بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن فضالة ابن عبيد رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع الا اخبركم بالمؤمن من امنه الناس على اموالهم وانفسهم والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب رواه احمد ان من المطالب العظيمة في حياة المسلم العمل على مجاهدة نفسه ومداواتها واطرها على الحق والزامها سبيل الاستقامة وسؤال الله دوما المعونة على ذلك والاصل في هذا الباب قول الله تبارك وتعالى يا ايها الذين امنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله ان الله خبير بما تعملون ولا تكونوا كالذين نسوا الله فانساهم انفسهم اولئك هم الفاسقون. لا يستوي اصحاب النار واصحاب ابو الجنة اصحاب الجنة هم الفائزون قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله وهذه الاية الكريمة اصل في محاسبة العبد نفسه وانه ينبغي له ان يتفقدها فان رأى زللا تداركه بالاقلاع عنه والتوبة النصوح والاعراض عن الاسباب الموصلة اليه. وان رأى نفسه في امر من اوامر الله بذل جهده واستعان بربه في تكميله وتتميمه واتقانه ويقايس بين منن الله عليه واحسانه وبين تقصيره. فان ذلك يوجب له الحياء بلا محالة والحرمان كل الحرمان ان يغفل العبد عن هذا الامر ويشابه قوما نسوا الله وغفلوا عن ذكره والقيام بحقه واقبلوا على حظوظ انفسهم وشهواتها فلم ينجحوا ولم يحصلوا على طائل بل انساهم الله مصالحه انفسهم واغفلهم عن منافعها وفوائدها. فصار امرهم فرطا. فرجعوا بخسارة الدارين وغبنوا غبنا لا يمكنهم تداركه ولا يجبر كسره لانهم خرجوا عن طاعة ربهم واوضعوا في معاصيه فهل يستوي من حافظ على تقوى الله ونظر لما قدم لغده فاستحق جنات النعيم والعيش السليم مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ومن غفل عن ذكر الله ونسي حقوقه فشقي في الدنيا واستحق العذاب في الاخرة. فالاولون هم فائزون والاخرون هم الخاسرون والناس مع النفس على قسمين. قسم يجاهد نفسه ويعاتبها لتنهض الى معالي الامور وفضائل الاداب الاخلاق وقسم اهملها فانغمست في الرذائل وتلوثت بارتكاب المعاصي والاثام وقد ذكر الله هذين القسمين في قوله سبحانه قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها. زكاها بان طهرها ونقاها من الكفر والمعاصي والاثام وجاهدها على البعد عن ذلك كله واصلحها بالطاعات والاعمال الصالحات ودساها بان حقرها واخفاها بترك عمل البر وركوب المعاصي. واطاعها فيما تدعوه اليه من امور تسخط الله وتوجب عقابه ثم ان الله عز وجل قد ركب في الانسان نفسين نفسا امارة بالسوء ونفسا مطمئنة وهما متعاديتان النفس الامارة بالسوء معادية للنفس المطمئنة. والنفس المطمئنة معادية للنفس الامارة بالسوء وكلما خف على هذه ثقل على الاخرى فالامور التي تريدها النفس الامارة تأباها النفس المطمئنة. والامور التي تريدها النفس المطمئنة تأباها النفس الامارة. وكلما التذت احداهما بشيء تألمت الاخرى به فمثلا اذا امتدت النفس الامارة بفعل معصية تألمت النفس المطمئنة لفعلها ولهذا فان النفس الامارة بالسوء اشق شيء عليها فعل الطاعات والقيام بالامور التي ترضي الله والنفس المطمئنة اشق شيء عليها فعل المعاصي والاثام وفي الانسان نفس امارة بالسوء كما يدل لذلك قول الله عز وجل فيما حاكاه عن امرأة العزيز وما ابرئ نفسي ان النفس لامارة بالسوء الا ما رحم ربي ان ربي غفور رحيم اي تأمر صاحبها بكل سوء. وتدعوه الى المهالك وتهديه الى كل قبيح. هذه طبيعتها وسجيتها الا من وفقه الله وثبته واعانه فسلم منها. ولهذا قال الا ما رحم ربي اي فنجا من غوائل نفسه وشرورها ولهذا يقول الله تبارك وتعالى ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من احد ابدا ولكن الله يزكي من يشاء. والله سميع عليم وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم واكرم خلقه ولولا ان ثبتناك لقد كدت تركن اليهم شيئا قليلا وكان النبي عليه الصلاة والسلام يقول في خطبة الحاجة ويعلم اصحابه ان يقولوا الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا وذكر سيئات الاعمال بعد شر النفس. لان سيئات العمل فرع عن شر النفس فاذا خبثت النفس وشانت دعت صاحبها الى الاعمال السيئة والاقوال القبيحة ودفعته الى المهالك ولا يسلم منها الا اذا سلمه الله تبارك وتعالى ونجاه من قوائلها واذا علم المسلم ان النفس الامارة بالسوء هذا شأنها وهذه صفتها وانها تدعو الى المعاصي وتبعد عن الطاعات وتوه الايمان وتظعفه لزمه ان يجتهد في مداواتها ومعالجتها ومحاسبتها ومعاتبتها ولومها حتى يسلم من مغبتها المردية وعواقبها الوخيمة وذلك بان يكون خطام نفسه بيده. لا ان يجعل الخطام للنفس تقوده لاتباع شهواتها ومراداتها دون مبالاة واكترات بما يرضي الله او يسخطه ثم لا يزال مطيعا لها متبعا لها منقادا لطلباتها حتى توقعه في الردى والمهالك فتصبح هي القائد ويصبح هو المقود بينما الاصل ان يكون مجاهدا لنفسه كما قال عليه الصلاة والسلام المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله والله تعالى يقول والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا جاهدوا فينا اي انفسهم قال مالك بن دينار رحمه الله رحم الله عبدا قال لنفسه الست صاحبة كذا قال لنفسي الست صاحبة كذا الست صاحبة كذا؟ ثم ذمها ثم خطمها ثم الزمها كتاب الله فكان لها قائدا وعن الحسن البصري رحمه الله قال ان المؤمن قوام على نفسه يحاسب نفسه لله عز وجل وانما خف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا انفسهم في الدنيا وانما شق الحساب يوم القيامة على قوم اخذوا هذا الامر من غير محاسبة فالنفس تحتاج الى مجاهدة ومحاسبة اما اذا تركها تفعل كل ما تشتهيه وتطلبه فان هذا اضر شيء يكون على الانسان في دينه ودنياه والعاقل الناصح لنفسه هو من يجاهد نفسه على توقي الاثام والبعد عن المعاصي ويجاهدها على فعل الاخلاق الفاضلة والاداب الكاملة والاعمال التي ترضي الرب تبارك وتعالى واعظم معينا للعبد على ذلك ان ينظر ما قدم لغد وهو اليوم الذي يلقى الله فيه ويقف فيه بين يديه ويحاسبه على ما قدم في هذا هذه الحياة وهذا المعنى مستفاد من الاية المتقدمة. يا ايها الذين امنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله فاذا اخذ نفسه هذا المأخذ وحاسبها هذه المحاسبة وذكرها دائما بغده فانه يسلم باذن الله من شر نفسه فاذا دعته يوما الى امر يسخط الله ويغضبه ذكرها بقيامها بين يدي الله ووقوفها امام الله ذكرها بالحساب والجزاء والعقاب والجنة والنار حتى تكف عن دعوته الى العصيان وحتى ترتدع وتنزجر وتكف عما تطلبه من الاثام وهذا ما يسمى عند اهل العلم بمداواة النفوس او محاسبة النفوس وقد افرد بعض اهل العلم المتقدمين كابن اب الدنيا والاجري وغيرهما من اهل العلم كتبا خاصة في محاسبة النفس وجمعوا فيها في هذا الباب الشريف العظيم نقولا عظيمة عن السلف الصالح ولعلنا نقف هنا مع كلمات عظيمة ومواعظ مؤثرة في جهاد النفس ومحاسبتها للخلفاء الراشدين الاربعة ابي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم وعن الصحابة اجمعين امة محمد صلى الله عليه وسلم جاءت هذه المواعظ في خطب لهم بليغة ووعظ مؤثر خطب ابو بكر رضي الله عنه فقال اما بعد اوصيكم بتقوى الله وان تثنوا عليه بما هو له اهل وتخلط الرغبة بالرهبة. وتجمع الالحاح بالمسألة فان الله اثنى على زكريا واهله فقال انهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين ثم اعلموا عباد الله ان الله قد ارتهن بحقه انفسكم. واخذ على ذلك مواثيقكم فاشترى منكم القليل الفاني بالكثير الباق وهذا كتاب الله فيكم لا تفنى عجائبه ولا يطفئ نوره فصدقوا قوله وانتصحوا كتابه واستضيئوا منه ليوم الظلمة وانما خلقكم لعبادته ووكل بكم الكرام الكاتبين. يعلمون ما تفعلون وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خطبته حاسبوا انفسكم قبل ان تحاسبوا وزنوا انفسكم قبل ان توزنوا وتزينوا للعرض الاكبر يوم تعرضون. لا تخفى منكم خافية وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه في خطبته ابن ادم اعلم ان ملك الموت الذي وكل بك لم يزل يخلفك ويتخطى الى غيرك مد انت في الدنيا وكانه قد تخطى غيرك اليك وقصدك فخذ حذرك واستعد له ولا تغفل فانه لا يغفل عنك. واعلم ابن ادم ان غفلت عن نفسك ولم تستعد لها لم يستعد لها غيرك ولابد من لقاء الله فخذ لنفسك ولا تكلها الى غيرك وخطب علي ابن ابي طالب رضي الله عنه الناس بالكوفة فقال يا ايها الناس ان اخوف ما اخاف عليكم طول الامل واتباع الهوى فاما طول الامل فينسي الاخرة واما اتباع الهوى فيضل عن الحق الا ان الدنيا قد ولت مدبرة. والاخرة مقبلة ولكل واحدة منهما بنون فكونوا من ابناء الاخرة ولا تكونوا من ابناء الدنيا فان اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل الا ما اعظمها من وصايا. فحري بكل مؤمن حريص على سعادة نفسه ونجاتها ان يجاهد نفسه ويحاسبها قبل ان يحاسبه الله وان يزن اعماله قبل ان يقف بين يدي الله جل في علاه والكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الاماني اللهم اتي نفوسنا تقواها وزكها انت خير من زكاها انت وليها ومولاها وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته