بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر متفق عليه وعن انس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا عدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل الصالح. الكلمة الحسنة متفق عليه وعن عمران بن حصين رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يدخل الجنة من امتي سبعون الفا بغير حساب قالوا من هم يا رسول الله قال هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون رواه مسلم لقد جاء الاسلام بهدايات مباركة فيها بناء المسلم على العقيدة القويمة والايمان الراسخ والثقة الكاملة بالله وحسن التوكل عليه جل في علاه والبعد عن الاوهام والظنون والخرافات ونحو ذلك من التعلقات الباطلة قال الله تعالى ومن يتوكل على الله فهو حسبه وقال تعالى قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون ومما يتنافى مع هذا الاعتقاد والثقة بالله وحسن التوكل عليه الطيرة والتطير والتشاؤم فانها من اعمال الجاهلية وهدي اهل الضلال والباطل وهي اعتقاد مبني على الوهم والخرافة والظنون الفاسدة والطيرة سوء ظن بالله ومجلبة للاوهام والظنون. واتباع لخطوات الشيطان. وخلل في الايمان والاعتقاد وضعف في الثقة بالله والتوكل عليه ومجلبة للسرور والافات ولهذا تكاثرت الاحاديث عن نبينا صلى الله عليه وسلم تحذيرا منها ونهيا عنها وبيانا لفساد التعلق بها واصل الطيرة عند اهل الجاهلية هي تعلقهم بحركات الطير واصواتها وهيئاتها فيتشاءمون من بعض اصواتها او بعض حركاتها او بعض اصنافها مما يجعل الواحد منهم ينثني عن حاجته ولا يقوم بمقصده عند حصول هذا التشاؤم له جاء في صحيح مسلم عن معاوية ابن الحكم السلمي رضي الله عنه وهو يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن بعض اعمال الجاهلية التي كانوا يصنعونها قال كنا نتطير فقال النبي صلى الله عليه وسلم ذاك شيء يجده احدكم في نفسه فلا يصدنكم اي ليحذر المؤمن بالله الواثق به جل في علاه ان يصده ما يهجم على قلبه من هذا التطير لشيء يراه او يسمعه فلا يصدنكم اي عن حاجتكم وفي سنن ابي داود عن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الطيرة شرك الطيرة شرك وما منا الا وهذا من قول ابن مسعود ولكن الله يذهبه بالتوكل وما منا الا اي قد يهجم على القلب في بعض الاوقات شيء من ذلك لمرأى رآه او صوت سمعه او امر شاهده ولكن الله يذهبه بالتوكل اي توكل المؤمن الصادق على الله يذهب عنه هذا الوهم ويطرده كان ابن عباسا رضي الله عنهما مع نفر من اصحابه في طريق فسمع احدهم طائرا يصيح فقال خير خير فقال ابن عباس رضي الله عنهما لا خير ولا شر وكان طاووس مع صاحب له في طريق فسمع صوت غراب يصيح فقال خير فقال واي خير عند هذا اي ان هذا مجرد تعلقات وظنون قد ترد على القلب فاذا صدت المرأة عن حاجته فقد وقع في باب من ابواب الشرك وظرب من دروب الجاهلية التي ما انزل الله بها من سلطان وخطورة الطيرة على العبد انما هي عندما يكون لها تأثير في سلوكه وعمله ولهذا جاء في الحديث الصحيح في المسند وغيره عن عبد الله ابن عمرو رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من ردته الطيرة من حاجته فقد اشرك قالوا يا رسول الله ما كفارة ذلك قال ان يقول احدهم اللهم لا خير الا خيرك ولا طير الا طيرك ولا اله غيرك اي من ردته عن مصالحه فرجع بسببها عن سفره وامتنع عما عزم عليه فقد قرع باب الشرك وبرأ من التوكل على الله وفتح على نفسه باب الخوف والتعلق بغير الله لكن المسلم الواثق بالله اذا عرظ له شيء من ذلك لم يلتفت اليه ولم يبالي به ومظى في حاجته مستعينا بالله متوكلا عليه وقول المسلم في هذا المقام اللهم لا خير الا خيرك ولا طير الا طيرك ولا اله غيرك نافع غاية النفع لان فيها تجديد الايمان بانه لا يأتي بخير ولا يدفع شرا الا الله وانه لا خير في الدنيا والاخرة الا خير الله فكل خير فيهما فهو من الله تفضلا على عباده واحسانا اليهم وان الالهية كلها لله ليس فيها لاحد من الملائكة والانبياء عليهم السلام شركة فضلا عن ان يشرك فيها ما يراه ويسمعه مما يتشاءم به والطيرة عندما تكون مسلكا للانسان ان يبني عليها مصالحه اقداما او احجاما فهي حينئذ شر وبلاء عليه روى ابن حبان في صحيحه عن انس رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لا طيرة والطيرة على من تطير ولنتأمل قول نبينا عليه الصلاة والسلام والطيرة على من تطير اي انها عندما تكون مسلكا للمرء تكون مجلبة للسرور عليه عقوبة من الله له اما المؤمن المتوكل على الله فلا يظره شيء من ذلك وفي هذا الباب باب التحذير من الطيرة يقول نبينا عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين لا عدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل قالوا وما الفأل؟ قال الكلمة الطيبة والكلمة الطيبة حين يسمعها المؤمن وهو ماض في حاجته تحدث له في نفسه سرورا وغبطة وفرحا ونشاطا وهي من مقتضى الطبيعة والفطرة التي فطر الله العباد عليها. ولا تضر المؤمن ولهذا كان عليه الصلاة والسلام يحب الفأل ويكره الطيرة لان الفأل لا يخل بعقيدة الانسان ولا بعقله وليس فيه تعليق للقلب بغير الله بل فيه من المصالح ادخال النشاط والسرور على القلب وتقوية العزائم والهمم وشحذ النفوس للسعي في تحقيق المقاصد النافعة والغايات الحميدة بخلاف النظرة المتشائمة فانها نظرة متعثرة تخلخل التفكير وتعوق القلب وتقطع النفس وتثبط الهمم وتجلب لصاحبها التواني والكسل فلا غرو ان يأتي الدين الحنيف بذم هذه النظرة القاتمة ومحاربة هذا التفكير المظلم وتبلغ النظرة المتشائمة اوج فسادها وغاية هلكتها عندما تكون متجهة للدين العظيم نفسه سواء للدين كله او لبعض احكامه العظيمة وادابه الكريمة كما هو الشأن في اعداء الرسل عليهم السلام ومن الامثلة على ذلك ما حكاه الله عن قوم موسى عليه السلام مما كانوا عليه من تطير به وبمن معه يقول الله تعالى ولقد اخذنا ال فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون فاذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وان تصبهم سيئة يتطيروا بموسى ومن معه. الا انما طائرهم عند الله ولكن اكثرهم لا لمون اي انهم حال الخصب والرخاء والرزق يقولون لنا هذه اي نحن مستحقون لها فلم يشكروا الله عليها واذا اصابتهم السيئة وهي القحط والجدب ونقص الرزق تطيروا بموسى ومن معه اي يقولون انما جاءنا هذا بسبب مجيء موسى والدعوة التي يحملها واتباعه الذين استمسكوا بدعوته فرد الله عليهم نظرتهم هذه بقوله الا انما طائرهم عند الله. ولكن اكثرهم لا يعلمون اي ان ما يقع عليهم فانما هو بقضاء الله وقدره وليس كما قالوا. بل ان ذنوبهم وكفرهم هو السبب في ذلك ولما دعا صالح عليه السلام قومه الى عبادة الله وحذرهم من فعل السيئات ورغبهم في الاستغفار لينالوا بذلك رحمة الله نظروا اليه تلك النظرة المتشائمة. يقول الله تعالى لقد ارسلنا الى ثمود اخاهم صالحا ان اعبدوا الله فاذا هم فريقان يختصمون قال يا قوم لما تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون قالوا اطيرنا بك وبمن معك قال طائركم عند الله بل انتم قوم تفتنون فزعموا انهم لم يروا من صالح عليه السلام خيرا وانه هو ومن معه من المؤمنين صاروا سببا لمنع مطالبهم الدنيوية ومقاصدهم وغاياتهم في هذه الحياة فرد عليهم نبي الله صالح هذه النظرة المتشائمة بقوله طائركم عند الله اي ان ما يصيبكم من مصائب وما يحل بكم من نكبات فهو بقضاء الله وقدره وسببه ذنوبكم واعراضكم عن دينه الحق الذي لا يجلب لاهله الا الخير والمسرة في الدنيا والاخرة وهكذا اجاب قوم ياسين رسلهم بهذه النظرة المتشائمة عندما دعوهم الى هذا الدين العظيم يقول الله تعالى واضرب لهم مثلا اصحاب القرية اذ جاءها المرسلون اذ ارسلنا اليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا انا اليكم مرسلون قالوا ما انتم الا بشر مثلنا وما انزل الرحمن من شيء ان انتم الا تكذبون قالوا ربنا يعلم انا اليكم لمرسلون. وما علينا الا البلاغ المبين قالوا انا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب اليم قالوا طائركم معكم ائن ذكرتم بل انتم قوم مسرفون فقابلوا نصح هؤلاء المرسلين وحسن دلالتهم الى الخير بهذه النظرة المتشائمة فقالوا انا تطيرنا بكم اي لم نرى في قدومكم علينا واتصالكم بنا الا الشر وهذا من اعظم القلب للحقائق اذ كيف يجعل من قدم عليهم باجل النعم واعظم الخير على هذا الوصف وهكذا ما اخبر الله عن حال من قابلوا النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته بهذه النظرة المتشائمة قال الله تعالى وان تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وان تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا ما اصابك من حسنة فمن الله وما اصابك من سيئة فمن نفسك وارسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا اي ان هؤلاء المعرضين عما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم حالهم انهم اذا جاءتهم حسنة اي خصب او كثرة مال او توفر اولاد وصحة قالوا من عند الله بينما اذا اصابتهم سيئة اي جدب او فقر او مرض او موت اولاد او فقد احباب قالوا هذه من عندك اي بسبب ما جئتنا به فتطير هؤلاء برسول الله صلى الله عليه وسلم ونظروا اليه والى ما جاء به تلك النظرة المتشائمة كما هو الشأن في امثالهم من اهل الشرك والضلال فلما تشابهت قلوب هؤلاء بالكفر والصدود والاعراض تشابهت اقوالهم وافعالهم وتوافقت عقولهم واراؤهم وهكذا يلتقي في التشابه مع هؤلاء كل من نسب حصول الشر او زوال الخير لما جاءت به الرسل او لبعضه ويلحق من كان كذلك من الدم ما لحق اولئك بحسب ما قام فيه من نظرة متشائمة تجاه المرسلين او تجاه ما دعوا اليه من الايمان والهدى والخير العظيم ومن فقه دين الله حقا علم ان الخير والشر والحسنات والسيئات كلها بقضاء الله وقدره وان الرسل عليهم السلام لا يأتون بشيء يترتب عليه ظرر او شر على الناس لانهم قد بعثوا بصلاح الدين والدنيا والاخرة. وفي الحديث انه لم يكن نبي قبلي الا كان حقا عليه ان يدل امته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم. رواه مسلم فهم عليهم السلام هداة الخلق ودعاة الحق ومنارات الخير بل لا خير الا من طريقهم ولا شر الا بمفارقة ما جاءوا به ونحمد الله ان هدانا لهذا الدين العظيم وان نجانا به من الخرافة والضلال والباطل له الحمد اولا واخرا وله الشكر ظاهرا وباطنا وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته