بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد روى الامام احمد عن انس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يستقيم ايمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ولا يدخل رجل الجنة لا يأمن جاره بوائقه في هذا الحديث ان صلاح القلب بالايمان مستلزم لصلاح الجسد فاساس الاستقامة ومدارها على القلب والقلب هو اساس الصلاح ومعدنه ومنبعه قال ابن رجب رحمه الله والمراد باستقامة ايمانه استقامة اعمال جوارحه فان اعمال الجوارح لا تستقيم الا باستقامة القلب ومعنى استقامة القلب ان يكون ممتلئا من محبة الله ومحبة طاعته وكراهة معصيته قال الله عز وجل ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة الا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن اولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الاخرة ولكم فيها ما تشتهي انفسكم ولكم فيها ما تدعون وقال تعالى ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون اولئك اصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون في هذا عظم شأن الاستقامة وعظم ثوابها لكن ذلك لا يكون ولا يتحقق الا اذا استقام القلب على طاعة الله عز وجل فانه لا يستقيم ايمان عبد الا اذا استقام قلبه فالقلب اساس الاستقامة والصلاح ولهذا فان امر استقامة القلب امر عظيم وكثير من الناس ربما يعنى باستقامة الظاهر ويغفل عن اقامة باطنه على الطاعة وحسن الاقبال على الله عز وجل والبعد بالقلب عن ادواء القلوب وامراضها التي تبعد عن الاستقامة والقلوب تتسلل اليها ادواء واسقام وامراض تضعف ما فيها من ايمان وتنقص ما فيها من دين وطاعة لله سبحانه ولهذا فان من الاستقامة على طاعة الله ان يحرص المرء على مداواة قلبه والبعد به عن الادواء التي تصيب القلوب فتسقمها وتمرضها وكما ان الابدان تمرض فان القلوب تمرض مرضا اشد من مرض الابدان وقد اخبر نبينا عليه الصلاة والسلام عن امراض عديدة تصيب القلوب وتتسلل اليها واخبر عليه الصلاة والسلام انها اصابت كذلك الامم السابقة قبلنا وقد جمع صلى الله عليه وسلم في حديث واحد جملة من الامراض والادواء التي تصيب القلوب محذرا صلوات الله وسلامه وبركاته عليه منها روى الحاكم في المستدرك باسناد ثابت من حديث ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال سيصيب امتي داء الامم فقالوا يا رسول الله وما داء الامم قال الاسر والبطر والتكاثر والتناجس في الدنيا والتباغض والتحاسد حتى يكون البغي فعد عليه الصلاة والسلام ستة امراض وادواء تصيب الناس ثم اذا اشتدت بهم هذه الامراض والاسقام وقع البغي وهو الغلو وتجاوز الحد والانتهاك للانفس سوى الاعراض والاموال دون مبالاة من يفعل ذلك بعقاب ولا حساب ولا وقوف بين يدي الله سبحانه وهذا الحديث يعد علما من اعلام النبوة لان النبي صلى الله عليه وسلم اخبر عن امور اصابت الامم قبل امة محمد صلى الله عليه وسلم واخبر انها ستصيب الامة فوقع الامر طبقا لما اخبر ووفقا لما قال عليه الصلاة والسلام ثم ان هذا الذي اخبر عنه صلى الله عليه وسلم خرج مخرج التحذير والانذار فلم يقل ذلك عليه الصلاة والسلام لمجرد العلم به بل قال ذلك محذرا ومنذرا قال سيصيب امتي واذا كانت هذه الادواء ستصيب الامة فالواجب على كل فرد من افراد الامة ان يحتاط لنفسه من ان تصيبه فانه من المتقرر في واقع الناس عندما يتحدث عن انتشار بعض الامراض الخطيرة انهم يحتاطون للسلامة منها اهتماما وسؤالا عن العلاج وطرق الوقاية واتخاذ الاسباب المحققة للسلامة وهكذا في مثل هذا المقام ينبغي ان يكون الاهتمام اشد فاذا كانت هذه الامراض ستصيب الامة ولابد فينبغي على العبد ان يحترز وان يحتاط لنفسه وان يأخذ باسباب الوقاية حتى لا يهلك بهذه الامراض والاسقام العظيمة واذا تأمل المتأمل في هذه الامراض المذكورة في هذا الحديث يجد ان من ورائها اكبابا على الدنيا وافتتانا بها فتصبح في نفوس الناس هي الشغل الشاغل حتى ان بعض الناس لتصبح حاله في هذا المقام لا هم له الا الدنيا وتكون هي مبلغ علمه وغاية مراده وفي الدعاء المأثور اللهم لا تجعل الدنيا اكبر همنا ولا مبلغ علمنا والدنيا متاع زائل يغر اهله ويفتنون بها وهم عنها زائلون لا تبقى لهم ولا يبقون لها وكم اهلكت من اقوام بتكالبهم عليها وافتتانهم بها وجعلها اكبر همهم ومبلغ علمهم وقد تولد في الناس من قديم الزمان امراض خطيرة وادواء فتاكة ولا تزال باقية في الناس بسبب هذه الدنيا والتكالب عليها سماها النبي صلى الله عليه وسلم داء الامم وهي الاسر والبطر والتكاثر والتناجس في الدنيا والتباغض والتحاسد حتى يكون البغي فتأمل في هذه الادواء الخطيرة والامراض الفتاكة فكم فتكت بامم قبل امة محمد صلى الله عليه وسلم وكم اوردتهم من موارد ومهالك وكم اوصلتهم الى معاطب ويخبر نبينا عليه الصلاة والسلام ان تلك الادواء التي اصابت من قبلنا ستصيب هذه الامة وكل عبد ناصح لنفسه اذا سمع هذا الحديث وقف موقف الحذر من ان يصاب بهذه المعطبة والامراض المهلكة التي اخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم انها ستصيب هذه الامة محذرا ومنذرا صلوات الله وسلامه عليه وجميع هذه الادواء تتولد من التكالب على الدنيا والافتتان بها وزخرفها والانكباب عليها طمعا في جمعها وتحصيلها مع غفلة عما خلق العبد لاجله واوجد لتحقيقه والاسر كفران النعم والبطر الطغيان عند وجودها. والتكاثر التفاخر بكثرة الاموال والاولاد والتناجس في الدنيا بسبب التكالب عليها والطمع فيها والتباغض التعادي تدابر والتقاطع والتحاسد تمني زوال النعم عن الاخرين والحاسد عدو نعمة الله ثم يتولد من مجموع هذه الادواء وقوع البغي بتجاوز الحد حتى ان الانسان اذا استشرى فيه البغي لا يبالي. فربما اراق دماء معصومة وهتك امورا محرمة وتعدى على اموال محترمة دون مبالاة ولا خوف من عقاب ان الواجب على كل مسلم ان يحرص على السلامة من هذه الادواء. حرصا اشد من حرصه على السلامة من ادواء البدن وامراضه فان ادواء القلوب اخطر ومغبتها وسوء عاقبتها اعظم وليجاهد المرء نفسه على سلامة قلبه من هذه الادواء المعطبة وليسأل ربه ومولاه ان يزكي قلبه وان يصلح نفسه وان يؤتي نفسه تقواها فانه وليها تبارك وتعالى ومولاها ولا عاصم ولا مسلم من هذه الاهواء الا رب العالمين جل في علاه وقد اخبر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث اخر ويعد ايضا اية اخرى من ايات النبوة عن الوقت الذي تنتهي فيه تلك الامراض ففي صحيح مسلم من حديث ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال والله لينزلن ابن مريم حكما عادلا فليكسرن الصليب وليقتلن الخنزير وليضعن الجزية ولتتركن القلاص فلا يسعى عليها ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد وليدعون الى المال فلا يقبله احد اي ان المال يصبح متوفرا لدى الجميع التباغظ الذي كان من اجل هذا المال والتحاسد والتناجس ونحو هذه الاسقام التي كانت لاجل المال تنتهي لان المال اصبح متوفرا وزائدا حتى ان من عنده مال يريد ان يقدم صدقة او زكاة لا يجد احدا يقبل منه وهذا يوضح ان الاموال فتنة فتنة لمن اتاه الله المال وفتنة لمن لم يؤته الله المال وكم من انسان لم يوفق في هذا الامتحان سواء من اتاه الله المال او من لم يؤته لان هذا ممتحن بماله وهذا ممتحن بعدم وجود المال. والدنيا دار ابتلاء وامتحان والموفق من عباد الله من يمضي في دنياه على الاستقامة على طاعة الله جل في علاه وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ان الدنيا حلوة خضرة وان الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فان اول فتنة بني اسرائيل كانت في النساء. رواه مسلم قال الامام ابن القيم رحمه الله لا تتم الرغبة بالاخرة الا بالزهد في الدنيا ولا يستقيم الزهد في الدنيا الا بعد نظرين صحيحين نظر في الدنيا وسرعة زوالها وفنائها واضمحلالها ونقصها والم المزاحمة عليها بالحرص عليها وما في ذلك من الغصص والنغص والانكاد واخر ذلك الزوال والانقطاع مع ما يعقب من الحسرة والاسف فطالبها لا ينفك من هم قبل حصولها وهم حال الظفر بها. وغم وحزن بعد فواتها فهذا احد النظرين النظر الثاني النظر في الاخرة واقبالها ومجيئها ولابد ودوامها وبقائها وشرف ما فيها من الخيرات والمسرات والتفاوت الذي بينه وبين ما ها هنا فهي كما قال الله سبحانه والاخرة خير وابقى فهي خيرات كاملة دائمة وهذه خيالات ناقصة منقطعة مظمحلة فاذا تم له هذان النظران اثر ما يقتضي العقل ايثاره وزهد فيما يقتضي الزهد فيه اصلح الله قلوبنا اجمعين وهدانا اليه صراطا مستقيما واعاذنا من امراض القلوب واسقامها وجمعنا على الحق والهدى انه سميع قريب مجيب وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته