بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن عبدالرحمن بن عبد رب الكعبة قال دخلت المسجد فاذا عبد الله بن عمرو ابن العاص رضي الله عنهما جالس في ظل الكعبة والناس مجتمعون عليه فاتيتهم فجلست اليه فقال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا منزلا فمنا من يصلح خباءه ومنا من ينتظر ومنا من هو في جسره اذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة جامعة فاجتمعنا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال انه لم يكن نبي قبلي الا كان حقا عليه ان يدله امته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم. وان امتكم هذه جعل عافيتها في اولها. وسيصيب اخرها بلاء وامور تنكرونها وتجيء فتنة فيرقق بعضها بعضا وتجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه مهلكتي ثم تنكشف وتجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه هذه فمن احب ان يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الاخر وليأتي الى الناس الذي يحب ان يؤتى اليه ومن بايع اماما فاعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ان استطاع. فان جاء اخر ينازعه فاضربوا عنق الاخر فدنوت منه فقلت له انشدك الله اانت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فاهوى الى اذنيه وقلبه بيديه وقال سمعته اذناي ووعاه قلبي. رواه مسلم هذا الحديث العظيم فيه بيان اهمية الايمان باليوم الاخر واثره العظيم على العبد في صلاح قلبه ونجاته من فتن الدنيا ونجاته من عذاب الاخرة. وان من احب لنفسه الزحزحة عن النار قولا الجنة فعليه ان يكون ملازما للايمان باليوم الاخر الى ان يتوفاه الله وهو على هذا الايمان قال الله تعالى فاما من اوتي كتابه بيمينه فيقول هاء مقرؤوا كتابي اني ظننت اني ملاق حسابي فهو في عيشة راضية في جنة عالية قطوفها دانية كلوا واشربوا هنيئا بما اسلفتم في الايام الخالية فقوله اني ظننت اني ملاق حسابيا فيه اثر الايمان باليوم الاخر على القلوب. ومكانته العلية في تزكية النفوس واصلاح العباد وان العبد كلما كان على ذكر واستحضار لذلك اليوم وان ثمة يوم يحاسب فيه ويعاقب فيه جنة ونار ولقاء بالجبار وسؤال عما قدم في هذه الحياة كان لذلك عظيم الاثر على قلبه صلاحا واستقامة على طاعة الله اما اذا ضعف هذا الايمان في قلب الانسان او انعدم فان الخير يضعف وينعدم تبعا لضعفه او انعدامه ولهذا كان من اولويات الدين واعظم ما ينبغي ان يعنى به المسلمون اصلاح الاعتقاد الذي هو للدين بمثابة الاصول للاشجار والاعمدة للبنيان وكم يترتب من الاثار السيئة والعواقب الوخيمة حين يغفل الانسان عن البعث وعن الجزاء وعن الحساب وينسى ان هذه الاعمال التي يقترفها ويباشرها في هذه الحياة ستكون محضرة كلها يوم القيامة. يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو ان بينها وبينه امدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد وانه يجازى عليها بمثاقيل الذر فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره. ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره وان نسي ذلك فانه محصن عليه احصاه الله ونسوه ومكتوب يجد كل ذلك حاضرا يوم القيامة ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه. ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك احدا ولهذا فما اعظم ان يكون العبد في هذه الحياة يظن ان يعتقد انه سيلقى الحساب. وكلما حدثته نفسه بخطيئة او مخالفة او تهاون في طاعة او تفريط في عبادة او تضييع لواجب ذكرها بهذا المقام العظيم اني ظننت اني ملاق حسابي ايا نفس انك ستحاسبين وستقفين بين يدي الله للجزاء والحساب فهو يوم عسير الا على المؤمن المطيع لله عز وجل فانه يكون يسيرا عليه بتوفيق الله سبحانه ومنه ولهذا ينبغي على المسلم ان يعنى بهذه العقيدة عقيدة الايمان باليوم الاخر فانها اذا وجدت في القلب كان وجودها وقيامها وقرارها فيه قياما للدين ثمان ايمان اهل الايمان باليوم الاخر على درجتين الدرجة الاولى هي درجة الايمان الجازم وهو الذي لا يقبل الله سبحانه من العبد عمله وطاعته وعبادته الا اذا كان هذا القدر موجودا عنده ايمانا جازما بحيث يكون عنده يقين لا شك فيه ولا ريب بالبعث والحساب والجزاء العقاب قال الله تعالى انما المؤمنون الذين امنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا اي ايقنوا ولم يشكوا فهذا القدر مطلوب من كل مسلم فاذا لم يكن عند العبد يقين بالبعث والجزاء والحساب وعنده بدن اليقين الشك فان هذا كفر محبط للاعمال ومبطل للدين قال الله تعالى ومن يكفر بالايمان فقد حبط عمله والدرجة الثانية وهي درجة عالية عظيمة اذا وفق لها العبد وهي درجة الايمان الراسخ وهي التي يكون فيها الايمان بهذه الحقائق العظيمة راسخا في القلب متمكنا من النفس حاضرا مع العبد فتجد هذا الرسوخ في الايمان حاضرا مع العبد في المقامات والاحوال المتنوعة فتجده في كل مقام على ذكر للبعث والجزاء والحساب فيكون لهذا الرسوخ في الايمان اثر عظيم للغاية في صلاح العبد واستقامته في احواله كلها بل وفي ترقيه في درجات الكمال مما ينال به يوم القيامة رفيع المنازل في جنات النعيم وعندما يتأمل المسلم في الايمان باليوم الاخر بدءا من دخول الانسان في قبره والتفاصيل الكثيرة المذكورة في الكتاب والسنة. مما يكون في القبر وما بعده من البعث والحشر والحساب والجزاء والنار وغير ذلك سيكون له الاثر البالغ عليه في رقة قلبه وخشيته لربه واقباله على طاعته سبحانه عن ابراهيم التيمي رحمه الله قال مثلت نفسي في الجنة اكل ثمارها واشرب من انهارها واعانق ابكارها ثم مثلت نفسي في النار اكل من زقومها واشرب من صديدها واعالج سلاسلها واغلالها فقلت لنفسي ايا نفس اي شيء تريدين؟ قالت اريد ان ارد الى الدنيا فاعمل صالحا. قال قلت فانت في الامنية فاعملي. رواه ابن ابي الدنيا في كتابه محاسبة النفس كم في تذكر المآل من اثر عظيم في ذم النفس واطرها على الحق وكم في الغفلة عنه من اثر في انفلاتها وانسياقها وراء الملذات الفانية قال ابن القيم رحمه الله ونحن نشير بعون الله وتوفيقه الى الشواهد اشارة يعلم بها حقيقة الامر فاول شواهد السائر الى الله والدار الاخرة ان يقوم به شاهد من الدنيا وحقارتها وقلة وفائها وكثرة جفائها وخسة شركائها وسرعة انقضاء ثم قال فاذا قام بالعبد هذا الشاهد منها ترحل قلبه عنها وسافر في طلب الدار الاخرة وحينئذ يقوم بقلبه شاهد من الاخرة ودوامها وانها هي الحيوان حقا فاهلها لا يرتحلون منها ولا يطعنون عنها بل هي دار القرار ومحط الرحال ومنتهى السير ثم قال ثم يقوم بقلبه شاهد من النار وتوقدها واضطرامها وبعد قعرها وشدة حرها وعظيم عذاب اهلها فيشاهدهم وقد سيقوا اليها سود الوجوه زرق العيون والسلاسل والاغلال في اعناقهم فلما انتهوا اليها فتحت في وجوههم ابوابها فشاهدوا ذلك المنظر الفظيع وقد تقطعت قلوبهم حسرة واسفا ورأى المجرمون النار فظنوا انهم واقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا فاذا قام بقلب العبد هذا الشاهد انخلع من الذنوب والمعاصي واتباع الشهوات ولبس ثياب الخوف والحذر واخصب قلبه من مطر اجفانه. وهان عليه كل مصيبة تصيبه في غير دينه وقلبه وعلى حسب قوة هذا الشاهد يكون بعده من المعاصي والمخالفات فيذيب هذا الشاهد من قلبه الفضلات والمواد المهلكة وينضجها ثم يخرجها فيجد القلب لذة العافية وسرورها فيقوم به بعد ذلك شاهد من الجنة. وما اعد الله لاهلها فيها مما لا عين رأت. ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فضلا عما وصفه الله لعباده على لسان رسوله من النعيم المفصل الكفيل باعلى انواع اللذة من المطاعم والمشارب والملابس والصور والبهجة والسرور فيقوم بقلبه شاهد دار قد جعل الله النعيم المقيم الدائم بحذافيره فيها. تربتها المسك وحصباؤها الدر وبناؤها لبن الذهب والفضة وقصب اللؤلؤ. وشرابها احلى من العسل واطيب رائحة من المسك وابرد من الكافور والذ من الزنجبيل ونساؤها لو برز وجه احداهن في هذه الدنيا لغلب على ضوء الشمس. ولباسهم الحرير من السند والاستبرق وخدمهم ولدان كاللؤلؤ المنثور وفاكهتهم دائمة لا مقطوعة ولا ممنوعة وفرش مرفوعة وغذاؤهم لحم طير مما يشتهون. وشرابهم عليه خمرة لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون نظرتهم فاكهة مما يتخيرون. وشاهدهم حور عين كامثال اللؤلؤ المكنون. فهم على الارائك متكئون وفي تلك الرياض يحظرون وفيها ما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين وهم فيها خالدون فاذا انضم الى هذا الشاهد شاهد يوم المزيد والنظر الى وجه الرب جل جلاله وسماع كلامه منه بلا واسطة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم بين اهل الجنة في نعيمهم اذ سطع لهم نور فرفعوا رؤوسهم فاذا الرب تعالى قد اشرف عليهم من فوقهم وقال يا اهل الجنة سلام عليكم ثم قرأ قوله تعالى سلام قولا من رب رحيم ثم يتوارى عنهم وتبقى رحمته وبركته عليهم في ديارهم فاذا انضم هذا الشاهد الى الشواهد التي قبله فهناك يسير القلب الى ربه اسرع من سير الرياح فيما هابها فلا يلتفت في طريقه يمينا ولا شمالا. الى اخر كلامه رحمه الله فكم لهذا من الاثر البالغ على العبد في صلاح قلبه وحسن طاعته لله وبعده عن معاصيه اصلح الله قلوبنا اجمعين وزكاها بالايمان وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته