصية ويحدث بها من لا يعلم انه عملها. فيقول يا فلان عملت كذا وكذا وهذا الضرب من الناس لا يعافون وتسد عليهم طريق التوبة وتغلق عنهم ابوابها في الغالب. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم كل امتي معافا الا المجاهرين وان من الاجهار ان يستر الله على العبد ثم يصبح يفضح نفسه ويقول يا فلان عملت يوم كذا وكذا كذا وكذا. فيهتك نفسه قد بات يستره ربه ومنها ان العبد لا يزال يرتكب الذنب حتى يهون عليه ويصغر في قلبه وذلك علامة الهلاك فان الذنب كلما صغر في عين العبد عظم عند الله وقد ذكر البخاري في صحيحه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال ان المؤمن يرى ذنوبه كانه في اصل جبل يخاف ان يقع عليه. وان الفاجر يرى ذنوبه كذباب وقع على انفه فقال به هكذا فطار ومنها ان المعصية تورث الذل ولابد فان العز كل العز في طاعة الله. قال تعالى من كان يريد العزة فلله العزة جميعا. اي فليطلبها بطاعة الله فانه لا يجدها الا في طاعته. وكان من دعاء بعض السلف اللهم اعزني بطاعتك ولا تذلني بمعصيتك وقال عبد الله ابن المبارك رحمه الله رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل ادمانها وترك الذنوب حياة القلوب وخير لنفسك عصيانها ومنها ان الذنوب اذا تكاثرت طبع على قلب صاحبها فكان من الغافلين كما قال بعض السلف في قوله تعالى كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون. قال هو الذنب بعد الذنب وقال الحسن رحمه الله هو الذنب على الذنب حتى يعمى القلب وقال غيره لما كثرت ذنوبهم ومعاصيهم احاطت بقلوبهم واصل هذا ان القلب يصدأ من المعصية فان زادت غلب الصدأ حتى يصير رانا ثم يغلب حتى يصير طبعا وقفلا وختما فيصير القلب في غشاوة وغلاف فان حصل له ذلك بعد الهدى والبصيرة انتكس فصار اعلاه اسفله فحينئذ يتولاه عدوه ويسوقه حيث اراد ومن عقوبة الذنوب انها تطفئ من القلب نار الغيرة التي هي لحياته وصلاحه كالحرارة الغريزية لحياة جميع البدن فالغيرة حرارته وناره التي تخرج ما فيه من الخبث والصفات المذمومة كما يخرج الكير خبث الذهب والفضة والحديد واشرف الناس واعلاهم همة اشدهم غيرة على نفسه وخاصته وعموم الناس ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم اغير الخلق على الامة والله سبحانه اشد غيرة منه كما ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم انه قال اتعجبون من غيرة سعد لانا اغير منه والله اغير مني وفي الصحيح ايضا عنه انه قال في خطبة الكسوف يا امة محمد ما احد اغير من الله ان يزني او تزني امته ومن عقوبتها ذهاب الحياء الذي هو مادة الحياة للقلب وهو اصل كل خير وذهابه ذهاب الخير اجمعه وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم انه قال الحياء خير كله. وقال ان مما ادرك الناس من كلام النبوة الاولى اذا لم تستحي فاصنع ما شئت ومن عقوبات الذنوب انها تضعف في القلب تعظيم الرب جل جلاله وتضعف وقاره في قلب العبد ولابد شاء ام ابى ولو تمكن وقار الله وعظمته في قلب العبد لما تجرأ على معصية وكفى بالعاصي عقوبة ان يظمحل من قلبه تعظيم الله جل جلاله. وتعظيم حرماته ويهون عليه حقه ومن عقوباتها انها تخرج العبد من دائرة الاحسان وتمنعه ثواب المحسنين فان الاحسان اذا باشر القلب منعه من المعاصي فان من عبد الله كانه يراه لم يكن ذلك الا لاستيلاء ذكره ومحبته وخوفه ورجائه على قلبه بحيث يصير كانه يشاهده. وذلك يحول بينه وبين ارادة المعصية فضلا عن مواقعتها ومن عقوباتها انها تضعف سير القلب الى الله والدار الاخرة. او تعوقه او توقفه وتقطعه عن السير فلا تدعه يخطو الى الله خطوة. هذا ان لم ترده عن وجهته الى ورائه فالذنب يحجب الواصل ويقطع السائر وينكس الطالب والقلب انما يسير الى الله بقوته. فاذا مرض بالذنوب ظعفت تلك القوة التي تسيره فان زالت بالكلية انقطع عن الله انقطاعا يبعد تداركه فالذنب اما ان يميت القلب او يمرضه مرضا مخوفا او يضعف قوته ولابد. حتى ينتهي ضعفه الى الاشياء الثمانية. التي منها النبي صلى الله عليه وسلم وهي الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وضلع الدين وغلبة الرجال ومن عقوباتها انها تزيل النعم وتحل النقم فما زالت عن العبد نعمة الا بذنب ولا حلت به نقمة الا بذنب. كما قال علي ابن ابي طالب رضي الله عنه ما نزل بلاء الا بذنب ولا رفع بلاء الا بتوبة وقد قال تعالى وما اصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم ويعفو عن كثير وقال تعالى ذلك بان الله لم يكن مغيرا نعمة انعمها على قوم حتى يغيروا ما بانفسهم فاخبر تعالى انه لا يغير نعمه التي انعم بها على احد حتى يكون هو الذي يغير ما بنفسه في غير طاعة الله بمعصيته وشكره بكفره واسباب رضاه باسباب سخطه فاذا غير غير عليه جزاء وفاقا. وما ربك بظلام للعبيد فان غير المعصية بالطاعة غير الله عليه العقوبة بالعافية والذل بالعز وقال تعالى ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم واذا اراد الله بقوم سوءا فلا مرد له ومالهم من دونه من وال وقد احسن القائل اذا كنت في نعمة فارعها فان المعاصي تزيل النعم وحطها بطاعة رب العباد فرب العباد سريع النقم ومن عقوباتها انها تصرف القلب عن صحته واستقامته الى مرضه وانحرافه فلا يزال مريضا معلولا لا ينتفع بالاغذية التي بها حياته وصلاحه فان تأثير الذنوب في القلوب كتأثير الامراض في الابدان بل الذنوب امراض القلوب وادوائها ولا دواء لها الا تركها حفظ الله قلوبنا اجمعين وصانها ووقاها وزكاها. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته