بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل الا ظله الامام العادل وشاب نشأ بعبادة الله ورجل قلبه معلق في المساجد ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال اني اخاف الله ورجل تصدق بصدقة فاخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه متفق عليه وعن عبادة ابن الصامت رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال اظمنوا لي ستا من انفسكم اضمن لكم الجنة اصدقوا اذا حدثتم واوفوا اذا وعدتم وادوا اذا اؤتمنتم واحفظوا فروجكم وغضوا ابصاركم وكفوا ايديكم رواه احمد هذا حديث عن نوع عظيم من انواع الصبر وهو صبر النفس بحبسها عن ارتكاب الفاحشة مهما كانت الدوافع ومهما بلغت المغريات قد ذكر الله جل وعلا في القرآن مثالا عجيبا للغاية في هذا الباب الا وهو صبر يوسف عليه السلام وقد تنوع صبره بتنوع الابتلاءات التي حصلت له فما اعظم صبره عليه السلام على اذى اخوته وصبره على الحبس بسبب امرأة العزيز فلهذا اعقبه الله عز وجل السلامة والنصر والتأييد انه من يتق ويصبر فان الله لا يضيع اجر المحسنين اي لا يدع له شيئا من الاجر على احسانه الا كافأه به وافيا وكان من اشد البلاء الذي حصل له فصبر عنه مراودة امرأة العزيز له عن نفسه وذلك انها احبته حبا شديدا لجماله وحسنه وبهائه فحملها ذلك على ان تجملت له وغلقت عليه الابواب ودعته الى نفسها فاستعاذ بالله واستعصم فنجاه الله واعاذه وقاه قال الله تعالى وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الابواب وقالت هيت لك قال معاذ الله انه ربي احسن مثواي. انه لا يفلح الظالمون ولقد همت به وهم بها لولا ان رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء انه من عبادنا المخلصين واستبق الباب وقدت قميصه من دبر والف يا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من اراد باهلك سوءا الا ان يسجن او عذاب اليم قال هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من اهلها ان كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وان كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين فلما رأى قميصه قد من دبر قال انه من كيدكن ان كيدكن عظيم يوسف اعرض عن هذا واستغفري لذنبك انك كنت من الخاطئين وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا انا لنراها في ظلال مبين فلما سمعت بمكرهن ارسلت اليهن واعتدت لهن متكئا واتت كل واحدة منهن سكين الى وقالت اخرج عليهن فلما رأيناه اكبرنه وقطعن ايديهن وقلنا حاشا لله ما هذا بشرا؟ ان هذا الا ملك كريم قالت فذلكن الذي لم تنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما امره ليستنن وليكونن من الصاغرين قال رب السجن احب الي مما يدعونني اليه والا تصرف عني كيدهن اصب اليهن واكن من الجاهلين فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن انه هو السميع العليم. ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الايات ليسجننه حتى حين قال ابن تيمية رحمه الله كان صبر يوسف عليه السلام عن مطاوعة امرأة العزيز على شأنها اكمل من صبره على القاء اخوته له في الجب وبيعه وتفريقهم بينه وبين ابيه فان هذه امور جرت عليه بغير اختياره لا كسب له فيها ليس للعبد فيها حيلة غير الصبر واما صبره عن المعصية فصبر اختيار ورضا ومحاربة للنفس ولا سيما مع الاسباب التي تقوى معها دواعي الموافقة. فانه كان شابا وداعية الشباب اليها قويا وعجبا ليس له ما يعوضه ويرد شهوته وغريبا والغريب لا يستحي في بلده مما يستحيي منه من بين اصحابه ومعارفه واهله والمملوك ايضا ليس وازعه كوازع الحر والمرأة جميلة وذات منصب وهي سيدة وقد غاب الرقيب وهي الداعية له الى نفسها والحريصة على ذلك اشد الحرص ومع ذلك توعدته ان لم يفعل بالسجن والصغار ومع هذه الدواعي كلها صبر اختيارا وايثارا لما عند الله واين هذا من صبره في الجب على ما ليس من كسبه وفتنة النساء من اشد الفتن فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم اتقوا الدنيا واتقوا النساء فان اول فتنة بني اسرائيل كانت في النساء فيحتاج المرء ولا سيما الشاب ان يتفقه في هذا الباب فيما يعينه على الخلاص من هذه الفتنة والنجاة من الوقوع فيها لا سيما اذا كثرت المغريات وتنوعت الدواعي ولا انفع في هذا المقام من التأمل في قصة يوسف عليه السلام فان فيها اعظم عبرة فيوصف عليه السلام تعرض لهذه الفتنة تعرضا هو من اشد ما يكون فدعته امرأة العزيز الى نفسها وتهيأت له وعملت على اغرائه وغلقت الابواب واجتهدت في ان توقعه في شراك هذه الفتنة بكل ما اوتيت من سبيل فنجاه الله فيحتاج المرء بخاصة الشاب ان يتأمل في الاسباب التي كانت نجاة ليوصف عليه السلام منها ما يعينه على الخلاص من هذه الفتنة وبالتأمل في هذا السياق الكريم نجد ان الاسباب المعينة على النجاة من هذه الفتنة مستخلصة من قصة يوسف عليه السلام سبعة اسباب الاول الاستعاذة بالله فان من استعاذ بالله اعاده ومن توكل على الله كفاه ومن يعتصم بالله فقد هدي الى صراط مستقيم ولهذا بادر عليه السلام الى التعوذ بالله عز وجل فقال حين راودته معاذ الله اي اعوذ بالله والاستعاذة حصن حصين وحرز متين يقي المسلم باذن الله من الفتن كلها والسرور بجميع صورها الامر الثاني ان يستحضر المرء في هذا المقام ان هذه الفعلة ظلم واي ظلم. وهو امر لا يرضاه المرء لاهله ولهذا قال عليه السلام مستحضرا ذلك انه لا يفلح الظالمون فهذا ظلم لا يفلح من قارفه. بل انه يكون من الخاسرين وفي المسند للامام احمد في قصة الشاب الذي جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله ائذن لي بالزنا فنهره الصحابة فادناه النبي صلى الله عليه وسلم وقال له اتحبه لامك اتحبه لابنتك اتحبه لاختك اتحبه لعمتك اتحبه لخالتك وفي كل ذلك يقول الشاب لا والله جعلني الله فداءك فقال له النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك الناس لا يرضونه لامهاتهم ولا لبناتهم ولا لاخواتهم ولا لعماتهم ولا لخالاتهم لانه ظلم شنيع وفي رواية قال له صلى الله عليه وسلم فاكره لهم ما تكره لنفسك واحب لهم ما تحب لنفسك الامر الثالث تجديد الايمان وتقويته فان الايمان عصمة لصاحبه ونجاة من الفتن وتأمل في هذا قول الله عز وجل ولقد همت به وهم بها لولا ان رأى برهان ربه والمراد ببرهان ربه على الصحيح في معناه اي ما معه من العلم والايمان واعظم الايمان ردعا وزجرا الايمان بالله وعظمته جل في علاه. وانه عز وجل مطلع على العباد يعلم سرهم ونجواهم لا تخفى عليه من العباد خافيا فهذا برهان عظيم اذا حضر في قلب المؤمن عند الفتنة استحيا من ربه ومولاه ان يراه حيث نهى اه الرابع تحقيق الاخلاص فان الاخلاص خلاص من الفتن. ونجاة من المحن وسلامة من البلايا والشرور وتأمل هذا في قصة يوسف. يقول الله عز وجل كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء انه من عبادنا المخلصين وفي قراءة المخلصين اي المخلصين لله فمن اخلص قلبه لله قلصه الله فلم تجد هذه الشهوات المحرمة والملذات المنهي عنها سبيلا الى قلبه الخامس الفرار بالنفس من الفتن ولا سيما عند انعقاد اسبابها ووجود موجبات وقوعها فها هو يوسف عليه السلام لما وجدت هذه الفتنة العصيبة فر متجها الى الباب واستبق الباب فرارا من الفتنة ناجيا بنفسه وهكذا ينبغي ان يكون عبد الله المؤمن لا يخطو خطوة تفضي به الى الفتنة واذا بلي بشيء من ذلك فعليه ان ينجو بنفسه فرارا من الفتن لا ان يستشرف لها او يعرض نفسه للوقوع فيها بل عليه ان يفر من الفتن طلبا لنجاة نفسه وسلامتها وعافيتها الامر السادس الاستعصام. وهذا شأنه عظيم. قال الله عز وجل ذاكرا عن امرأة العزيز في هذا السياق ولقد راودته عن نفسه فاستعصم والاستعصام هو القوة والحزم مع النفس بمنعها وكفها وزجرها والاخذ باسباب نجاتها وهكذا كان عليه السلام والناس في هذا المقام عند ورود الفتن بين مستعصم ومستسلم ومن استعصم نجا ومن استسلم للفتنة هلك الامر السابع الالحاح على الله بالدعاء وصدق الالتجاء الى الله سبحانه فان من دعا الله صادقا اجاب الله دعاءه وحقق رجاءه واعطاه سؤله ويوسف عليه السلام لجأ الى ربه معتصما بالله طالبا نجاته وسلامته ممن بيده الامر كله سبحانه قال ربي السجن احب الي مما يدعونني اليه والا تصرف عني كيدهن اصب اليهن واكن من الجاهلين دعا بهذه الدعوات الصادقات ملتجئا الى رب الارض والسماوات فاجاب الله دعوته وحقق طلبته فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن انه هو السميع العليم نسأل الله عز وجل ان يرزقنا اجمعين بصيرة في دينه وحسن تدبر لكتابه وجمال ائتساء بانبيائه واصفيائه. وان يلحقنا بالصالحين من عباده صلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته