بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن ابن عباس رضي الله عنهما ان رجلا قال يا رسول الله ما الكبائر قال الشرك بالله والاياس من رح الله والقنوط من رحمة الله. رواه البزار وعن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته احد ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من جنته احد. رواه مسلم اليأس من رح الله والقنوط من رحمته جل في علاه وصفان موبقان مهلكان جاءت الشريعة بذمهما والتحذير منهما وبيان خطورتهما اذا سيطر على القلوب اهلكاها واذا ولج الى النفوس اعطباها وهما معدودان في كبائر الذنوب وعظائم الاثام قال الله تعالى انه لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون وقال تعالى ومن يقنط من رحمة ربه الا الضالون ومنشأ القنوط واليأس الجهل بالله عز وجل وبكماله سبحانه في اسمائه وصفاته وانه جل وعلا عليم احاط بكل شيء علما قدير لا يعجزه شيء في الارض ولا في السماء تواب رحيم يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل كريم جواد يمينه ملأى لا يغيظها نفقة سحاء الليل والنهار غفور غفار لا يتعاظمه ذنب ان يغفره حيي محسن يستحي من عبده اذا رفع اليه يديه ان يردهما صفرا الى غير ذلك من اسمائه الحسنى وصفاته العليا المقتضية لاثارها من العبودية لله وكمال الثقة به وحسن الالتجاء اليه وقوة التوكل عليه وشدة الطمع فيما عنده دون اياس او قنوط والله تبارك وتعالى يقول في الحديث القدسي انا عند ظن عبدي بي ويقول جل وعلا في الحديث الاخر يا عبادي كلكم ضال الا من هديته فاستهدوني اهدكم يا عبادي كلكم جائع الا من اطعمته فاستطعموني اطعمكم يا عبادي كلكم عار الا من كسوته فاستكسوني اكسكم يا عبادي انكم تخطئون بالليل والنهار وانا اغفر الذنوب جميعا فاستغفروني اغفر لكم ويقول جل وعلا في الحديث القدسي الاخر يا ابن ادم انك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا ابالي يا ابن ادم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا ابالي يا ابن ادم انك لو اتيتني بقراب الارض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لاتيتك بقرابها مغفرة فلما الاياس ولما القنوط والله تبارك وتعالى يقول ورحمتي وسعت كل شيء ومن علم ان الامور كلها بتدبير الله وتسخيره جل في علاه وانها ماضية بما قدره وقضاه وان ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وان ما اصاب العبد لم يكن ليخطئه وما اخطأه لم يكن ليصيبه وامن بذلك حقا استراح قلبه ولم يضطرب واطمئن فؤاده ولم ينزعج وهل اضطراب القلب يرد امرا مقدورا وهل انزعاجه يجلب امرا غير مقدر اللهم الا الالام والغصص والحسرات التي تؤذي القلوب وتضعف ايمانها وتوهي من صلتها بالله تبارك وتعالى ولهذا جاء دعاء الهم والحزن رادا العبد المهموم المحزون الى هذا الاصل المتين روى الامام احمد عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اصاب احدا قط هم ولا حزن فقال اللهم اني عبدك ابن عبدك ابن امتك ناصيتي بيدك، ماض في حكمك عدل في قضاؤك اسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك او علمته احدا من خلقك او انزلته في كتابك او استأثرت به في علم الغيب عندك ان تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي الا اذهب الله همه وحزنه وابدله مكانه فرحا قال فقيل يا رسول الله الا نتعلمها فقال بلى ينبغي لمن سمعها ان يتعلمها ومن كان قياسه وقنوطه بسبب كثرة ذنوبه وتعدد خطاياه فليتأمل كثيرا في قول الله سبحانه قل يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم وهي ارجى اية في كتاب الله تبارك وتعالى فالله تبارك وتعالى لا يتعاظمه ذنب ان يغفره ولا حاجة يسألها ان يعطيها جل في علاه وهو سبحانه اجود من سئل. واوسع من اعطى وارحم من استرحم واكرم من قصد واعز من التجأ اليه. واكفى من توكل عليه. وارحم بعباده من الوالدة بولدها ولهذا قيل في حد الرجاء هو النظر الى سعة رحمة الله والواجب على العبد في هذا المقام ان يجاهد نفسه على الطاعة وان يحرص على مباعدتها عن العصيان غير مستسلم ليأس او قنوط بل يكون مجاهدا نفسه على طاعة الله عاملا على نيل رضاه جل في علاه وليتأمل في حاله مع مصالحه الدنيوية ومبتغياته من متع الحياة اليس يتعامل معها دون قياس او قنوط فها هو الجائع لا يستسلم لجوعه والعطشان يبحث عما يروي ظمأه ومن اشتدت عليه حرارة الشمس تطلب لنفسه ظلا الى غير ذلك من مصالح الدنيا وحاجاتها فلم الاستسلام للذنوب لما لا تدفع العقوبة الاخروية بالتوبة الى الله والاقبال عليه سبحانه واذا كان العبد يتوقى كثيرا من الاطعمة خوف مضرتها لما لا يتقي الذنوب خوفا معرتها اليس هو قادر على الله ومؤاخذ على ما قدم في هذه الحياة فكم يحتمي الانسان في هذه الحياة الدنيا من امور يخشى ان تضر بدنه او ان تؤثر على صحته ومع ذلك لا يحتمي من امور تفضي به الى عقاب الله وتؤول به الى عذابه قال ابن سبرمة عجبت لمن يحتمي من الطيبات مخافة الداء كيف لا يحتمي من المعاصي مخافة النار وقال حماد بن زيد عجبت عمن يحتمي من الاطعمة لمضرتها كيف لا يحتمي من الذنوب لمعرتها ولهذا وجب على المسلم ان يكون ناصحا لنفسه مقبلا على ربه غير مستسلم ليأس او قنوط ولا متماديا في تأخير او تسويف والكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الاماني ولا يعني عدم القنوط والبعد عن الاياس تمادي المرء في الذنوب والخطايا والاثام اتكالا على سعة الرحمة وعظم المن والغفران قال الامام البخاري رحمه الله في كتابه الصحيح كان العلاء ابن زياد يذكر النار فقال رجل لم تقنط الناس؟ قال وانا اقدر ان اقنط الناس والله عز وجل يقول قل يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ويقول وان المسرفين هم اصحاب النار ولكنكم تحبون ان تبشروا بالجنة على مساوئ اعمالكم وانما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم مبشرا بالجنة لمن اطاعه ومنذرا بالنار من عصاه ومن عظيم ما يذكر به في هذا المقام قول الخليفة الراشد علي رضي الله عنه لا يرجو عبد الا ربه. ولا يخاف الا ذنبه فعلى هذين الامرين مدار النجاة والسعادة والفلاح في الدنيا والاخرة والرجاء والخوف عملان قلبيان لا يطلع عليهما ولا يعلم بهما الا الله العليم بما في الصدور الذي احاط بكل شيء علما واحصى كل شيء عددا والرجاء انما يكون لخير فيما يؤمله ويطمع فيه العبد من خيرات الدنيا والاخرة وكل ذلك انما هو بيد الله فانه لا يأتي بالحسنات الا الله ولا يصرف السيئات الا هو جل في علاه وان يمسسك الله بضر فلا كاشف له الا هو. وان يردك بخير فلا راد لفضله ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم ولهذا وجب على العبد في كل رجائه ان يكون معلقا قلبه بالله فلا يرجو الا الله ولا يطمع في نوال في الدنيا والاخرة الا من الله فان الخير بيده وحده جل في علاه لا يعلق قلبه ولا رجاءه لا في نفسه ولا في ذكائه ولا في فهمه ولا قدرته ولا في اي احد من الخلق وانما يعلق رجاءه بالله سبحانه ولا يكون ذلك منه مجرد دعوى فان من اليسير على كل لسان ان يقول ما ارجو الا ما عند الله لكن الشأن في تحقيق ذلك عقيدة وايمانا في القلب تثمر ثقة بالله وحسن توكل عليه وجدا في الاقبال على طاعته و ونيل رضاه فهذا هو المطلوب من العبد الصادق في ايمانه الصادق في رجائه والخوف يكون من الشرور والاخطار والعقوبات وموجبها ذنوب العباد وخطاياهم. كما قال الله تعالى فكلا اخذنا بذنبه وقال تعالى مما خطيئاتهم اغرقوا فادخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله انصارا وقال تعالى وما اصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم ويعفو عن كثير اي بسبب ما كسبت ايديكم ولهذا لا يخافن عبد الا ذنبه فان ذنوب العباد هي التي من وراء حصول السرور والعواقب الوخيمة والاضرار الاليمة في الدنيا والاخرة وعندما يكون العبد بهذه الصفة لا يرجو الا الله ولا يخاف الا من ذنوبه فان حياته كلها تستقيم على الطاعة وحسن العمل والبعد عن الذنوب وتحقيق التوحيد لله وليحذر العبد في هذا المقام ان يكون حظه من ذلك مجرد القول والدعوة وقد يقع في شيء من ذلك من حيث يشعر او لا يشعر روى الامام احمد في كتابه الزهد عن معاوية ابن قرة قال دخلت على مسلم ابن يسار فقلت له ما عندي من كبير عمل الا اني ارجو الله عز وجل واخاف منه فقال ما شاء الله من خاف من شيء حذر منه ومن رجا شيئا طلبه وما ادري ما حسب خوف عبد عرضت له شهوة فلم يدعها لما يخاف او ابتلي ببلاء فلم يصبر عليه لما يرجو قال معاوية فاذا انا قد زكيت نفسي وانا لا اعلم نعم لنجاهد انفسنا حقيقة بيننا وبين الله في اصلاح قلوبنا واقامتها على طاعة الله عز وجل رجاء منه وحده وخوفا وطمعا وحسن اقبال عليه جل في لا ومن كان بالله اعرف كان منه اخوف ولفضله ارجى وعن معصيته ابعد والى طاعته اقرب كما قال الله سبحانه انما يخشى الله من عباده العلماء وعندما يستقيم العبد على هذا الرجاء والخوف الى ان يتوفاه الله ينال فضلا عظيما وخيرا عميما لا يعلمه الا الله جل في علاه وليتأمل في هذا ما رواه الترمذي وغيره عن انس بن مالك رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو في الموت فقال كيف تجدك قال والله يا رسول الله اني ارجو الله واني اخاف ذنوبي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجتمعان في قلب عبد في هذا الموطن الا اعطاه الله ما يرجو وامنه مما يخاف وروى الترمذي وغيره عن سعد بن ابي وقاص رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال دعوة ذي النون اذ دعا وهو في بطن الحوت لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين فانه لم يدعو بها رجل مسلم في شيء قط الا استجاب الله له وقد جمعت هذه الدعوة امرين عظيمين التوحيد والاستغفار فان لا اله الا الله كلمة التوحيد وقوله اني كنت من الظالمين اعتراف بالذنب متظمن طلب الغفران والتوحيد يفتح للعبد ابواب الرجاء في الدنيا والاخرة والاستغفار يغلق عن العبد ابواب السرور وما اعظم ان يكون العبد في هذه الحياة مكثرا من كلمة التوحيد لا اله الا الله لتفتح له ابواب الخيرات في الدنيا والاخرة فانها مفتاح كل خير وفضيلة وان يكثر من كلمة استغفر الله لتكون مغلقة عنه ابواب الشرور وطوبى لمن وجد في صحيفته يوم القيامة استغفارا كثيرا غفر الله ذنوبنا واصلح قلوبنا وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته