بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن علي رضي الله عنه قال كنا في جنازة في بقيع الغرقد فاتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعد وقعدنا حوله ومعه مخصرة تنكس فجعل ينكث بمخصرته ثم قال ما منكم من احد ما من نفس منفوسة الا وقد كتب الله مكانها من الجنة والنار والا قد كتبت شقية او سعيدة فقال رجل يا رسول الله افلا نمكث على كتابنا وندع العمل فقال من كان من اهل السعادة فسيصير الى عمل اهل السعادة ومن كان من اهل الشقاوة فسيصير الى عمل اهل الشقاوة فقال اعملوا فكل ميسر اما اهل السعادة في ييسرون لعمل اهل السعادة واما اهل الشقاوة فيسرون لعمل اهل الشقاوة ثم قرأت فاما من اعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى واما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى. متفق عليه وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق ان احدكم يجمع خلقه في بطن امه اربعين يوما ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر باربع كلمات بكتب رزقه واجله وعمله وشقي او سعيد هو الذي لا اله غيره ان احدكم ليعمل بعمل اهل الجنة حتى ما يكونوا بينه وبينها الا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل اهل النار فيدخلها وان احدكم ليعمل بعمل اهل النار حتى ما يكونوا بينه وبينها الا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل اهل الجنة فيدخلها. متفق عليه ان سعادة العبد في دنياه واخراه وراحة قلبه وسروره هبة ربانية ومنة الهية وهي بيد الله سبحانه فكل ميسر لما خلق له من كان من اهل السعادة فسيصير الى عمل اهل السعادة ومن كان من اهل الشقاوة فسيصير الى عمل اهل الشقاوة والله سبحانه ميسر الامور وشارح الصدور والمعين والهادي والموفق الذي بيده ازمة الامور يعطي ويمنع ويخفض ويرفع ويعز ويذل ويقبض ويبسط ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن والله قدر السعادة والشقاوة باسبابها كما تقدم في الحديث اعملوا فكل ميسر لما خلق له فامر العباد ان يعملوا ويبذلوا جهدهم بفعل الاسباب التي ينالون بها السعادة ويسلمون بها من الشقاء مستعينين بالله طالبين منه المد والعون والسعادة لا تنال الا بطاعة الله واتباع هداه قال الله تعالى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى وقال تعالى طه ما انزلنا عليك القرآن لتشقى اي بل انزلناه عليك لتسعد وقال تعالى من عمل صالحا من ذكر او انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم اجرهم باحسن ما كانوا يعملون فالحياة الطيبة التي ليس فيها نكد ولا مكدرات هي حياة الايمان والطاعة هذا ومدار امر السعادة على تحقيق امور ثلاثة لابد منها فمن وفق لتحقيقها ويسر له القيام بها كان من اهل السعادة في الدنيا والاخرة الا وهي شكر الله على نعمائه والصبر على قدره وقضائه والاستغفار والتوبة اليه سبحانه وذلك ان العبد في هذه الحياة يدور مع امور ثلاثة نعم متوالية وعطايا متتالية يمن الله تبارك وتعالى بها عليه والنعمة تستوجب شكر المنعم او مصائب وامور يقدرها الله ويقضي بها على عبده واجب على العبد ان يتلقاها بالصبر على قضاء الله وقدره محتسبا راجيا فضل الله وعطاءه والثالث ذنوب يقترفها وخطايا يرتكبها وتقصيرات في جنب الله يقع فيها فهذه تتطلب توبة واستغفارا قال ابن القيم رحمه الله فان هذه الامور الثلاثة عنوان سعادة العبد وعلامة فلاحه في دنياه واخراه ولا ينفك عبد عنها ابدا فان العبد دائم التقلب بين هذه الاطباق الثلاث فطوبى لمن اذا اعطي شكر واذا ابتلي صبر واذا اذنب استغفر وحمد الله وشكره على مننه وعطاياه الدينية والدنيوية مؤذن بالمزيد كما قال الله تبارك وتعالى واذ تأذن ربكم لئن شكرتم لازيدنكم ولئن كفرتم ان عذابي لشديد والله سبحانه يرظى عن عبده اذا اكل الاكلة ان يحمده عليها واذا شرب الشربة ان يحمده عليها والمؤمن مأمور بالاعتراف بنعم الله عليه ومننه وافضاله وان يحرك لسانه شكرا لله وحمدا وثناء وان يعمل جوارحه في طاعة الله. كما قال الله تعالى اعملوا ال داوود شكرا والصبر على البلاء مقام عظيم من مقامات الدين الرفيعة ومنازله العلية ولا يوفق له الا من من الله عليه وشرح صدره فتلقى قضاء الله وقدره بالعلم والايمان بان ما اصابه لم يكن ليخطئه وان ما اخطأه لم يكن ليصيبه ما اصاب من مصيبة الا باذن الله. ومن يؤمن بالله يهد قلبه. قال علقمة رحمه الله هو تصيبه المصيبة فيعلم انها من عند الله فيرضى ويسلم واما الاستغفار فشأنه عظيم وثوابه عند الله جزيل وفي الحديث عن نبينا صلى الله عليه وسلم انه قال طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارا كثيرا واثار الاستغفار على العباد وثماره عليهم في الدنيا والاخرة لا تعد ولا تحصى ومن ثماره الدنيوية ما جاء في قول الله تعالى فقلت استغفروا ربكم انه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم باموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم انهارا وقد جمعت هذه الامور الثلاثة التي عليها مدار السعادة في اثر عظيم يروى عن الصحابي الجليل عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما انه قال اربع من كن فيه بنى الله له بيتا في الجنة من كان عصمة امره لا اله الا الله واذا اصابته مصيبة قال انا لله وانا اليه راجعون. واذا اعطي شيئا قال الحمد لله واذا اذنب ذنبا قال استغفر الله رواه ابن المبارك في الزهد وابن ابي الدنيا في كتابه الشكر والبيهقي في شعب الايمان وغيرهم فذكر رضي الله عنه هذه الامور الثلاثة التي عليها مدار السعادة واضاف اليها امرا عظيما واصلا متينا عليه قيام الدين كلمة التوحيد لا اله الا الله وهي عصمة امر المسلمين لا نجاة لهم ولا سعادة في الدنيا والاخرة الا بتحقيقها بل عليها مدار السعادة فاهلها هم اهل السعادة قال ابن القيم رحمه الله وقد اجمع السائرون الى الله ان القلوب لا تعطى مناها حتى تصل الى مولاها ولا تصلوا الى مولاها حتى تكون صحيحة سليمة ولا تكون صحيحة سليمة حتى ينقلب داؤها فيصير نفس دوائها ولا يصح لها ذلك الا بمخالفة هواها فهواها مرضها وشفاؤها مخالفته فان استحكم المرض قتل او كاد وكما ان من نهى نفسه عن الهوى كانت الجنة مأواه فكذا يكون قلبه في هذه الدار في جنة عاجلة لا يشبه نعيم اهلها نعيم البتة بل التفاوت الذي بين النعيمين كالتفاوت الذي بين نعيم الدنيا والاخرة وهذا امر لا يصدق به الا من باشر قلبه هذا وهذا ولا تحسب ان قوله تعالى ان الابرار لفي نعيم. وان الفجار لفي جحيم مقصور على نعيم الاخرة وجحيمها قد بل في دورهم الثلاثة هم كذلك اعني الدنيا ودار البرزخ ودار القرار فهؤلاء في نعيم وهؤلاء في جحيم وهل النعيم الا نعيم القلب؟ وهل العذاب الا عذاب القلب واي عذاب اشد من الخوف والهم والحزن وضيق الصدر واعراضه عن الله والدار الاخرة وتعلقه بغير الله وانقطاعه عن الله بكل واد منه شعبة فتوحيد الله والايمان به وتوابع الايمان ومتمماته ومكملاته هو السعادة الحقيقية فمن كان من اهل الايمان تحقيقا له وتتميما وقياما بمقتضياته وما يستوجبه الايمان نال من السعادة بحسب ما عنده من الايمان واذا ظعف الايمان ظعف حظه من السعادة واذا ذهب الايمان ذهبت السعادة وفارقت العبد فبالايمان يسعد وبه يطمئن وبه تقر العين وبه ينشرح الصدر الذين امنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله الا بذكر الله تطمئن القلوب الذين امنوا وعملوا الصالحات عقبالهم وحسن مآب وهذا يتطلب من العبد ايضا ان يقوم بحقوق الايمان من معاملات واداب واخلاق مع الاخرين حتى يظفر بالسعادة وحتى تتحقق له بابهى صورها واجمل حللها وفي هذا يقول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله والسعادة في معاملة الخلق ان تعاملهم لله فترجوا الله فيهم ولا ترجوهم في الله وتخافه فيهم ولا تخافهم في الله وتحسن اليهم رجاء ثواب الله الا لمكافئتهم وتكف عن ظلمهم خوفا من الله لا منهم وهذا كلام عظيم جدير بان ينتبه العبد في تعامله مع الناس بما يحقق له هو السعادة ويحقق ايضا السعادة للاخرين والراحة والطمأنينة والاحسان الى الخلق بالقول والفعل وانواع المعروف يدفع الله به عن العبد الهموم والغموم والاسلام سلام وعافية. والايمان امن وطمأنينة ولهذا يقول عليه الصلاة والسلام المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمؤمن من امنه الناس فالايمان مجلبة للسعادة والراحة والطمأنينة ومن يضيع الايمان وهداياته يجلب لنفسه ولمن حوله الشقاء ثم ان الدعاء مفتاح كل خير والسعادة بيد الله فليكن طلب العبد لسعادته وراحته وطمأنينة قلبه وراحة باله وزوال همومه وغمومه من الله وفي الحديث يقول عليه الصلاة والسلام ما اصاب احدا قط هم ولا حزن فقال اللهم اني عبدك وابن عبدك وابن امتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك اسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك او علمته احدا من خلقك او انزلته في كتابك او استأثرت به في علم الغيب عندك ان تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي الا اذهب الله همه وحزنه وابدله مكانه فرجا وفي رواية وابدله مكان حزنه فرحا وهذا الدعاء تظمن اربعة اصول عظيمة لا سبيل للعبد الى نيل السعادة وزوال الهم والغم والحزن الا بالاتيان بها وتحقيقها الاول تحقيق العبادة لله وتمام الانكسار بين يديه والخضوع له واعترافه بانه مخلوق لله مملوك له هو واباؤه وامهاته ابتداء من ابويه الاقربين وانتهاء الى ادم وحواء ولهذا قال اللهم اني عبدك وابن عبدك وابن امتك الامر الثاني ايمان العبد بقضاء الله وقدره وان ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وانه سبحانه لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه ولهذا قال في هذا الدعاء ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك الامر الثالث الايمان باسماء الله الحسنى وصفاته العليا ومعرفة معانيها ودلالاتها فان اعظم ما يطرد الهم والحزن والغم ان يعرف العبد ربه وان يعمر قلبه بمعرفته وان يتوسل اليه باسمائه وصفاته ولهذا قال اسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك او انزلته في كتابك او علمته احدا من خلقك او استأثرت به في علم الغيب عندك الامر الرابع العناية بالقرآن ربيع القلوب ونور الصدور وظياء النفوس فان العبد كلما كان عظيم العناية بالقرآن تلاوة وحفظا ومذاكرة وتدبرا وعملا وتطبيقا نال من السعادة والطمأنينة وراحة الصدر وزوال الهم والغم والحزن بحسب ذلك ولهذا قال في هذا الدعاء ان تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي قال ابن القيم رحمه الله فليس شيء انفع للعبد في معاشه ومعاده واقرب الى نجاته من تدبر القرآن واطالة التأمل في اياته فانها تطلع العبد على معالم الخير والشر بحذافيرهما وعلى طرقاتهما واسبابهما وغاياتهما وثمراتهما ومآل اهلهما وتتل في يده مفاتيح كنوز السعادة فهذه امور اربعة هي جماع ابواب السعادة الطاردة للغموم المذهبة للهموم المبعدة للاحزان الجالبة لراحة القلوب وطمأنينة النفوس وسعادة دارين كتبنا الله في عباده السعداء وسلك بنا سبيل السعادة. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته