بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد روى البخاري في صحيحه من حديث ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على سرية وكان يقرأ لاصحابه في صلاتهم فيختم بقل هو الله احد فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال سلوه لاي شيء يصنع ذلك فسألوه فقال لانها صفة الرحمن وانا احب ان اقرأ بها فقال النبي صلى الله عليه وسلم اخبروه ان الله يحبه وروى البخاري عن انس رضي الله عنه قال كان رجل من الانصار يؤمهم في مسجد قباء وكان كلما افتتح سورة يقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأ به افتتح بقل هو الله احد حتى يفرغ منها ثم يقرأ سورة اخرى معها وكان يصنع ذلك في كل ركعة فكلمه اصحابه فقالوا انك تفتتح بهذه السورة ثم لا ترى انها تجزئك حتى تقرأ باخرى فاما ان تقرأ بها واما ان تدعها وتقرأ باخرى فقال ما انا بتاركها ان احببتم ان اؤمكم بذلك فعلت وان كرهتم تركتكم وكانوا يرون انه من افظلهم وكرهوا ان يؤمهم غيره فلما اتاهم النبي صلى الله عليه وسلم اخبروه الخبر فقال يا فلان ما يمنعك ان تفعل ما يأمرك به اصحابك وما يحملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة فقال اني احبها فقال حبك اياها ادخلك الجنة وعن انس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الايمان من كان الله ورسوله احب اليه مما سواهما وان يحب المرء لا يحبه الا لله وان يكره ان يعود في الكفر بعد ان انقذه الله منه كما يكره ان يقذف في النار. متفق عليه ان اجل مقامات العابدين واعظم منازل السائرين محبة رب العالمين. وخالق الخلق اجمعين ان الذي لا اله الا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور ذو الجلال والاكرام الرب العظيم سبحانه الذي له الاسماء الحسنى والصفات العليا وهي روح الدين وغذاء الارواح واساس السعادة وقوام الدين والاعمال قال ابن القيم رحمه الله وهي المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون واليها شخص العاملون. والى علمها شمر السابقون. وعليها تفانى المحبون وبروح نسيمها تروح العابدون فهي قوت القلوب وغذاء الارواح وقرة العيون وهي الحياة التي من حرمها فهو من جملة الاموات والنور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات والشفاء الذي من عدمه حلت بقلبه جميع الاسقام واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم والام وهي روح الايمان والاعمال والمقامات والاحوال التي متى خلت منها فهي كالجسد الذي لا روح فيه تحمل اثقال السائرين الى بلد لم يكونوا الا بشق الانفس بالغيها وتوصلهم الى منازل لم يكونوا بدونها ابدا واصليها وتبوأهم من مقاعد الصدق مقامات لم يكونوا لولاها داخليها وهي مطايا القوم التي مسراهم على ظهورها دائما الى الحبيب وطريقهم الاقوم الذي يبلغهم الى منازلهم الاولى من قريب وهي اساس السعادة وسبيل الفلاح في الدنيا والاخرة الجالبة للاعمال المحققة للكمال البالغة بالعبد الى خير المقامات وعلي المنازل فشأنها عظيم وامرها جليل ومكانتها في دين الله رفيعة وكان من دعاء نبينا عليه الصلاة والسلام كما في سنن الترمذي وغيره اسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقرب الى حبك وجاء في صحيح البخاري وغيره من حديث ابي هريرة رضي الله عنه انه صلى الله عليه وسلم قال ان الله اذا احب عبدا دعا جبريل فقال اني احب فلانا فاحبه قال فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول ان الله يحب فلانا فاحبوه فيحبه اهل السماء قال ثم يوضع له القبول في الارض وهذا هو معنى قول الله سبحانه ان الذين امنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا وثمار المحبة واثارها وفوائدها وعوائدها على المحبين في الدنيا والاخرة لا حصر لها ولا عد ويكفي المحب ان الله عز وجل معه مؤيدا وحافظا ومسددا وموفقا وفي خضم توالي الفتن وكثرة الصوارف وتنوع الملهيات والصواد التي يبتلى بها الناس تضعف محبة الله في القلوب ويضعف تبعا لذلك اثارها وثمارها وموجباتها وهذا مقام يتطلب من العبد عودة صادقة بنفسه الى الله بحثا عن سبيل نيل محبة الله متطلبا الامور الجالبة الى قلبه محبة الله. ليعود الى قلبه صفاؤه ونقاؤه وبهاؤه وذلك بعمارته بمحبة الله جل وعلا وهذه وقفة اذكر فيها بجملة من الامور العظيمة التي تجلب الى القلوب محبة ذي الجلال والاكرام فاول ذلك عناية صادقة بكتاب الله تدبرا وتأملا قال تعالى كتاب انزلناه اليك مبارك ليدبروا اياته وليتذكر اولوا الالباب وقال تعالى افلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا وعندما يقرأ المرء القرآن لا يكن همه ختم السورة وليكن همه عقل الخطاب وفهم المراد فهذا من اعظم الامور الجالبة لمحبة الله جل وعلا التأمل في كلامه العظيم وذكره الحكيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ومن الامور الجالبة للمحبة العناية بالنوافل بعد الفرائض فهذا امر عظيم يجلب للقلوب المحبة ويغذي القلوب بها وشاهدوا ذلك فيما رواه البخاري وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه انه قال من عادى لي وليا فقد اذنته بالحرب وما تقرب الي عبدي بشيء احب الي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب الي بالنوافل حتى احبه فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وان سألني لاعطينه ولئن استعاذني لاعيذنه. والمعنى ان الله سبحانه يؤيده ويسدده في سمعه وبصره وفي قدمه ويده وفي جميع احواله ومن الامور الجالبة للمحبة ايثار محاب الله على محاب النفس وتقديمها على ما يحب مهما كانت رغبة النفس ومهما كان طلبها وقد تقدم قول النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الايمان من كان الله ورسوله احب اليه مما سواهما وان يحب المرء لا يحبه الا لله. وان يكره ان يعود في الكفر بعد ان انقذه الله منه. كما يكره ان مقذف في النار ومن الامور الجالبة للمحبة معرفة اسماء الله الحسنى وصفاته العليا فان العبد كلما كان اعظم معرفة بالله كان لله احب ولعبادته اطلب وعن معصية ابعد وشاهدوا ذلك في قول الله تبارك وتعالى انما يخشى الله من عباده العلماء قال الحافظ ابن كثير رحمه الله اي انما يخشاه حق خشيته العلماء العارفون به لانه كلما كانت المعرفة للعظيم العليم الموصوف بصفات الكمال المنعوت بالاسماء الحسنى كلما كانت المعرفة به اتم والعلم به اكمل كانت الخشية له اعظم واكثر فمعرفة الله تقوي جانب الخوف والمراقبة وتعظم في القلب الرجاء وتزيد في ايمان العبد وتثمر انواع العبادة وبها يكون سير القلب الى ربه وسعيه في نيل رضاه اسرع من سير الرياح في مهابها لا يلتفت يمينا ولا شمالا. والتوفيق بيد الله وهذه المعرفة هي التي عليها مدار السعادة وبلوغ الكمال والترقي في درج الرفعة وبها نيل نعيم الدنيا والاخرة. والظفر باجل المطالب وانجح الرغائب واشرف المواهب ومتى كان العبد عارفا بربه محبا له قائما بعبوديته ممتثلا امره مبتعدا عن نواهيه تحقق له بهذه المعرفة والعبودية اللتين هما غاية الخلق والامر كمال الانسان المرجو نموه المنشود بل ليست حاجة الارواح قط الى شيء اعظم منها الى معرفة بارئها وفاطنها ومحبته وذكره والابتهال وطلب الوسيلة اليه والزلفة عنده ولا سبيل الى هذا الا بمعرفة اوصافه واسمائه فكلما كان العبد بها اعلم كان بالله اعرف وله اطلب واليه اقرب وكلما كان لها انكر كان بالله اجهل واليه اكره ومنه ابعد والله ينزل العبد من نفسه حيث ينزله العبد من نفسه ومن الامور الجالبة للمحبة تذكر نعم الله والائه واحسانه وبره وما بكم من نعمة فمن الله فاذا تذكر العبد نعم الله عليه المتوالية وعطاياه المتتابعة تحركت في قلبه المحبة وزاد شأنها وارتفع مقامها وقد كان نبينا عليه الصلاة والسلام اذا اوى الى فراشه كل ليلة تذكر نعم الله جل وعلا وقال مثنيا وحامدا الحمدلله الذي اطعمنا وسقانا وكفانا واوانا. فكم ممن لا كافي له ولا مؤي رواه مسلم ومن الامور الجالبة المحبة مجالسة اهل الصلاح والتقى والايمان والاستقامة والاستفادة من اطايب اقوالهم ومحاسن اعمالهم وجميل اخلاقهم وادابهم كما في الحديث المرء على دين خليله فلينظر احدكم من يخالل رواه ابو داوود وغيره ومن الامور الجالبة للمحبة ان يبتعد المرء عن الامور التي تحول بين القلب وبين ربه ومولاه وما اكثر الشواغل التي تشغل القلوب وتمرض النفوس وتضعف الايمان وتحول بين القلوب وبين محبة الرحمن فمن كان يريد لقلبه محبة صافية ومحبة صادقة فليقطع كل طريق يحول بينه وبين تحقيق المحبة وقد عقد ابن القيم رحمه الله في كتابه مدارج السالكين فصلا نافعا في الاسباب الجالبة للمحبة والموجبة دي لها قال وهي عشرة احدها قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه وما اريد به الثاني التقرب الى الله بالنوافل بعد الفرائض الثالث دوام ذكره على كل حال باللسان والقلب والعمل والحال فنصيبه من المحبة على قدر نصيبه من هذا الذكر الرابع ايثار محابه على محابك عند غلبات الاهواء الخامس مطالعة القلب لاسمائه وصفاته ومشاهدتها ومعرفتها وتقلبه في رياض هذه المعرفة ومبادئه فمن عرف الله باسمائه وصفاته وافعاله احبه لا محالة السادس مشاهدة بره واحسانه والائه ونعمه الباطنة والظاهرة فانها داعية الى محبته السابع وهو من اعجبها انكسار القلب بكليته بين يدي الله تعالى الثامن الخلوة به وقت النزول الالهي لمناجاته وتلاوة كلامه والوقوف بالقلب والتأدب باداب العبودية بين يديه ثم ختم ذلك بالاستغفار والتوبة التاسع مجالسة المحبين الصادقين والتقاط اطايب ثمرات كلامهم. كما ينتقي اطايب الثمر العاشر مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله عز وجل فمن هذه الاسباب العشرة وصل المحبون الى منازل المحبة ودخلوا على الحبيب وملاك ذلك كله امران. استعداد الروح لهذا الشأن وانفتاح عين البصيرة وبالله التوفيق فهذه اعظم الامور الجالبة لمحبة الرحمن الموجبة لدخول الجنان والنجاة من النيران رزقنا الله جميعا ذلك انه تبارك وتعالى سميع مجيب اللهم انا نسألك حبك وحب كل من يحبك وكل عمل يقربنا الى حبك اللهم اجعل حبك في قلوبنا احب الينا من اموالنا واولادنا وملذاتنا واحب الينا من الماء البارد في شدة الظمأ والعطش انك سميع الدعاء وانت اهل الرجاء وانت حسبنا ونعم الوكيل. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد. واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته