بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد عن صهيب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عجبا لامر المؤمن ان امره كله خير وليس ذاك لاحد الا للمؤمن ان اصابته سراء شكر فكان خيرا له وان اصابته ضراء صبر فكان خيرا له رواه مسلم وعن ابي مالك الاشعري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الطهور شطر الايمان والحمدلله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن او تملأ ما بين السماوات والارض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك او عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها او موبقها رواه مسلم وعن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه ان ناسا من الانصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعطاهم ثم سألوه فاعطاهم حتى اذا نفذ ما عنده قال ما يكن عندي من خير فلن ادخره عنكم ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغني يغنه الله ومن يصبر يصبره الله وما اعطي احد من عطاء خير واوسع من الصبر متفق عليه ان الصبر بانواعه يعد من مقامات الدين العظيمة ومنازله العلية ورتبه الرفيعة وهو ساق الدين الذي عليه يقوم كما قال علي رضي الله عنه الصبر من الايمان بمنزلة الجسد من الرأس ولا ايمان لمن لا صبر له ولهذا تكاثرت النصوص والدلائل وتظافرت الحجج والبراهين في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم مبينة مكانة الصبر العظيمة ومنزلته الرفيعة وما يترتب عليه من الاثار الكريمة والمنافع العميمة في الدنيا والاخرة حتى قال الامام احمد رحمه الله لقد ذكر الصبر في القرآن اكثر من تسعين مرة ولقد تنوعت هدايات القرآن في الترغيب بالصبر وبيان مكانته العظيمة ومنزلته الرفيعة في دين الله عز وجل فجاء في بعضها الامر به والتحذير من ضده وفي بعضها بيان اثاره الحميدة وثماره المباركة على الصابرين في الدنيا والاخرة بل اخبر جل وعلا انه يحب الصابرين. قال الله تعالى والله يحب الصابرين وانه معهم كما قال جل وعلا ان الله مع الصابرين واخبر بان لهم البشارة العظمى والنوال الكريمة في الدنيا والاخرة قال تعالى وبشر الصابرين الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة واولئك هم المهتدون واخبر جل وعلا ان الفلاح في الدنيا والاخرة يناله الصابرون قال الله تعالى يا ايها الذين امنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون واخبر جل وعلا ان الصبر خير لاهله كما قال سبحانه ولئن صبرتم لهو خير للصابرين الى غير ذلك من النصوص العظيمة والدلائل الكريمة المبينة لمكانة الصبر العلية ومنزلته الرفيعة والصبر خير العطاء واوسع النوال كما تقدم في الحديث ما اعطي احد عطاء خيرا واوسع من الصبر وهو ضياء لصاحبه ونور له في حياته يستبين به السبيل ويتحمل به المشاق وتهون عليه به الصعاب وتنبسط له الحياة ويسر فيها غاية السرور كما تقدم في الحديث والصبر ضياء ولا يزال الصابر مستضيا مهتديا مستمرا على الحق ثابتا على الصراط والدنيا دار امتحان وميدان ابتلاء. وما من عبد في هذه الحياة الا وهو مبتلى ثم المرجع الى الله ليجزي الذين اساءوا بما عملوا ويجزي الذين احسنوا بالحسنى قال الله تعالى كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة والينا ترجعون والابتلاء في هذه الحياة الدنيا تارة يكون بالنعمة والرخاء وتارة يكون بالشدة والبلاء تارة يكون بالصحة وتارة يكون بالمرض تارة يكون بالغنى وتارة يكون بالفقر والمؤمن عرضة للبلاء في هذين البابين. باب الشدة وباب الرخاء الا انه من خير الى خير في كل ابتلاءاته كما في الحديث عجبا للمؤمن لا يقضي الله له شيئا الا كان خيرا له واما من لا يصبر على البلاء ولا يشكر على الرخاء فلا يلزم ان يكون القضاء خيرا له وتأمل هذا التعميم شيئا الا كان خيرا له فقوله شيئا يتناول كل ابتلاء سواء كان شدة او كان رخاء المؤمن في كل ابتلاءاته من خير الى خير وذلك ان المؤمن الموفق اذا ابتلاه الله جل وعلا بالشدة والعسر والمرض والفقر ونحو ذلك تلقاه بالصبر فيفوز بثواب الصابرين واذا ابتلاه الله جل وعلا بالرخاء واليسر والصحة والعافية والغنى والسعة تلقاه بالشكر فيفوز بثواب الشاكرين وهو يتقلب في هذه الابتلاءات بين صبر وشكر وقد قال الله تعالى في اربعة مواضع من القرآن ان في ذلك لايات لكل صبار شكور فذكر سبحانه هذين المقامين العظيمين مقام الصبر على البلاء ومقام الشكر على النعماء في سياق حسن الانتفاع باياته فاخبر انه انما ينتفع بها اهل الصبر والشكر ان حاجة المسلم الى الصبر وضرورته اليه ملحة في كل شأن من شؤونه وكل عمل من اعماله فلا استطاعة للعبد على القيام باي عمل من الاعمال او طاعة من الطاعات الا بخصلة الصبر العظيمة ولا استطاعة للعبد على الانكفاف عن المحرمات والاحجام عن المنهيات والبعد عن الامور التي تسخط الله الا بهذه الخصلة العظيمة ولا قدرة على العبد على تحمل الالام والصعاب والمصائب الا بهذه الخصلة العظيمة ولهذا قال العلماء رحمهم الله الصبر ثلاثة انواع صبر على طاعة الله وصبر عن معصية الله وصبر على اقدار الله المؤلمة فمن لا صبر له كيف يحافظ على الصلاة وكيف يواظب على الصيام وكيف يؤدي الطاعات على التمام والكمال ومن لا صبر له كيف يبتعد عن المحرمات ويجتنب الاثام ومن لا صبر له كيف يتحمل مصائب الدنيا ولهذا كانت الحاجة للصبر شديدة والضرورة اليه ملحة ان الصبر خلق عظيم وخلة جليلة وقوة نفسية يترتب على وجودها في العبد فعل ما يجمل والبعد عما لا يجمل ولا يحسن يستطيع العبد بها باذن الله ان يحبس نفسه عندما يصاب بالالام والمصائب عما يسخط الله من قول الحرام او فعل الحرام كما قال بعض العلماء الصبر حبس النفس عن الجزع واللسان عن التسخط واليد عن لطم الخدود وسق الجيوب وبه يستطيع ان يلزم نفسه بالطاعة والمحافظة على الفرائض والواجبات والعناية بالرغائب والمستحبات وبه يستطيع ان يكف نفسه عن معاصي الله والبعد عن الحرام واجتناب الاثام وتوقي ما يسخط الله تبارك وتعالى فالصبر هو حبس النفس عن محارم الله وحبسها على فرائضه وحبسها عن التسخط والشكاية لاقداره قال ابن القيم رحمه الله الصبر نصف الايمان فان الايمان ماهية مركبة من صبر وشكر كما قال بعض السلف الايمان نصفان نصف صبر ونصف شكر قال الله تعالى ان في ذلك لايات لكل صبار شكور والصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد وهو ثلاثة انواع صبر على فرائض الله فلا يضيعها وصبر عن محارمه فلا يرتكبها وصبر على اقضيته واقداره فلا يتسخطها ومن استكمل هذه المراتب الثلاث استكمل الصبر ولذة الدنيا والاخرة ونعيمهما والفوز والظفر فيهما لا يصل اليه احد الا على جسر الصبر كما لا يصل احد الى الجنة الا على الصراط قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه خير عيش ادركناه بالصبر واذا تأملت مراتب الكمال المكتسبة في العالم رأيتها كلها منوطة بالصبر واذا تأملت النقصان الذي يذم صاحبه عليه ويدخل تحت قدرته. رأيته كله من عدم الصبر فالشجاعة والعفة والجود والايثار كلها صبر ساعة واكثر اسقام البدن والقلب انما تنشأ من عدم الصبر. فما حفظت صحة القلب والابدان والارواح بمثل الصبر وهو الفاروق الاكبر والترياق الاعظم ولو لم يكن فيه الا معية الله مع اهله فان الله مع الصابرين ومحبته لهم فان الله يحب الصابرين ونصره لاهله فان النصر مع الصبر وانه خير لاهله فان صبرتم لهو خير للصابرين وانه سبب الفلاح. يا ايها الذين امنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون وقد روى ابو يعلى في مسنده وابن ابي شيبة في مصنفه عن جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه قلما سئل اي الايمان افضل قال الصبر والسماحة وانما كان الصبر والسماحة بهذه المنزلة العلية من الايمان وبهذه المكانة الرفيعة من الدين لانهما خلقان في النفس يحتاج اليهما العبد في مقامات الدين كلها وفي جميع مصالحه واعماله فلا غنى له في شيء من ذلك عن الصبر والسماحة للحاجة الشديدة الى هذين الخلقين الفاضلين في جميع مقامات الدين ولهذا قال ابن القيم رحمه الله مبينا مكانة هذا الحديث العظيمة. ومبينا مدلوله ومعناه قال وهذا من اجمع الكلام واعظمه برهانا واوعبه لمقامات الايمان من اوله الى اخره فان النفس يراد منها شيئان بذل ما امرت به واعطاؤه فالحامل عليه السماحة وترك ما نهيت عنه والبعد منه فالحامل عليه الصبر وقد سئل الحسن البصري رحمه الله وهو احد رواة هذا الحديث قيل له ما الصبر وما السماحة فقال الصبر عن معصية الله والسماحة باداء فرائض الله عز وجل. رواه ابو نعيم في الحلية ومن يتأمل في هذا الحديث العظيم وفي دلالته العظيمة يجد انه حديث جامع للدين كله لان المؤمن مأمور بافعال وطاعات وعبادات متنوعات وهذه كلها تحتاج الى سماحة نفس والسماحة في اصل معناها تدل على السهولة واليسر والسلاسة فمن كانت نفسه سلسة سهلة سمحة انقاد للاوامر وامتثل الطاعات ولم يتلكأ ولم يمتنع والصبر هو حبس النفس ومنعها والعبد مأمور بالانكفاف عن المعاصي والبعد عن المناهي وتجنب محرمات وهذا يحتاج الى صبر واذا كان لا صبر عنده فان نفسه تتفلت فلا يتمكن من منعها عما نهاها الله عنه وبهذا يعلم ان من لا صبر عنده لا يستطيع ان يقاوم ومن لا سماحة لديه لا يستطيع ان يقوم من لا صبر عنده لا يستطيع ان يقاوم النفس عن رعونتها عند حلول البلاء ولا يستطيع ان يقاوم النفس من انفلاتها عند دواعي الشهوات والاهواء ومن لا سماحة لديه لا يستطيع ان يقوم بالعبادات والطاعات لان نفسه غير السمحة لا تنهض للقيام بالاوامر والاستجابة لداعي الطاعات فاذا دعيت نفسه الى طاعة شحت واذا امرت بفضيلة تأبت وبهذا يكون من المحرومين فاذا اكرم الله سبحانه عبده فكان صبورا سمحا هدي الى كل خير واعين على كل بر وفظيلة ووقي من كل بلاء وشر فما احوج النفوس الى الصبر والسماحة لتنهض قياما بطاعة الله ولتمتنع عما نهيت عنه من المحرمات والاثام والتوفيق بيد الله وحده لا شريك له فنسأله سبحانه ان يمن علينا بالصبر والسماحة وبكل خلق جميل وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته