بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اربع من كن في كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خلة منهن كانت فيه خلة من نفاق حتى يدعها اذا حدث كذب واذا عاهد غدر واذا وعد اخلف واذا خاصم فجر متفق عليه وعن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اية المنافق ثلاث اذا حدث كذب واذا وعد اخلف واذا اؤتمن خان متفق عليه وعن انس بن مالك رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس حتى اذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقرها اربعا لا يذكر الله فيها الا قليلا رواه مسلم النفاق من سيء خصال القلوب وقبيح صفاتها وهو اظهار ما لا يبطن الانسان فان كان هذا الاظهار لخلاف ما يبطن يتعلق بالاعتقاد. كما قال الله تعالى عن المنافقين. واذا لقوا الذين امنوا قالوا امنا واذا خلوا الى شياطينهم قالوا انا معكم انما نحن مستهزئون وقال تعالى اذا جاءك المنافقون قالوا نشهد انك لرسول الله. والله يعلم انك لرسوله الله يشهد ان المنافقين لكاذبون فهذا نفاق اعتقادي وهو كفر اكبر ناقل من الملة واما اذا كان اظهار الانسان ما لا يبطن يتعلق بالاعمال كأن يظهر انه صادق وهو في قلبه يبطن الكذب او يظهر الوفاء بالوعد وهو في قلبه يبطن عدم الوفاء فهذا نفاق عملي وفي القرآن الكريم اية كثيرة في ذم النفاق والمنافقين. وذكر صفاتهم واعمالهم وفيه سورة عظيمة تسمى الفاضحة وهي من اواخر سور القرآن نزولا الا وهي سورة التوبة وقد فضح الله جل وعلا فيها المنافقين وهتك استارهم وبين فظائحهم ومخازيهم واخرج جل وعلا ما يبطنون في قلوبهم وصدورهم من حقد وكيد وحسد للاسلام واهله قال قتادة رحمه الله هذه السورة تسمى الفاضحة فاضحة المنافقين وقد كان من شأن المنافقين وحالهم اذا خلا بعضهم الى بعض اجتمعوا على الاستهزاء بالدين والسخرية بعباد الله المؤمنين والتهكم باعمال الدين العظيمة وطاعاته الجليلة وعباداته الفاضلة والاستهزاء بمن كان متمسكا بدين الله محافظا على طاعة الله ثم اذا ختموا مجلسهم تخوفوا وحاذروا ان تنزل سورة تفضحهم وتهتك سترهم وتبين مخازيهم قال الله تعالى يحذر المنافقون ان تنزل عليهم سورة تنبأهم بما في قلوبهم قل استهزئوا ان الله مخرج ما تحذرون فنزلت سورة التوبة فاضحة للمنافقين ولهذا ورد فيها في مواضع عديدة ذكر اوصاف المنافقين بقوله سبحانه الذين او قوله ومنهم ثم يذكر صفاتهم ولقد كان فضح المنافقين في هذه السورة فضحا لهم بذكر اوصافهم ونعوتهم وخصالهم وخلالهم دون ذكر لاسمائهم وذلك ليبقى الامر حكما عاما الى قيام الساعة في كل من كان متصفا بصفات المنافقين ولذا وجب على كل مسلم ان يكون في غاية الحذر من النفاق واعمال المنافقين وصفاتهم فان الله انما ذكرها في كتابه لتتقى وليحذر من الوقوع في شيء منها وعلى المسلم ان يكثر من دعاء الله ان يعيذه من النفاق ومن اوصاف المنافقين عن انس بن مالك رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه اللهم اني اعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم والقسوة والغفلة والعيلة والذلة والمسكنة واعوذ بك من الفقر والكفر والفسوق والشقاق والنفاق والسمعة والرياء واعوذ بك من الصمم والبكم والجنون والجذام والبرص وسيء الاسقام. رواه الحاكم ولقد وصف الله جل وعلا المؤمنين الكمل من عباده بصفات عديدة دالة على كمال دينهم وقوة في ايمانهم وحسن معرفتهم بربهم وتمام محافظتهم على الايمان في سورة من كتاب الله عز وجل اسمها المؤمنون قال الله عز وجل ان الذين هم من خشية ربهم مشفقون والذين هم بايات ربهم يؤمنون والذين هم بربهم لا يشركون والذين يؤتون ما اتوا وقلوبهم وجلة انهم الى ربهم راجعون اولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون ومن هذه الصفات خشيتهم من الله وذلك لحسن معرفتهم به جل في علاه ومنها وجلهم وخوفهم على ايمانهم لانه اثمن شيء يملكونه واغلاه واعلاه فكان خوفهم على الايمان اشد من الخوف على اي شيء اخر لعظم مكانة الايمان في قلوبهم وقد جمع الله لهم حسن الايمان والعمل مع الخوف والوجل. من ان لا يقبل الايمان او ان يرد العمل وهذه حال المؤمن كامل الايمان كما قال الحسن البصري رحمه الله ان المؤمن جمع احسانا وشفقة وان المنافق جمع اساءة وامنا ومن يتأمل في سير السلف رضي الله عنهم ورحمهم مع ما كانوا عليه من هدي عظيم وايمانا قوي وحسن صلة بالله جل وعلا يجد في الوقت نفسه خوفا شديدا قام في قلوبهم على ايمانهم ودينهم من ان تتبدل القلوب او يتغير الايمان او يتحول الحال الى النفاق نعم مع كمال ايمانهم وقوة دينهم كانوا يخافون على قلوبهم من النفاق خوفا شديدا وقد جاءت نقول متكاثرة في كتب الحديث والسير شاهدة لذلك دالة عليه قال عبدالله ابن ابي مليكة رحمه الله ادركت ثلاثين صحابيا كلهم كان يخاف النفاق على نفسه وجاء عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه وهو من هو في الايمان والدين انه اتى حذيفة ابن اليمان رضي الله عنه وقال انشدك بالله هل سماني لك رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني في المنافقين؟ قال لا ولا ازكي بعدك احدا وجاء عن جبير ابن نفير وهو من علماء التابعين قال اتيت ابا الدرداء وكان يصلي فلما كان في اخر صلاته بعد التشهد وقبل ان يسلم سمعته يتعوذ بالله من النفاق ويكثر من ذلك فقلت له وما لك يا ابا الدرداء انت والنفاق اي مكانتك عظيمة وانت صحابي جليل فقال رضي الله عنه دعنا عنك فوالله ان الرجل ليتقلب عن دينه في الساعة الواحدة فيخلع منه ايمانه وجاء عن الحسن البصري رحمه الله انه قيل له ان ناسا يقولون لا نفاق فقال لان اعلم اني بريء من النفاق احب الي من طلائع الارض ذهبا وقال رحمه الله والله ما اصبح ولا امسى مؤمن الا وهو يخاف النفاق على نفسه وقال رحمه الله ما خافه اي النفاق الا مؤمن ولا امنه الا منافق وقيل له رحمه الله اتخاف النفاق فقال رحمه الله وما يأمنني وقد خافه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال معاوية ابن قرة رحمه الله لان اكون ليس في شيء من النفاق احب الي من الدنيا وما فيها. كان عمر يخشاه ولا اخشاه انا وقال ايوب السختياني رحمه الله كل اية في القرآن فيها ذكر النفاق فاني اخافها على نفسي فهذه نبذ يسيرة من سير القوم رحمهم الله ورضي عنهم فهم مع كمال ايمانهم وتمام عبادتهم وحسن صلتهم بالله يخافون من النفاق خوفا شديدا بخلاف من كان مضيعا مفرطا متهاونا متكاسلا غير مبال بامور الايمان واعماله وخصاله ثم هو في الوقت نفسه يرى انه في سلامة تامة من النفاق وان ايمانه لم يحصل له ما يسلمه او ينقصه وعندما نتأمل بالنصوص الواردة في علامات النفاق وصفات المنافقين كقول الله عز وجل واذا قاموا الى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله الا قليلا مذبذبين بين ذلك لا الى هؤلاء ولا الى هؤلاء وفي الحديث وقد تقدم عن ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال اية المنافق ثلاث اذا حدث كذب واذا وعد اخلف واذا اؤتمن خان وان صام وصلى وزعم انه مسلم وعن انس رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس حتى اذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقرها اربعا لا يذكر الله فيها الا قليلا فذكر من صفات المنافق تأخير الصلاة عن وقتها والاتيان بها نقرا وقلة ذكر الله فيها قال ابن القيم رحمه الله ست صفات في الصلاة من علامات النفاق الكسل عند القيام اليها ومراءة الناس في فعلها وتأخيرها ونقرها وقلة ذكر الله فيها والتخلف عن جماعتها وعن انس رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال اية الايمان حب الانصار واية النفاق بغض الانصار وعن ابن عمر رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين تكر في هذه مرة وفي هذه مرة روى هذه الاحاديث الاربعة مسلم في صحيحه من يطالع هذه النصوص المشتملة على صفات المنافقين وغيرها مما ورد في هذا الباب يجد ان في الناس من قد يكون متصفا بهذه الصفات او ببعضها او بكثير منها او بها وبزيادة عليها وهو في الوقت نفسه يرى انه في سلامة تامة من النفاق ومن اوصاف المنافقين وان ايمانه لا نقص فيه ولا ثمن فشتان بين حال المؤمنين الكمل وبين من ضيعوا ايمانهم وفرطوا فيه قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في شرحه لباب خوف المؤمن ان يحبط عمله وهو لا يشعر من صحيح البخاري قال واصل هذا يرجع الى ما سبق ذكره ان النفاق اصغر واكبر فالنفاق الاصغر هو نفاق العمل وهو الذي خافه هؤلاء على انفسهم وهو باب النفاق الاكبر فيخشى على من غلب عليه خصال النفاق الاصغر في حياته ان يخرجه ذلك الى النفاق الاكبر حتى ينسلخ من الايمان بالكلية كما قال الله تعالى فلما زاغوا ازاغ الله قلوبهم وقال تعالى ونقلب افئدتهم وابصارهم كما لم يؤمنوا به اول مرة وقال رحمه الله في شرحه للاربعين فالمؤمن يخاف على نفسه النفاق الاصغر ويخاف ان يغلب ذلك عليه عند الخاتمة ويخرج الى النفاق الاكبر كما تقدم ان الدسائس السوء الخفية توجب سوء الخاتمة وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر ان يقول في دعائه يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك فقيل له يا نبي الله امنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا فقال نعم ان القلوب بين اصبعين من اصابع الله عز وجل يقلبها كيف يشاء خرجه الامام احمد والترمذي من حديث انس رضي الله عنه نسأل الله عز وجل ان يعيذنا اجمعين من النفاق وان يزكي قلوبنا وان يصلح سرائرنا انه سميع مجيب. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته