بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن انس بن مالك رضي الله عنه قال مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر فقال اتق الله واصبري قالت اليك عني فانك لم تصب بمصيبتي. ولم تعرفه فقيل لها انه النبي صلى الله عليه وسلم فاتت باب النبي صلى الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين فقالت لم اعرفك فقال انما الصبر عند الصدمة الاولى متفق عليه وعن اسامة بن زيد رضي الله عنهما قال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فارسلت اليه احدى بناته تدعوه وتخبره ان صبيا لها او ابنا لها في موت فقال للرسول ارجع اليها فاخبرها ان لله ما اخذ وله ما اعطى وكل شيء عنده باجل مسمى فمرها فلتصبر ولتحتسب فعاد الرسول فقال انها قد اقسمت لتأتينها قال فقام النبي صلى الله عليه وسلم وقام معه سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل وانطلقت معهم فرفع اليه الصبي ونفسه تقعقع كانها في سنة ففاضت عيناه فقال له سعد ما هذا يا رسول الله؟ قال هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده وانما يرحم الله من عباده الرحماء متفق عليه هذه الحياة الدنيا دار ابتلاء وكل امرئ عرضة فيها للابتلاء فما ملئ بيت فرحة الا وملئ طرحة وما ملئ بيت بالسرور الا وملئ بالاحزان وما من انسان الا وهو مبتلى ولابد كما قال الله سبحانه ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الاموال والانفس والثمرات وبشر الصابرين الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة واولئك هم المهتدون وهذه الايات الكريمات تهيئ المسلم التهيئة الايمانية التي ينبغي ان يكون عليها عندما يبتلى سواء في صحته او في ما له او في ولده او في اي امر من اموره قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله اخبر تعالى انه لا بد ان يبتلي عباده بالمحن ليتبين الصادق من الكاذب. والجازع من الصابر وهذه سنته تعالى في عباده لان السراء لو استمرت لاهل الايمان ولم يحصل معها محنة لحصل الاختلاط الذي هو فساد وحكمة الله تقتضي تمييز اهل الخير من اهل الشر هذه فائدة المحن لا ازالة ما مع المؤمنين من الايمان ولا ردهم عن دينهم فما كان الله ليضيع ايمان المؤمنين فاخبر في هذه الاية انه سيبتلي عباده بشيء من الخوف اي من الاعداء والجوع اي بشيء يسير منهما لانه لو ابتلاهم بالخوف كله او الجوع كله لهلكوا والمحن تمحص لا تهلك ونقص من الاموال وهذا يشمل جميع النقص المعتري للاموال من جوائح سماوية وغرق وضياع والانفس اي ذهاب الاحباب من الاولاد والاقارب والاصحاب ومن انواع الامراض في بدن العبد او بدن من يحبه والثمرات اي الحبوب وثمار النخيل والاشجار كلها ببرد او برد او حرق او افة سماوية من جراد ونحوه فهذه الامور لابد ان تقع. لان العليم الخبير اخبر بوقوعها فتقع كما اخبر واذا وقعت انقسم الناس قسمين جازعينا وصابرين فالجازع حصلت له المصيبتان فوات المحبوب ووجود هذه المصيبة وفوات ما هو اعظم منها وهو الاجر بامتثال امر الله بالصبر ففاز بالخسارة والحرمان ونقص ما معه من الايمان. وفاته الصبر والرضا والشكران وحصل له السخط الدال على شدة النقصان واما من وفقه الله للصبر عند وجود هذه المصائب فحبس نفسه عن التسخط قولا وفعلا واحتسب اجرها عند الله وعلم ان ما يدركه من الاجر بصبره اعظم من المصيبة التي حصلت له بل المصيبة تكون نعمة في حقه. لانها صارت طريقا لحصول ما هو خير له وانفع منها فقد امتثل امر الله وفاز بالثواب فلهذا قال تعالى وبشر الصابرين اي بشرهم بانهم يوفون اجرهم بغير حساب الصابرون هم الذين فازوا بالبشارة العظيمة والمنحة الجسيمة ثم وصفهم بقوله الذين اذا اصابتهم مصيبة وهي كل ما يؤلم القلب او البدن او كليهما مما تقدم ذكره قالوا انا لله اي مملوكون لله. مدبرون تحت امره وتصريفه فليس لنا من انفسنا واموالنا شيء فاذا ابتلانا بشيء منها فقد تصرف ارحم الراحمين بمماليكه واموالهم فلا اعتراض عليه اولئك الموصوفون بالصبر المذكور عليهم صلوات من ربهم اي ثناء وتنويهم بحالهم ورحمة عظيمة ومن رحمته اياهم ان وفقهم للصبر الذي ينالون به كمال الاجر واولئك هم المهتدون الذين عرفوا الحق وهو في هذا الموضع علمهم بانهم لله وانهم اليه راجعون وعملوا به وهو هنا صبرهم لله ودلت هذه الاية على ان من لم يصبر فله ضد ما لهم فحصل له الذم من الله والعقوبة والضلال والخسران فما اعظم الفرق بين الفريقين وما اقل تعب الصابرين واعظم عناء الجازعين فقد اشتملت هاتان الايتان على توطين النفوس على المصائب قبل وقوعها لتخف وتسهل اذا وقعت وبيان ما تقابل به اذا وقعت وهو الصبر وبيان ما يعين على الصبر وما للصابرين من الاجر ويعلم حال غير الصابر بضد حال الصابر وان هذا الابتلاء والامتحان سنة الله التي قد خلت ولن تجد لسنة الله تبديلا. وبيان انواع المصائب روى الترمذي عن ابي سنان قال دفنت ابني سنانا وابو طلحة الخولاني جالس على شفير القبر فلما اردت الخروج اخذ بيدي فقال الا ابشرك يا ابا سنان قلت بلى فقال حدثني الضحاك ابن عبد الرحمن ابن عرزب عن ابي موسى الاشعري رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم مقال اذا مات ولد العبد قال الله لملائكته قبضتم ولد عبدي فيقولون نعم فيقول قبضتم ثمرة فؤاده فيقولون نعم فيقول ماذا قال عبدي فيقولون حمدك واسترجع فيقول الله ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد وحضوا كل عبد من المصيبة ما تحدث له فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط من احدثت له مصيبته سخطا وكفرا كتب في ديوان الهالكين ومن احدثت له جزعا وشكاية وتفريطا كتب في ديوان المفرطين ومن احدثت له تسخطا على الله وجرأة على حكمة الله وتبرما من قضاء الله وقدره كتب في ديوان الخاسرين ومن احدثت له رضا كتب في ديوان الراضين ومن احدثت له صبرا كتب في ديوان الصابرين ومن احدثت له شكرا كتب في ديوان الحامدين الشاكرين ومن اعظم ما ينبغي على العبد في هذا المقام مقام الابتلاء والمصاب ان يتعلم من هدي الاسلام والشريعة الغراء ما ينبغي ان يكون عليه حال الابتلاء وذلك ان المصيبة لها الم وحرارة وشدة ووجع لكن المؤمن اذا اهتدى بهدايات الاسلام وتحلى باداب الدين وضوابطه صلي في مصابه ونال الخير في الدنيا والاخرة ولهذا يحتاج العبد ان يتعلم من هدي الاسلام ما يعالج به حر المصيبة وهدايات الاسلام في هذا بينة المعالم واضحة الامارات والموفق من عباد الله من يوفقه الله للزومها والعناية بها عند المصاب ومن اعظم ما يعالج به حر المصيبة الصبر والاسترجاع قال الله تعالى في السياق المتقدم وبشر الصابرين الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة. واولئك هم المهتدون فهذا من انفع العلاج واعظمه ان يذكر العبد حال مصابه انه لله عبد وانه اليه تبارك وتعالى راجع فبذكر هذين الاصلين العظيمين يسلو عن مصابه مهما عظم وكبر ومما تعالج به المصيبة ان يعلم العبد علم يقينا لا شك فيه ولا ريب ان ما اصابه لم يكن ليخطئه وان ما اخطأه لم يكن ليصيبه ما اصاب من مصيبة في الارض ولا في انفسكم الا في كتاب من قبل ان نبرأها ان ذلك على الله يسير ومما تعالج به المصيبة ان يتأمل المصاب في مصيبته مقارنا لها بغيرها من المصائب فيجد ان في مصائب الاخرين ما هو اعظم من مصيبته واشد فيسلو بذلك ومن علاج المصيبة ان يعلم ان جزعه عند المصاب وتسخطه لا يرد شيئا فائتا ولا يحول بين العبد وبين ما اصابه بل لا يزيده جزعه وتسخطه الا وهنا وضعفا وشدة ومن علاج حر المصيبة ان يعلم العبد ان ما يفوته من الثواب والاجر الذي دل عليه قوله تعالى اولئك عليهم صلوات صلوات من ربهم ورحمة واولئك هم المهتدون ان تسخط وجزع ولم يصبر اعظم من المصاب نفسه ومن علاج حر المصيبة رجاء الخلف من الله عز وجل فان من اصابته مصيبة فصبر واسترجع وفزع الى الله ولجأ اليه اجاره الله في مصابه واخلفه غير فعن ام سلمة رضي الله عنها انها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما امره الله انا لله وانا اليه راجعون اللهم اجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها الا اخلف الله له خيرا منها قالت فلما مات ابو سلمة قلت اي المسلمين خير من ابي سلمة اول بيت هاجر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثماني قلتها فاخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه مسلم ومن علاج حر المصيبة ان يألم العبد انه ان لم يصبر ايمانا واحتسابا وطلبا لثواب الله صبر بعد ايام من مصيبته ولابد صبر اضطرار ولهذا يقال من لم يصبر ويسلو في مصيبته ايمانا واحتسابا ورجاء لموعود الله تبارك وتعالى سلا بعد ذلك سلو البهائم وفي الحديث عن نبينا صلى الله عليه وسلم انما الصبر عند الصدمة الاولى ومن علاج حر المصيبة ان يألم العبد ان الله تبارك وتعالى لم يرسل تلك المصائب والابتلاءات ليهلك بها عباده المؤمنين وانما ارسل ذلك وانزله تمحيصا للعباد وتمييزا للصابر من الجازع فينبغي على العبد ان يلحظ هذا المعنى ليكون من الصابرين الراضين فيفوز بعظيم ثواب الله وجزيل موعوده سبحانه وفي الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم عجبا لامر المؤمن ان امره كله خير وليس ذاك لاحد الا للمؤمن. ان اصابته سراء شكر فكان خيرا له. وان اصابته ضراء صبرا فكان خيرا له ومن علاج حر المصيبة ان يتأمل في احوال الناس اجمع وان يفتش وينظر في احوال الناس في العالم كله فانه لن يجد فيهم الا من هو مبتلى فان سرور الدنيا كاحلام نوم او كظل زائل قال ابن مسعود رضي الله عنه مع كل فرحة ترحى وما ملئ بيت حبرة الا وملئ مثلها عبرا ومن علاج حر المصيبة ان يعلم العبد ان في المحنة منحة وان الله عز وجل قد يرحم عبده بما اصابه به ومن ذلك ان العبد اذا استمر في صحته وعافيته وكثرة امواله ربما داخله من الغرور والكبر والعجب ما يكون مهلكة له فاذا انزل الله عز وجل عليه المصاب في بدنه او في ماله او في شيء من اموره انكسر قلبه وخضع لربه وذهب عنه كبره وعجبه فسبحان من يرحم من شاء من عباده بالابتلاء ومن علاج حر المصيبة ان يعلم العبد ان مرارة الصبر في الدنيا مع الصبر والاحتساب تكون حلاوة عظيمة يوم القيامة ولان يصبر العبد على مرارة قليلة زائلة ليفوز بحلاوة دائمة مستمرة خير له من ان تكون حاله على العكس من ذلك واذا كان العبد في عافية وصحة وامن وامان وسلامة واسلام فاياه ان يغتر وهل اهل البلاء اليوم الا من اهل العافية بالامس رزقنا الله اجمعين الاتعاظ والاعتبار. وهدانا اجمعين اليه صراطا مستقيما واصلح لنا شأننا كله وجعل كل قضاء يقضيه لنا خيرا وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته