بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن ابي عنبة الخولاني رضي الله عنه يرفعه الى النبي صلى الله عليه وسلم قال ان لله انية من اهل الارض وانية ربكم قلوب عباده الصالحين واحبها اليه الينها وارقها رواه الطبراني في المعجم الكبير وفي مسند الشاميين قال الحافظ العراقي رواه الطبراني واسناده جيد وقال الهيثمي اسناده حسن لقد شبه صلى الله عليه وسلم قلوب العباد بالانية وحال كل اناء بما جعل فيه من خير او شر. كما قيل كل اناء بالذي فيه ينضح فقلوب الابرار تغلي بالخير والبر وقلوب الفجار تغلي بالاثم والفجور قال مالك بن دينار رحمه الله ان الابرار تغلي قلوبهم باعمال البر وان الفجار تغلي قلوبهم باعمال الفجور والله يرى همومكم فانظروا همومكم يرحمكم الله. رواه ابو نعيم في الحلية وقال عبد الله ابن مالك رحمه الله ان لله في الارض انية لا يقبل منها الا الصلب الرقيق الصافي قال الصلب في طاعة الله الرقيق عند ذكر الله الصافي النقي من الدرن. رواه ابن ابي شيبة في المصنف وقوله في الحديث واحبها اليه الينها وارقها. لان القلب اذا لان ورق صار كالمرآة الصافية فقبل الخير ووعاه بما رزق من الصفاء والنقاء بخلاف القلوب غير النقية فانه لا ينفذ اليها الحق ولا تقبله ثمان حركة اللسان تدل على ما في القلب من خير او شر كما قال تعالى ولتعرفنهم في لحن القول اي لابد ان يظهر ما في قلوبهم ويتبين بفلتات السنتهم فان الالسن مغارف القلوب. يظهر منها ما في القلوب من الخير والشر قال يحيى بن معاذ رحمه الله القلوب كالقدور في الصدور تغلي بما فيها ومغارفها السنتها فانتظر الرجل حتى يتكلم فان لسانه يغترف لك ما في قلبه من بين حلو وحامض وعذب واجاج يخبرك عن طعم قلبه اغتراف لسانه. رواه ابو نعيم في الحلية قال ابن القيم رحمه الله في كتابه الداء والدواء اي كما تطعم بلسانك طعم ما في القدور من الطعام فتدرك العلم بحقيقته كذلك تطعم ما في قلب الرجل من لسانه فتذوق ما في قلبه من لسانه كما تذوق ما في القدر بلسانك ورقة القلب وليونته تعد علامة دقيقة على صحة القلب وسلامته غير انها خفية لا ترى فلا يراها الا العليم بذات الصدور سبحانه الا ان ثم علامات ظاهرة تدل على صحة القلب ولا يلزم من وجودها او علم العبد بها من نفسه او من غيره ان يزكي نفسه او غيره لقول الله تعالى فلا تزكوا انفسكم هو اعلم بمن اتقى لكنها علامات وشواهد ودلائل على صحة القلب فاذا وجدت في العبد فليحمد الله وليجاهد نفسه على المحافظة عليها وليسأل ربه تبارك وتعالى الثبات وابرز هذه العلامات الظاهرة فيما ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه اغاثة الله فان ست علامات الاولى ذكر الله سبحانه وتعالى والمواظبة على ذكره والاكثار من ذلك والا يفتر من ذكر الله ولا يسأم ولا يمل قال الله تعالى الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم وقال تعالى والذاكرين الله كثيرا والذاكرات ويدخل في ذكر الله سبحانه تعلم العلم وتعليمه والتفقه في دين الله فان هذا من ذكر الله سبحانه ومن الاقامة لذكره كما في الحديث اذا مررتم برياض الجنة فارتعوا قيل وما رياض الجنة؟ قال حلق الذكر والمراد بحلق الذكر اي مجالس العلم التي يبين فيها الحلال والحرام وتوضح فيها الاحكام ويعرف فيها الناس بربهم سبحانه وباسمائه وصفاته وباوامره ونواهيه العلامة الثانية ان يألم عند فوات الورد كأن يكون له مثلا ورد من الليل يصلي او حزب من القرآن او نحو ذلك فاذا فاته يألم لفواته اعظم من تألم الحريص على المال بفواته للربح في ماله. لان الذي هو فيه اعظم والربح الذي فيه اكبر العلامة الثالثة شح صاحبه بالوقت لحرصه الشديد عليه من ان يظيع او ان يذهب سدا بغير فائدة لان جميع المصالح انما تنشأ من حفظ الوقت فمتى اضاع الانسان وقته ضاعت مصالحه وما فات من الوقت لا يستدرك ولهذا جاءت السنة بالحث على اغتنام الوقت ولا سيما وقت الشباب والتحذير من تضييعه وعلامة المقت كما قيل تضييع الوقت لان المصالح لا تتحقق الا بحفظ الانسان لوقته ورعايته له وعنايته به فمن علامة صحة قلب المرء شحه بوقته. ان يذهب ضائعا في الامور التي لا فائدة فيها فضلا عن الامور المحرمة من غيبة ونميمة وسخرية واستهزاء وغير ذلك العلامة الرابعة ان يكون همه واحدا وان يكون في الله فيجعل همه لله ويترك ما سوى ذلك وقد جاء في المسند وغيره عن نبينا صلى الله عليه وسلم انه قال من كان همه الاخرة جمع الله شمله وجعل غناه في قلبه واتته الدنيا وهي راغمة العلامة الخامسة من علامات صحة القلب الاهتمام بتصحيح الاقوال والاعمال والنيات على الاخلاص بحيث تكون كلها خالصة لله سبحانه لا يبتغي بها الا وجه الله العلامة السادسة تعظيم الصلاة والمعرفة بقدرها والادراك لمكانتها والرعاية لها والانس بمجيئها ودخول وقتها وحسن الاقبال على الله سبحانه وتعالى فيها واذا دخل في الصلاة وجد فيها راحته ونعيمه وقرة عينه وسرور قلبه وفي الحديث يقول عليه الصلاة والسلام ارحنا بالصلاة يا بلال ويقول جعلت قرة عيني في الصلاة فيدخل فيها بقلب منيب خاضع خاشع لله سبحانه وجميع امور الدنيا وشواغلها وهمومها وغمومها كلها تنزاح عنه ما كان مقبلا على وعبادة ربه ومولاه مطمئنا خاشعا وفرق بين من يصلي وهو يوافي في صلاته الراحة وسرور القلب وقرة العين ونعيم البال وبين من يصلي وهو قلق ومتضجر ويريد الراحة والخلاص من هذه الصلاة ولهذا الاول يشتد عليه الخروج من صلاته. اذا انتهت الصلاة اشتد عليه الامر. لانه خرج من لذة وقرة عين وراحة بال فيشتد عليه الخروج منها ويتمنى ان لو طالت ايضا بخلاف الاخر اذا انتهت الصلاة فرح بالخروج منها والخلاص من هذا الحمل الثقيل الذي على كاهله وتبقى الصلاة ميزانا يوميا يزن به العبد نفسه واذا حضر وقت الصلاة ظهر للعبد من نفسه حال قلبه قال ابن القيم رحمه الله والمقصود ان ما تقر به الاعين اعلى من مجرد ما يحبه. فالصلاة قرة عيون المحبين في هذه الدنيا لما فيها من مناجاة من لا تقر العيون ولا تطمئن القلوب ولا تسكن النفوس الا اليه والتنعم بذكره والتذلل له والخضوع له والقرب منه ولا سيما في حال السجود وتلك الحال اقرب ما يكون العبد من ربه فيها ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم يا بلال ارحنا بالصلاة فاعلم بذلك ان راحته في الصلاة كما اخبر ان قرة عينه فيها فاين هذا؟ من قول القائل نصلي ونستريح من الصلاة فالمحب راحته وقرة عينه في الصلاة والغافل المعرظ ليس له نصيب من ذلك بل الصلاة كبيرة شاقة عليه. اذا قام فيها كأنه على الجمر حتى يتخلص منها واحب الصلاة اليه اعجلها واسرعها فانه ليس له قرة عين فيها ولا لقلبه راحة بها والعبد اذا قرت عينه بشيء واستراح قلبه به فاشق ما عليه مفارقته. والمتكلف الفارغ القلب من الله والدار الاخرة المبتلى بمحبة الدنيا اشق ما عليه الصلاة واكره ما اليه طولها مع تفرغه وصحته وعدم اشتغاله ومما ينبغي ان يعلم ان الصلاة التي تقر بها العين ويستريح بها القلب هي التي تجمع ستة مشاهد المشهد الاول الاخلاص وهو ان يكون الحامل عليها والداعي اليها رغبة العبد في الله ومحبته له وطلب مرضاته والقرب منه اليه وامتثال امره بحيث لا يكون الباعث له عليها حظا من حظوظ الدنيا البتة. بل ياتي بها ابتغاء وجه ربه الاعلى محبة له وخوفا من عذابه ورجاء لمغفرته وثوابه المشهد الثاني مشهد الصدق والنصح وهو ان يفرغ قلبه لله فيها. ويستفرغ جهده في اقباله فيها على الله. وجمع قلبه عليها وايقاعها على احسن الوجوه واكملها ظاهرا وباطنا فان الصلاة لها ظاهر وباطن فظاهرها الافعال المشاهدة والاقوال المسموعة وباطنها الخشوع والمراقبة وتفريغ القلب لله والاقبال بكليته على الله فيها بحيث لا يلتفت قلبه عنه الى غيره فهذا بمنزلة الروح لها. والافعال بمنزلة البدن. فاذا خلت من الروح كانت كبدن لا روح فيه المشهد الثالث مشهد المتابعة والاقتداء. وهو ان يحرص كل الحرص على الاقتداء في صلاته بالنبي صلى الله عليه وسلم ويصلي كما كان يصلي ويعرض عما احدث الناس في الصلاة من الزيادة والنقصان والاوضاع التي لم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء منها ولا عن احد من الصحابة رضي الله عنهم المشهد الرابع مشهد الاحسان. وهو مشهد المراقبة. وهو ان يعبد الله كانه يراه. وهذا المشهد انما ينشأ من كمال الايمان بالله واسمائه وصفاته. حتى كانه يرى الله سبحانه فوق سماواته مستويا على عرشه يتكلم بامره ونهيه ويدبر امر الخليقة. فينزل الامر من عنده ويصعد اليه وتعرض اعمال العباد وارواحهم عند الموافاة عليه فيشهد ذلك كله بقلبه. ويشهد اسمائه وصفاته ويشهد قيوما حيا سميعا بصيرا ازا حكيما امرا ناهيا يحب ويبغض ويرضى ويغضب ويفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وهو فوق عرشه لا يخفى عليه شيء من اعمال العباد ولا اقوالهم ولا بواطنهم بل يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور ومشهد الاحسان اصل اعمال القلوب كلها. فانه يوجب الحياء والاجلال والتعظيم والخشية والمحبة والانابة هو التوكل والخضوع لله سبحانه والذل له. ويقطع الوساوس وحديث النفس ويجمع القلب والهمة متى على الله المشهد الخامس مشهد المنة. وهو ان يشهد ان المنة لله سبحانه. كونه اقامه في هذا المقام اهله له ووفقه لقيام قلبه وبدنه في طاعته فلولا الله سبحانه لم يكن شيء من ذلك قال الله تعالى يمنون عليك ان اسلموا قل لا تمنوا علي اسلامكم بل الله يمن عليكم ان هداكم بالايمان ان كنتم صادقين فالله سبحانه هو الذي جعل المسلم مسلما والمصلي مصليا كما قال الخليل عليه السلام ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا امة مسلمة لك وقال ربي اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي. فالمنة لله وحده في ان جعل عبده قائما بطاعته. وكان هذا من اعظم نعمه عليه المشهد السادس مشهد التقصير. وان العبد لو اجتهد في القيام بالامر غاية الاجتهاد وبذل وسعه فهو مقصر وحق الله سبحانه عليه اعظم. والذي ينبغي له ان يقابل به من الطاعة والعبودية فوق وذلك بكثير وان عظمته وجلاله سبحانه يقتضي من العبودية ما يليق بها اعاننا الله اجمعين على ذكره وشكره وحسن عبادته واصلح لنا شأننا كله وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته كاتو