بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن ابي برزة الاسلمي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا معشر من امن بلسانه ولم يدخل الايمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فانه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته. ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته رواه احمد وابو داوود قوله صلى الله عليه وسلم ولم يدخل الايمان قلبه. هذا نظير قول الله تعالى قالت الاعراب امنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا اسلمنا. ولما يدخل الايمان في قلوبكم وان تطيعوا الله ورسوله لا يردكم من اعمالكم شيئا. ان الله غفور رحيم انما المؤمنون الذين امنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا باموالهم وانفسهم في سبيل الله اولئك هم الصادقون وقد نزلت في جماعة من الاعراب ادعوا لانفسهم مقام الايمان ولم يحصل لهم بعد فادبوا وعلموا ان ذلك لم يصلوا اليه بعد فقيل لهم على وجه التأديب قل لم تؤمنوا ولكن قولوا اسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم اي لم تصلوا الى حقيقة الايمان بعد ولم يتمكن الايمان في قلوبكم ولفظ لما ينفى به ما يقرب حصوله ويحصل غالبا فهو يدل على ان دخول الايمان في قلوبهم منتظر منهم فان الذي يدخل في الاسلام ابتداء لا يكون قد حصل في قلبه الايمان. لكنه يحصل فيما بعد وكان كمن اسلم رغبة في الدنيا فلم يمظ وقت الا والاسلام احب اليه مما طلعت عليه الشمس وكمن دخل في العلم والدين لرغبة في مال او جاه فلما ذاق حلاوة العلم والايمان كان ذلك احب اليه مما طلعت عليه الشمس ولهذا كان عامة الذين اسلموا رغبة ورهبة دخل الايمان في قلوبهم بعد ذلك وكثير من المسلمين ينشأ على القيام باعمال الاسلام الظاهرة فيصلي ويصوم ويحج ويتصدق ولكن حقائق الايمان الباطنة لا تكون متمكنة وراسخة في قلبه فهذا مسلم ولكنه لم يصل الى درجة الايمان فالايمان درجة عالية ومرتبة رفيعة لا يصل اليها الا من دخل الايمان في قلبه ورسخ فعن سعد ابن ابي وقاص رضي الله عنه قال اعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم رهطا وانا جالس فيهم قال فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم رجلا لم يعطه وهو اعجبهم الي فقمت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فساررته فقلت ما لك عن فلان والله اني لاراه مؤمنا قال او مسلما قال فسكت قليلا ثم غلبني ما اعلم فيه فقلت يا رسول الله ما لك عن فلان والله اني لاراه مؤمنا قال او مسلما قال فسكت قليلا ثم غلبني ما اعلم فيه فقلت يا رسول الله ما لك عن فلان؟ والله اني لاراه مؤمنا. قال او مسلما فقال اني لاعطي الرجل وغيره احب الي منه خشية ان يكب في النار على وجهه متفق عليه فنبه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله او مسلما الى الحكم له برتبة الاسلام التي يحكم بها لكل من صلح ظاهره ولا يحكم له بالايمان لانه مبني على معرفة ما في باطن العبد اذ هو راجع الى صلاح الباطن الذي به كمال صلاح الظاهر وهذا شيء لا يطلع عليه الناس والله تعالى يقول فلا تزكوا انفسكم هو اعلم بمن اتقى والتزكية من العباد لانفسهم المنهي عنها في الاية هي اخبارهم عن انفسهم بكونها زاكية واعتقاد ذلك بل المرجع في ذلك الى الله عز وجل العليم بحقائق الامور وخفايا الصدور ولهذا قال سبحانه هو اعلم بمن اتقى كما قال تعالى الم تر الى الذين يزكون انفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا تظلمون فتيلا ثم ان الايمان اذا دخل في القلب وتمكن فيه حجز صاحبه عن المعاصي ومنعه من الذنوب ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم يا معشر من امن بلسانه ولم يدخل الايمان قلبه لا تغتابوا المسلمين. ولا تتبعوا عوراتهم ففيه تنبيه على ان غيبة المسلمين والتجسس عليهم وتتبع عوراتهم ومساويهم امارة على نقص الايمان القلبي وضعفه لانه لو كان القلب قويا بالايمان معمورا بالخير والاحسان لحجزه عن هذه الفعل فالايمان القلبي الصادق اعظم حاجز للعبد واقوى رادع له يكفه عن الذنوب ويحجزه عن الوقوع في المعاصي ولهذا فحاجة العبد ماسة وضرورته ملحة الى تعلم اصول الايمان والعناية بها واتخاذ الاسباب الميسرة لوصولها الى قلبه وان يجاهد نفسه في تعلم حقائق الايمان الباطنة. مما يتعلق باسماء الله وصفاته وما يتعلق بملائكة وانبيائه ورسله وقدره وغير ذلك من اصول الايمان. وبذل الجهد في اتخاذ الاسباب الجالبة لذلك قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله والله تعالى قد جعل لكل مطلوب سببا وطريقا يوصل اليه والايمان اعظم المطالب واهمها واعمها وقد جعل الله له موادا كبيرة تجلبه وتقويه كما كان له اسباب تضعفه وتوهيه وموارده التي تجلبه وتقويه امران. مجمل ومفصل اما المجمل فهو التدبر لايات الله المتلوة. من الكتاب والسنة والتأمل لاياته الكونية على اختلاف والحرص على معرفة الحق الذي خلق له العبد. والعمل بالحق. فجميع الاسباب مرجعها الى هذا الاصل العظيم واما التفصيل فالايمان يحصل ويقوى بامور كثيرة منها بل اعظمها معرفة اسماء الله الحسنى الواردة في الكتاب والسنة والحرص على فهم معانيها والتعبد لله فيها وقد ثبت في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم انه قال ان لله تسعة وتسعين اسما مائة الا واحدة من احصاها دخل الجنة اي من حفظها وفهم معانيها واعتقدها وتعبد لله بها دخل الجنة. والجنة لا يدخلها الا المؤمن نون فعلم ان ذلك اعظم ينبوع ومادة لحصول الايمان وقوته وثباته ومعرفة الاسماء الحسنى هي اصل الايمان. والايمان يرجع اليها ومنها تدبر القرآن على وجه العموم. فان المتدبر لا يزال يستفيد من علوم القرآن ومعارفه. ما يزداد به ايمانا كما قال تعالى واذا تليت عليهم اياته زادتهم ايمانا وعلى ربهم كالون وكذلك اذا نظر الى انتظامه واحكامه وانه يصدق بعضه بعضا ويوافق بعضه بعضا ليس فيه تناقض ولا اختلاف تيقن انه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد وانه لو كان من عند غير الله لوجد فيه التناقض والاختلاف امور كبيرة قال تعالى افلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا. وهذا من اعظم مقويات الايمان. فالتدبر للقرآن من اعظم الطرق والوسائل الجالبة الايمان والمقوية له قال تعالى كتاب انزلناه اليك مبارك ليدبروا اياته وليتذكر اولوا الالباب واستخراج بركة القرآن التي من اهمها حصول الايمان سبيله وطريقه تدبر اياته وتأملها وكذلك معرفة احاديث النبي صلى الله عليه وسلم وما تدعو اليه من علوم الايمان واعماله كلها من محصلات الايمان ومقوياته فكلما ازداد العبد معرفة بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ازداد ايمانه ويقينه ومن طرق موجبات الايمان واسبابه معرفة النبي صلى الله عليه وسلم ومعرفة ما هو عليه من الاخلاق العالية والاوصاف الكاملة فان من عرفه حق المعرفة لم يرتب في صدقه وصدق ما جاء به من الكتاب والسنة والدين الحق كما قال تعالى ام لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون اي فمعرفته صلى الله عليه وسلم توجب للعبد المبادرة الى الايمان ممن لم يؤمن وزيادة الايمان ممن امن به فهو صلى الله عليه وسلم اكبر داء للايمان باوصافه الحميدة وشمائله الجميلة واقواله الصادقة النافعة وافعاله الرشيدة فهو الامام الاعظم والقدوة الاكمل. لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة وما اتاكم الرسول فخذوه. وما نهاكم عنه فانتهوا ومن اسباب الايمان ودواعيه التفكر في الكون في خلق السماوات والارض وما فيهن من المخلوقات المتنوعة والنظر في نفس الانسان وما هو عليه من الصفات فان ذلك داء قوي للايمان. لما في هذه الموجودات لما في هذه الموجودات من عظمة الخلق الدال على قدرة خالقها وعظمته وما فيها من الحسن والانتظام والاحكام الذي يحير الالباب الدال على سعة علم الله وشمول حكمته وما فيها من اصناف المنافع والنعم الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى الدالة على سعة رحمة الله وجوده وبره وذلك كله يدعو الى تعظيم مبدعها وبارئها وشكره واللهج بذكره واخلاص الدين له وهذا هو روح الايمان وسره وكذلك النظر الى فقر المخلوقات كلها واضطرارها الى ربها من كل الوجوه وانها لا تستغني عنه طرفة عين خصوصا ما تشاهده في نفسك من ادلة الافتقار وقوة الاضطرار. وذلك يوجب للعبد كمال الخضوع كثرة الدعاء والتضرع الى الله في جلب ما يحتاجه من منافع دينه ودنياه ودفعي ما يضره في دينه ودنياه. ويوجب له قوة التوكل على ربه وكمال الثقة بوعده وشدة الطمع في بره واحسانه وبهذا يتحقق الايمان ويقوى التعبد فان الدعاء مخ العبادة وخالصها وكذلك التفكر في كثرة نعم الله والائه العامة والخاصة التي لا يخلو منها مخلوق طرفة عين. فان هذا يدعو الى الايمان ومن اسباب دواعي الايمان الاكثار من ذكر الله كل وقت ومن الدعاء الذي هو مخ العبادة فان الذكر لله يغرس شجرة الايمان في القلب ويغذيها وينميها. وكلما ازداد العبد ذكرا لله قوي ايمانه كما ان الايمان يدعو الى كثرة الذكر فمن احب الله اكثر من ذكره ومحبة الله هي الايمان بل هي روحه ومن الاسباب الجالبة للايمان معرفة محاسن الدين فان الدين الاسلامي كله محاسن عقائده اصح العقائد واصدقها وانفعها واخلاقه احمد الاخلاق واجملها واعماله واحكامه احسن الاحكام واعدلها وبهذا النظر الجليل يزين الله الايمان في قلب العبد ويحببه اليه كما امتن به على خيار خلقه بقوله ولكن الله حبب اليكم الايمان وزينه في قلوبكم فيكون الايمان في القلب اعظم المحبوبات واجمل الاشياء وبهذا يذوق العبد حلاوة الايمان ويجدها في قلبه فيتجمل الباطن باصول الايمان وحقائقه وتتجمل الجوارح باعمال الايمان وفي الدعاء المأثور اللهم زينا بزينة الايمان واجعلنا هداة مهتدين ولما كانت الزينة زينتين زينة البدن وزينة القلب وكانت زينة القلب اعظمهما قدرا واجلهما شأنا. سأل ربه زينة القلب فقال زينا بزينة الايمان واذا زان القلب بالايمان زانت دنيا المرء واخراه اللهم حبب الينا الايمان وزينه في قلوبنا وكره الينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين بفضلك ومنتك انك انت العليم الحكيم وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته