بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن عمران ابن حصين رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يدخل الجنة من امتي سبعون الفا بغير حساب قالوا من هم يا رسول الله؟ قال هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون. رواه مسلم وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو انكم كنتم توكلون على الله حق توكله لرزقتم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا. رواه الترمذي وعن انس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال اذا خرج من بيته بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة الا بالله. يقال له كفيت ووقيت وتنحى عنه الشيطان. رواه ابو داوود والترمذي ان التوكل على الله وحده وتفويض الامور كلها اليه والاعتماد عليه في جلب النعماء ودفع الضر والبلاء مقام عظيم من مقامات الدين الجليلة وعمل جليل من اعمال القلوب وفريضة عظيمة يجب اخلاصها لله وحده وهو من اجمع انواع العبادة واهمها لما ينشأ عنه من الاعمال الصالحة والطاعات الكثيرة فانه اذا اعتمد القلب على الله في جميع الامور الدينية والدنيوية دون من سواه صح اخلاصه وقويت معاملته مع الله وزاد يقينه وثقته بربه تبارك وتعالى والله جل وعلا ذكر التوكل في مواضع كثيرة من القرآن وذكره سبحانه شريعة لجميع الانبياء ونهجا لجميع المرسلين قال الله تعالى عن نبيه نوح عليه السلام يا قومي ان كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بايات الله فعلى الله توكلت وقال عن نبيه موسى عليه السلام وقال موسى يا قومي ان كنتم امنتم بالله فعليه توكلوا ان كنتم مسلمين وقال جل وعلا عن نبيه شعيب عليه السلام ان اريد الا الاصلاح ما استطعت وما توفيقي الا بالله عليه توكلت واليه انيب وقال عن نبيه هود عليه السلام اني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة الا هو اخذ بناصيتها ان ربي على صراط مستقيم وقال عن نبيه يعقوب عليه السلام يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من ابواب متفرقة. وما اغني عنكم من الله من شيء. ان الحكم الا لله. عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون وقال عن نبيه وخليله ابراهيم عليه السلام الا قول ابراهيم لابيه لاستغفرن لك وما املك لك من الله من شيء ربنا عليك توكلنا واليك انبنا واليك المصير وقال عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم سيد المتوكلين لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليهما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم فان تولوا فقل حسبي الله لا اله الا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم وقال جل وعلا كذلك ارسلناك في امة قد خلت من قبلها امم لتتلو عليهم الذي اوحينا اليك وهم يكفرون بالرحمن. قل هو ربي لا اله الا هو عليه توكلت واليه متاب والايات في بيان توكله على الله واعتماده عليه سبحانه كثيرة بل ان الله عز وجل سماه في التوراة المتوكل فعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال والله انه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن يا ايها النبي انا ارسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للاميين انت عبدي ورسولي سميتك المتوكل. رواه البخاري وقد ذكر الله التوكل نعتا لعباده المؤمنين وصفة لاوليائه المقربين قال الله تعالى انما المؤمنون الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم واذا تليت عليهم اياته زادتهم ايمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون. اولئك هم المؤمنون حقا والايات في هذا المعنى كثيرة ان حقيقة التوكل هو عمل القلب وعبوديته اعتمادا على الله وثقة به والتجاء اليه وتفويضا اليه ورضا بما يقضيه له لعلمه بكفايته سبحانه وحسن اختياره لعبده اذا فوض اليه اموره مع قيامه بالاسباب المأمور بها واجتهاده في تحصيلها هذه هي حقيقة التوكل اعتماد على الله وحده لا شريك له مع فعل الاسباب المأمور بها والقيام بها دون تعد الى فعل سبب غير مأمور او سلوك طريق غير مشروع والتوكل عبادة قلبية مكانها القلب وهي تقوم على اصلين عظيمين لابد من قيامهما بالقلب ليكون العبد متوكلا على الله حقا وصدقا الامر الاول علم العبد بالله. وانه سبحانه الوكيل ولا وكيل سواه وانه الرب العظيم المدبر المسخر الذي بيده ازمة الامور فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن عليم بالعباد سميع لاصواتهم بصير باعمالهم مطلع عليهم لا تخفى عليه منهم خافية قال الله تعالى وتوكل على العزيز الرحيم الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين انه هو السميع العليم وقال جل وعلا وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا وقال جل وعلا وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيرا فهو مبني على حسن المعرفة بالله فمن لم يعرف ربه بكماله وعظمته ونفوذ مشيئته وشمول قدرته واحاطة علمه وكمال ارادته ونفوذه قضائه فانه لا يحسن التوكل عليه فالتوكل مبني على حسن المعرفة بالله ولهذا كلما قوي ايمان العبد بالله وصحت معرفته به قوي توكله عليه وعظم التجاؤه اليه. وفوض اموره كلها اليه. ولجأ اليه في كل شأن من شؤونه ومصلحة من مصالحه وحاجة من حاجاته وامر من اموره الدينية والدنيوية والاصل الثاني عمل القلب وهو اعتماده على الله وحسن التجائه اليه. وحسن تفويضه الامور الى الله. اعتمادا والتجاء وتفويضا فلا يكون في القلب التفات الى الاسباب ولا اعتماد عليها وانما يكون القلب معتمدا على الله مفوضا الامور كلها اليه في جميع مصالح العباد الدينية والدنيوية والتوكل عبادة تصحب المسلم في كل شؤونه وجميع اموره الدينية والدنيوية فهو يتوكل على الله في جلب مصالحه الدنيوية من طلب للرزق وتحصيل للمعاش وغير ذلك من المصالح الدنيوية ويتوكل على الله في تحصيل مصالحه الدينية وهو في كل ذلك محتاج الى الله لا غنى له عن ربه طرفة عين فهو يلتجأ اليه ليقوم بالعبادات والطاعات ويلتجأ اليه سبحانه ليحصل المنافع والمصالح وجميع الحاجات والتوكل على الله لا يتنافى مع فعل الاسباب بل فعلها من تمام التوكل ولهذا كان سيد المتوكلين عليه الصلاة والسلام يباشر الاسباب ويأمر بفعلها ومباشرتها قال صلى الله عليه وسلم احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وقال عليه الصلاة والسلام للرجل الذي سأله عن ناقته اعقلها واتوكل او اطلقها واتوكل قال اعقلها وتوكل فارشده الى فعل السبب وقد تقدم في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لو انكم كنتم توكلون على الله حق توكله لرزقتم كما ترزق الطير. تغدو خماصا وتروح بطانا فذكر فعلها للاسباب وهو غدوها في الصباح الباكر لطلب العيش والبحث عن الرزق ولهذا جاء عن عمر رضي الله عنه انه سمع بنفر خرجوا من ديارهم بلا قوت ولا زاد وقالوا نحن المتوكلون قال بل انتم المتواكلون. انما المتوكل على الله الذي يلقي حبه في الارض ان يضعوا البذر في الارض ويتوكل على الله وجاء في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما في سبب نزول قوله تعالى وتزودوا فان خير الزاد التقوى قال كان اهل اليمن يحجون ولا يتزودون ويقولون نحن المتوكلون فاذا قدموا مكة سألوا الناس فانزل الله وتزودوا فان خير الزاد التقوى وبهذا يعلم ان التوكل على الله لابد معه من فعل الاسباب التي يحصل بها العبد مصالحه الدينية والدنيوية ولا يكون قلبه ملتفتا للاسباب ولا معتمدا عليها ولا واثقا بها بل تكون ثقته بالله وحده وتوكله عليه وحده وتفويضه لامره الى الله وحده والتوكل عبادة عظيمة وفريضة جليلة لا يجوز صرفها الا الى الله الحي الذي لا يموت ولنتأمل قول الله تعالى وتوكل على الحي الذي لا يموت التوكل لا يكون الا على من هذا شأنه. الحي الذي لا يموت وهو الله تبارك وتعالى اما من سوى الله فهو اما حي سيموت او حي قد مات او جماد لا حياة له وكل هؤلاء لا يتوكل عليهم وانما يتوكل على الحي الذي لا يموت وهو الله سبحانه. ولهذا كان نبينا كما في الصحيحين يقول في دعائه اللهم لك اسلمت وبك امنت وعليك توكلت واليك انبت وبك خاصمت اللهم اني اعوذ بعزتك لا اله الا انت ان تضلني انت الحي الذي لا يموت والجن والانس يموتون والناس منقسمون في هذا الامر الجليل الى طرفين ووسط فاحد الطرفين عطل الاسباب محافظة على التوكل والطرف الثاني عطل التوكل محافظة على الاسباب والوسط علم ان حقيقة التوكل لا تتم الا بالقيام بالاسباب فتوكل على الله في نفس السبب وبهذا يعلم ان التوكل لا بد فيه من الجمع بين الامرين فعل السبب والاعتماد على المسبب وهو الله اما من عطل السبب وزعم انه متوكل فهو في الحقيقة متواكل مغرور مخدوع وفعله هذا ما هو الا عجز وتفريط وتضييع ومن قام بالسبب ناظرا اليه معتمدا عليه غافلا عن المسبب معرضا عنه فهذا توكله عجز وخذلان ونهايته ضياع وحرمان ولذا قال بعض اهل العلم الالتفات الى الاسباب شرك في التوحيد ومحو الاسباب ان تكون اسبابا نقص في العقل والاعراض عن الاسباب بالكلية قدح في الشرع وانما التوكل والرجاء معنى يتألف من موجب التوحيد والعقل والشرع والتوكل مصاحب للمؤمن الصادق في اموره كلها الدينية والدنيوية فهو مصاحب له في صلاته وصيامه وحجه وبره وغير ذلك من امور دينه ومصاحب له في جلبه للرزق وطلبه للمباح وغير ذلك من امور دنياه فالتوكل على الله نوعان توكل عليه في جلب حوائج العبد وحظوظه الدنيوية او دفع مكروهاته ومصائبه وتوكل عليه في حصول ما يحبه هو ويرضاه من الايمان واليقين والصلاة والصيام والحج والجهاد والدعوة وغير ذلك ولهذا ورد في الحديث كما تقدم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من قال اذا خرج من بيته بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة الا بالله. يقال له كفيت ووقيت وتنحى عنه الشيطان وهذا الذكر المبارك يشرع للمسلم ان يقوله في كل مرة يخرج من بيته. في جميع مصالحه الدينية او الدنيوية فانه لا غنى له عن ربه سبحانه طرفة عين وجاء في الحديث في سنن النسائي وغيره ان النبي صلى الله عليه وسلم علم ابنته فاطمة رضي الله عنها ان تقول كل صباح ومساء يا حي يا قيوم برحمتك استغيث اصلح لي شأني كله ولا تكلني الى نفسي طرفة عين وهذا فيه اظهار العبد عجزه وفقره وفاقته وحاجته الى ربه وسيده ومولاه وانه لا غنى له عن ربه سبحانه طرفة عين ومن يطالع الاذكار المأثورة والادعية النبوية سواء ما كان منها موظفا في اوقات معينة من اليوم والليلة او كان مطلقا غير مقيد يجد في كثير منها تعزيزا للتوكل وتجديدا له وتثبيتا لحقيقته في قلب المؤمن جعلنا الله من اهل التوكل عليه بمنه وكرمه سبحانه وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته