بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى رواه مسلم وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء. رواه الترمذي وابو داوود هذا خلق من اخلاق الاسلام العظيمة التراحم بين اهل الايمان بان تكون قلوبهم عامرة بالرحمة يرحم بعضهم بعضا ويعطف بعضهم على بعض بل جعلهم في التراحم كالجسد الواحد اذا اشتكى بعضه اشتكى كله وانما جعلهم كذلك لان الايمان يجمعهم كما يجمع الجسد الاعضاء فيتأدى الكل بتأدي البعض وكذلك الشأن في اهل الايمان يتأذى بعضهم بتأدي البعض وقد ضرب اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم خير امته في هذا الباب اروع الامثلة وحققوا فيه رفيع المقامات وقد نوه الله سبحانه وتعالى بذلك في القرآن قال جل وعلا في سورة الفتح في تمامها محمد رسول الله والذين معه اشداء على الكفار رحماء بينهم اي يرحم بعضهم بعضا ويرأف بعضهم ببعض ويعطف بعضهم على بعض امالهم واحدة والامهم واحدة كالجسد الواحد فان الجسد الواحد يألم لالم بعضه ويفرح لفرح بعضه وهكذا ينبغي ان تكون حال اهل الايمان واذا ضعف فيهم هذا الخلق فهو من ضعف ايمانهم لان الله سبحانه وتعالى يقول انما المؤمنون اخوة ويقول صلى الله عليه وسلم المسلم اخو المسلم واخوة الاسلام من مقتضياتها ومتطلباتها التراحم بين اهله وان يكونوا بهذه المثابة وان يكونوا بهذه المثابة كالجسد الواحد وان يكونوا كلبنيان كما قال صلى الله عليه وسلم المؤمن للمؤمن كالبنيان يسد بعضه بعضا وقال عليه الصلاة والسلام لا يؤمن احدكم حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه وكل يحب لنفسه من اخوانه ان يرحموه وان تكون قلوبهم منطوية على رحمة الله لا يريد ان تنطوي قلوب اخوانه عليه بحقد او حسد او غل او كيد او غش او غير ذلك ولا يرضى ان تنطوي قلوب اخوانه عليه بمثل هذه الاخلاق وما لا يرضاه لنفسه من الاخلاق فيجب عليه الا يرضاه لاخوانه وقد قال عليه الصلاة والسلام فمن احب ان يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الاخر وليأتي الى الناس الذي يحب ان يؤتى اليه وما من شك ان كل واحد يحب لنفسه ان يعامل بالرحمة ومقتضياتها واذا عومل يوما بغير الرحمة سخط لذلك ولم يرضه لنفسه لان النفوس تأبى كل خصلة تجانب العطف والرحمة ولهذا كان متأكدا على المسلم ان يعامل اخوانه بالمعاملة الطيبة الرحيمة الكريمة الفاضلة التي يحب ان يعامل بها ونبينا عليه الصلاة والسلام نبي الرحمة كما جاء في صحيح مسلم من حديث ابي موسى الاشعري رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمي لنا نفسه اسماء فقال انا محمد واحمد والمقفي والحاشر ونبي التوبة ونبي الرحمة وهو عليه الصلاة والسلام نبي الرحمة في خلقه فخلقه كله رحمة لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم وقال تعالى فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك وفي دعوته حيث تكرر نصحه المتواصل لامته ان يكونوا متراحمين والاحاديث عنه في هذا الباب كثيرة بل بين عليه الصلاة والسلام ان انتزاع الرحمة من قلب الانسان دليل على شقائه قال صلى الله عليه وسلم لا تنزع الرحمة الا من شقي. رواه الترمذي فالله سبحانه اذا اراد ان يرحم عبدا اسكن في قلبه الرأفة والرحمة واذا اراد ان يعذبه نزع من قلبه الرحمة والرأفة وابدله بهما الغلظة والقسوة ففي صحيح مسلم عن عياض المجاشع رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال واهل الجنة ثلاثة ذو سلطان مقسط متصدق موفق ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم وعفيف متعفف ذو عيال رواه مسلم وفي الصحيحين عن حارثة بن وهب رضي الله عنه انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال الا اخبركم باهل قالوا بلى قال صلى الله عليه وسلم كل ضعيف متضعف لو اقسم على الله لابره ثم قال الا اخبركم باهل النار؟ قالوا بلى. قال كل عتل جواب مستكبر والعتل الجواظ هو الفظ الغليظ العنيف وليست رحمة الاسلام مقصورة على قريب او صديق بل هي رحمة عامة شاملة لكل انسان فعن ابي موسى الاشعري رضي الله عنه انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول لن تؤمنوا حتى تراحموا قالوا يا رسول الله كلنا رحيم. قال انه ليس برحمة احدكم صاحبه ولكنها رحمة الناس رحمة العامة. رواه الطبراني وعن جرير ابن عبد الله رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لا يرحم الناس لا يرحمه الله عز وجل قال ابن بطال رحمه الله فيه الحض على استعمال الرحمة لجميع الخلق فيدخل المؤمن والكافر والبهائم المملوك منها وغير المملوك ويدخل في الرحمة التعاهد بالاطعام والسقي والتخفيف في الحمل وترك التعدي بالضرب وليست ايضا خاصة بالناس بل تشمل حتى البهائم والدواب والطير فعن معاوية بن قرة عن ابيه رضي الله عنه ان رجلا قال يا رسول الله اني لاذبح الشاة وانا ارحمها او قال اني لارحم الشاة ان اذبحها فقال والشاة ان رحمتها رحمك الله والشاة ان رحمتها رحمك الله. رواه احمد وعن ابي امامة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من رحم ولو ذبيحة رحمه الله يوم القيامة. رواه البخاري في الادب المفرد وعن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما كلب يطيف بركية قد كاد يقتله العطش اذ رأته بغي من بغايا بني اسرائيل فنزعت موقها فاستقت له به فسقته اياه فغفر لها به. متفق عليه وعن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئرا فنزل فيها فشرب ثم خرج فاذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال الرجل لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني فنزل البئر فملأ خفه ماء ثم امسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له قالوا يا رسول الله وان لنا في هذه البهائم لاجرا فقال في كل كبد رطبة اجر. متفق عليه اي هل كل بهيمة نحسن اليها ونرحمها نؤجر فذكر لهم صلى الله عليه وسلم هذه القاعدة الجامعة في الباب في كل كبد رطبة اجر والذي يرحم الدواب والطير حري ان يفوز بنصيب وافر من رحمة الله سبحانه له فيسعد في دنياه وفي اخراه وقد تقدم في الحديث الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء اي ارحموا من على الارض وهذا يشمل الناس ويشمل ايضا الدواب والبهائم والطير يرحمكم من في السماء اي يرحمكم الله العلي على خلقه المستوي على عرشه استواء يليق بجلاله وكماله به وعظمته سبحانه وفي الصحيحين ان النبي صلى الله عليه وسلم قال انما يرحم الله من عباده الرحماء ومن ابواب الرحمة العظيمة التي حث عليها الاسلام رحمة العيال رحمة الوالد لولده فاذا وجدت الرحمة في قلوب الاباء والامهات حلت الخيرات وتوالت البركات وتحققت المصالح الكبيرة والمنافع العظيمة برا ووفاء واحسانا واستقامة على طاعة الله باذن الله عن عائشة رضي الله عنها قالت جاء اعرابي الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اتقبلون الصبيان قال والله ما نقبلهم قال لا املك ان كان الله عز وجل نزع منك الرحمة. رواه احمد وهذا فيه بيان شناعة هذا الامر الذي اخبر به هذا الرجل عن نفسه وعن قومه وانه يتنافى مع الرحمة التي ينبغي ان تكون في القلوب تجاه الصغار وفيه تنبيه الى الارتباط بين الباطن والظاهر الرحمة والقبلة فلما قال الرجل لا نقبلهم هذا الظاهر من عملهم وهو دليل على وجود خلل في الباطن وهو انتزاع الرحمة من القلب لان القبلة للصغير نابعة عن رحمة الله في القلب ومن كان يصف نفسه بانه لا يقبل صبيانه انفة فهذا دليل على ان الرحمة منزوعة من قلبه لانها لو وجدت في قلبه وجدت اثارها وعن ابي هريرة رضي الله عنه ان الاقرع بن حابس ابصر النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الحسن فقال ان لي عشرة من الولد ما قبلت واحدا منهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انه من لا يرحم لا يرحم متفق عليه وعن انس بن مالك رضي الله عنه قال ما رأيت احدا كان ارحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كان ابراهيم مسترضعا له في عوالي المدينة فكان ينطلق ونحن معه فيدخل البيت وانه ليدخن. وكان بئره قينا فيأخذه فيقبله ثم يرجع قال عمر فلما توفي ابراهيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ابراهيم ابني وانه مات في الثدي وان له لظئرين تكملان رظاعه في الجنة. رواه مسلم بئرين اي مرضعتين وعن انس بن مالك رضي الله عنه قال جاء شيخ يريد النبي صلى الله عليه وسلم فابطأ القوم عنه ان يوسعوا له. فقال النبي صلى الله عليه وسلم ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا رواه الترمذي وعن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا رواه الترمذي وفي هذين الحديثين تحذير من عدم الرحمة بالصغار. ووصف من كان كذلك بليس منا. وهذا يدل على هذا الامر وانه فعل شديد الخطورة وليتأمل ادراكا لعظيم شأن الرحمة في مقام تربية الاولاد قول الله عز وجل فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك مع قول النبي صلى الله عليه وسلم انما انا لكم مثل الوالد لولده اي ان الاصل في الوالد مع ولده ان يكون رحيما بهم ولهذا فان جماعة من المفسرين اوردوا هذا الحديث تحت هذه الاية في سياق بيان معناها تنبيها لعظم شأن الرحمة في مقام التأديب والتربية وان انتزاع الرحمة من القلوب موجبة للتفكك والشقاق. ومن يوفق لرحمة ابنائه فهذا موجب لنيل رحمة الله سبحانه انه له عن انس بن مالك رضي الله عنه قال جاءت امرأة الى عائشة رضي الله عنها تسأل ومعها صبيان فاعطتها ثلاثة تمرات فاعطت كل صبي تمرة تمرة وامسكت لنفسها تمرة فاكل الصبيان التمرتين فعمدت الى التمرة فشقتها نصفين فاعطت كل صبيا لها نصف تمرة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فاخبرته فقال وما يعجبك منها؟ لقد رحمها الله صبييها رواه البخاري في الادب المفرد والحاكم في المستدرك نسأل الله التوفيق لرضاه والمعونة على طاعته والهداية الى صراطه المستقيم. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته