بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اياكم والظن فان الظن اكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله اخوانا ان من المطالب العظيمة التي ينبغي على كل مسلم ان يرعاها وان يحافظ عليها تقوية الاخوة الايمانية والرابطة الدينية التي هي اعظم الروابط واوثق الصلات والحذر من كل ما يضعفها ويوهيها او يخرمها ويهدمها قال الله عز وجل انما المؤمنون اخوة فاصلحوا بين اخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون وثمة امور حذر الشرع منها ونهى عنها تؤثر في هذه الاخوة تأثيرا عظيما ظعفا ووهاء ومن ذلك الظن السيء يظنه المسلم باخيه قال صلى الله عليه وسلم اياكم والظن فان الظن اكذب الحديث اي حديث النفس لانه من القاء الشيطان في نفس الانسان والمراد النهي عن ظن السوء ونظيره ما جاء في القرآن الكريم بعد قوله عز وجل انما المؤمنون اخوة قال عز وجل في هذا السياق يا ايها الذين امنوا اجتنبوا كثيرا من الظن ان بعض الظن اثم ان الظن السيء الذي يظنه المسلم باخيه وهو من افات القلوب يترتب عليه من الاثار العظيمة والاضرار الوخيمة في اضعاف هذه الاخوة بل وفي اذهابها ما لا يعلم مداه الا الله والظن السيء هو التهمة التي تقع في القلب بلا دليل ولا مستند اثر كلمة يسمعها المرء من اخيه او فعلا يراه من افعاله فيبني عليه ظنونا واوهاما وتهما باطلة يبنى عليها عداوات وقطيعة وتناحر وعداء وكم من علاقات زوجية تهدمت وكم من صحبة ورفقة تفككت وكم من اخاء ومودة تقطعت بسبب الظنون السيئة ولهذا يجب على المسلم ان يحذر اشد الحذر من الظن السيء باخيه وهي التهمة والتخون الذي يقع في القلب بل يلقيه الشيطان في القلب دون ان يكون له مستند والمسلم الناصح اذا بلغته الكلمة من اخيه وتواردت على ذهنه الظنون والاوهام والتهم ابعدها وتلمس لاخيه العذر والمحامل الطيبة قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا تظنن بكلمة خرجت من مسلم شرا وانت تجد لها في الخير محملا اي التمس له المحامل الطيبة لتسلم وليسلم منك اخاك وان لم يجد محملا طيبا قال لعل له عذرا خفي علي. كما قال محمد بن سيرين رحمه الله اذا بلغك عن اخيك شيء فالتمس له عذرا فان لم تجد له عذرا فقل لعل له عذرا واما اذا دخل المرء في الظنون الواهية تهما وتخونا وظنونا فاسدة فانه يضر نفسه ظررا عظيما بل ربما صارت حاله اسوأ حالا ممن ناصبه العداء. بسبب موقف ما او خطأ. روى البخاري رحمه الله في الادب المفرد عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال ما يزال المسروق منه يتظنى حتى يصير اعظم من السارق يتظنى ان يدخل في الظنون والاوهام وهذا حال كثير من الناس اذا سرق منه او ارتكب في حقه خطأ لا يدري من فعله يدخل في الظنون. اعتقد انه فلان بل انه فلان نعم لقد رأيت فلانا في ذلك المكان ثم يدخل بتهم وغيبة ووقيعة ونميمة واثام عظيمة حتى ان حاله لتصبح اعظم اثما من اثم السارق وقل مثل ذلك في سائر الاخطاء والمخالفات وعلى سبيل المثال قد يصاب المرء بالعين فيتضرر اما في بدنه او في بعض ممتلكاته فيدخل في هذه الظنون والتهم انه فلان بل هو فلان اني اعرف من فلان كذا ويخوض في اعراض اخوانه تهما باطلة ودعاوى زائفة لا تقوم على دليل. غيبة اميمة واستطالة واذى عظيما فتكون حاله اشد حالا من العائن الذي حسده او اصابه بالعين فعلى المسلم ان يريح نفسه في هذا الباب ويريح قلبه وان يحسن الظن باخوانه ويحمل اخطاءهم او اقوالهم. على احسن المحامل كما يحب ان يفعل معه لو كان هو صاحب ذلك القول او الفعل قال بكر بن عبد الله المزني رحمه الله اياك من الكلام ما ان اصبت فيه لم تؤجر وان اخطأت فيه اثمت وهو سوء ظنك باخيك المسلم اي ان اصبت في سوء ظنك فيه وصار الامر مطابقا للواقع لم تؤجر على ذلك فليس من وراء سوء الظن فائدة وان لم تصب وكان الامر مجرد تهمة بلا دليل فانك تبوء باثم عظيم ولا سيما اذا تبع هذا الظن السيء ما تبعه من امور واعمال وفي الغالب ان الظن يتبعه امور كثيرة منها التجسس اذا ظن فيه السوء اخذ يتجسس عليه وعلى افعاله واذا تجسس ترتب على ذلك وقيعة وغيبة ونحو ذلك ولهذا لما نهى الله عز وجل عن الظن السيء اتبع ذلك بالنهي عن التجسس ثم اتبعه بالنهي عن الغيبة. لانها امور وشرور يتوالد بعضها من بعض قال الله تعالى يا ايها الذين امنوا اجتنبوا كثيرا من الظن ان بعض الظن اثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا ايحب احدكم ان يأكل لحم اخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله ان الله تواب رحيم قال الحافظ ابن كثير رحمه الله يقول تعالى ناهيا عباده المؤمنين عن كثير من الظن وهو التهمة والتخون للاهل والاقارب والناس في غير محله لان بعض ذلك يكون اثما محضا فليتجنب كثير منه احتياطا وقال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله نهى الله تعالى عن كثير من الظن السوء بالمؤمنين فان بعض الظن اثم وذلك كالظن الخالي من الحقيقة والقرينة وكظن السوء الذي يقترن به كثير من الاقوال والافعال المحرمة فان بقاء ظن السوء بالقلب لا يقتصر صاحبه على مجرد ذلك بل لا يزال به حتى يقول ما لا ينبغي ويفعل ما لا ينبغي وفي ذلك ايضا اساءة الظن بالمسلم وبغضه وعداوته المأمور بخلاف ذلك منه ولا تجسسوا اي لا تفتشوا عن عورات المسلمين ولا تتبعوها واتركوا المسلم على حاله واستعملوا التغافل عنه احواله التي اذا فتشت ظهر منها ما لا ينبغي ولا يرتب بعضكم بعضا والغيبة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ذكرك اخاك بما يكره ولو كان فيه ثم ذكر مثلا منفرا عن الغيبة فقال ايحب احدكم ان يأكل لحم اخيه ميتا فكرهتموه شبه اكل لحمه ميتا المكروه للنفوس غاية الكراهة باغتيابه فكما انكم تكرهون اكل لحمه وخصوصا اذا كان ميتا فاقد الروح فكذلك فلتكرهوا غيبته واكل لحمه حيا ليحذر المؤمن من هذه الظنون والاوهام التي افسدت في حياة الناس كثيرا ونخرت في اخوتهم وعلاقاتهم واوجدت بينهم من العداوات والبغضاء ما لا يعلمه الا الله وليعامل غيره بما يحب ان يعامل به فان المؤمن يحب لاخيه ما يحب لنفسه ولا يضر المسلم اذا هجمت على قلبه ظنون ما لم يتكلم بها ويبدها قال سفيان الثوري رحمه الله الظن ظنان فظن اثم وظن ليس باثم فاما الظن الذي هو اثم فالذي يظن ظنا ويتكلم به واما الظن الذي ليس باثم فالذي يظن ولا يتكلم به وعليه في مثل هذا المقام ان يذكر نفسه بحقوق المسلم عليه ويكثر من الدعاء له بالخير فان هذا يصرف عنه تسلط الشيطان عليه بمثل تلك الظنون قال ابن قدامة المقدسي رحمه الله متى خطر لك خاطر سوء على مسلم فينبغي ان تزيد في مراعاته وتدعو له بالخير فان ذلك يغيظ الشيطان ويدفعه عنك فلا يلقي اليك خاطر السوء خيفة من اشتغالك بالدعاء والمراعاة واذا تحققت هفوة مسلم فانصحه في السر واعلم ان من ثمرات سوء الظن التجسس فان القلب لا يقنع بالظن بل يطلب التحقيق فيشتغل بالتجسس وذلك منهي عنه لانه يوصل الى هتك ستر المسلم ولو لم ينكشف ذلك كان قلبك اسلم للمسلم فينبغي للمسلم اذا ظن الا يحقق وعليه ان يكره ذلك من نفسه ولا يضره ذلك ما لم يعتد به يدا او لسانا ولا ينبغي للمرأة على وجه الخصوص ان تغلبها الغيرة فتشقى وتسيء وتظلم وليتفكر المسلم في هذا المقام كم من الشرور والمظالم تترتب على اعمال الظن السيء من عداوات وخصومات وقطيعة لا مستند لها غير سوء الظن واتهام السرائر جزافا عن ابي حازم سلمة بن دينار رحمه الله قال لا تعادين رجلا ولا تناصبنه حتى تنظر الى سريرته بينه وبين الله عز وجل فان تكن له سريرة حسنة فان الله تبارك وتعالى لم يكن مخذله بعداوتك له وان كانت له سريرة رديئة فقد كفاك مساوئه فلو اردت ان تعمل به اكثر من معاصي الله لم تقدر وما اجمل الشأن بالمسلم ان يجاهد نفسه على التمتع بالاخلاق الفاضلة والاداب الكاملة من هدايات هذه الشريعة وتوجيهاتها العظيمة التي تكفل للناس في حياتهم راحة وامنا وطمأنينة وقوة في المحبة والصفاء والاخاء بل هذا متأكد على كل مسلم ان يرعى هذه الحقوق والاداب تجاه اخوانه المسلمين ابقاء لاخوة الايمان ورابطة الدين نسأل الله عز وجل ان يحفظ علينا اخوتنا وامننا وايماننا وان يصلح لنا شأننا كله انه تبارك وتعالى سميع الدعاء وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته