بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال جاء حبر الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد او يا ابا القاسم ان الله تعالى يمسك السماوات يوم القيامة على اصبع والاراضين على اصبع والجبال والشجر على اصبع والماء والثرى على اصبع وسائر الخلق على اصبع ثم يهزهن فيقول انا الملك انا الملك فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبا مما قال الحبر تصديقا لقوله ثم قرأ وما قدروا الله حق قدره والارض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون رواه مسلم ان تعظيم الله جل وعلا من اعظم العبادات القلبية ومن اجل واشرف اعمال القلوب فان القلب المعظم لله الذي يقدر ربه حق قدره ويعظمه سبحانه حق تعظيمه وذلك القلب الذي تحقق فلاحه ونجاحه و في دنياه واخراه واذا كان القلب معظما لله عظم العبد شرع الله وعظم دين الله وعرف مكانة رسل الله وعرف احقية الله عز وجل وحده بالذل والخضوع والخشوع والانكسار ومن اسماء الله الحسنى العظيم وهو جل وعلا عظيم في اسمائه وعظيم في صفاته وعظيم في افعاله وعظيم في كلامه وعظيم في وحيه وشرعه وتنزيله وهو جل وعلا عظيم مستحق من عباده ان يعظموه جل وعلا حق تعظيمه وان يقدروه حق قدره. كما قال سبحانه وما قدروا الله حق قدره والارض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون ومعاني العظمة الدال عليها اسمه العظيم نوعان احدهما يرجع الى صفاته سبحانه وان له جميع معاني العظمة والجلال كالقوة والعزة وكمال القدرة وسعة العلم وكمال المجد وغيرها من اوصاف العظمة والكبرياء وله سبحانه الكبرياء والعظمة الوصفان اللذان لا يقادر قدرهما ولا يبلغ العباد كنههما. قال الله تعالى في الحديث القدسي الكبرياء ردائي والعظمة ازاري. فمن نازعني واحدا منهما قذفته في النار. رواه احمد وابو داوود وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يقول في ركوعه وسجوده سبحان ذي الجبروت والملكوت الكبرياء والعظمة. رواه احمد وابو داوود والنسائي النوع الثاني انه لا يستحق احد التعظيم والتكبير والاجلال والتمجيد غيره فيستحق على العباد ان يعظموه بقلوبهم والسنتهم واعمالهم وذلك ببذل الجهد في معرفته ومحبته والذل له والخوف منه ومن تعظيمه سبحانه ان يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر ومن تعظيمه واجلاله ان يخضع لاوامره وشرعه وحكمه والا يعترض على شيء من خلقه او على شيء من شرعه ومن تعظيمه تعظيم ما عظمه من زمان ومكان واشخاص واعمال والعبادة روحها تعظيم البار وتكبيره وان من اعظم ما يعين العبد على تحقيق عبودية التعظيم للرب ان يتفكر في مخلوقات الله العظيمة واياته جل شأنه الجسيمة الدالة على عظمة مبدعها وكمال خالقها وموجدها يقول جل شأنه ما لكم لا ترجون لله وقارا اي لا تعظمونه حق تعظيمه وقد خلقكم اطوارا الم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا والله انبتكم من الارض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم اخراجا قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله اي لا تخافون لله عظمة وليس لله عندكم قدر وقد خلقكم اطوارا اي خلقا من بعد خلق في بطن الام ثم في الرضاع ثم في سن الطفولة ثم التمييز ثم الشباب الى اخر ما وصل اليه الخلق فالذي انفرد بالخلق والتدبير البديع متعين ان يفرد بالعبادة والتوحيد وفي ذكر ابتداء خلقهم تنبيه لهم على الاقرار بالميعاد. وان الذي انشأهم من العدم قادر على ان يعيدهم بعد موتهم واستدل ايضا عليهم بخلق السماوات التي اكبر من خلق الناس فقال الم تروا كيف خلق سبع سماوات طباقا اي كل سماء فوق الاخرى وجعل القمر فيهن نورا لاهل الارض وجعل الشمس سراجا ففيه تنبيه على عظم خلق هذه الاشياء. وكثرة المنافع في الشمس والقمر الدالة على رحمته وسعة احسانه انا فالعظيم الرحيم يستحق ان يعظم ويحب ويعبد ويخاف ويرجى والله انبتكم من الارض نباتا حين خلق اباكم ادم وانتم في صلبه ثم يعيدكم فيها عند الموت ويخرجكم اخراجا للبعث والنشور فهو الذي يملك الحياة والموت والنسور والله جعل لكم الارض بساطا اي مبسوطة مهيئة للانتفاع بها. لتسلكوا منها سبل فجاجا فلولا انه بسطها لما امكن ذلك بل ولا امكنهم حرثها وغرسها وزرعها والبناء والسكون على ظهرها فهي ايات عظام وشواهد جسام على عظمة المبدع وكمال الخالق سبحانه وقال الله تعالى ان في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السماوات والارض لايات لقوم يتقون وقال تعالى ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار لايات لاولي الالباب اي براهين واظحات وشواهد بينات ودلائل ساطعات على عظمة المبدع وكماله جل شأنه السماوات في لطافتها وارتفاعها واتساعها وكواكبها السيارة والثوابت والارض في كثافتها وانخفاضها وجبالها وبحارها وانهارها وقفارها ووهادها واشجارها وما فيها من المنافع المتنوعة ان تفكر المؤمن وتأمله في ايات الله العظيمة ومخلوقاته الباهرة تهدي قلبه وتسوقه الى تعظيم خالقه. اذا تفكر في هذه الارض التي يمشي عليها والجبال المحيطة به يجد فيها عظمة تبهر القلوب فاذا ما وسع النظر ونظر فيما هو اعظم من ذلك وتأمل في السماء المحيطة بالارض تتضائل عنده عظمة الارظ بالنسبة الى عظمة السماء ثم اذا تأمل فيما هو اعظم وهو السماوات السبع المحيطة بهذه الارض يزداد الامر عظمة ثم اذا تفكر في ذلك المخلوق العظيم الذي قال الله عنه في اعظم اية في كتاب الله قال جل شأنه وسع كرسيه السماوات والارض اي احاط بها فلم يظق عنها لعظم سعته فتتضاءل عظمة السماوات وعظمة الارض عند عظمة هذا المخلوق ثم تتضائل هذه العظمة اذا تفكر العبد في النسبة بين عظمة الكرسي وعظمة العرش المجيد اوسع المخلوقات واعظمها وقد ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه انه قال ما بين السماء الدنيا والتي تليها مسيرة خمسمائة عام وما بين كل سماء مسيرة خمسمائة عام وما بين السماء السابعة والكرسي مسيرة خمسمائة عام وما بين الكرسي والماء مسيرة خمسمائة عام والعرش على الماء والله على العرش يعلم ما انتم عليه وثبت في المسند من حديث ابي ذر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ما السماوات السبع مع الكرسي الا كحلقة ملقاة بارض فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلات على الحلقة هذه عظمة مخلوقات تأخذ بالقلوب وتبهر العقول فاذا تفكر العبد هذا التفكر العظيم عملا بقول نبينا صلى الله عليه وسلم تفكروا في الاء الله هداه هذا التفكر الى عظمة الخالق سبحانه فاذا كانت هذه المخلوقات بهذه العظمة فكيف الشأن بمبدعها؟ وكيف الامر بخالقها جل شأنه ما سلطانه وكمل في اسمائه وصفاته تبارك اسمه وتعالى جده وبهرت حكمته وتمت نعمته وقامت على العباد حجته. والله اكبر كبيرا واذا عظمت القلوب الله عظم في النفس شرع الله وعظمت حرمات الله وصلحت احوال العباد. ذلك ومن يعظم من شعائر الله فانها من تقوى القلوب اي امارة بينة ودلالة واضحة على تقوى قلب من كان كذلك لربه ويقول جل شأنه ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه ان تعظيم الله جل شأنه فرع عن المعرفة بالله فكلما كان العبد اعظم معرفة بالله كان اشد لله تعظيما واشد له اجلالا واعظم له مخافة وتحقيقا لتقواه جل شأنه واذا عظم القلب ربه خضع له سبحانه وانقاد لحكمه وامتثل امره وذل له بالمحبة والاجلال والتعظيم والخوف والرجاء وتوابع ذلك ومنشأ صنوف الانحرافات وانواع الاباطيل في الناس انما هو من ضعف التعظيم لله او انعدامه القلوب وذكر الله بالتعظيم لجنابه سبحانه يملأ القلوب تعظيما لله وقد ثبت في الحديث ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة وكان يقول عليه الصلاة والسلام فاما الركوع فعظموا فيه الرب وكان عليه الصلاة والسلام يقول في ركوعه سبحان ربي العظيم ويقول في سجوده سبحان ربي الاعلى ويقول صلى الله عليه وسلم كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان الى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم فذكر الله جل وعلا تعظيما له سبحانه وتكبيرا وتوحيدا وتقديسا وتنزيها هو العمارة الحقيقية للقلوب وهو الشفاء لامراضها وهو الذي تتحقق به تقوى العبد لربه والتعظيم لمولاه وليحذر العبد من الذنوب والمعاصي فان من اضرارها على العبد ان تضعف في قلبه التعظيم لله قال ابن القيم رحمه الله ومن عقوبات الذنوب انها تظعف في القلب تعظيم الرب جل جلاله وتضعف وقاره في قلب العبد ولابد. شاء ام ابى ولو تمكن وقار الله وعظمته في قلب العبد لما تجرأ على معاصيه وربما اغتر المغتر وقال انما يحملني على المعاصي حسن الرجاء. وطمعي في عفوه لا ضعف عظمته في قلبي وهذا من مغالطة النفس فان عظمة الله وجلاله في قلب العبد تقتضي تعظيم حرماته وتعظيم حرماته يحول بينه وبين الذنوب والمتجرؤون على معاصيه ما قدروا الله حق قدره. وكيف يقدره حق قدره او يعظمه ويكبره وقاره ويجله من يهون عليه امره ونهيه هذا من امحل المحال وابين الباطل. وكفى بالعاصي عقوبة ان يضمحل من قلبه تعظيم الله جل جلاله وتعظيم حرماته ويهون عليه حقه هذا والحياة دار ابتلاء وامتحان والى الرب العظيم المنتهى واليه الرجعى ولا نجاة في ذلك اليوم الا بالتعظيم لله. والعمل بموجبات هذا التعظيم واهل الايمان في الدار الاخرة درجات عند الله بحسب حظ قلوبهم من التعظيم لله واما من لا يؤمن بالله العظيم فليس له في تلك الدار الا النار. قال تعالى واما من اوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم اوت كتابا ولم ادري ما حسابي يا ليتها كانت القاضية ما اغنى عني ماليا هلك عني سلطانيه خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوا والسبب في ذلك انه كان لا يؤمن بالله العظيم اللهم بك امنا وعليك توكلنا واليك انبنا وبك خاصمنا ولا حول ولا قوة الا بك اللهم املأ قلوبنا محبة لك وتعظيما لجنابك ولا تكلنا الى انفسنا طرفة عين واصلح لنا شأننا كله لا اله الا انت وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته