بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن جبير ابن مطعم رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور وذلك اول ما وقر الايمان في قلبي. رواه البخاري وفي رواية قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور فلما بلغ هذه الاية ام خلقوا من غير شيء ام هم الخالقون ام خلقوا السماوات والارض بل لا يوقنون ام عندهم خزائن ربك ام هم المسيطرون كاد قلبي ان يطير وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم بفناء بيته بمكة جالس اذ مر به عثمان ابن مظعون رضي الله عنه فكسر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم الا تجلس؟ قال بلى قال فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مستقبله فبينما هو يحدثه اذ شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم ببصره الى السماء فنظر ساعة الى السماء فاخذ يضع بصره حتى وضعه على يمينه في الارض فتحرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جليس عثمان الى حيث وضع بصره واخذ ينغض رأسه كأنه يستفقه ما يقال له وابن مظعون ينظر فلما قضى حاجته واستفقه ما يقال له شخص بصر رسول الله صلى الله عليه وسلم الى السماء كما شخص اول مرة فاتبعه بصره حتى توارى في السماء فاقبل الى عثمان بجلسته الاولى قال يا محمد فيم كنت اجالسك واتيك؟ ما رأيتك تفعل كفعلك الغداة؟ قال وما رأيتني فعلت قال رأيتك تشخص ببصرك الى السماء ثم وضعته حيث وضعته على يمينك فتحرفت اليه وتركتني فاخذت تنغب رأسك كانك تستفقه شيئا يقال لك قال وفطنت لذلك؟ قال عثمان نعم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اتاني رسول الله انفا وانت جالس قال رسول الله؟ قال نعم قال فما قال لك قال ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون. قال عثمان فذلك حين استقر الايمان في قلبي واحببت محمدا صلى الله عليه وسلم رواه احمد في هذه الاخبار العظيمة قوة تأثير القرآن على القلوب ان سماع اياته وانه كان سببا في اسلام خلق ودخولهم في دين الاسلام وتغير قلوبهم بسماعه من الكفر والضلال الى الايمان والهدى قد قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم وان احد من المشركين استجارك فاجره حتى يسمع كلام الله ثم ابلغه مأمنه ذلك بانهم قوم لا يعلمون فاذا سمعه العربي فهم معناه وشعر انه معجز للبشر وفهم حججه البينة على التوحيد والرسالة والبعث واذا اكرمه الله فالقى اليه السمع وهو شهيد لا يلبث ان يظهر له الحق ولا يلبث ان يؤمن قال القاضي عياض ضمن حديث له عن وجوه الاعجاز في القرآن ومنها الروعة التي تلحق قلوب سامعيه واسماعهم عند سماعه والهيبة التي تعتريهم عند تلاوته لقوة حاله واناثة خطره وهي على المكذبين به اعظم حتى كانوا يستثقلون سماعه ويزيدهم نفورا كما قال تعالى ويودون انقطاعه لكراه ويودون انقطاعه لكراهتهم له واما المؤمن فلا تزال روعته به وهيبته اياه مع تلاوته توليه انجذابا وتكسبه هشاشة لميل قلبه اليه وتصديقه به قال تعالى تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم الى ذكر الله وقال لو انزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الامثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون ويدل على ان هذا شيء خص به انه يعتري من لا يفهم معانيه ولا يعلم تفاسيره كما روي عن نصراني انه مر بقارئ فوقف يبكي فقيل له مما بكيت قال للشجى والنظم وهذه الروعة قد اعترت جماعة قبل الاسلام وبعده فمنهم من اسلم لها لاول وهلة وامن به ومنهم من كفر ثم ذكر قصة اسلام جبير ابن مطعم رضي الله عنه المتقدمة. ثم قال وعن عتبة بن ربيعة انه كلم النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من خلاف قومه فتلى عليهم حا ميم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت اياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون بشيرا ونذيرا فاعرظ اكثرهم فهم لا يسمعون وقالوا قلوبنا في اكنة مما تدعون اليه. وفي اذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل اننا عاملون قل انما انا بشر مثلكم يوحى الي انما الهكم اله واحد فاستقيموا اليه واستغفروه وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالاخرة هم كافرون ان الذين امنوا وعملوا الصالحات لهم اجر غير ممنون قل ائنكم لتكفرون بالذي خلق الارض في يومين وتجعلون له اندادا. ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها اقواتها في اربعة ايام سواء للسائلين ثم استوى الى السماء وهي دخان فقال لها وللارض ائتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين فقضاهن سبع سماوات في يومين واوحى في كل سماء امرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم. فان اعرضوا فقل انذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود فامسك عتبة بيديه على في النبي صلى الله عليه وسلم وناشده الرحمان يكف وفي رواية فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ وعتبة مصغ ملق يديه خلف ظهره معتمد عليهما حتى انتهى الى السجدة فسجد النبي صلى الله عليه وسلم وقام عتبة لا يدري بما يراجعه ورجع الى اهله ولم يخرج الى قومه حتى اتوه فاعتذر لهم وقال والله لقد كلمني بكلام الله والله ما سمعت اذناي بمثله قط فما دريت ما اقول له ولهذا ندب الله عز وجل عباده الى تدبر القرآن فان كل من تدبره اوجب له تدبره علما ضروريا ويقينا جازما انه حق وصدق بل احق كل حق واصدق كل صدق وان الذي جاء به اصدق خلق الله وابرهم واكملهم علما وعملا ومعرفة كما قال تعالى افلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا وقال تعالى افلا يتدبرون القرآن ام على قلوب اقفالها فلو رفعت الاقفال عن القلوب لباشرتها حقائق القرآن واستنارت فيها مصابيح الايمان ومن يطالع كتب التاريخ والسير يجد اخبارا عجيبة لخلق كان سبب اسلامهم سماع القرآن وتأثرهم عند سماعه فاحدث فيهم تحولا من الكفر المظلم في قلوبهم الى الايمان ونوره وضيائه روى البزار في مسنده عن اسامة بن زيد قال قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه اتحبون ان اعلمكم اول اسلامي قال قلنا نعم قال كنت اشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبين انا في يوم شديد الحر في بعض طرق مكة اذ رآني رجل من قريش فقال اين تذهب يا ابن الخطاب؟ كنت اريد هذا الرجل فقال يا ابن الخطاب قد دخل عليك هذا الامر في منزلك وانت تقول هكذا فقلت وما ذاك فقال ان اختك قد ذهبت الي قال فرجعت مغتظبا حتى قرأت عليها الباب وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا اسلم بعض من لا شيء له ضم الرجل والرجلين الى الرجل ينفق عليه قال وكان ظم رجلين من اصحابه الى زوج اختي قال فقرأت الباب فقيل لي من هذا قلت انا عمر بن الخطاب وقد كانوا يقرأون كتابا في ايديهم فلما سمعوا صوتي قاموا حتى اختبأوا في مكان وتركوا الكتاب فلما فتحت لي اختي الباب قلت ايا عدوة نفسها اصبوتي قال وارفع شيئا فاضرب به على رأسها فبكت المرأة وقالت لي يا ابن الخطاب اصنع ما كنت صانعا فقد اسلمت فذهبت فجلست على السرير فاذا بصحيفة وسط الباب فقلت ما هذه الصحيفة ها هنا فقالت لي دعنا عنك يا ابن الخطاب فانك لا تغتسل من الجنابة ولا تتطهر وهذا لا يمسه الا المطهرون فما زلت بها حتى اعطتنيها فاذا فيها بسم الله الرحمن الرحيم فلما قرأت الرحمن الرحيم تذكرت من اين اشتق ثم رجعت الى نفسي فقرأت في الصحيفة سبح لله ما في السماوات والارض وهو العزيز الحكيم فكلما مررت باسم من اسماء الله ذكرت الله فالقيت الصحيفة من يدي قال ثم ارجع الى نفسي فاقرأ فيها سبح لله ما في السماوات والارض وهو العزيز الحكيم حتى بلغ امنوا بالله ورسوله وانفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه قال كنت اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا رسول الله فخرج القوم مبادرين فكبروا استبشارا بذلك ثم قالوا لي ابشر يا ابن الخطاب فان رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا يوم الاثنين فقال اللهم اعز الدين باحب هذين الرجلين اليك اما عمر بن الخطاب واما ابو جهل ابن هشام وانا ارجو ان تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لك فقلت دلوني على رسول الله صلى الله عليه وسلم اين هو؟ فلما عرفوا الصدق مني دلوني عليه في المنزل الذي هو فيه فاتاه واعلن اسلامه بين يديه وروى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن وما رآهم انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من اصحابه عامدين الى سوق عكاظ وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وارسلت عليهم الشهب فرجعت الشياطين الى قومهم. فقالوا ما لكم؟ قالوا حيل بيننا وبين خبر السماء وارسلت علينا الشهب قالوا ما ذاك الا من شيء حدث. فاضربوا مشارق الارض ومغاربها. فانظروا ما هذا الذي حال بيننا وبين ابريق السماء فانطلقوا يضربون مشارق الارض ومغاربها فمر النفر الذين اخذوا نحو تهامة وهو بنخل حامدين الى سوق عكاظ وهو يصلي باصحابه صلاة الفجر فلما سمعوا القرآن استمعوا له وقالوا هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء فرجعوا الى قومهم فقالوا يا قومنا انا سمعنا قرآنا عجبا يهدي الى الرشد فامنا به ولن نشرك بربنا احدا فانزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم قل اوحي الي انه استمع نفر من الجن والقصص والشواهد في هذا الباب كثيرة الدالة على قوة تأثير القرآن على القلوب وانه باب صلاحها وزكائها لمن القى السمع وهو شهيد وليس لشفاء القلوب دواء قط انفع من القرآن فانه شفاؤها التام الكامل الذي لا يغادر وفيها سقما الا ابرأ ويحفظ عليها صحتها المطلقة. ويحميها الحماية التامة من كل مؤذ ومضر بل لا صلاح لها ولا زكاء الا بالاهتداء بهداياته ونوره اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء همومنا وغمومنا وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته