بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان اول ما يسأل عنه يوم القيامة يعني العبد من النعيم ان يقال له الم نصح لك جسمك ونرويك من الماء البارد. رواه الترمذي وعن ابي هريرة رضي الله عنه قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم او ليلة فاذا هو بابي بكر وعمر رضي الله عنهما فقال ما اخرجكما من بيوتكما هذه الساعة قال الجوع يا رسول الله قال وانا والذي نفسي بيده لاخرجني الذي اخرجكما قوموا فقاموا معه فاتى رجلا من الانصار فاذا هو ليس في بيته فلما رأته المرأة قالت مرحبا واهلا فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم اين فلان قالت ذهب يستعذب لنا الماء اذ جاء الانصاري فنظر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه ثم قال الحمد لله ما احد اليوم اكرم اضيافا مني قال فانطلق فجاءهم بعذق فيه بسر وتمر ورطب فقال كلوا من هذه واخذ المدية فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اياك والحلوب فذبح لهم فاكلوا من الشاة ومن ذلك العذق وشربوا فلما ان شبعوا ورووا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابي بكر وعمر والذي نفسي بيده لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة اخرجكم من بيوتكم الجوع ثم لم ترجعوا حتى اصابكم هذا النعيم. رواه مسلم ان ذكر العبد لالاء الله المتتالية ونعمه المتوالية وافضاله الكثيرة في الدين والمعافاة والصلاح والهداية وفي الابدان والاموال والمساكن والمركوبات وغير ذلك من الالاء والنعم التي اسداها المنعم وتفضل بها على العباد يعد مطلبا عظيما في باب اصلاح القلوب وتزكيتها يترتب عليه من المنافع العظيمة والمصالح الجليلة في الدنيا والاخرة ما لا يعد ولا يحصى ولهذا كان من اهم ما يكون في وعظ الناس وتذكيرهم وايقاظ قلوبهم من غفلتها ان يذكروا بنعم الله سبحانه عليهم ولهذا تجد في القرآن الكريم ايات كثيرة فيها تذكير بهذا المقام العظيم وتنبيه على هذا المطلب الجسيم ليكون العبد ذاكرا غير غافل. شاكرا غير كافر قال الله عز وجل في سياق ذكر موعظة هود عليه السلام لقومه انه قال لهم فاذكروا الاء الله لعلكم تفلحون وفي قصة صالح عليه السلام وموعظته لقومه قال لهم فاذكروا الاء الله ولا تعثوا في الارض مفسدين وقال الله عز وجل واذ قال موسى لقومه يا قومي اذكروا نعمة الله عليكم اذ جعل فيكم انبياء وجعلكم ملوكا واتاكم ما لم يؤت احدا من العالمين وقال تعالى واذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم اذ انجاكم من ال فرعون يصومونكم سوء العذاب ويذبحون ابناءكم ويستحيون نسائكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم وقال الله عز وجل يا بني اسرائيل اذكروا نعمتي التي انعمت عليكم واني فضلتكم على العالمين وقال جل وعلا يا بني اسرائيل اذكروا نعمتي التي انعمت عليكم واوفوا بعهدي اوفي بعهدكم واياي فارهبون وفي خطاب القرآن لامة محمد صلى الله عليه وسلم باي كثيرة منه جاء هذا التذكير بنعم الله عز وجل على العباد قال الله سبحانه واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعداء فالف بين قلوبكم فاصبحتم بنعمته اخوانا وقال جل وعلا واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به اذ كنتم سمعنا واطعنا واتقوا الله ان الله عليم بذات الصدور وقال جل وعلا يا ايها الذين امنوا اذكروا نعمة الله عليكم اذ هم قوم ان يبسطوا اليكم ايديهم فكف ايديهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون وقال تعالى يا ايها الذين امنوا اذكروا نعمة الله عليكم اذ جاءتكم جنود فارسلنا عليهم ريحا وجنودا ام تروها وكان الله بما تعملون بصيرا والايات في هذا المعنى في كتاب الله عز وجل كثيرة والنعمة نعمتان نعمة مطلقة ونعمة مقيدة فاما النعمة المطلقة فهي المتصلة بسعادة الابد وهي نعمة الاسلام والسنة وهي النعمة التي امرنا الله سبحانه ان نسأله في صلاتنا ان يهدينا صراط اهلها ومن خصهم بها وجعلهم اهل الرفيق الاعلى حيث يقول ومن يطع الله والرسول فاولئك مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا واما النعمة المقيدة كنعمة الصحة وعافية الجسد وبسط الجاه وكثرة الولد وامثال هذا والنعمة المطلقة هي التي يفرح بها في الحقيقة والفرح بها مما يحبه الله ويرضاه قال الله تعالى قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ان ذكر نعم الله عز وجل والائه يكون بالقلب واللسان والجوارح اما القلب فذكره للنعمة باعترافه بفضل المنعم وايمانه انها محض فضله سبحانه وانه هو الذي اولى النعمة واسداها وتفضل بها واعطاها لا شريك له عز وجل في شيء من ذلك فالنعم كلها من الله كما قال الله عز وجل وما بكم من نعمة فمن الله وكما قال جل وعلا وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها وكما قال جل وعلا فباي الاء ربك تتمارى وكما قال عز وجل في مواطن عديدة من سورة الرحمن فباي الاء ربكما تكذبان قال الجن على اثر قراءة النبي عليه الصلاة والسلام لهذه الايات ولا بشيء من الائك ربنا نكذب ولك الحمد واما ذكر النعمة باللسان فبحمد المنعم والثناء عليه جل في علاه وشكره سبحانه واما ذكر النعمة بالجوارح بان تكون الجوارح مستعملة للنعمة في طاعة المنعم غير مستعملة لها في شيء من معاصيه. قال الله عز وجل اعملوا ال داوود شكرا وذكر العبد لنعم الله عليه فيه فوائد عظيمة ومنافع عديدة من اعظمها ان العبد اذا كان ذاكرا نعمة الله عليه وفضله ومنه اخلص دينه لله فلم يلجأ الا الى الله ولم يستعن الا بالله. ولم يتوكل الا على الله. ولم يصرف شيئا من ذله وخضوعه الا لله لانه وحده المتفضل المنعم لا شريك له قال الله عز وجل يا ايها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والارض لا اله الا هو فانى تؤفكون وفي ذكر العبد لنعمة الله عليه معونة له على اسلام وجهه لله وانقياده لله خاضعا مطيعا متذللا مخبتا منيبا ولهذا في سورة النحل التي تعرف بسورة النعم لكثرة ما عدد فيها سبحانه من نعمه على العباد قال الله عز وجل في تمام عده للنعم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون اي تنقادون لله خاضعين ذليلين فاذا قرأ المسلم سورة النحل سورة النعم عليه ان يستشعر هذا المعنى وهو يتلو عد الله نعمه وافضاله ومننه ويتذكر ان هذه النعم المتوالية والعطايا المتتالية انما انعم الله بها على العباد ليسلموا اه وليخضعوا لله ولينقادوا لشرعه. لا ان يكونوا كمن قال الله عنهم عقب ذلك يعرفون نعمة الله ثم ينكرون وفي ذكر نعم الله على العباد معونة للعبد على شكر المنعم والمتفضل سبحانه فان العبد اذا استشعر ان هذه النعم من الله عز وجل واستذكر ذلك اعانه ذلك على شكر المنعم والمتفضل سبحانه قال الله تعالى ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريدوا ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون ومن فوائد ذكر النعم طرد الغرور والعجب. فان العبد اذا ذكر ان ما عنده من صحة او مال او جاه او غير ذلك محض فضل الله عليه ومنه تباعد عنه الغرور والعجب ولهذا قال الله عز وجل ولولا اذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة الا بالله وفي قول هذه الكلمة عند تجدد النعمة طرد للعجب والغرور ان الواجب على العبد ان يكون دائما وابدا ذاكرا نعمة الله عليه. مستعملا لها فيما يرضيه وان يحذر اشد الحذر من ان يبدل نعمة الله كفرا فان عذاب الله شديد وعقوبته اليمة ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فان الله شديد العقاب فليحذر من والى الله عليه النعم من سخط المنعم وغضبه وليكن مجاهد نفسه على شكر المنعم سبحانه مستعملا للنعمة في طاعته عز وجل وواجب على العباد ان يقيدوا نعم الله عليهم بالشكر للمنعم فان الشكر مؤذن بالمزيد واذ تأذن ربكم لئن شكرتم لازيدنكم ولئن كفرتم ان عذابي لشديد وهو متعين على كل مسلم وهو السبيل لبقائها ودوامها ونموها كما ان عدم شكر النعمة سبب لزوالها واضمحلالها وقد قيل كل شكر وان قل ثمن لكل نوال وان جل فاذا لم يشكر المرء فقد عرظ النعمة للزوال وقيل ايضا الشكر قيد للنعم الموجودة وصيد للنعم المفقودة وقيل ايضا كفران النعم بوار ووسيلة الى الفرار وكانوا يسمون الشكر الحافظ لانه يحفظ النعم الموجودة والجالب لانه يجلب النعم المفقودة وقيل ايظا النعمة اذا سكرت قرت واذا كفرت فرت ولقد حذر الله جل وعلا في مواطن من كتابه من تبديل النعمة كفرا وعدم استعمالها في طاعة المنعم وملاقاتها بالاسر والبطر وجحود الانعام والاكرام قال الله تعالى ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فان الله شديد العقاب وقال الله سبحانه الم تر الى الذين بدلوا نعمة الله كفرا واحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار وقال الله سبحانه له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من امر الله ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم. واذا اراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال وقوله ان الله لا يغير ما بقوم اي من نعمة وفضل واحسان. حتى يغيروا ما بانفسهم اي من الفسوق وكفران النعم والعصيان وذكر سبحانه اخبار اقوام اهلكهم وعذبهم بسبب كفران النعم وفي القرآن الكريم امثلة عديدة لحال هؤلاء ليعتبر من اراد الاعتبار وليدكر من اراد الادكار فان السعيد من وعظ بغيره والشقي من اتعظ به غيره يقول الله عز وجل وكم اهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم الا قليل وكنا نحن الوارثين وقال الله سبحانه وضرب الله مثلا قرية كانت امنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل كان فكفرت بانعم الله فاذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون اي بسبب صنيعهم السيء. واعمالهم القبيحة وفعائلهم الشنيعة وقال الله سبحانه لقد كان لسبإ في مسكنهم اية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور فاعرضوا فارسلنا عليهم سيل العرم وبندناهم بجنتيهم جنتين ذواتي اكل خمط واثل وشيء من سدر قليل ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي الا الكفور والامثلة في القرآن على هذا كثيرة اللهم اجعلنا لك شاكرين لك ذاكرين اليك اواهين منيبين وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته