بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد عن انس بن مالك رضي الله عنه قال جاء رجل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله متى الساعة؟ قال وما اعددت للساعة قال حب الله ورسوله قال فانك مع من احببت قال انس رضي الله عنه فما فرحنا بعد الاسلام فرحا اشد من قول النبي صلى الله عليه وسلم فانك مع من احببت قال انس فانا احب الله ورسوله وابا بكر وعمر فارجو ان اكون معهم وان لم اعمل باعمالهم متفق عليه وعن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل كل عمل ابن ادم له الا الصيام فانه لي وانا اجزي به والصيام جنة فاذا كان يوم صوم احدكم فلا يرفث يومئذ ولا يصخب فان سابه احد او قاتله فليقل اني امرؤ صائم والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم اطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك وللصائم فرحتان يفرحهما اذا افطر فرح بفطره واذا لقي ربه فرح بصومه الفرح لذة تقع في القلب بادراك المحبوب ونيل المشتهى فيتولد عن ذلك الادراك حالة تسمى الفرح لكن شتان بين فرح وفرح شتان بين من فرحه بدنيا فانية ولذة زائلة او باهواء باطلة وبدع مردية وبين من فرحه بخير وعبادة وطاعة لله فان هذا الفرح يعد من مقامات الدين العلية ومنازله الرفيعة لانه فرع عن محبة قامت في القلوب بالدين نفسه. قال ابن القيم رحمه الله فالفرح بالله وبرسوله وبالايمان وبالسنة وبالعلم وبالقرآن من اعلى مقامات العارفين قال الله تعالى واذا ما انزلت سورة فمنهم من يقول ايكم زادته هذه ايمانا فاما الذين امنوا فزادتهم ايمانا وهم يستبشرون وقال تعالى والذين اتيناهم الكتاب يفرحون بما انزل اليك فالفرح بالعلم والايمان والسنة دليل على تعظيمه عند صاحبه ومحبته له وايثاره له على غيره فان فرح العبد بالشيء عند حصوله له على قدر محبته له ورغبته فيه فمن ليس له رغبة في الشيء لا يفرحه حصوله له ولا يحزنه فواته فالفرح تابع للمحبة والرغبة وقال رحمه الله فالفرح بفضله ورحمته تبع للفرح به سبحانه المؤمن يفرح بربه اعظم من فرح كل احد بما يفرح به من حبيب او حياة او مال او نعمة او ملك يفرح المؤمن بربه اعظم من هذا كله ولا ينال القلب حقيقة الحياة حتى يجد طعم هذه الفرحة والبهجة في ظهر سرورها في قلبه ونظرتها في وجهه فيصير له حال من حال اهل الجنة حيث لقاهم الله نظرة وسرورا فلمثل هذا فليعمل العاملون وفي ذلك فليتنافس المتنافسون فهذا هو العلم الذي شمر اليه اولو الهمم والعزائم واستبق اليه اصحاب الخصائص والمكارم يقول الله تعالى يا ايها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين قل بفضل الله وبرحمتي فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون قال الحافظ ابن كثير رحمه الله يقول تعالى ممتنا على خلقه بما انزل اليهم من القرآن العظيم على رسوله الكريم يا ايها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم اي زاجر عن الفواحش وشفاء لما في الصدور اي من الشبه والشكوك وهو ازالة ما فيها من رجس ودنس وهدى ورحمة اي محصل لهم الهداية والرحمة من الله تعالى وانما ذلك للمؤمنين به والمصدقين الموقنين بما فيه كما قال تعالى وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين. ولا يزيد الظالمين الا خسارا وقال تعالى قل هو للذين امنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في اذانهم وقر وهو عليهم عمى اولئك ينادون من مكان بعيد وقوله تعالى قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون اي بهذا الذي جاءهم من الله من الهدى ودين الحق فليفرحوا فانه اولى ما يفرحون به هو خير مما يجمعون اي من حطام الدنيا وما فيها من الزهرة الفانية الذاهبة لا محالة كما قال ابن ابي حاتم في تفسير هذه الاية قال وذكر عن بقية يعني ابن الوليد عن صفوان بن عمرو قال سمعت ايفع بن عبد الكلاعي يقول لما قدم خراج العراق الى عمر رضي الله عنه خرج عمر ومولى له فجعل عمر يعد الابل فاذا هي اكثر من ذلك فجعل عمر يقول الحمد لله ويقول مولاه هذا والله من فضل الله ورحمته فقال عمر رضي الله عنه كذبت ليس هذا هو الذي يقول الله تعالى قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون وهذا اي الابل مما يجمعون وروى ابو نعيم في حلية الاولياء ان الفضيل وقف على رأس سفيان وحوله جماعة فقال له قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون فقال له سفيان يا ابا علي والله لا نفرح ابدا حتى نأخذ دواء القرآن فنضعه على داء القلب فليحاسب المرء نفسه بضوء هداية هاتين الايتين ولينظر في نوع فرحه وحقيقته اهو من هؤلاء الذين فرحهم حقا وصدقا برحمة الله وفضله ام انه فرح قاصر على لذة فانية وحطام زائل او اهواء وضلالات ومهالك والله جل وعلا عندما امر في هذا السياق المبارك بالفرح برحمته وفضله جل في علاه قدم ببيان اوصاف القرآن التي تدعو حقا من تأملها الى الفرح بالقرآن والفرح بهدايات كلام الله تبارك وتعالى فوصف سبحانه وتعالى في هذا السياق المبارك القرآن بصفات اربعة ما اعظمها وما اجلها الاولى انه كتاب موعظة ففيه الترغيب والترهيب وفيه الوعد والوعيد وفيه الحث على الخيرات والنهي عن المحرمات وفيه اخذ بالقلوب والنفوس الى التعلق بالمقاصد العالية والغايات النبيلة والبعد عن سفساف الامور ورديئها وحقيرها ووصفه جل وعلا بانه شفاء لما في الصدور من الامراض والاسقام امراض الشبهات وامراض الشهوات الشبهات التي تحجب عن القلوب العلم بالحق والمعرفة به والشهوات التي تبعد القلوب عن لزوم الحق والاستمساك به فالقرآن شفاء لما في الصدور لما فيه من حجج بينات وبراهين واضحات ولما فيه من وعظ وترغيب وترهيب ووعد ووعيد ووصف الله تبارك وتعالى القرآن بانه هدى اي فيه هداية للقلوب فهو يهدي للتي هي اقوم ويدل للتي هي ارشد فالقرآن كتاب هداية وفلاح وكتاب زكاء وصلاح فلا هداية لاحد الا بهذا القرآن فهو كتاب الله المشتمل على هداية القلوب وصلاح النفوس وزكائها ورفعتها في الدنيا والاخرة ووصفه جل وعلا بانه رحمة لما يترتب على العمل بالقرآن من الخيرات العظام. والبركات الجسام التي يفوز بها من كان من اهل القرآن حقا وصدقا علما وعملا وعلى اثر ذكر هذه الاوصاف العظيمة للقرآن امر الله عز وجل بالفرح بفضله وبرحمته فقال قل بفضل الله وبرحمته. اي بالقرآن والايمان والعلم والعمل والطاعة والانقياد والعبادة لله سبحانه فبذلك فليفرحوا وقوله فليفرحوا امر من الله عز وجل بهذا النوع من الفرح المثمر لكل خير وفلاح وسعادة في الدنيا والاخرة لانه عبودية عظيمة للقلوب خسرتها قلوب كثيرة وضيعتها نفوس عديدة بسبب الانشغال بانواع من الفرح الذي لا طائل وراءه ولا فائدة منه الا الضياع والحرمان فمن اكرمه الله باداء الصلاة والمحافظة عليها والقيام بفرائض الاسلام وواجبات الدين واداء الحقوق حقوق الله وحقوق العباد والبعد عن المحرمات فليفرح بذلك وفرحوا بذلك عبودية عظيمة من عبوديات القلب واذا وجد هذا النوع من الفرح في قلب المؤمن انبسطت نفسه وزاد اقباله على طاعة الله وزاد عملا باوامر الله وبعدا عن نواهيه تبارك وتعالى وعندما نتأمل السياق المتقدم ندرك ان القرآن الكريم ليس الغرض من انزاله مجرد قراءته وترتيله واقامة حروفه وانما المراد من تنزيله الاتعاظ بمواعظه والاستشفاء به والاهتداء بهداياته والفوز والظفر بما يترتب على العناية بالقرآن من رحمة وخير وبركة في الدنيا والاخرة وعندما يشتط بالانسان الفهم او يسوء منه العمل تنصرف نفسه الى انواع من الفرح تكون مضرتها عليه عظيمة للغاية واثارها عليه فادحة كمن يفرح بارتكابه لشهوة محرمة او ببدع واهواء ما انزل الله بها من سلطان هذا ولا يضر المرء فرحه بما اوتي من زينة الدنيا اذا لم تكن صارفة له عن طاعة ربه ومرضاته عن زيد بن اسلمة عن ابيه قال سمعت عبدالله ابن الارقم وهو يقول لعمر بن الخطاب رضي الله عنه يا امير المؤمنين ان عندنا حلية من حلية جالولا وانية من ذهب وفضة فانظر ان تأمر فيها بامرك فقال اذا رأيتني فارغا فاذني رآه يوما فقال اني اراك اليوم فارغا فقال ابسط لي نطعا في الحش. قال ابن وهب يريد النخل فامر بنطع فبسط له فاوتي بذلك المال فصب عليه ثم وقف عليه فقال اللهم انك ذكرت هذا المال وقلت زين للناس بس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة وقلت لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما اتاكم اللهم انا لا نستطيع الا ان نفرح بما زينت لنا. اللهم اني اسألك ان ننفقه في حقه واعوذ بك من شره. قال فاوتي بابن له يحمل يقال له عبدالرحمن ابن بهية فقال له يا ابتاه هب لي خاتما قال اذهب الى امك تسقيك سويقا فما اعطاه منه شيئا فلنجاهد انفسنا على تحقيق هذا الفرح بفضل الله وبرحمته لنفوز بثواب الله العظيم واجره الجزيل الذي اعده تبارك وتعالى لعباده المتقين واولياءه المقربين وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته