بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد عن انس بن مالك رضي الله عنه قال جاء رجل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله متى الساعة قال وما اعددت للساعة قال حب الله ورسوله قال فانك مع من احببت قال انس فما فرحنا بعد الاسلام فرحا اشد من قول النبي صلى الله عليه وسلم فانك مع من احببت قال انس فانا احب الله ورسوله وابا بكر وعمر فارجو الله ان اكون معهم وان لم اعمل باعمالهم متفق عليه وعن انس رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو في الموت فقال كيف تجدك قال ارجو الله يا رسول الله واخاف ذنوبي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن الا اعطاه الله ما يرجو وامنه مما يخاف رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة جمع هذان الحديثان ثلاث خصال عظيمة من خصال القلوب هي خير عدة ومدخر للقاء الله حب الله تبارك وتعالى ورجاءه والخوف منه سبحانه ولابد منها في الطاعات كلها والعبادات جميعها قال الله عز وجل في شأن الحب والذين امنوا اشد حبا لله وقال جل وعلا في شأن الرجاء ومن يقنط من رحمة ربه الا الضالون وقال جل وعلا في شأن الخوف افأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله الا القوم الخاسرون وجمع جل وعلا هذه الثلاثة في قوله سبحانه اولئك الذين يدعون يبتغون الى ربهم الوسيلة ايهم اقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه ان عذاب ربك كان محظورا ومقام الحب من العبادة مقام الروح من الجسد وهو الذي يهيج النفس ويحركها الى القيام بالعبادة وطاعة المحبوب سبحانه والبعد عن مناهيه فالحب اساس للعبادة بل هو روح لها لا قيام للعبادة الا عليه والرجاء قائد للنفس لا سير لها في الطريق ولا استقامة لها عليه الا به والخوف سائق للنفس وحاجز لها عن الحرام والاثام عن وهب بن منبه رحمه الله قال النفس كنفوس الدواب والايمان قائد والعمل سائق والنفس حارون فان فتر قائدها حرنت عن سائقها وان فتر سائقها ظلت عن الطريق رواه ابن ابي الدنيا في ادب النفوس شبهت النفس بالدابة الحرون لكثرة تقلبها وعدم تحكم الانسان بها الا اذا اعانه الله عليها بالعلم والعمل قال ابن تيمية رحمه الله فان العلم قائد والعمل سائق والنفس حرون فان ولي قائدها لم تستقم لسائقها وان ولي سائقها لم تستقم لقائدها فاذا ضعف العلم حار السالك ولم يدري اين يسلك فغايته ان يستطرح للقدر واذا ترك العمل حار السالك عن الطريق فسلك غيره مع علمه انه تركه فهذا حائر لا يدري اين يسلك مع كثرة سيره وهذا حائر عن الطريق زائغ عنه مع علمه به فالرجاء قائد له الى كل فضيلة يحدو الى الطاعات ويأخذ بالعبد مأخذ الجد في العبادات والخوف سائق وزاجر للعبد للمضي في الطاعة والبعد عن الحرام والاثام والرجاء انما يكون نافعا اذا كان قائدا للطاعات والخوف انما يكون نافعا اذا كان حاجزا عن المحرمات والاثام ولا يغلب رجاء على خوف ولا خوف على رجاء بل يؤتى بهما جميعا فانهما بمثابة الجناحين للطائر فمن غلب الرجاء على الخوف امن من مكر الله ومن غلب الخوف على الرجاء قنط من رحمة الله وقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما ان رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكبائر قال الشرك بالله والاياس من رح الله والامن من مكر الله الامن من مكر الله يتطرق الى النفس عندما يغلب العبد الرجاء والقنوط من رحمة الله يتطرق اليها عندما يغلب العبد الخوف والواجب على العبد ان يأتي بالرجاء والخوف معا بتوازن فما احوج العبد الى العناية بهذه الاركان الثلاثة للتعبد محبة الله ورجائه والخوف منه سبحانه لتستقيم له طاعته لله وكل تفريط يقع في الناس غلوا او تقصيرا راجع الى الاخلال باحد هذه الاصول الثلاثة وتعد هذه الثلاثة محركات نافعة عظيم النفع للقلوب اذا وجدت في القلب حركته وسار سيرا حثيثا الى الله طلبا لرضاه وبعدا عن مساخطه وقلت افاته او ذهبت قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله ولابد من التنبيه على قاعدة تحرك القلوب الى الله عز وجل فتعتصم به فتقل افاتها او تذهب عنها بالكلية بحول الله وقوته فنقول اعلم ان محركات القلوب الى الله عز وجل ثلاثة المحبة والخوف والرجاء واقواها المحبة وهي مقصودة تراد لذاتها. لانها تراد في الدنيا والاخرة. بخلاف الخوف فانه يزول في الاخرة قال الله تعالى الا ان اولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون والخوف مقصود منه الزجر والمنع من الخروج عن الطريق فالمحبة تلقي العبد في السير الى محبوبه وعلى قدر ضعفها وقوتها يكون سيره اليه والخوف يمنعه ان يخرج عن طريق المحبوب والرجاء يقوده فهذا اصل عظيم يجب على كل عبد ان يتنبه له فانه لا تحصل له العبودية بدونه وكل احد يجب ان يكون عبدا لله لا لغيره فان قيل فالعبد في بعض الاحيان قد لا يكون عنده محبة تبعثه على طلب محبوبه فاي شيء يحرك قلنا يحركها شيئا احدهما كثرة الذكر للمحبوب لان كثرة ذكره تعلق القلوب به ولهذا امر الله عز وجل بالذكر الكثير فقال تعالى يا ايها الذين امنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة واصيلا والثاني مطالعة الائه ونعمه قال الله تعالى فاذكروا الاء الله لعلكم تفلحون وقال تعالى وما بكم من نعمة فمن الله وقال تعالى واسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة وقال تعالى وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها فاذا ذكر العبد ما انعم الله به عليه من تسخير السماء والارض وما فيها من الاشجار والحيوان وما اسبغ عليه من النعم الباطنة من الايمان وغيره فلا بد ان يثير ذلك عنده باعثا وكذلك الخوف تحركه مطالعة ايات الوعيد والزجر والعرض والحساب ونحوه وكذلك الرجاء يحركه مطالعة الكرم والحلم والعفو وما ورد في الرجاء وقال رحمه الله واذا كانت المحبة اصل كل عمل ديني فالخوف والرجاء وغيرهما يستلزم المحبة ويرجع اليها فان الراجي الطامع انما يطمع فيما يحبه لا فيما يبغضه والخائف يفر من الخوف لينال المحبوب قال تعالى اولئك الذين يدعون يبتغون الى ربهم الوسيلة ايهم اقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه وقال ان الذين امنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله اولئك يرجون رحمة الله ورحمته اسم جامع لكل خير وعذابه اسم لكل شر ودار الرحمة الخالصة هي الجنة ودار العذاب الخالص هي النار واما الدنيا فدار استدراج وهذه الثلاثة فرائض افترضها الله سبحانه على عباده لابد ان تكون في قلوبهم وقد سماها اهل العلم اركان التعبد القلبية لانها اساس يقوم عليها الدين. ينبغي اصطحابها في كل طاعة يتقرب بها العبد الى الله سبحانه قال الحافظ ابن رجب رحمه الله وقد علم ان العبادة انما تبنى على ثلاثة اصول الخوف والرجاء والمحبة وكل منها فرض لازم والجمع بين الثلاثة حتم واجب فلهذا كان السلف يذمون من تعبد بواحد منها واهمل الاخرين فان بدع الخوارج ومن اشبههم انما حدثت من التشدد في الخوف والاعراض عن المحبة والرجاء وبدع المرجئة نشأت من التعلق بالرجاء وحده والاعراض عن الخوف وبدع كثير من اهل الاباحة والحلول ممن ينسب الى التعبد نشأت من افراد المحبة والاعراض عن الخوف والرجاء وقد اجتمعت هذه الاركان الثلاثة في فاتحة الكتاب قال الله جل وعلا الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين اياك نعبد واياك نستعين اما المحبة ففي قوله جل وعلا الحمدلله رب العالمين لان الحمد هو الثناء على الله جل وعلا مع حبه والثناء اذا كان عن غير حب يسمى مدحا ولا يسمى حمدا والله جل وعلا يحمد لنعمه التي لا تعد ولا تحصى ويحمد على اسمائه الحسنى وصفاته العظيمة وجلاله وجماله وكبريائه سبحانه واما الرجاء ففي قوله الرحمن الرحيم فان المسلم اذا قرأ الرحمن الرحيم تحرك في قلبه الرجاء واذا قرأ ما لك يوم الدين تحرك في قلبه الخوف قال الله تعالى وما ادراك ما يوم الدين ثم ما ادراك ما يوم الدين يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والامر يومئذ لله ثم قال بعد ذلك اياك نعبد اي اعبدك يا رب مخلصا لك العبادة بمحبتك ورجائك وخوفك وقد جاءت هذه الاركان الثلاثة مبينة مفصلة موضحة في كتاب الله تبارك وتعالى ففي القرآن ايات فيها ذكر المحبة والترغيب فيها وبيان اثارها وثمارها وعوائدها الحميدة ومكانتها من الدين وفضل من قامت في قلوبهم يحبهم ويحبونه وبينت علاماتها ودلائلها وشواهدها وبينت ايضا الامور الجالبة لها والتي تنمي المحبة وتقويها في قلب المسلم وفيها ايات ذكر فيها الرجاء وبيان مقامه العظيم وذكر الامور التي تحرك الرجاء في القلب من النعيم والثواب والرحمة والمن والعطاء وعموم ايات الوعد والثواب وهي كثيرة في كتاب الله تحرك في قلب المسلم الرجاء. وكذلك اسماء الله الدالة على المغفرة والرحمة والانعام والاكرام والفظل والتوبة ونحوها تحرك في القلب الرجاء وفيه ايات كثيرة في بيان الخوف والدعوة الى تحقيقه وان يكون قلب المسلم خائفا من الله فلا تخافوهم وخافوني ان كنتم مؤمنين فجعل ذلك شرطا في الايمان واساسا في الدين وعموم ايات الوعيد في ذكر العقوبة والنار والبطش والانتقام وغير ذلك كلها تحرك في قلب الانسان الخوف من الله والخوف من عذابه سبحانه لقد خوفنا الله من سخطه وعقابه والنار فوجب علينا ان نخاف ورغبنا سبحانه في الجنة وما فيها من كريم النزل وطيب النعيم فوجب علينا ان نقبل وننرب بقلوب عامرة بحب الكريم المنعم سبحانه ويشبه اهل العلم هذه الاصول وحاجة العبد اليها في سيره الى الله تبارك وتعالى بالطائر المحبة رأسه والرجاء والخوف بمثابة الجناحين قال ابن القيم رحمه الله القلب في سيره الى الله عز وجل بمنزلة الطائر فالمحبة رأسه والخوف والرجاء جناح فمتى سلم الرأس والجناحان فالطير جيد الطيران ومتى قطع الرأس مات الطائر ومتى فقد الجناحان فهو عرضة لكل صائد وكاسر ولكن السلف استحبوا ان يقوي في الصحة جناح الخوف على جناح الرجاء وعند الخروج من الدنيا يقوي جناح الرجاء على جناح الخوف عن علي ابن ابي طالب رضي الله عنه قال لا يرجو عبد الا ربه ولا يخافن الا ذنبه رواه الدينوري في المجالسة وجواهر العلم وهذه الكلمة كما قال ابن تيمية رحمه الله من جواهر الكلام وهي من احسنه وابلغيه واتمه فمن رجا نصرا او رزقا من غير الله خذله الله والرجاء يكون للخير والخوف يكون من الشر والعبد انما يصيبه الشر بسبب ذنوبه ولا يجتمع هذان الوصفان الا لعبد موفق لنيل ما يرجو من الخير وللامنة مما يحذر من الشر جعلنا الله بمنه من المحبين الصادقين الراجين رحمته الخائفين من عذابه. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته