بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن انس رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يؤمن احدكم حتى اكون احب اليه من والده وولده والناس اجمعين متفق عليه وعن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فوالذي نفسي بيده لا يؤمن احدكم حتى اكون احب اليه من والده وولده. رواه البخاري وعن عبد الله بن هشام رضي الله عنه قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو اخذ بيد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ان فقال له عمر يا رسول الله لانت احب الي من كل شيء الا من نفسي فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا والذي نفسي بيده حتى اكون احب اليك من نفسك فقال له عمر فانه الان والله لانت احب الي من نفسي فقال النبي صلى الله عليه وسلم الان يا عمر رواه البخاري ان محبة النبي صلى الله عليه وسلم من اعظم الطاعات واجل القربات وهي من اعمال القلوب التي فرضها الله على عباده فهو صلى الله عليه وسلم سيد ولد ادم وامام الورى. وقدوة عباد الله والداعي الى صراطه المستقيم المبعوث رحمة للعالمين. ومحجة للسالكين. وحجة على الخلائق اجمعين افترظ الله على العباد محبته واوجبها عليهم فمحبته عليه الصلاة والسلام من محبة الله وطاعته من طاعة الله ولقد تكاثرت الدلائل في الكتاب والسنة على فرضية محبته عليه الصلاة والسلام ووجوبها وبيان ما يترتب عليها من الاثار المباركة والعوائد الحميدة في الدنيا والاخرة وثمة سمات وعلامات تدل على صدقها كلما عظم نصيب العبد وحظه منها عظم نصيبه وحظه من هذه المحبة ولعل جماع هذه السمات ما يلي. الاولى اتباع سنته صلى الله عليه وسلم والتمسك بهدي قال الله تعالى قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الاية هذه الاية الكريمة حاكمة على من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية فانه كاذب في دعواه في نفس الامر حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع اقواله وافعاله واحواله كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد ولهذا قال قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ان يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم اياه وهو محبته اياكم وهو اعظم من الاول وشواهد ضرورة الاتباع واهمية الاتساء على صدق المحبة كثيرة فعن عبدالرحمن ابن الحارث عن ابي قراد السلمي رضي الله عنه قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بطهور غمس يده فيه ثم توظأ اتتبعناه فحصوناه فقال صلى الله عليه وسلم ما حملكم على ما صنعتم قلنا حب الله ورسوله. قال فان احببتم ان يحبكم الله ورسوله فادوا اذا اؤتمنتم اصدقوا اذا حدثتم واحسنوا جوار من جاوركم رواه الطبراني الثانية الاكثار من ذكره ومحبة رؤيته صلى الله عليه وسلم. قال ابن القيم رحمه الله العبد كلما اكثر من ذكر المحبوب واستحضاره في قلبه واستحضار محاسنه ومعانيه الجالبة لحبه تضاعف حبه له وتزايد شوقه اليه واستولى على جميع قلبه واذا اعرض عن ذكره واخطاره واخطار محاسنه بقلبه نقص حبه من قلبه ولا شيء اقر لعين المحب من رؤية محبوبه ولا اقر لقلبه من ذكره واخطار محاسنه اذا قوي هذا في قلبه جرى لسانه بمدحه والثناء عليه وذكر محاسنه وتكون زيادة ذلك ونقصانه بحسب زيادة الحب ونقصانه في القلب ومن شواهد ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال من اشد امتي لي حبا ناس يكونون بعدي يود احدهم لو رآني باهله وماله وذكره عليه الصلاة والسلام يكون بذكر مناقبه وشمائله الكريمة وبيان سننه واثاره العظيمة الاكثار من الصلاة والسلام عليه ومحبة رؤيته صلى الله عليه وسلم ثمرتها عزم صادق وجد واجتهاد وتأس واقتداء بهدي القويم يكسب العبد رؤيته ومرافقته في الجنان الثالثة تعلم القرآن الكريم والعمل به والتأدب بآدابه روى البيهقي في كتابه الاداب عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه انه قال لا يسأل احد عن نفسه الا القرآن فان كان يحب القرآن فهو يحب الله ورسوله وحب القرآن وتلاوته وتدبره هو اعظم ابواب الهداية فان الله تبارك وتعالى قد انزل كتابه المبين على عباده هدى ورحمة وضياء ونورا وبشرى وذكرى للذاكرين وجعله مباركا وهدى للعالمين يهدي للتي هي اقوم وصرف فيه من الايات والوعيد لعلهم يتقون او يحدث لهم ذكرا وجعل فيه شفاء من الاسقام ولا سيما اسقام القلوب وامراضها من شبهات وشهوات وحري بكل مسلم اراد لنفسه بلوغ اعلى درجات المحبين الصادقين ان يعظم حظه من القرآن الكريم بان يتلوه حق تلاوته بتدبر اياته والتفكر والتعقل لمعانيه وبالعمل بما يقتضيه. الرابعة محبة من احب وبغض من ابغض وهذا اوثق عرى الايمان كما صح عنه الحديث بذلك عليه الصلاة والسلام وذلك بمحبة ما احب من الاعمال والخصال والاداب ومحبتي من احب من الاشخاص وبغظ ما ابغظ من الاعمال والخصال والاداب وبغضي من ابغض من الاشخاص ولا يكون صادقا في حبه من يحب ما يبغض ويبغض ما يحب وشواهد هذا ودلائله كثيرة قال صلى الله عليه وسلم من احب عليا فقد احبني ومن ابغض عليا فقد ابغضني. رواه الحاكم عن سلمان رضي الله عنه وقال من احبهما فقد احبني ومن ابغضهما فقد ابغضني يعني الحسن والحسين رضي الله عنهما رواه احمد عن ابي هريرة وقال صلى الله عليه وسلم من احبني فليحب اسامة. رواه مسلم عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها وقال صلى الله عليه وسلم اية الايمان حب الانصار واية النفاق بغض الانصار رواه البخاري ومسلم عن انس بن مالك رضي الله عنه فحب الصحابة وال بيت النبي صلى الله عليه وسلم ومن اتبعهم باحسان من اهل العلم والفضل واهل العبادة والزهد واهل البذل والجود واهل المعروف والاحسان كل وذلك من حب من احب وكذلك حب الاعمال الفاضلة والاداب الكاملة والمعاملات الحسنة. كل ذلك من حب ما احب ومن عظيم الدعوات المأثورة عنه صلى الله عليه وسلم اللهم اني اسألك حبك وحب من يحبك والعمل الذي يقربنا الى حبك الخامسة الحذر من الغلو فيه ورفعه فوق منزلته التي انزله الله اياها ومن خفي عليه هذا الاصل ذلت قدمه بالغلو في شخصه عليه الصلاة والسلام بدعوى اظهار محبته. وقد هدر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك اشد التحذير باحاديث كثيرة فعن يحيى ابن سعيد قال كنا عند علي بن الحسين فجاءه قوم من الكوفيين فقال علي يا اهل العراق احبونا حب الاسلام سمعت ابي يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ايها الناس لا ترفعوني فوق قدري فان الله اتخذني عبدا قبل ان يتخذني نبيا وليتأمل قوله احبون حب الاسلام اذ هو الحب النافع المقبول واما حب الغلاة فليس هو حب الاسلام الذي امرنا به في القرآن والسنة وعن انس رضي الله عنه ان ناسا قالوا يا رسول الله يا خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا فقال يا ايها الناس قولوا بقولكم ولا يستهوينكم شيطان انا محمد عبد الله ورسوله ما احب ان ترى ما احب ان ترفعوني فوق منزلتي التي انزلني الله عز وجل. رواه النسائي بسند جيد وعن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تطروني كما اطرت النصارى ابن مريم انما انا عبد فقولوا عبد الله ورسوله رواه البخاري السادسة الحذر من البدع والبعد عن الاهواء والاحاديث عنه صلى الله عليه وسلم في التحذير من البدع كثيرة معروفة ولربما ظن بعض الناس ان الطريقة المثلى لاظهار محبته ركوب البدع واتباع الاهواء واحالة الدين الى طقوس ورسوم واعمال لا اثارت عليها من علم ولا شاهد عليها من الكتاب والسنة يمارسونها زعما منهم ان هذا علم المحبة وشاهد المودة ودليل الوفاء وفي خضم غربة الدين وقلة المعرفة والدراية بهدي سيد الانبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم جاء في اوساط بعض المسلمين امور غريبة ومحدثات عجيبة اراد بعضهم التعبير من خلالها عن محبته للنبي صلى الله عليه وسلم وهؤلاء وان كان قصدهم بذلك اظهار محبة النبي صلى الله عليه وسلم وهو قصد حسن الا ان اظهار محبته عليه الصلاة والسلام لا تصح الا باتباعه ولزوم نهجه وترسم خطاه ولهذا لم ينقل عن احد من الصحابة ولا التابعين ولا الائمة المعتبرين شيء من هذه الامور المحدثة بل الذي نقل عنهم ذموا الاحداث وبيان خطورته قال ابو بكر رضي الله عنه انما انا متبع ولست بمبتدع فان استقمت فتابعوني وان زغت فقومي وان زغت فقوموني انما انا متبع ولست بمبتدع. فان استقمت فاتبعوني وان زغت فقوموني. رواه ابن سعد في الطبقات وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم. رواه الدارمي وقال رضي الله عنه الاقتصاد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة رواه المروزي في السنة وعن عثمان الازدي قال دخلت على ابن عباس رضي الله عنه فقلت له اوصني. فقال عليك بتقوى الله والاستقامة اتبع ولا تبتدع. رواه الدارمي وعن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما قال من كان مستنا فليستن بمن قد مات اولئك اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. كانوا خير هذه الامة ابرها قلوبا واعمقها علما واقلها تكلفا قوما اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونقل دينه فتشبهوا باخلاقهم وطرائقهم فهم اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا على الهدى المستقيم. والله ورب الكعبة. رواه ابو نعيم في الحلية والنقول عنهم في هذا المعنى كثيرة ومن عرف حق النبي الكريم عليه الصلاة والسلام وواجب الامة نحوه لم يلتفت الى شيء من هذه المحدثات بل يلزم نهجه ويقتفي اثره وقد ادرك تمام الادراك الرعيل الاول من هذه الامة الصحابة الكرام رضي الله عنهم وارضاهم حق هذا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام والواجب نحوه ان يقف على حقيقة هذه المحبة في ابهى صورها واجمل حللها فلينظر الى تاريخ الصحابة المجيد وسيرتهم الفذة فقد حققوا اروع الصور وظربوا احسن الامثال في تحقيق هذه المحبة وتكميلها ففدوه صلى الله عليه وسلم بالاباء والامهات وعظموه في السلوك والتصرفات وتأدبوا معه في الكلام والمحادثات ولم يتقدموا بين يديه في شيء من الاقوال والمعاملات وعزروه ووقروه ونصروه في جميع الاوقات وكان اذا تحدث اليهم كأنما على رؤوسهم الطير لما هم عليه من سكينة واخبات فكانوا احق الناس به واولاهم بمرافقته واهداهم سبيلا في اتباعه ولزوم نهجه. والموفق من اتبع خطاهم ولزم نهجهم وسلك سبيلهم فهم اهدى امة محمد صلى الله عليه وسلم سبيلا. واقومهم قيلا واحسنهم طريقا الحقنا الله اجمعين بهم ورزقنا حسن متابعتهم وسلوك سبيلهم وجعلنا من عباده يقين ونسأله سبحانه ان يجعلنا من المتبعين له المؤمنين به الصادقين في محبته وان يحيينا على سنته وان يتوفانا عليها وان يحشرنا يوم القيامة في زمرته وتحت لوائه وان يمن علينا بشفاعته وان يغفر لنا خطأنا وتقصيرنا. انه سبحانه سميع الدعاء وهو اهل الرجاء وهو هنا ونعم الوكيل وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته