بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن انس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان لله اهلين من الناس قالوا يا رسول الله من هم قال هم اهل القرآن اهل الله وخاصته رواه احمد والنسائي وابن ماجة وعن عثمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال خيركم من تعلم القرآن وعلمه. رواه البخاري وعن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا حسد الا في اثنتين رجل علمه الله القرآن فهو يتلوه اناء الليل واناء النهار فسمعه جار له فقال ليتني اوتيت مثل ما اوتي فلان فعملت مثل ما يعمل ورجل اتاه الله مالا فهو يهلكه في الحق فقال رجل ليتني اوتيت مثل ما اوتي فلان فعملت مثل ما يعمل رواه البخاري وعن ابي موسى الاشعري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل اترج ريحها طيب وطعمها طيب ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر متفق عليه ان اعظم ابواب اصلاح القلوب وزيادة الايمان وثباته وقوته تلاوة القرآن الكريم وتدبره فان الله انزله على عباده هدى ورحمة وضياء ونورا وبشرى وذكرى للذاكرين قال الله تعالى وهذا كتاب انزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه وقال تعالى وهذا كتاب انزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون وقال تعالى ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقومه يؤمنون وقال تعالى ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين وقال تعالى كتاب انزلناه اليك مبارك ليدبروا اياته وليتذكر اولو الالباب وقال تعالى ان هذا القرآن يهدي للتي هي اقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات ان لهم اجرا كبيرا وقال تعالى وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا خسارا وقال تعالى ان في ذلك لذكرى لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد فهذه الايات الكريمات فيها فضل القرآن الكريم كتاب رب العالمين وان الله جعله مباركا وهدى للعالمين وجعل فيه شفاء من الاسقام. سيما اسقام القلوب وامراظها من شبهات وشهوات وجعله بشرى ورحمة للعالمين وذكرى للذاكرين وجعله يهدي للتي هي اقوم وصرف فيه من الايات والوعيد لعلهم يتقون او يحدث لهم ذكرا وذلك ان الذي يقرأ القرآن ويتدبر اياته ويتأمل هداياته يجد فيه من العلوم والمعارف ما يصلح قلبه. ويقوي ايمانه ويزيده وينميه لانه يجد في خطاب القرآن ملكا له الملك كله وله الحمد كله ازمة الامور كلها بيده. ومصدرها منه ومردها اليه. مستويا على عرشه. لا تخفى عليه خافية في اقطار مملكته عالما بما في نفوس عبيده مطلعا على اسرارهم وعلانيتهم منفردا بتدبير المملكة يسمع ويرى ويعطي ويمنع ويثيب ويعاقب ويكرم ويهين ويخلق ويرزق ويميت ويحيي ويقدر ويقضي ويدبر ويدعو عباده ويدلهم على ما فيه سعادتهم وفلاحهم ويرغبهم فيه ويحذرهم مما فيه هلاكهم ويتعرف اليهم باسمائه وصفاته ويتحبب اليهم بنعمه والائه فيذكرهم بنعمه عليه ويأمرهم بما يستوجبون به تمامها. ويحذرهم من نقمه. ويذكرهم بما اعد لهم من الكرامة ان اطاعوه وما اعد لهم من العقوبة ان عصوه. ويخبرهم بصنعه في اوليائه واعدائه. وكيف كانت عاقبة هؤلاء وهؤلاء ويثني على اوليائه بصالح اعمالهم واحسن اوصافهم ويذم اعداءه بسيء اعمالهم وقبيح صفاتهم ويضرب الامثال وينوع الادلة والبراهين. ويجيب عن شبه اعدائه احسن الاجوبة ويصدق الصادق ويكذب الكاذب. ويقول الحق ويهدي السبيل. ويدعو الى دار السلام. ويذكر او صافها وحسنها ونعيمها ويحذر من دار البوار ويذكر عذابها وقبحها والامها ويذكر عباده فقرهم اليه. وشدة حاجتهم اليه من كل وجه. وانهم لا غنى لهم عنه طرفة عين ويذكر غناه عنهم وعن جميع الموجودات وانه الغني بنفسه عن كل ما سواه وكل ما سواه فقير اليه بنفسه وانه لا ينال احد ذرة من الخير فما فوقها الا بفضله ورحمته ولا ذرة من الشر فما فوقها الا بعدله وحكمته ويشهد من خطابه عتابه لاحبابه الطف عتاب. وانه مع ذلك مقيل عثراتهم وغافر اللاتهم ومقيموا اعذارهم ومصلح فاسدهم والدافع عنهم والمحامي عنهم والناصر لهم والكفين قيلوا بمصالحهم والمنجي لهم من كل كرب. والموفي لهم بوعده. وانه وليهم الذي لا ولي لهم سواه فهو مولاهم الحق ونصيرهم على عدوهم فنعم المولى ونعم النصير فلا يزال العبد يستفيد من هذا التدبر لكتاب الله اصلاحا لقلبه لان قلبه يشهد فيه من العلوم ما يزيد في ايمانه ويقويه وكيف لا وهو يجد في القرآن ملكا عظيما رحيما جوادا جميلا هذا شأنه فكيف لا يحبه وينافس في القرب منه؟ وينفق انفاسه في التودد اليه وكيف لا يكون احب اليه مما سواه وكيف لا يؤثر رضاه عن رضا كل من سواه؟ وكيف لا يلهج بذكره ويصير حبه والشوق اليه والانس به هو غذاءه وقوته ودواؤه بحيث ان فقد ذلك فسد وهلك ولم ينتفع بحياته قال الاجري رحمه الله ومن تدبر كلامه عرف الرب عز وجل وعرف عظيم سلطانه وقدرته عرفة عظيم تفضله على المؤمنين وعرف ما عليه من فرض عبادته فالزم نفسه الواجب فحذر مما حذره مولاه الكريم فرغب فيما رغب ومن كانت هذه صفته عند تلاوته للقرآن وعند استماعه من غيره كان القرآن له شفاء فاستغنى بلا مال وعز بلا عشيرة وانس مما يستوحش منه غيره وكان همه عند التلاوة للسورة اذا افتتحها متى اتعظ بما اتلو ولم يكن مراده متى اختم السورة وانما مراده متى اعقل عن الله الخطاب متى ازدجر متى اعتبر لان تلاوة القرآن عبادة لا تكونوا بغفلة والله الموفق لذلك ولهذا فان الله الكريم امر عباده وحثهم على تدبر القرآن. فقال سبحانه افلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا وقال تعالى افلا يتدبرون القرآن ام على قلوب اقفالها واخبر سبحانه انه انما انزله لتتدبر اياته. فقال كتاب انزلناه اليك وكل ليدبروا اياته وليتذكر اولوا الالباب وبين سبحانه ان سبب عدم هداية من ضل عن الصراط المستقيم هو تركه لتدبر القرآن واستكباره عن سماعه فقال قد كانت اياتي تتلى عليكم فكنتم على اعقابكم تنكصون مستكبرين به سامرا تهجرون افلم يتدبر القول ام جاءهم ما لم يأت اباءهم الاولين واخبر سبحانه عن القرآن انه يزيد المؤمنين ايمانا اذا قرأوه وتدبروا اياته فقال سبحانه انما المؤمنون الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم واذا تليت عليهم اياته زادتهم ايمانا وعلى ربهم يتوكلون واخبر عن صالح اهل الكتاب ان القرآن اذا تلي عليهم يخرون للاذقان سجدا يبكون ويزيدهم خشوعا وايمانا وتسليما فقال سبحانه قل امنوا به او لا تؤمنوا ان الذين اوتوا العلم من قبله اذا يتلى عليهم يخرون للاذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا ان كان وعد ربنا لمفعولا ويخرون للاذقان يبكون ويزيدهم خشوعا واخبر سبحانه انه لو انزل القرآن الكريم على جبل لخشع وتصدع من خشية الله وجعل هذا مثلا للناس يبين لهم عظمة القرآن فقال جل وعلا لو انزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية وتلك الامثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون ووصفه جل وعلا بانه احسن الحديث وانه ثنى فيه من الايات وردد القول فيه ليفهم. وان جلود الابرار عند سماعه تقشعر خشية وخوفا. فقال سبحانه الله نزل احسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم الى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد وعاتب سبحانه المؤمنين على عدم خشوعهم عند سماع القرآن. وحذرهم من مشابهة الكفار في ذلك. فقال الم يأن للذين امنوا ان تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين اوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الامد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون فهذه الايات المتقدمة فيها اوظح دلالة على اهمية القرآن وعظمته ولزوم العناية به وعلى قوة اثره على القلوب وانه اعظم شيء في اصلاحها. سيما اذا كانت القراءة بتدبر وتأمل واجتهاد لفهم معانيه قال ابن القيم رحمه الله وبالجملة فلا شيء انفع للقلب من قراءة القرآن بالتدبر والتفكر فانه جامع لجميع منازل السائرين. واحوال العاملين ومقامات العارفين وهو الذي يورث المحبة والشوق والخوف والرجاء والإنابة التوكل والرضا والتفويض والشكر بكرة والصبر وسائر الاحوال التي بها حياة القلب وكماله. وكذلك يزجر عن جميع الصفات والافعال المذمومة التي بها فساد القلب وهلاكه فلو علم الناس ما في قراءة القرآن بالتدبر لاشتغلوا بها عن كل ما سواها. فاذا قرأه بتفكر حتى مر باية وهو محتاج اليها في شفاء قلبه كررها ولو مائة مرة ولو ليلة. فقراءة اية بتفكر كر وتفهم خير من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهم. وانفع للقلب. وادعى الى حصول ايماني وذوقي حلاوة القرآن فالقرآن الكريم هو من اعظم مقويات الايمان في القلوب. وانفع دواعي زيادته. وهو يزيد ايمان العبد من وجوه متعددة فينبغي للمسلم قبل ان يقرأ القرآن ان يتعلم كيفية الاستفادة منه. حتى يتم له الانتفاع به وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في هذا قاعدة جليلة القدر عظيمة النفع فقال اذا اردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه والقي سمعك واحظر حضور من يخاطبه به من تكلم به سبحانه منه اليه فمن طبق هذه القاعدة وسار على هذا النهج عند تلاوته للقرآن او سماعه اياه ظفر بالعلم والعمل معا. وطاب قلبه وصلح. وزاد ايمانه وثبت ثبوت الجبال والله المسؤول ان يوفقنا لذلك ولكل خير. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته