بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فروى ابن حبان في صحيحه والضياء المقدسي في المختارة عن اسامة ابن شريك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كره الله منك شيئا فلا تفعله اذا خلوت هذا تنبيه للعبد ان يصلح سريرته بلزوم تقوى الله عز وجل وان عليه في كل امر نهاه الله عنه ومنعه من فعله الا يفعله في الخلوات. كما قيل اذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب ولا تحسبن الله يغفل ساعة ولا ان ما تخفيه عنه يغيب هذا وان اعظم زاجر للعبد واكبر رادع علمه واستحضاره بان الله يراه وانه عليم به ومطلع عليه فاذا حدثته نفسه يوما بريبة وهو في خلوة لا يراه احد من الناس ذكر نفسه بان رب الناس مطلع عليه لا تخفى عليه سبحانه خافية قال الشيخ محمد الامين الشنقيطي رحمه الله اجمع العلماء على انه اكبر واعظ واعظم زاجر نزل من السماء الى الارض وظربوا لذلك مثلا ولله المثل الاعلى قالوا لو فرض ان هذا البراح من الارظ فيه ملك قتال للرجال ان انتهكت حرماته ذو قوة وعزة ومنعة وحوله جيوشه وحول هذا الملك بناته ونسائه وجواريه ايخطر ببال احد من اولئك الحاضرين مجلس هذا الملك ان يقوم بريبة ولو قيل لاهل بلد ان امير ذلك البلد يبيت عالما بكل ما يفعلونه في الليل من الخسائس لباتوا متأدبين وهذا خالق السماوات والارض الملك الجبار يخبر في ايات كتابه لا تكاد تقلب ورقة واحدة من اوراق المصحف الكريم الا وجدت فيها هذا الواعظ الاكبر والزاجر الاعظم بكل شيء عليم والله بما تعملون خبير يعلم ما تسرون وما تسقط من ورقة الا يعلمها. ولقد خلقنا الانسان ونعلم ما توسوس به نفسه واعلموا ان الله يعلم ما في انفسكم فاحذروه وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل الا كنا عليكم شهودا اذ تفيضون فيه فينبغي علينا جميعا ان نعتبر بهذا الزاجر الاكبر والواعظ الاعظم. والا ننساه لان لا نهلك انفسنا وليحذر المرء من ان تكون حاله كالذين قال الله عنهم يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم اذ يبيتون ما لا يرضى من القول قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله وهذا من ضعف الايمان ونقص اليقين ان تكون مخافة الخلق عندهم اعظم من مخافة الله فيحرصون بالطرق المباحة والمحرمة على عدم الفضيحة عند الناس وهم مع ذلك قد بارزوا الله بالعظائم ولم يبالوا بنظره واطلاعه عليهم وهو معهم بالعلم في جميع احوالهم. خصوصا في حال تبييتهم ما لا يرضيه من القول فيجب على المسلم ان يتقي الله سبحانه في الخلوات ولذا قال عليه الصلاة والسلام فلا تفعله اذا خلوت وذلك لان نفس العبد الضعيفة اذا كان في مكان خال فربما تجرأ واقدم على المعصية لكونه لا يراه احد من الناس فعليه ان يتقي الله سبحانه في خلواته ويذكر نفسه بان رب العالمين يراه فهذا دواء نافع للقلوب وعلاج لاسقامها لكنه يحتاج من العبد ان يستذكر هذا دائما لان القلوب تغفل والنفوس يصيبها ما يصيبها فكلما حدثته نفسه بامر يكرهه الله استذكر ان الله سبحانه مطلع عليه. ولا يجعل الله سبحانه في نفسه اهون الناظرين اليه فان الله سبحانه مطلع على العباد لا تخفى عليه خافية في الارض ولا في السماء سواء منكم من اسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار الامر سواء عنده فما يستخفي المرء به ويحاول ان يوقعه في الليل وفي اماكن خفية او يجهر به كل ذلك عنده سبحانه سواء قال الله تعالى يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور فمن تأمل هذا وتدبره كان له فيه اعظم زاجر واكبر رادع قال ابن كثير رحمه الله في معنى الاية يخبر تعالى عن علمه التام المحيط بجميع الاشياء جليلها وحقيرها صغيرها وكبيرها دقيقها ولطيفها ليحذر الناس علمه فيهم فيستحيوا من الله حق الحياء ويتقوه حق تقواه ويراقبوه مراقبة من يعلم انه يراه فانه تعالى الم العين الخائنة وان ابدت امانة ويعلم ما تنطوي عليه خبايا الصدور من الضمائر والسرائر وكثيرا ما تختم اي القرآن في سياق الاعمال وجزائها بذكر علم الله واطلاعه ليوقظ القلوب وينبه العباد على اهمية اكمالها واصلاح وليرغبهم ويرهبهم. روى ابن ابي الدنيا في الزهد قال كانت دعوة بكر ابن عبد الله المزني لمن لقي من اخوانه ان يقول له زهدنا الله واياكم زهد من امكنه الحرام والذنوب في الخلوات فعلم ان الله يراه فتركه وهذا مقام عظيم في الزهد. ترك الذنوب في الخلوات خوفا من الله لا رياء ولا سمعة. وانما من اجل الله فهذه قربة عظيمة من اعظم القرب التي يتقرب بها العبد الى ربه سبحانه قال ابو حاتم البوستي رحمه الله قطب الطاعات للمرء في الدنيا هو اصلاح السرائر وترك افساد الضمائر والواجب على العاقل الاهتمام باصلاح سريرته والقيام بحراسة قلبه. عند اقباله وادباره وحركة وسكونه لان تكدر الاوقات وتنغص اللذات لا يكون الا عند فساده ثم روى عن مالك ابن دينار رحمه الله انه قال ان قلوب الابرار تغلي باعمال البر وان قلوب الفجار تغلي باعمال الفجور والله يرى همومكم فانظروا ما همومكم رحمكم الله اي تذكروا ان رب العالمين مطلع على هذه الهموم مما يستوجب على العبد ان يعمل على اصلاح همه وان يجعل همه هما واحدا وهو الاخرة والفوز برضا الله سبحانه عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول من جعل الهموم هما واحدا هم المعادي كفاه الله هم دنياه ومن تشعبت به الهموم في احوال الدنيا لم يبالي الله في اي اوديتها هلاك وعن الحسن البصري رحمه الله قال انكم وقوف ها هنا تنتظرون اجالكم وعند الموت تلقون الخبر فخذوا مما عندكم لما بعدكم اي عند الموت تلقون خبر ما قدمتم في هذه الحياة الدنيا فخذوا مما عندكم لما بعدكم اي تزودوا للاخرة من التقوى والعمل الصالح واصلاح السريرة يقول الله تعالى يا ايها الذين امنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله ان الله خبير بما تعملون وهذه الاية تعد اصلا عظيما في باب محاسبة النفس وان الواجب على العبد ان يحاسب نفسه وان ينظر فيما اعد ليوم غد قبل ان يحاسبه الله سبحانه يوم القيامة فان من الخير للعبد ان ينظر في اعماله وفيما اعده للقاء ربه جل وعلا. هل هي اعمال صالحات وطاعات زاكيات وبعد عن المحرمات والمنكرات فيسره ان يلقى ربه جل وعلا بها ام هي امور تسخط الله وتغضبه سبحانه وتحل على فاعلها العقوبة فينظر ما الذي اعده ليوم غد ويكون ذاكرا ذلك اليوم وذاكرا الوقوف بين يدي الله. وذاكرا الحساب وعرض الاعمال وان كل ما عمله يأتي حاضرا مكتوبا مستورا في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا لا احصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك احدا وفي ذلك اليوم يقول الرب جل وعلا يا عبادي انما هي اعمالكم احصيها لكم ثم اوفيكم اياها. فمن وجد خيرا فليحمد الله. ومن وجد غير ذلك فلا يلومن الا نفسه اليس الجدير بالعبد والامر كذلك ان تكون المحاسبة لنفسه الان في وقت العمل فاذا وجد خيرا حمد الله على ما يسر واعان واذا وجد غير ذلك اصلح نفسه. بدل ان يلوم نفسه يوم القيامة لانه في ذلك اليوم ليس هناك مجال للتوبة والانابة وفي هذا المعنى يقول الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه حاسبوا انفسكم قبل ان تحاسبوا. وزنوا انفسكم قبل ان توزنوا وتزينوا للعرظ الاكبر يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية ومحاسبة النفس كما بين العلماء على قسمين محاسبة بعد العمل ومحاسبة قبل العمل اما المحاسبة التي بعد العمل فهي ان ينظر العبد الى الذي مضى من اعماله والذي تقدم من افعاله والذي سيحاسبه عنه ربه سبحانه ينظر في اعماله الماضية في حياته هل هي على الطاعة والسداد ام هي على العصيان والانحراف ام انه مخلط بين ذلك فينظر في الفائت من الاعمال وكلما مضى يحاسب عليه العبد يوم القيامة فينظر في الفائت من الاعمال ان كانت زاكية صالحة مستقيما فيها على طاعة الله حمد الله وان كان فيها عصيان ومخالفات وتفريط في طاعة الله سبحانه تاب واناب قال الله تعالى قل يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم لا تقنطوا اي لا تيأسوا. فالله عز وجل يقبل التوبة مهما بلغ الاثم وعظم الجرم فهو يتوب على التائبين فتوبة صادقة الى الله عز وجل وتوبة نصوح من كل ذنب خير من ان يلقى العبد الله عز وجل بذنوبه الجسام. ومعاصيه الكثار قد جاءت شريعة الاسلام بباب عظيم مبارك الا وهو باب التوبة واخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام ان التائب من الذنب كمن لا ذنب له واخبر عليه الصلاة والسلام ان الندم توبة واخبر عليه الصلاة والسلام ان الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها ولا يزال باب التوبة مفتوحا ما لم يغرغر العبد كما قال صلى الله عليه وسلم ان الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر وقال ولا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من المغرب فاذا طلعت طبع على كل قلب بما فيه والنوع الثاني من المحاسبة محاسبة قبل العمل وهو النظر في الاعمال التي سيقوم بها لا يخطو خطوة ولا يسير طريقا الا متفقها في طريقه كما قال بعض السلف من فقه الرجل مأكله ومشربه وممشاه ان يتفقه فيما يخطو اليه وفيما يقدم عليه من عمل هل هو مشروع مأذون به ام هو حرام كل ذلك يزنه بميزان الشرع فيحاسب نفسه على العمل قبل ان يفعله لتكون اعماله موزونة بميزان شرع الله سبحانه ليكون فيها موافقا لرسول الله صلى الله عليه وسلم سالكا هديا واسأل الله الكريم رب العرش العظيم باسمائه الحسنى وصفاته العليا ان يصلح لنا شأننا كله والا يكلنا الى انفسنا طرفة عين. اللهم اتي نفوسنا تقواها وزكها انت خير من زكاها انت ولي ايها ومولاها وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته