بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اخبروني بشجرة مثلها مثل المسلم تؤتي اكلها كل حين باذن ربها ولا تحط ورقها فوقع في نفسي انها النخلة فكرهت ان اتكلم وثم ابو بكر وعمر فلما لم يتكلما قال النبي صلى الله عليه وسلم هي النخلة فلما خرجت مع ابي قلت يا ابتاه وقع في نفسي انها النخلة قال ما منعك ان تقولها لو كنت قلتها كان احب الي من كذا وكذا قال ما منعني الا اني لم ارك ولا ابا بكر تكلمتما فكرهت متفق عليه وقد خرج هذا الحديث مخرج التفسير لقول الله تعالى الم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة اصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي اكلها كل حين باذن ربها ويضرب الله الامثال للناس لعلهم يتذكرون فهذا مثل بديع عظيم الفائدة مطابق لما ضرب له تمام المطابقة وقد بدأه الله بقوله الم تر كيف ضرب الله مثلا اي الم تر بعين قلبك فتعلم كيف مثل الله مثلا للكلمة الطيبة كلمة الايمان وختمه بقوله ويضرب الله الامثال للناس لعلهم يتذكرون اي ان القصد من ضرب هذا المثل وغيره من الامثال هو تذكير الناس ودعوتهم الى الاعتبار وعقل الخطاب عن الله ولا شك ان هذا البدء والختم في الاية فيه اعظم حظ على تعلم هذا المثل وتعقله وفيه دلالة على عظم شأن الامثال المضروبة في القرآن واهمية عقلها وتعلمها فانها من اعظم دلائل الايمان التي اشتمل عليها القرآن وبها تتضح حقيقته وتستبين تفاصيله وشعبه وتظهر ثمراته وفوائده والمثل هو عبارة عن قول في شيء يشبه قولا في شيء اخر بينهما مشابهة لتبيين احدهما من الاخر وتصويره ولا ريب ان ضرب الامثال ما يأنس به العقل لتقريبه المعقول من المشهود وقد قال تعالى وكلامه المشتمل على اعظم الحجج وقواطع البراهين وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها الا العالمون وقد اشتمل منها اي القرآن على بضعة واربعين مثلا وكان بعض السلف اذا قرأ مثلا لم يفهمه يشتد بكاؤه ويقول لست من العالمين وكان قتادة رحمه الله يقول اعقلوا عن الله الامثال والله سبحانه وتعالى ضرب في القرآن امثالا كثيرة. جلها في بيان التوحيد وتقرير الايمان وابطال الشرك وما من شك ان التفكر في هذه الامثال المضروبة في القرآن يعد حياة للقلوب ويقظة لها من غفلتها ولهذا قال سبحانه في خاتمة الاية ويضرب الله الامثال للناس لعلهم يتذكرون وهذا نظير قوله تعالى ولقد اضطربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون فان المثل من شأنه ان يقرب المعاني الى الاذهان كما قال تعالى ضرب لكم مثلا من انفسكم اي تشهدونه وتفهمونه من انفسكم وفي القرآن امثال كثيرة يؤمن بها المؤمنون ويعلمون انها الحق من ربهم ويهديهم الله بها الى اقوم السبل. فتكون صلاحا لقلوبهم واعمالهم قال ابن القيم رحمه الله ضرب الامثال في القرآن يستفاد منه التذكير والوعظ والحث والزجر والاعتبار والتقرير وتقريب المراد للعقل وتصويره في صورة المحسوس بحيث يكون نسبته للعقل كنسبة المحسوس الى الحس وقد تأتي امثال القرآن مشتملة على بيان تفاوت الاجر على المدح والذم وعلى الثواب والعقاب وعلى تفخيم الامر او تحقيره وعلى تحقيق امر وابطال امر وهذه وقفة مع مثل ضربه الله في القرآن لبيان قوة تأثير القرآن على القلوب لما تحويه اياته المحكمات ومواعظه المؤثرات وهداياته النافعات من تأثير عظيم على القلوب قال الله عز وجل لو انزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشيته في الله وتلك الامثال نضربها للناس لعلهم يتذكرون قال السعدي رحمه الله هذا القرآن لو انزله الله على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله. اي لكمال تأثيره في القلوب فان مواعظ القرآن اعظم المواعظ على الاطلاق واوامره ونواهيه محتوية على الحكم والمصالح المقرونة بها وهي من اسهل شيء على النفوس. وايسرها على الابدان خالية من التكلف لا تناقض فيها ولا اختلاف ولا صعوبة فيها ولا اعتساف تصلح لكل زمان ومكان. وتليق لكل احد وقد بين الله جل وعلا قوة تأثير القرآن بانه لو انزل على جبل لتصدع من خشية الله واذا كان هذا شأن الجبل في قوة تأثير القرآن عليه وهو جبل اصم صلب مصمت لتصدع من خشية الله فما الشأن في قلب الانسان قال ابن القيم رحمه الله وقد اخبر عنها اي الجبال فاطرها وباريها انه لو انزل عليها كلامه لخشعت ونتصدعت من خشية الله فيا عجبا من مضغة لحم اقسى من هذه الجبال تسمع ايات الله تتلى عليها ويذكر الرب تبارك وتعالى فلا تلينوا ولا تخشعوا ولا تنيب فالواجب على المسلم ان يعتبر بهذا المثل وان يتعظ وان يعمل على ان يكون للقرآن اثر على قلبه وان يكون منتفعا بهدايات القرآن. وان يتفقد نفسه فيما كان فيها من اخلال وتقصير في هذا الجانب وبين وما من شك ان هذا التأثير للقرآن الكريم متوقف على حسن التدبر لاياته والتأمل في معانيه والعقل لدلالاته لا ان يكون حظ الانسان منه مجرد القراءة بل لا بد من تأمل وتدبر حتى وان احتاج التأمل من المرء ان يقف مع اية واحدة يوما او ليلة كاملة لان التأثر به والانتفاع موقوف على حسن التدبر والله عز وجل انما انزل هذا الكتاب لتتدبر اياته كما قال جل وعلا كتاب انزلناه اليك مبارك ليدبروا اياته وليتذكر اولوا الالباب وجاء في غير ما اية من كتاب الله عز وجل الحث على تدبر القرآن والانكار على من ضيع ذلك وفرط فيه واهمله قال الله جل وعلا افلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا وقال جل وعلا افلا يتدبرون القرآن ام على قلوب اقفالها واخبر سبحانه ان تدبر القرآن وتأمل معانيه امنة للعبد من الضلال وسلامة له من فقال سبحانه قد كانت اياتي تتلى عليكم فكنتم على اعقابكم تنكسون مستكبرين به سامرا تهجرون افلم يتدبر القول اي لو انهم تدبروا القول لما نكصوا على ولا ما كانوا من اهل الضلال فتدبر القول الذي هو القرآن امنة للعبد من الضلال وسلامة له من الغواية وحماية له من وحصن له من كل شر فما احوج قلوبنا الى القرآن الكريم معرفة بعظمته وادراكا لمكانته واهتداء بهداياته. ولزوما لما يدعو اليه من صلاح العباد وفلاحهم وسعادتهم في دنياهم واخراهم ويعين العبد على تحقيق هذا المطلب ادراكه ان القرآن كلام رب العالمين وتنزيل العلي الحكيم انزله سبحانه هداية للعباد وصلاحا للناس يخرجهم به من الظلمات الى النور ومعرفته بصفات القرآن العظيمة ونعوته الجليلة الدالة على عظيم مكانته ورفعة شأنه لتكون هذه المعرفة عونا له على الاقبال على القرآن تدبرا واهتداء بهداياته العظيمة قال الله تعالى قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات الى النور باذنه ويهديهم الى صراط مستقيم فجمعت هاتان الايتان الكريمتان سبع صفات عظيمة للقرآن الاولى في قوله جل وعلا قد جاءكم من الله فهو كتاب منزل من رب العالمين تكلم الله جل وعلا به وسمعه منه جبريل ونزل به جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم وانه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الامين على قلبك لتكون من المنذرين ومن نبينا عليه الصلاة والسلام سمعه الصحابة الكرام ومن الصحابة سمعه تابعوهم ومن التابعين تابعوا الاتباع وهكذا تلقاه الاخر عن الاول بالاسانيد المضبوطة مصونا محفوظا مؤيدا بتأييد الله جل في علاه. انا نحن نزلنا الذكر انا له لحافظون الثانية في قوله نور ان يهتدى به في الظلمات فيستضيئ به السالك وينجو باضائته من المهالك فلا هداية الا بنور القرآن. ولا خروجا من الظلمات بانواعها والشرور باصنافها ولا نجاة الا بنور القرآن الثالثة والرابعة في قوله وكتاب مبين كتاب بمعنى مكتوب وهو من الكتب وهو الجمع والضم لانه جمع العلوم والاخبار والقصص والاحكام على اتم الوجوه واكملها واتقنها واحسنها وقوله مبين اي للحق موضح له مرشد اليه يهدي العباد الى التي هي اقوم ويدلهم الى التي هي ارشد ففيه بيان مصالح العباد كلها ومنافعهم جميعها في دنياهم واخراهم الخامسة في قوله جل وعلا يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام فهو كتاب فيه هداية العباد الى سبل السلام اي طرق الخير ودروبه وهي شعب الايمان وخصال الدين المتنوعة العظيمة والسادسة في قوله جل وعلا ويخرجهم من الظلمات الى النور باذنه وهو كتاب يخرج العباد من الظلمات بانواعها ظلمات الكفر والبدعة والمعصية والجهل والغفلة. الى نور الايمان والسنة والطاعة والعلم وذكر الله جل في علاه السابعة في قوله في تمام هذا السياق ويهديهم الى صراط مستقيم. اي سبيل قويم واضحة بينة يصل من خلالها العبد الى رضوان والفوز بجنات النعيم وهو دين الله الذي رضيه لعباده ولا يرضى لهم دين سواه وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم لعلكم تتقون نسأل الله جل وعلا ان يرزقنا قلوبا معظمة للقرآن مدركة لمكانته. معتنية به متدبرة له مهتدية بهداياته. انه تبارك وتعالى سميع الدعاء وهو اهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته