بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن العرباظ ابن سارية رضي الله عنه قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ثم اقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون وجلت منها القلوب فقال قائل يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد الينا فقال اوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وان عبدا حبشيا فانه من يعش منكم بعدي فسار اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ واياكم ومحدثات الامور فان كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة. رواه ابو داوود والترمذي وعن ابي وائل قال كان عبدالله بن مسعود رضي الله عنه يذكر الناس في كل خميس فقال له رجل يا ابا عبد الرحمن لوددت انك ذكرتنا كل يوم قال اما انه يمنعني من ذلك اني اكره ان املكم واني اتخولكم بالموعظة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بها مخافة السآمة علينا رواه البخاري ومسلم وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يطيل الموعظة يوم الجمعة. انما هن كلمات يسيرات رواه ابو داوود وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير اذان ولا اقامة ثم قام متوكئا على بلال فامر بتقوى الله وحث على طاعته ووعظ الناس وذكرهم ثم مضى حتى اتى النساء فوعظهن وذكرهن فقال تصدقن فان اكثركن حطب جهنم فقامت امرأة من صفة النساء سفعاء الخدين فقالت لم يا رسول الله قال لانكن تكثرن الزكاة وتكفرن العسير قال فجعلن يتصدقن من حليهن يلقين في ثوب بلال من اقرطتهن وخواتمهن رواه البخاري ومسلم واللفظ له هذه الاحاديث ولها نظائر كثيرة في السنة تدل على مكانة الوعظ العلية وعظم نفعه وقوة تأثيره على القلوب وجلا وخوفا واقبالا على الله وان مجالس الوعظ هي حياة القلوب ويقظتها عن حنظلة الاسدي رضي الله عنه وكان من كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لقيني ابو بكر رضي الله عنه فقال كيف انت يا حنظلة قال قلت نافق حنظلة قال سبحان الله ما تقول قال قلت نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة حتى كأن رأي عين فاذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الازواج والاولاد والضيعات فنسينا كثيرا قال ابو بكر فوالله انا لنلقى مثل هذا فانطلقت انا وابو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت نافق حنظلة يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ذاك قلت يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأن رأي عين فاذا خرجنا من عندك عافسنا الازواج والاولاد والضيعات نسينا كثيرا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده ان لو تدوموا على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة. ثلاث مرات وفي لفظ قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فوعظنا فذكر النار قال ثم جئت الى البيت فضاحكت الصبيان ولاعبت المرأة قال فخرجت فلقيت ابا بكر فذكرت ذلك له فقال وانا قد فعلت مثل ما تذكر فلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله نافق حنظلة فقال مه فحدثته بالحديث فقال ابو بكر وانا قد فعلت مثل ما فعل فقال يا حنظلة ساعة وساعة ولو كانت تكون قلوبكم كما تكون عند الذكر لصافحتكم الملائكة حتى تسلم عليكم في الطرق رواه مسلم فالقلوب في مجالس الوعظ والتذكير تتحرك خوفا ورجاء ورغبة ورهبة لقوة تأثير الوعظ عليها لما يرد فيها من مواعظ القرآن وهدي الرسول عليه الصلاة والسلام واعظم واعظا للقلوب كتاب الله قال تعالى هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين وقال تعالى يا ايها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وقال تعالى وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين وقال تعالى ولقد انزلنا اليكم ايات مبينات ومثلا من الذين خلوا من قبلكم وموعظة للمتقين فجعله تعالى شفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين لما فيه من الحكمة والموعظة الحسنة بالترغيب والترهيب والتزهيد في الدنيا والترغيب في الاخرة والامثال والقصص التي فيها انواع العبر والاستبصار فيرغب القلب ويقبل كل ما عظم حظه من مواعظ القرآن ومن وفقه الله لحسن الانتفاع بمواعظ القرآن حاز خيرات كثيرة قال تعالى ولو انهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم واشد تثبيتا واذا لاتينهم من لدنا اجرا عظيما ولهديناهم صراطا مستقيما قال السعدي رحمه الله رتب ما يحصل لهم على فعل ما يوعظون به وهو اربعة امور احدها الخيرية في قوله لكان خيرا لهم اي لكانوا من الاخيار المتصفين باوصافهم من افعال الخير التي امروا بها اي وانتفى عنهم بذلك صفة الاشرار لان ثبوت الشيء يستلزم نفي ضده الثاني حصول التثبيت والثبات وزيادته فان الله يثبت الذين امنوا بسبب ما قاموا به من الايمان الذي هو القيام بما وعظوا به ويثبتهم في الحياة الدنيا عند ورود الفتن في الاوامر والنواهي والمصائب فيحصل لهم ثبات يوفقون لفعل الاوامر وترك الزواجر التي تقتضي النفس فعلها وعند حلول المصائب التي يكرهها العبد فيوفق للتثبيت بالتوفيق للصبر او للرضا او للشكر فينزل عليه معونة من الله للقيام بذلك ويحصل له الثبات على الدين عند الموت وفي القبر وايضا فان العبد القائم بما امر به لا يزال يتمرن على الاوامر الشرعية حتى يألفها ويشتاق الى اليها والى امثالها فيكون ذلك معونة له على الثبات على الطاعات الثالث قوله واذا لاتيناهم من لدنا اجرا عظيما. اي في العاجل والاجل. الذي يكون للروح والقلب والبدن ومن النعيم المقيم مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر الرابع الهداية الى صراط مستقيم وهذا عموم بعد خصوص لشرف الهداية الى الصراط المستقيم من كونها متظمنة للعلم بالحق ومحبته وايثاره والعمل به. وتوقف السعادة والفلاح على ذلك فمن هدي الى صراط مستقيم فقد وفق لكل خير من دفع عنه كل شر وضير وقد ذكر الله سبحانه ان المنتفعين بمواعظ القرآن هم المتقون قال تعالى هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين وقال تعالى ولقد انزلنا اليكم ايات مبينات ومثلا من الذين خلوا من قبلكم وموعظة للمتقين لان المتقين هم الذين يحسنون الانتفاع بعظاته فتهديهم الى سبيل الخير والرشاد وتزجرهم عن طريق الغي والفساد واما غير المتقين فهي بيان لهم تقوم به عليهم الحجة من الله ليهلك من هلك عن بين ويحيى من حي عن بينة قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله وقوله الف لام ميم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين وهنا لطيفة تزيل اشكالا يفهم هنا وهو انه ليس من شرط هذا المتقي المؤمن ان يكون كان من المتقين المؤمنين قبل سماع القرآن فان هذا اولا ممتنع اذ لا يكون مؤمنا متقيا من لم يسمع شيئا من القرآن وثانيا ان الشرط انما يجب ان يقارن المشروط لا يجب ان يتقدمه تقدما زمنيا كاستقبال القبلة في الصلاة وثالثا ان المقصود ان يبين شيئان احدهما ان الانتفاع به بالاهتداء والاتعاظ والرحمة هو وان كان موجبا له لكن لابد مع الفاعل من القابل اذ الكلام لا يؤثر فيمن لا يكون قابلا له وان كان من شأنه ان يهدي ويعظ ويرحم وهذا حال كل كلام الثاني ان يبين ان المهتدين بهذا هم المؤمنون المتقون ويستدل بعدم الاهتداء به على عدم الايمان والتقوى فالموعظة اذا لا تنفع الا من امن بالله وخافه ورجاه قال الله تعالى ان في ذلك لاية لمن خاف عذاب الاخرة. وقال تعالى سيذكر من يخشى وقال تعالى انما انت منذر من يخشاها وقال تعالى فذكر بالقرآن من يخاف وعيد هذا وكم تحتاج قلوب العباد الى الموعظة الحسنة والنصائح الرفيقة الموقظة للقلوب المجددة للايمان الطاردة للغفلة والعصيان والواعظ اثره في قلوب العباد عظيم ونفعه كبير ان رزقه الله الاخلاص وحسن الموعظة والسبق الى الخير والعمل بما يدعو اليه واما من لم ينتفع بعلمه فان موعظته لا تقبلها القلوب. لان النفوس كما يقول ابن القيم رحمه الله مجبولة على عدم الانتفاع بكلام من لا يعمل بعلمه ولا ينتفع به. وهذا بمنزلة من يصف له الطبيب دواء لمرض به مثله والطبيب معرض عنه غير ملتفت ومن نعمة الله على عبده المؤمن ان جعل له في قلبه واعظا يزجره عن طريق الغفلة وسبل الانحراف عن النواس بن سمعان الانصاري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ضرب الله مثلا صراطا مستقيما وعلى جنب تي الصراط سوران وفيهما ابواب مفتحة وعلى الابواب سطور مرخاة وعلى باب الصراط داع يقول ايها الناس ادخلوا الصراط جميعا ولا تتعرجوا وداع يدعو من فوق الصراط فاذا اراد يفتح شيئا من تلك الابواب قال ويحك لا تفتحه فانك ان تفتحه تلجه والصراط الاسلام والسوران حدود الله والابواب المفتحة محارم الله وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله والداعي من فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله فقد بين في هذا الحديث العظيم الذي من عرفه انتفع به انتفاعا بالغا ان ساعده التوفيق واستغنى به عن علوم كثيرة ان في قلب كل مؤمن واعظا والوعظ هو الامر والنهي والترغيب والترهيب واذا كان القلب معمورا بالتقوى انجلت له الامور وانكشفت بخلاف القلب الخراب المظلم قال حذيفة ابن اليمان رضي الله عنه ان في قلب المؤمن سراجا يزهر اصلح الله قلوبنا وانار بصائرنا ويسر لنا ابواب الخير وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته