بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد عن ابي هريرة رضي الله عنه قال جاء ناس من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه انا نجد في انفسنا ما يتعاظم احدنا ان يتكلم به قال وقد وجدتموه؟ قالوا نعم قال ذاك صريح الايمان. رواه مسلم وعن انس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لن يبرح الناس يتساءلون حتى فيقول هذا الله خلق كل شيء فمن خلق الله رواه البخاري ومسلم وعن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي الشيطان احدكم فيقول من خلق كذا حتى يقول له من خلق ربك فاذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته. رواه البخاري ومسلم وفي رواية لمسلم لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا خلق الله الخلق. فمن خلق الله فمن وجد من ذلك شيئا فليقل امنت بالله. وزاد في رواية ورسله وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ان احدنا يجد في نفسه يعرض بالشيء لان يكون حممة احب اليه من ان يتكلم به فقال الله اكبر الله اكبر الله اكبر الحمد لله الذي رد كيده الى الوسوسة. رواه ابو داوود وعن ابي زميل قال سألت ابن عباس رضي الله عنهما فقلت ما شيء اجده في صدري؟ قال ما هو؟ قلت والله ما اتكلم به قال فقال لي اسيء من شك؟ قال وظحك قال ما نجى من ذلك احد حتى انزل الله عز وجل فان كنت في شك مما انزلنا اليك فاسأل الذين يقرأون الكتاب من قبلك الاية قال فقال لي اذا وجدت في نفسك شيئا فقل هو الاول والاخر والظاهر والباطن وهو بكل كل شيء عليم رواه ابو داوود هذه الاحاديث العظيمة فيها تنبيه الى امر عظيم يتعلق باصلاح القلوب ومداواتها الا وهو صيانتها من هذه الوساوس والشكوك التي قد تهجم على قلب العبد وتدخل بدون استئذان فيفاجئ المرء اذا بها قد ولجت الى قلبه فماج بسببها في متاهات هذه الوساوس الممرضة للقلوب وليتأمل المرء الناصح لنفسه من خلال هذه الاحاديث الحل الامثل والسبيل الاقوم للسلامة من هذه الوساوس وكيفية الخلاص منها وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الدواء النافع لهذه الوساوس المهلكة وهي ثلاثة اشياء الانتهاء عن هذه الوساوس الانتهاء عن هذه الوساوس الشيطانية وعدم الاسترسال معها. لقوله ولينته والاستعاذة من شر من القاها وشبه بها ليضل بها العباد عن الصراط المستقيم لقوله فليستعذ بالله والاعتصام بعصمة الايمان الصحيح الذي من اعتصم به كان من الامنين لقوله فليقل امنت بالله ورسله وارشد ابن عباس رضي الله عنهما لطرد هذه الوساوس ان يقرأ المسلم هو الاول والاخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم فاذا قرأها المسلم مستشعرا معاني هذه الاسماء الحسنى ففيها من تحقيق الايمان وقوة اليقين ما يطرد الوساوس وذلك ان الباطل يتضح بطلانه بامور كثيرة اعظمها العلم بمنافاتها للحق فان كل ما ناقض الحق فهو باطل. فماذا بعد الحق الا الضلال وقوله ذاك صريح الايمان وفي رواية الحمدلله الذي رد كيده الى الوسوسة اي ان حصول هذا الوسواس مع هذه الكراهة العظيمة له ودفعه عن القلب هو من صريح الايمان كالمجاهد الذي جاءه العدو فدافعه حتى غلبه. فهذا اعظم الجهاد ان يبغض المرء هذه الوساوس ويعمل على طردها من قلبه والواجب على العبد ان يحترس من هذه الوساوس ومما تثمره من الاعمال وما يكتسب القلب بعدها من الاحوال. فان العمل السيء مصدره عن فساد قصد القلب ثم يعرض للقلب من فساد العمل قسوة فيزداد مرظا على مرظه حتى يموت ويبقى لا حياة فيه ولا نور له وكل ذلك من انفعاله بوسوسة الشيطان وركونه الى عدوه الذي لا يفلح الا من جاهد نفسه على من وساوسه ثمان العبد كلما اقبل على الطاعة كان الشيطان عليه احرص ولهذا يعرض للناس من الوساوس في الصلاة ما لا يعرض لهم اذا لم يصلوا لان الشيطان يكثر تعرضه للعبد اذا اراد الانابة الى ربه والتقرب اليه والاتصال به فلهذا يعرض للمصلين ما لا يعرض لغيرهم عن ابي العلاء ان عثمان بن ابي العاص رضي الله عنه اتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ان الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك شيطان يقال له خنزب فاذا احسسته فتعوذ بالله منه واتفل على يسارك ثلاثا قال ففعلت ذلك فاذهبه الله عني رواه مسلم وعن عبد الله ابن عنمة قال رأيت عمار بن ياسر رضي الله عنه دخل المسجد فصلى فاخف الصلاة قال فلما خرج قمت اليه فقلت يا ابا اليقظان لقد خففت قال فهل رأيتني انتقصت من حدودها شيئا؟ قلت لا قال فاني بادرت بها سهو الشيطان سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان العبد ليصلي الصلاة ما يكتب له منها الا عشرها تسعها ثمنها سبعها سدسها خمسها ربعها ثلثها نصفها. رواه احمد وذلك ان الوسواس كلما قل في الصلاة كان اكمل في ثوابها وكلما زاد ضاع من صلاة العبد بحسبه فحاجة العبد الى دفعه ماسة ليفوز باجر صلاته. فانه ليس له من صلاته الا ما عقل منها والشيطان لا يريد له تحصيل هذا الخير والذي يعين العبد على السلامة من هذه الوساوس التي تعرض للمرء في صلاته شيئا قوة المقتضي وضعف الشاغل وقد فصل فيهما شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تفصيلا نافعا قال رحمه الله اما الاول فاجتهاد العبد في ان يعقل ما يقوله ويفعله ويتدبر القراءة والذكر والدعاء. ويستحضر انه مناجي لله تعالى كأنه يراه فان المصلي اذا كان قائما فانما يناجي ربه والاحسان ان تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك ثم كلما ذاق العبد حلاوة الصلاة كان الجذابه اليها اوكد وهذا يكون بحسب قوة الايمان والاسباب المقوية للايمان كثيرة ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول حبب الي من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة وفي حديث اخر انه قال ارحنا يا بلال بالصلاة ولم يقل ارحنا منها فان ما في القلب من معرفة الله ومحبته وخشيته واخلاص الدين له وخوفه ورجائه والتصديق باخباره وغير ذلك مما يتباين الناس فيه ويتفاضلون تفاضلا عظيما ويقوى ذلك كلما زاد العبد تدبرا للقرآن وفهما ومعرفة باسماء الله وصفاته وعظمته وتفكره اليه في عبادته واشتغاله به بحيث يجد اضطراره الى ان يكون تعالى معبوده ومستغاثه اعظم من اضطراره الى الاكل والشرب فانه لا صلاح له الا بان يكون الله هو معبوده الذي يطمئن اليه ويأنس به ويتلذذ بذكره ويستريح به ولا حصول لهذا الا باعانة الله ومتى كان للقلب اله غير الله فسد وهلك هلاكا لا صلاح معه ومتى لم يعنه الله على ذلك لم يصلحه ولا حول ولا قوة الا به ولا ملجأ ولا منجى منه الا اليه واما زوال العارض فهو الاجتهاد في دفع ما يشغل القلب من تفكر الانسان فيما لا يعنيه وتدبر الجواذب التي تجذب القلب عن مقصود الصلاة وهذا في كل عبد بحسبه فان كثرة الوساوس بحسب كثرة الشبهات والشهوات وتعليق القلب بالمحبوبات التي ينصرف القلب الى طلبها والمكروهات التي ينصرف القلب الى دفعها والوسواس اما من قبيل الحب من ان يخطر بالقلب ما قد كان. او من قبيل الطلب وهو ان يخطر في القلب ما يريد ان يفعله ومن الوساوس ما يكون من خواطر الكفر والنفاق فيتألم لها قلب المؤمن تألما شديدا كما قال الصحابة يا رسول الله ان احدنا ليجد في نفسه ما لان يخر من السماء احب اليه من ان يتكلم فقال اوجدتموه؟ قالوا نعم. قال ذلك صريح الايمان قال كثير من العلماء فكراهة ذلك وبغضه وفرار القلب منه هو صريح الايمان والحمد لله الذي كان غاية كيد الشيطان الوسوسة فان شيطان الجن اذا غلب وسوس وشيطان الانس اذا غلب كذب والوسواس يعرض لكل من توجه الى الله بذكر او غيره. لابد له من ذلك فينبغي للعبد ان يثبت ويصبر ويلازم ما هو فيه من الذكر والصلاة ولا يضجر فانه بملازمة ذلك ينصرف عنه كيد الشيطان. ان كيد الشيطان كان ضعيفا وكلما اراد العبد توجها الى الله بقلبه جاء من الوسواس امور اخرى. فان الشيطان بمنزلة قاطع الطريق كلما اراد العبد ان يسير الى الله تعالى اراد قطع الطريق عليه ولهذا قيل لبعض السلف ان اليهود والنصارى يقولون لا نوسوس فقال صدقوا وما يصنع الشيطان بالبيت الخرب قال ابن القيم رحمه الله والناس في الصلاة على مراتب خمسة احدها مرتبة الظالم لنفسه المفرط وهو الذي انتقص من وضوئها ومواقيتها وحدودها واركانها الثاني من يحافظ على مواقيتها وحدودها واركانها الظاهرة ووضوئها لكن قد ضيع مجاهدة نفسه في الوصف فذهب مع الوساوس والافكار. الثالث من حافظ على حدودها واركانها وجاهد نفسه في دفع الوساوس سوى الافكار فهو مشغول بمجاهدة عدوه لان لا يسرق صلاته فهو في صلاة وجهاد الرابع من اذا قام الى الصلاة اكمل حقوقها واركانها وحدودها واستغرق قلبه مراعاة حدودها وحقوقها لئلا يضيع شيئا منها بل همه كله مصروف الى اقامتها كما ينبغي واكمالها واتمامها قد استغرق قلبه شأن الصلاة وعبودية ربه تبارك وتعالى فيها الخامس من اذا قام الى الصلاة قام اليها كذلك ولكن مع هذا قد اخذ قلبه ووضعه بين يدي ربه عز وجل ناظرا بقلبه اليه مراقبا له ممتلئا من محبته وعظمته كأنه يراه ويشاهده وقد اظمحلت تلك الوساوس والخطرات وارتفعت حجبها بينه وبين ربه. فهذا بينه وبين غيره في الصلاة افضل واعظم مما بين السماء والارض وهذا في صلاته مشغول بربه عز وجل قرير العين به فالقسم الاول معاقب والثاني محاسب والثالث مكفر عنه والرابع مثاب والخامس مقرب من ربه لان له نصيبا ممن جعلت قرة عينه في الصلاة فمن قرت عينه بصلاته في الدنيا قرت عينه بقربه من ربه عز وجل في الاخرة. اصلح الله قلوبنا اجمعين. واعاذنا من الشيطان الرجيم صلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته