بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الايمان بضع وسبعون او بضع وستون شعبة فافضلها قول لا اله الا الله وادناها اماطة الاذى عن الطريق والحياء شعبة من الايمان متفق عليه وعن سالم بن عبدالله عن ابيه رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على رجل من الانصار وهو يعظ اخاه في الحياء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعه فان الحياء من الايمان متفق عليه وعن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم اشد حياء من العذراء في خدرها متفق عليه ان الحياء من اعظم خلال الدين ومن اعظم اوصاف عباد الله المؤمنين ومن اجل شعب الايمان وهو خصلة عظيمة وخلة كريمة تبعث على التحلي بالفظائل والتخلي من الرذائل وهو مشتق في اصله من الحياة فكلما عظمت الحياة في القلب عظم الحياء وكلما ضعفت الحياة في القلب والروح ضعف الحياء قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه من قل حياؤه قل ورعه. ومن قل ورعه مات قلبه والحياء معدن الاخلاق الفاضلة ومنبع المعاملات الكريمة وهو خير كله. كما اخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عمران ابن حصين رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال الحياء لا يأتي الا بخير. متفق عليه وقد ذكر عليه الصلاة والسلام في الحديث السابق ان الايمان ليس خصلة واحدة او شعبة واحدة بل شعب كثيرة وخصال عديدة افضلها كلمة الاخلاص والتوحيد لا اله الا الله وادناها اماطة الاذى عن الطريق اي ازالة كل ما يؤذي الناس من حجر او شوك او زجاج او غير ذلك عن الطريق وان الحياء شعبة من شعب الايمان كلما ازداد العبد منه ازداد ايمانه كما تقدم في الحديث ان النبي صلى الله عليه وسلم قال والحياء شعبة من الايمان وفي الحديث الاخر عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال النبي صلى الله عليه وسلم الحياء والايمان قرنا جميعا فاذا رفع احدهما رفع الاخر رواه الحاكم اي انهما متلازمان لا ينفك احدهما عن الاخر ومعنى ذلك ان قوة احدهما قوة للاخر وظعف احدهما ظعف للاخر لما بينهما من تلازم وترابط وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فضائل عديدة لخلق الحياء ومن ذلك ما رواه ابو هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحياء من الايمان والايمان في الجنة والبذاء من الجفاء والجفاء في النار. رواه الترمذي وهذه فضيلة عظيمة من فضائل الحياء انه يفضي باهله الى الجنة والفوز بنعيمها المقيم وعن ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال للاشد العصري ان فيك خصلتين يحبهما الله الحلم والحياء رواه ابن ماجة اي جبلك الله على ذلك والحياء فيه ما هو جبلي وما هو مكتسب والناس متفاوتون فيه ومن جاهد نفسه على التحلي به مستعينا بالله نال منه نصيبا وافرا قال الحافظ ابن رجب رحمه الله واعلم ان الحياء نوعان احدهما ما كان خلقا وجبلة غير مكتسب وهو من اجل الاخلاق التي يمنحها الله العبد ويجبله عليها ولهذا قال صلى الله عليه وسلم الحياء لا يأتي الا بخير فانه يكف عن ارتكاب القبائح ودناءات الاخلاق. ويحث على استعمال مكارم الاخلاق ومعاليها فهو من خصال الايمان بهذا الاعتبار والثاني ما كان مكتسبا من معرفة الله ومعرفة عظمته وقربه من عباده واطلاعه عليهم وعلمه بخائنة الاعين وما تخفي الصدور فهذا من اعلى خصال الايمان. بل هو من اعلى درجات الاحسان فالحياء من افضل الخصال واكمل الخلال واعظمها نفعا واكبرها عائدا وكلما كان العبد متحليا بالحياء كان ذلك دافعا له وسائقا الى فعل الخيرات واجتناب اب المنكرات فمن كان ذا حياء حجزه حياؤه عن الرذائل ومنعه من التقصير في الحقوق والواجبات واما منزوع الحياء فهو والعياذ بالله لا يبالي اي رذيلة ارتكب واي كبيرة اقترف واي معصية اجترح وعن انس رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما كان الفحش في شيء قط الا شانه ولا كان الحياء في شيء قط الا زانه. رواه ابن ماجة وهذا فيه اشارة الى ان الخلق السيء مفتاح كل شر والخلق الحسن مفتاح كل خير والحياء من اعظم الاخلاق الحسنة فلا يكون في شيء الا حسن وطاب قال سلمان الفارسي رضي الله عنه اذا اراد الله بعبد هلاكا نزع منه الحياء فاذا نزع منه الحياء لم تلقه الا مقيتا ممقتا وعن ابي مسعود البدري رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان مما ادرك الناس من كلام النبوة الاولى اذا لم تستحي فاصنع ما شئت. رواه البخاري فمنزوع الحياء لا يبالي في اعماله ولا يتوقى في اموره فهو لا يستحي من ربه وخالقه ومولاه ولا يستحي من عباد الله ومن قل حياؤه لا يبالي بارتكاب المعصية في اي مكان وربما ايضا يشيعها ويسهر نفسه بها ويتحدث بها عن نفسه وكأنه يتحدث عن افضل الخصال واطيب الخلال قال الحافظ ابن رجب رحمه الله وقوله اذا لم تستحي فاصنع ما شئت في معناه قولان احدهما انه ليس بمعنى الامر ان يصنع ما شاء ولكنه على معنى الذم والنهي عنه واهل هذه المقالة لهم طريقان احدهما انه امر بمعنى التهديد والوعيد والمعنى اذا لم يكن لك حياء فاعمل ما شئت. فان الله يجازيك عليه كقوله تعالى اعملوا ما شئتم انه بما تعملون بصير والطريق الثاني انه امر ومعناه الخبر والمعنى ان من لم يستحي صنع ما شاء فالمانع من فعل القبائح هو الحياء فمن لم يكن له حياء ان همك في كل فحش ومنكر وما يمتنع من مثله من له حياء والقول الثاني انه امر بفعل ما يشاء على ظاهر لفظه وان المعنى اذا كان الذي تريد فعله مما لا يستحيا من فعله لا من الله ولا من الناس لكونه من افعال الطاعات او من جميل الاخلاق والاداب المستحسنة فاصنع منه حينئذ ما شئت قال ابن القيم رحمه الله ثم تأمل هذا الخلق الذي خص به الانسان دون جميع الحيوان وهو خلق الحياء الذي هو من افضل الاخلاق واجلها واعظمها قدرا واكثرها نفعا بل هو خاصة الانسانية فمن لا حياء فيه ليس معه من الانسانية الا اللحم والدم وصورتهما الظاهرة كما انه ليس معه من الخير شيء ولولا هذا الخلق لم يقرأ الضيف ولم يوفى بالوعد ولم يؤد امانة ولم يقضى لاحد حاجة ولا تحرى الرجل الجميل فاثره والقبيح فتجنبه ولا ستر له عورة ولا امتنع من فاحشة وكثير من الناس لولا الحياء الذي فيه لم يؤد شيئا من الامور المفترضة عليه. ولم يرعى لمخلوق حقا ولم يصل له رحما ولا بر له والدا فان الباعث على هذه الافعال اما ديني وهو رجاء عاقبتها الحميدة واما دنيوي علوي وهو وحياء فاعلها من الخلق فتبين انه لولا الحياء اما من الخالق او من الخلق لم يفعلها صاحبها وفي الترمذي وغيره مرفوعا استحيوا من الله حق الحياء قالوا وما حق الحياء؟ قال ان تحفظ الرأس وما حوى والبطن وما وعى وتذكر المقابر والبنا وقال صلى الله عليه وسلم اذا لم تستحي فاصنع ما شئت واصح القولين فيه قول ابي عبيد والاكثرين انه تهديد كقوله تعالى اعملوا ما شئتم وقوله كلوا وتمتعوا قليلا وقالت طائفة هو اذن واباحة. والمعنى انك اذا اردت ان تفعل فعلا فانظر قبل فعله فان كان مما يستحيا فيه من الله ومن الناس فلا تفعله وان كان مما لا يستحيى منه فافعله فانه ليس بقبيح وعندي ان هذا الكلام صورته صورة الطلب ومعناه معنى الخبر وهو في قوة قولهم من لم يستحي صنع ما يشتهي فليس باذن ولا هو مجرد تهديد وانما هو في معنى الخبر والمعنى ان الرادع عن القبيح انما هو الحياء فمن لم يستح فانه يصنع ما شاء واخراج هذا المعنى في صيغة الطلب لنكتة بديعة جدا وهي ان للانسان امرين وزاجرين امر وزاجر من جهة الحياء فاذا اطاعه امتنع من فعل كل ما يشتهي وله امر وزاجر من جهة الهوى والطبيعة فمن لم يطع امر الحياء وزاجره اطاع امر الهوى والشهوة ولابد فاخراج الكلام في قالب الطلب يتضمن هذا المعنى دون ان يقال من لم يستحي صنع ما يشتهي انتهى كلام ابن القيم رحمه الله والحياء المطلوب المأمور به المثنى على اهله هو الحياء فيما شرع الحياء فيه فاما حياء يؤدي الى ترك تعلم العلم فليس بمشروع قالت عائشة رضي الله عنها نعم النساء نساء الانصار لم يمنعهن الحياء ان يتفقهن في الدين وقالت ام سليم يا رسول الله ان الله لا يستحيي من الحق هل على المرأة من غسل اذا احتلمت قال نعم اذا رأت الماء وقال الحسن البصري رحمه الله لا يتعلم مستح ولا متكبر وكذلك ليس من الحياء ما يؤدي الى ترك الامر من معروف والنهي عن منكر والحكم بالحق والقيام به واداء الشهادات والنصح لعباد الله وكان نبينا وقدوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم اشد الناس حياء كما تقدم في الحديث والقصص في ذكر حيائه كثيرا فعن انس بن مالك رضي الله عنه في ذكر ليلة اسري برسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ففرظ الله على امتي خمسين صلاة قال فرجعت بذلك حتى امر بموسى فقال موسى ماذا فرض ربك على امتك قال كنت فرظ عليهم خمسين صلاة قال لموسى عليه السلام فراجع ربك فان امتك لا تطيق ذلك قال فراجعت ربي فوظع شطرها قال فرجعت الى موسى فاخبرته قال راجع ربك فان امتك لا تطيق ذلك قال فراجعت ربي فقال هي خمس وهي خمسون لا يبدل القول لدي قال فرجعت الى موسى فقال راجع ربك فقلت قد استحييت من ربي. رواه البخاري وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما يحدث ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينقل معهم الحجارة للكعبة وعليه ازاره فقال له العباس عمه يا ابن اخي لو حللت ازارك فجعلته على منكبك دون الحجارة قال فحله فجعله على منكبه فسقط مغشيا عليه قال فما رؤي بعد ذلك اليوم عريانا متفق عليه وهذا فيه ان الله جبله على احسن الاخلاق والحياء الكامل فلذلك وصي عليه وما رؤي بعد ذلك عريان نعم وعن انس رضي الله عنه قال بني على النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش بخبز ولحم فارسلت على الطعام داعيا فيجيء قوم فيأكلون ويخرجون ثم يجيء قوم فيأكلون ويخرجون فدعوت حتى ما اجد احدا ادعو فقلت يا نبي الله ما اجد احدا ادعوه؟ قال ارفعوا طعامكم وبقي ثلاثة رهط يتحدثون في البيت فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق الى حجرة عائشة رضي الله عنها فقال السلام عليكم اهل البيت ورحمة الله فقالت وعليكم السلام ورحمة الله كيف وجدت اهلك بارك الله لك فتقرى حجر نسائه كلهن يقول لهن كما يقول لعائشة. ويقلن له كما قالت عائشة ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم فاذا ثلاثة من رهط في البيت يتحدثون وكان النبي صلى الله عليه وسلم شديد الحياء فخرج منطلقا نحو حجرة عائشة فما ادري ااخبرته او اخبر ان القوم خرجوا فرجع حتى رجله في اسقفة البيت داخلة واخرى خارجة ارخى الستر بيني وبينه وانزلت اية الحجاب رواه رواه البخاري وهذا حياء الكرم دعاهم الى وليمة زينب فطولوا الجلوس عنده فقام واستحيا ان يطلب منهم الانصراف والامثلة في ذكر حيائه صلى الله عليه وسلم كثيرا رزقنا الله حسن التأسي به والسير على منهاجه. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته