بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منكم من احد الا وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة قالوا واياك يا رسول الله قال واياي الا ان الله اعانني عليه فاسلم فلا يأمرني الا بخير. رواه مسلم وعن عائشة رضي الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من عندها ليلا قالت فغرت عليه فجاء فرأى ما اصنع فقال ما لك يا عائشة؟ اغرت فقلت ومالي لا يغار مثلي على مثلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد جاءك شيطانك قالت يا رسول الله او معي شيطان قال نعم. قلت ومع كل انسان؟ قال نعم. قلت ومعك يا رسول الله؟ قال نعم. ولكن ربي اعانني عليه حتى اسلم. رواه مسلم وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان للشيطان لمة بابن ادم وللملك لمة فاما لمة الشيطان فايعاد بالشر وتكذيب بالحق واما لمة الملك فايعاد بالخير وتصديق بالحق فمن وجد ذلك فليعلم انه من الله فليحمد الله ومن وجد الاخرى فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ثم قرأ الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء. الاية رواه الترمذي والنسائي ان من الامور الجديرة بالعناية في باب اصلاح القلوب معرفة الفرق بين لمة الملك ولمة الشيطان واللمة ما يقع في القلب من خطرات فيقف المرء الناصح لنفسه عند كل خاطر يخطر في قلبه ليعلم اهون من لمة الملك او من للشيطان ويمعن فيه النظر بعين البصيرة وضياء العلم ونور التقوى كما قال الله تعالى ان الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون فان تبين انه من الملك حمد الله وامضاه وان تبين انه من الشيطان تعوذ بالله منه وتوقاه ومن يتأمل حال القلب مع الملك والشيطان يرى عجبا فهذا يلم به مرة وهذا يلم به مرة فاذا الم به الملك حدث له من لمته الانشراح والنور والرحمة والاخلاص والانابة ومحبة الله وايثاره على ما سواه وقصر الامل والتجافي عن دار البلاء واذا الم به الشيطان حدث له من لمته الضيق والظلمة والهم والغم والخوف والسخط على المقدور والشك في الحق والحرص على الدنيا والغفلة عن الله والناس في هذه المحنة مراتب لا يحصيها الا الله فمنهم من تكون لمة الملك له اغلب من لمة الشيطان واقوى وهو يقذف في القلب الصدق والعدل واتباع الهدى ومنهم من تكون لمة الشيطان اغلب عليه وهو يوسوس في القلب العقائد الفاسدة والظلم واتباع الهوى فالملك هو الشيطان يتعاقبان على القلب تعاقب الليل والنهار فمن الناس من يكون ليله اطول من نهاره واخر نهاره اطول من ليله ومنهم من يكون زمنه نهارا كله واخر زمنه ليلا كله ومبدأ العلم الحق والارادة الصالحة من لمة الملك ومبدأ الاعتقاد الباطن والارادة الفاسدة من لمة الشيطان قال الله تعالى الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا وقال تعالى انما ذلكم الشيطان يخوف اولياءه اي يخوفكم اولياءه وقال تعالى واذ زين لهم الشيطان اعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس واني جار لكم والشيطان وسواس خناس اذا ذكر العبد ربه خنس فاذا غفل عن ذكره وسوس فلهذا كان ترك ذكر الله سببا ومبدأ لنزول الاعتقاد الباطل والارادة الفاسدة في القلب ومن النافع والمفيد في هذا الباب ان يعرف المرء اسباب دنو الملائكة منه واسباب تباعدها واسباب دنو الشياطين منه واسباب تباعدها ليأخذ باسباب الخير والسلامة وليجانب اسباب الشر والهلاك فان دنو الملائكة من العبد خير ورحمة ودنو الشياطين منه شر وهلكة والذنوب والمعاصي تباعد الملائكة وتقرب الشياطين قال ابن القيم رحمه الله ومن عقوباتها اي الذنوب انها تباعد عن العبد وليه الخلق له وانصحهم له ومن سعادته في قربه منه. وهو الملك الموكل به وتدني منه عدوه واغش الخلق له واعظمهم ضررا له وهو الشيطان فان العبد اذا عصى الله تباعد منه الملك بقدر تلك المعصية ولا يزال الملك يقرب من العبد حتى يصير الحكم والطاعة والغلبة له فتتولاه الملائكة في حياته وعند موته وعند بعثه كما قال الله تعالى ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة الا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن اولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الاخرة ولكم فيها ما تشتهي انفسكم ولكم فيها ما تدعون واذا تولاه الملك تولاه انصح الخلق وانفعهم وابرهم فثبته وعلمه وقوى جنانه. وايده الله تعالى اذ يوحي ربك الى الملائكة اني معكم فثبتوا الذين امنوا فيقول الملك عند الموت لا تخف ولا تحزن وابشر بالذي يسرك ويثبته بالقول الثابت احوج ما يكون اليه في الحياة الدنيا وعند الموت وفي القبر عند المسألة فليس احد انفع للعبد من صحبة الملك له وهو وليه في يقظته ومنامه وحياته وعند موته وفي قبره ومؤنسه في وحشته وصاحبه في خلوته ومحدثه في سره ويحارب عنه عدوه ويدافع عنه ويعينه عليه ويعده بالخير ويبشره به ويحثه على التصديق بالحق واذا اشتد قرب الملك من العبد القى على لسانه القول السديد واذا بعد منه وقرب الشيطان القى عليه قول الزور والفحش وكان احدهم يسمع الكلمة الصالحة من الرجل الصالح فيقول ما القاها على لسانك الا الملك ويسمع ضدها فيقول ما القاها على لسانك الا الشيطان فالملك يلقي بالقلب الحق ويلقيه على اللسان والشيطان يلقي الباطن في القلب ويجريه على اللسان فمن عقوبة المعاصي انها تبعد من العبد وليه الذي سعادته في قربه ومجاورته وموالاته وتدني منه عدوه الذي شقاؤه وهلاكه وفساده في قربه وموالاته فملك المؤمن يرد عنه ويحارب ويدافع عنه ويعلمه ويثبته ويشجعه فلا يليق به ان يسيء جواره ويبالغ في اذاه وطرده عنه وابعاده. فانه ضيفه وجاره واذا كان اكرام الضيف من الادميين والاحسان الى الجار من لوازم الايمان وموجباته فما الظن باكرام اكرم ضيافة وخير الجيران وابرهم ولا الائم ممن لا يستحي من الكريم العظيم القدر. ولا يجله ولا يوقره وقد نبه سبحانه على هذا المعنى بقوله وان عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون اي استحيوا من هؤلاء الحافظين الكرام واكرموهم واجلوهم ان يروا منكم ما تستحيون ان يراكم عليه من هو مثلكم والملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو ادم واذا كان ابن ادم يتأذى ممن يفجر ويعصي بين يديه فما الظن باذى الملائكة الكرام الكاتبين ومن النافع ايضا في هذا الباب ان يعرف العبد الظوابط التي يميز بها بين لمة الملك ولمة الشيطان وفي هذا يقول ابن القيم رحمه الله الفرق بين الهام الملكي والقاء الشيطان من وجوه منها ان ما كان لله موافقا لمرضاته وما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم فهو من الملك وما كان لغيره غير موافق لمرضاته فهو من القاء الشيطان ومنها ان ما اثمر اقبالا على الله وانابة اليه وذكرا له وهمة صاعدة اليه فهو من القاء الملك وما اثمر ظد ذلك فهو من القاء الشيطان ومنها ان ما اورث انسا ونورا في القلب وانشراحا في الصدر فهو من الملك وما اورث ضد ذلك فهو من الشيطان ومنها ان ما اورث سكينة وطمأنينة فهو من الملك وما اورث قلقا وانزعاجا واضطرابا فهو من الشيطان فالالهام الملكي يكثر في القلوب الطاهرة النقية التي قد استنارت بنور الله فللملك بها اتصال وبينه وبينها مناسبة فانه طيب طاهر لا يجاور الا قلبا يناسبه فتكون لمة الملك بهذا القلب اكثر من لمة الشيطان. واما القلب المظلم الذي قد اسود بدخان شهواتي والشبهات فالقاء الشيطان ولمه به اكثر من لمة الملك وقال رحمه الله ومن الفرقان ايضا ان كل وارد يبقى الانسان بعد انفصاله نشيطا مسرورا نشوانا فان انه وارد ملكي وكل وارد يبقى الانسان بعد انفصاله خبيث النفس كسلانا ثقيل الاعضاء والروح يجنح الى فتور فهو وارد شيطاني ومن الفرقان ايضا ان كل وارد اعقب في القلب معرفة بالله ومحبة له وانسا به وطمأنينة وسكونا اليه فهو ملكي الهي وخلافه بخلافه ومن الفرقان ايضا ان كل وارد اعقب صاحبه تقدما الى الله تعالى والدار الاخرة. وحضورا فيها حتى كانه يشاهد الجنة قد ازلفت والجحيم قد سعرت فهو الهي ملكي وخلافه شيطاني نفساني ومن الفرقان ايضا ان كل وارد كان سببه النصيحة في امتثال الامر والاخلاص والصدق فيه فهو الهي ملكي والا فهو شيطاني ومن الفرقان ايضا ان كل والد استنار به القلب وانشرح له الصدر وقوي به القلب الهي ملكي والا فهو شيطاني ومن الفرقان ايضا ان كل وارد جمعك على الله فهو منه. وكل وارد فرقك عنه واخذك عنه فمن ومن الفرقان ايضا ان الوارد الالهي لا يصرف الا في قربة وطاعة. ولا يكون سببه الا قربة وطاعة فمستخرجه الامر ومصرفه الامر. والشيطاني بخلافه ومن الفرقان ايضا ان الوارد الرحماني لا يتناقض ولا يتفاوت ولا يختلف بل يصدق بعضه بعضا والشيطاني بخلافه يكذب بعضه بعضا اعاذنا الله اجمعين وذرياتنا والمسلمين من الشيطان الرجيم واصلح لنا شأننا كله وهدانا اليه صراطا مستقيما. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبيا نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته