بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فقد روى الامام احمد في مسنده عن ابي امامة رضي الله عنه قال ان فتى شابا اتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ائذن لي بالزنا فاقبل القوم عليه فزجروه وقالوا مه مه فقال النبي صلى الله عليه وسلم ادنه فدنا منه قريبا قال فجلس قال اتحبه لامك قال لا والله جعلني الله فداك قال ولا الناس يحبونه لامهاتهم قال افتحبه لابنتك قال لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك قال ولا الناس يحبونه لبناتهم قال افتحبه لاختك قال لا والله جعلني الله فداءك قال ولا الناس يحبونه لاخواتهم قال افتحبه لعمتك قال لا والله جعلني الله فداءك قال ولا الناس يحبونه لعماتهم قال افتحبه لخالتك؟ قال لا والله جعلني الله فداءك قال ولا الناس يحبونه لخالاتهم قال فوضع يده عليه وقال اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت الى شيء ورواه الطبراني وزاد اكره لهم ما تكره لنفسك واحب لهم ما تحب لنفسك ان هدي نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام واعظم الهدي واكمله واسده واقومه وانفعه للعباد في كل امر وفي كل مجال وفي كل باب وما احوج الناس الى عودة صادقة الى هديه عليه الصلاة والسلام والى معين سنته العذب لننهل من هداياته النافعة وارشاداته العظيمة ولطفه وحكمته وهذا حديث عظيم في معالجة افة خطيرة وبلية عظيمة وجرم وخيم قد يتعرض للافتتان به والوقوع في حمأته كثير من الشباب ولا سيما اذا كثرت الفتن وتنوعت مغريات الفساد لنتأمل هذه الحادثة العجيبة والقصة المؤثرة شاب يأتي الى مجلس النبي عليه الصلاة والسلام وبحضور اصحابه الكرام ويطلب من النبي صلى الله عليه وسلم ان يأذن له بالزنا وهو يعلم خطورة الامر لكن نفسه فيها شهوة ملتهبة ثائرة متأججة فقالها صراحة يا رسول الله ائذن لي بالزنا فغضب الصحب الكرام وزجروه ونهروه واسكتوه فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم دروه وطلب من الفتى ان يدنو منه وتأمل رفق النبي صلى الله عليه وسلم ما اعظمه وحلمه واناته ولطفه ورحمته وحسن نصحه صلوات الله وسلامه عليه بدنا الفتى وجلس بين يدي خير معلم صلى الله عليه وسلم ولنتأمل ايضا هذا الشاب جاء وقد تأججت في قلبه الشهوة وثارت ثورة شديدة واشتعلت في صدره واصبحت هي المسيطرة عليه فعالجه النبي عليه الصلاة والسلام معالجة حكيمة لطيفة رفيقة استخرج بها الداء الذي اصيبت به نفسه فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم الى ان يستثير من كامل نفسه مكان هذه الشهوة الثائرة الغيرة العظيمة التي جعلها الله في قلوب اهل الايمان على حرمات الله فبدل ان تكون الشهوة هي الثائرة المسيطرة على قلبه اراد النبي صلى الله عليه وسلم ان تكون الغيرة الكامنة على المحارم هي المسيطرة وكل احد بلا ريب في قلبه غيرة على امه وعلى ابنته وعلى اخته وعلى عمته وعلى قالته لا يرضى ان يدنس شرفه او ان تنتهك حرمته او ان تلوث كرامته يأبى ذلك اتم اباء ولا يرضاه فكم هو جميل اذا تحريك هذا الدواء النافع للقلوب واستثارة هذا العلاج الكامل لمداوة هذه الشهوة المحرمة اذا ثارت في النفس وما احوج الشاب في خضم الفتن العظيمة التي تعصف وتجرف وتحرف اذا ابتلي بشيء من ذلك ان يستثير في نفسه هذه الغيرة العظيمة بان يتذكر ان له اما او بنتا او اختا او عمة او خالة ولا يرضى ان تدنس كرامته او وان ينتهك عرضه وكلما خطت قدمه الى شيء من هذه الاثام زمها بهذا الزمام واستثار فيها هذه الغيرة فانها باذن الله صمام امان وواق عظيم من الولوج والانغماس في هذه الرذيلة وليس هذا الامر في الزنا وحده بل وفي كل مقدماته واسبابه فهذه قاعدة جامعة تتذكر دائما وابدا اتحبه لامك اتحبه لابنتك اتحبه لاختك؟ اتحبه لعمتك اتحبه لخالتك مثلا لو ان شابا حدثته نفسه ان يتخاطب مع فتاة عبر جوال او غيره مخاطبة اثمة حتى ولو لم يبلغ حد الزنا فليتذكر هذا الكلام العظيم الجامع اتحبه لامك اتحبه لابنتك اتحبه لاختك اتحبه لعمتك اتحبه لخالتك فان كل انسان شريف كريم النفس سليم الطبع لا يرظى شيئا من ذلك لا يرضى ان يكون لابنته او اخته او عمته او خالته شيء من ذلك ان يستدرجها شاب او يستثير فيها عاطفة اثمة ثم اولئك الاثمون الذين استغلوا هذه الاجهزة الحديثة واخذوا من خلالها يورطون بعض الفتيات ويستدرجون بعض البنات ويبتزون بعض الغافلات عبر خطوات وخطوات الا يتذكر هؤلاء هذا الحديث العظيم عن النبي الكريم عليه الصلاة والسلام ولنتأمل اثر هذا الدواء وعظم نفع هذا العلاج لقلب ذلك الشاب وهو يستمع الى النبي صلى الله عليه وسلم وفي كل مرة يقول للنبي صلى الله عليه وسلم لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك يقسم بالله العظيم بانه لا يحب ذلك لا لامه ولا لابنته ولا لاخته ولا لعمته ولا لخالته وهذا لسان صاحب كل نفس ابية اذا قيل له ذلك قال لا والله لا ارضى ذلك فان كان لا يرضى ذلك لام او بنت او اخت او عمة او خالة فليتذكر ان الناس كلهم مثله لا احد منهم يرظى لشرفه ان يدنس او لعرضه ان ينتهك والمرء المسلم يحب لاخيه ما يحب لنفسه ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لذلك الشاب كما في رواية للحديث فاكره لهم ما تكره لنفسك واحب لهم ما تحب لنفسك وهذا نظير قول النبي عليه الصلاة والسلام لا يؤمن احدكم حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه وقوله عليه الصلاة والسلام فمن احب ان يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الاخر وليأت الى الناس الذي يحب ان يؤتى اليه وهذا يتناول كف الاذى والمكروه عن الناس وان يبغظ لاخيه ما يبغظ لنفسه من الشر ولم يذكره في الحديث لان حب الشيء مستلزم بغض نقيضه قال الحافظ ابن رجب رحمه الله فينبغي للمؤمن ان يحب للمؤمنين ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكره لنفسه فان رأى في اخيه المسلم نقصا في دينه اجتهد في اصلاحه قال بعض الصالحين من السلف اهل المحبة لله نظروا بنور الله وعطفوا على اهل معاصي الله مقتوا اعمالهم وعطفوا عليهم ليزيلوهم بالموعظة عن فعالهم واشفقوا على ابدانهم من النار ثم لنتأمل مع كمال هذا الاحسان وجمال هذا النصح والبيان توج النبي عليه الصلاة والسلام ذلك بتلك الدعوة العظيمة المباركة الميمونة فوظع يده الشريفة صلى الله عليه وسلم على صدر ذلك الشاب وقال اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه دعا له بهذه الدعوات الثلاثة العظيمة غفران الذنب وطهارة القلب وتحصين الفرج وكم تمس حاجة الشاب الى هذه الدعوات وتكرارها ولا سيما اذا كثرت اسباب الفتن ومغرياتها فكلما حدثته نفسه بشيء من ذلك لجأ الى الله داعيا بهذه الدعوات بصدق واخلاص كما قال الله تعالى عن يوسف عليه السلام كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء انه من عبادنا المخلصين اي بسبب اخلاصه صرفنا عنه السوء وكذلك كل مخلص كما يدل عليه عموم التعليل وليتذكر ان فلاحه في الدنيا والاخرة معلق بحفظ فرجه فلا سبيل له الى الفلاح بدونه قال تعالى قد افلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون. الا على ازواجهم او ما ملكت ايمانهم فانهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فاولئك هم العادون وهذا يتضمن ثلاثة امور ان من لم يحفظ فرجه لم يكن من المفلحين وانه من الملومين وانه من العادين ففاته الفلاح واستحق اسم العدوان ووقع في اللوم فمقاساة الم الشهوة ومعاناتها ايسر له من بعض ذلك هذا وقد تنوعت الهدايات المباركة والتوجيهات المسددة المأثورة عن النبي الكريم عليه الصلاة والسلام نعم في علاج هذا الداء وكبح هذه الشهوة المحرمة واعظم ما جاء في ذلك كلمته العظيمة البليغة التي قالها عليه الصلاة والسلام في خطبته الجامعة يوم خسفة الشمس فانه عليه الصلاة والسلام خطب الناس على اثر صلاته ذلك اليوم خطبة عظيمة جامعة ومما قال فيها عليه الصلاة والسلام يا امة محمد والله ما من احد اغير من الله ان يزني عبده او تزني امته. متفق عليه من ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها وهذا اعظم باب لاغلاق كل بلاء وصد كل فتنة ان يتذكر المرء ان رب العالمين يراه وانه جل وعلا مطلع عليه. وانه سبحانه يغار ان يزني عبده او ان تزني امته فيحذر سخط الله وعقابه ويتجنب كل امر يجره الى ما يسخط الله ويغضبه سبحانه والغيرة على محارم الله لها شأن عظيم في باب صلاح القلب فهي كما يقول ابن القيم رحمه الله تخرج ما فيه من الخبث والصفات المذمومة كما يخرج الكير خبث الذهب والفضة والحديد واشرف الناس واعلاهم همة اشدهم غيرة على نفسه وخاصته وعموم الناس هذا وان من الخير العظيم للمرء ان يقف مع هدايات السنة ودلائلها المباركات ليداوي بها ادواء نفسه واسقام قلبه وما قد يقع فيه من انحراف وزلل ليهدى الى اقوم السبل ويوقى من غوائل النفس وكوامن مكائدها نسأل الله عز وجل ان يهدينا اجمعين اليه صراطا مستقيما وان يوفقنا للزوم سنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وان يجنبنا منكرات الاخلاق والاهواء والاعمال والادواء انه سميع قريب مجيب. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته