بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكم بالصدق فان الصدق يهدي الى البر وان البر يهدي الى الجنة وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا واياكم والكذب فان الكذب يهدي الى الفجور وان الفجور يهدي الى النار وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا. رواه البخاري ومسلم وعن انس بن مالك رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم ومعاذ رديفه على الرحل قال يا معاذ ابن جبل قال لبيك يا رسول الله وسعديك قال يا معاذ قال لبيك يا رسول الله وسعديك ثلاثا قال ما من احد يشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله صدقا من قلبه الا حرمه الله الله على النار قال يا رسول الله افلا اخبر بها الناس فيستبشرون؟ قال اذا يتكل واخبر بها معاذ عند موته تأثم رواه البخاري ان من مقامات الدين العظيمة ومنازل السالكين العالية الرفيعة الصدق مع الله في الاقوال والاعمال والاحوال امتثالا لقوله سبحانه يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين وهو من اجل ما تستصلح به القلوب وقد جاء في القرآن الكريم اين كثيرة بالحث على الصدق مع الله جل وعلا فيه وبيان ما اعده الله جل وعلا للصادقين من النزل الكريم والثواب العظيم والاجر في الدنيا والاخرة قال تعالى من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين ان شاء او يتوب عليهم ان الله كان غفورا رحيما وقال تعالى والذي جاء بالصدق وصدق به اولئك هم المتقون وقال تعالى ان المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات الى قوله جل وعلا اعد الله لهم مغفرة واجرا عظيما وهو منجاة للعبد من فتن الدنيا وما يلقاه فيها من شدائد ومصائب فصاحب الصدق مع الله لا تضره الفتن ومنجاة له يوم يقف بين يدي الله تبارك وتعالى قال الله عز وجل قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ابدا. رضي الله عنهم ورضوا عنه. ذلك الفوز العظيم فدخول الجنات ونيل رضا الله جل وعلا انما هو بالصدق معه عز وجل وفي هذا المعنى يقول الله سبحانه فاذا عزم الامر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم فارتبطت الخيرية والسعادة والفوز بالصدق مع الله والايات في هذا المعنى كثيرة وكلها تؤكد اهمية الصدق مع الله وضرورة العناية به وانه لا للعبد ولا فوز له في الدنيا والاخرة الا به والصدق حلية للمؤمن وزينة له وجمال فهو يتقلب في الصدق في كل اقواله. وجميع اعماله وجميع احواله وهو بصدقه يتقلب من خير الى خير. ومن رفعة الى رفعة الى ان يلقى الله جل وعلا على خير حال وفي اكمل مآل ولهذا حري بالمؤمن ان يكون متحريا للصدق مع الله وذلك بتحقيق الايمان وتتميم الاسلام وان يكون متحريا للصدق مع عباد الله فلا يكون كاذبا خائنا عاشا مخادعا ونحو ذلك من الصفات الذميمة والصدق مع الله لابد فيه من مجاهدة للنفس على القيام به. تحريا وترويضا للنفس وتليينا لها لتتطبع بالصدق وتتحلى به كما تقدم في الحديث وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا والصدق خلة كريمة وصفة عظيمة وفريضة واجبة يجب ان تصاحب المسلم في كل اوقاته وجميع احايينه وفي كل طاعاته وفي جميع معاملاته فهو فرض دائم يصاحب المسلم في كل قول وفعل وحال قال بعض السلف من لم يؤدي الفرض الدائم لم يقبل الله منه الفرض المؤقت قيل وما الفرض الدائم؟ قال الصدق مع الله وهو ليس مجرد دعوى يدعيها المرء لنفسه وانما هو حقيقة تقوم بقلب المؤمن تظهر على اعماله واقواله. كما قال الحسن البصري رحمه الله ليس الايمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن الايمان ما وقر في القلب وصدقته الاعمال فحقيقته استواء الظاهر والباطن على الاستقامة على الصراط المستقيم فهو امر قائم في قلب عبد الله المؤمن صلاحا بالايمان بالله وبكل ما امر سبحانه عباده بالايمان به وصلاحا في الظاهر بالاعمال الصالحة والطاعات الزاكية وانواع القربات التي يتقرب بها الصادقون الى الله ولنتأمل هذا المعنى في اية البر من سورة البقرة قال الله تعالى ليس البر ان تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من امن بالله واليوم الاخر والملائكة والكتاب والنبيين واتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب واقام الصلاة واتى الزكاة والموفون بعهدهم اذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس اولئك الذين صدقوا واولئك هم المتقون فقوله اولئك الذين صدقوا اي الذين اتصفوا بهذه الصفات وتحلوا بهذه النعوت وهي في جملتها ترجع الى امرين. صلاح في الباطن بالايمان وصلاح في الظاهر بالاعمال الصالحات الطاعات الزاكيات المقربة الى الله جل وعلا وكما ان القلب يوصف بالصدق فان اللسان والجوارح كذلك فليس الصدق مع الله امرا يكون في القلب وحده بل الصدق مع الله يكون في القلب عقيدة وايمانا وباللسان نطقا وتلفظا وبالجوارح عملا وانقيادا وقد ذكر الله سبحانه في كتابه مدخل الصدق ومخرجا وذكر لسان الصدق وذكر مقعد الصدق ومقام الصدق وقدم الصدق فذكر سبحانه دعاء نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم وقل رب ادخلني مدخل صدق واخرجني مخرج بصدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا وذكر دعاء خليله ابراهيم عليه السلام واجعل لي لسان صدق في الاخرين وذكر جل وعلا بشارته لعباده المؤمنين وبشر الذين امنوا ان لهم قدم صدق عند ربهم وذكر جل وعلا مقعد الصدق في قوله ان المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر ففي هذه المواضع الخمسة جاء ذكر للصدق بهذه الاوصاف. مدخل الصدق ومخرجه ولسان الصدق ومقعد الصدق الصدق وفيها بيان لحقيقة الصدق في قلب المؤمن وما يؤول اليه حال الصادقين من عظيم الثواب وجميل المآب اما مدخل الصدق ومخرجه فان يكون العبد في دخوله وخروجه وذهابه ورواحه صادقا مع الله يخرج ويدخل مستعينا بالله. طالب الرظاه متبعا شرع الله واما قدم الصدق فهو ما قدمه الصادقون في حياتهم الدنيا من صدق مع الله وعمل بطاعته ورضاه واما لسان الصدق فهو اثر مبارك ونتيجة عظيمة ينالها الصادقون في الدنيا بان ينشر الله لهم ذكرا حسنا في العالمين واما مقعد الصدق فاكرم به من مقعد فهو دخول جنات النعيم والظفر فيها برفيع المنازل وعلي الدرجات كما قال سبحانه ان المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر وهذه الخمسة المضافة في القرآن الى الصدق اخذ بعضها ببعض فهي كعقد ثمين كل خرزة منه توصل الى الاخرى. وتفضي اليها بدءا من مدخل الصدق ومخرجه وذلك بان يكون العبد في تحركاته وتنقلاته ودخوله وخروجه وذهابه وايابه بالله ولله وفق امر الله واذا كان حال العبد كذلك فانه يكون بذلك قد قدم لنفسه امرا تكون به نجاته ورفعة درجاته يوم يلقى الله وهو عدم الصدق ومن احسن ما قيل في معنى ان لهم قدم صدق اي اعمالا صالحة وفقهم الله جل وعلا لتقديمها في في هذه الحياة وقدموا لانفسكم ثم هذا يثمر في الدنيا لسان صدق في الناس ذكرا حسنا وثناء عاطرا واشادة بمآثرهم وفضائلهم فكم من اناس توفاهم الله عز وجل من قرون طوال لا ينقطع الناس مع كر الايام ومر الليالي عن ذكرهم والثناء عليهم والافادة منهم وذكرهم بالجميل وهذا من عاجل البشرى في هذه الحياة الدنيا واما في الاخرة فلهؤلاء مقعد الصدق عند مليك مقتدر في مقعد صدق عند مليك مقتدر بدار كرامة الله ورضوانه وفضله وامتنانه وجوده واحسانه ارتبطت هذه الخمسة التي اضيفت الى الصدق ببعضها وكل منها يفضي الى الاخر ويؤدي اليه والصدق طمأنينة والكذب ريبة فالصادق في حياته الدنيا لا يزال مرتاح النفس طيب البال منشرح الخاطر متنقلا من خير الى خير والكاذب لا تزال نفسه منقبضة واموره متعسرة وحياته نكدة متنقل من شر الى شر والصدق يعقب العواقب الحميدة في الدنيا والاخرة. والكذب يجلب لصاحبه الردى في الدنيا والاخرة والصادق له عند الله المنزل العلي وعند الناس الذكرى الحسن والكاذب ليس له في الاخرة الا الخسران وليس له بين الناس الا الذكر السيء قال ابن القيم رحمه الله اصل اعمال القلوب كلها الصدق واضدادها من الرياء والعجب والكبر والفخر والخيلاء والبطر والاسر والعجز والجبن والمهانة وغيرها اصلها الكذب فكل عمل ظاهر او باطن فمنشأه الكذب والله تعالى يعاقب الكذاب بان يقعده ويثبته عن مصالحه ومنافعه ويثيب الصادق بان يوفقه للقيام بمصالح دنياه واخرته فما استجلبت مصالح الدنيا والاخرة بمثل الصدق ولا مفاسدهما ومضارهما بمثل الكذب قال تعالى يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين وقال هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم وقال فاذا عزم الامر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم ونسأل الله الكريم باسمائه الحسنى وصفاته العليا ان يجعلنا اجمعين مع الصادقين وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته