بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم استحيوا من الله حق الحياء قال قلنا يا رسول الله انا نستحيي والحمد لله قال ليس ذاك ولكن الاستحياء من الله حق الحياء ان تحفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى ولتذكر الموت والبلا ومن اراد الاخرة ترك زينة الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء رواه الترمذي وعن ابي واقد الليثي رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد والناس معه اذ اقبل نفر ثلاثة فاقبل اثنان الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب واحد قال فوقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاما احدهما فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها واما الاخر فجلس خلفهم واما الثالث فادبر ذاهبا فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الا اخبركم عن النفر الثلاثة اما احدهم فاوى الى الله فاواه الله واما الاخر فاستحيا فاستحيا الله منه واما الاخر فاعرظ فاعرظ الله عنه متفق عليه وعن سعيد بن يزيد رضي الله عنه ان رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم اوصني قال اوصيك ان تستحي الله عز وجل كما تستحي رجلا صالحا من قومك. رواه الامام احمد في الزهد والبيهقي في شعب الايمان وعن بهز ابن حكيم قال حدثني ابي عن جدي رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر قال احفظ عورتك الا من زوجتك او ما ملكت يمينك فقال الرجل يكون مع الرجل قال ان استطعت الا يراها احد فافعل قلت والرجل يكون خاليا؟ قال فالله احق ان يستحيا منه. رواه ابو داوود والترمذي وابن ماجة لقد تكاثرت الدلائل والنصوص وتظافرت في الحث على الحياء والترغيب فيه وبيان مكانته العلية ومنزلته الرفيعة وبيان ما يترتب عليه من الاثار العظيمة والثمار الكريمة على العبد في الدنيا والاخرة واعظم الحياء شأنا واعلاه مكانة واولاه بالعناية والاهتمام الحياء من الله سبحانه خالق الخليقة وموجد البرية المطلع على السر والعلانية والغيب والشهادة. الذي لا تخفى عليه من العباد خافية الم يعلم بان الله يرى ان الله كان عليكم رقيبا والله بما تعملون بصير والحي اسم من اسماء الله وقد ورد هذا الاسم في حديثين الاول حديث يعلى بن امية رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يغتسل بالبراز لا ازار وصعد المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم قال صلى الله عليه وسلم ان الله عز وجل حي ستير يحب الحياء والستر فاذا اغتسل احدكم فليستتر. رواه ابو داوود والنسائي الثاني حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ربكم تعالى حيي كريم يستحيي من عبده اذا رفع يديه اليه ان يردهما صفرا رواه ابو داوود وابن ماجة والحياء صفة من صفاته تليق بجلاله وكماله وهو سبحانه في صفاته كلها لا يماثل احدا من خلقه ولا يماثله احد من خلقه. كما قال الله عز وجل ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وقال تعالى هل تعلم له سميا فحياؤه سبحانه وصف يليق به ليس كحياء المخلوقين قال ابن القيم رحمه الله وقد وصف نفسه بالحياء ووصفه رسوله صلى الله عليه وسلم فهو الحي الكريم. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ان الله حيي كريم يستحيي من عبده اذا فرفع اليه يديه ان يردهما صفرا وقالت ام سليم يا رسول الله ان الله لا يستحيي من الحق واقرها على ذلك وقال رحمه الله واما حياء الرب تعالى من عبده فذاك نوع اخر لا تدركه الافهام ولا تكيفه العقول فان انه حياء كرم وبر وجود وجلال. فانه تبارك وتعالى حي كريم يستحي من عبده اذا رفع اليه يديه ان يردهما صفرا ومن استحيا من الله استحيا الله منه والله جل وعلا حيي يحب الحياء والواجب على عبد الله المؤمن ان يستحيي من ربه جل وعلا. على قدر قربه منه وعلمه به واطلاعه عليها انا معظما لجناب الرب سبحانه مقدما محابه على كل المحاب والذي يحرك في القلب الحياء من الله امور ثلاثة الاول رؤية نعم الله تبارك وتعالى عليك ومنته وفضله قال الله تعالى واتاكم من كل ما سألتموه وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها ان الانسان ظلوم كفار قال الحافظ ابن رجب رحمه الله وقد يتولد الحياء من الله من مطالعة النعم فيستحيي العبد من الله ان يستعين بنعمته على معاصيه. فهذا كله من اعلى خصال الايمان والثاني رؤية تقصيرك في حقه وقيامك بما يجب له عليك سبحانه من امتثال المأمور وترك المحظور قال تعالى والذين يؤتون ما اتوا وقلوبهم وجلة انهم الى ربهم راجعون والثالث رؤية اطلاعه عليك في كل حال وفي اي وقت من الاوقات واينما تكون فهو لا تخفى عليه منك خافية. قال تعالى الم يعلم بان الله يرى وقال تعالى ان الله كان عليكم رقيبا قال بعض السلف خف الله على قدر قدرته عليك واستحيي منه على قدر قربه منك قال ابن رجب رحمه الله واذا حسن الاسلام اقتضى ترك ما لا يعني كله من المحرمات والمشتبهات والمكروهات وفضول المباحات التي لا يحتاج اليها فان هذا كله لا يعني المسلم اذا كمل اسلامه وبلغ الى درجة الاحسان وهو ان يعبد الله تعالى كانه يراه فان لم يكن يراه فان الله يراه فمن عبد الله على استحضار قربه ومشاهدته بقلبه او علم استحضار قرب الله منه واطلاعه عليه فقد حسن اسلامه ولزم من ذلك ان يترك كل ما لا يعنيه في الاسلام ويشتغل بما يعنيه فيه. فانه يتولد من هذين المقامين الاستحياء من الله وترك كل ما استحيا منه فهذه الثلاثة محركات للقلوب. متى ما كان القلب معظما لربه محبا له سبحانه عالم باطلاعه ورؤيته وانه لا تخفى عليه خافية تحرك القلب حياء من الله عز وجل ثم عن هذا الحياء ينشأ كل خير وكل فضيلة فاذا وجد في القلب الحياء من الله ان كفت النفس عن الاخلاق الرذيلة والمعاملات السيئة والافعال المحرمة واقبلت على فعل الواجبات والعناية بمكارم الاخلاق وعظيم الاداب وجميلها وقد تقدم قول النبي صلى الله عليه وسلم ولكن الاستحياء من الله حق الحياء ان تحفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى ولتذكر الموت والبلا. ومن اراد الاخرة ترك زينة الدنيا فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء فهذه امور اربعة فيها جماع الخير الاول والثاني حفظ للرأس وحفظ للبطن وهما اثر الحياء حقا ونتيجته وثمرته فمن كان قلبه عامرا بالحياء من الله بعثه حياؤه وساقه الى حفظ رأسه وحفظ الرأس يشمل حفظ البصر من النظر الى الحرام وحفظ السمع من سماع الحرام وحفظ اللسان من الكلام الحرام وحفظ الوجه عموما من مقارفة خطيئة او ارتكاب معصية وحفظ البطن يتناول عدم ادخال محرم في الجوف ويتناول كذلك حفظ القلب بالاخلاق الفاضلة وتجنيبه رديئها وسيئها ويتناول كذلك حفظ الفرج من غسيان الحرام والامران الاخران في الحديث وهما قوله صلى الله عليه وسلم وان تذكر الموت والبلى ومن اراد الاخرة ترك زينة الحياة الدنيا فيهما ذكر لامرين عظيمين. اذا استقرا في القلب تحركت الفضائل فيه فمن تذكر انه سيموت ويبلى وانه سيقف بين يدي الله وان الله عز وجل سيحاسبه يوم القيامة على ما قدم في هذه الحياة استحيا من الله عز وجل من ان يلقاه يوم القيامة باعمال سيئة وخصال مشينة. واقبل على الله عز وجل اقبالا صادقا بانابة وحسن عبادة وتمام اقبال فمن تحقيق الحياء من الله عز وجل الا ينشغل العبد بفتن الدنيا ومغرياتها وملهياتها فليتذكروا انه سيلقى الله وانه سيغادر هذه الحياة وانه سيددرج يوما من الايام في قبره وحيدا ليس معه الا عمله وقوله ولتذكر الموت والبلى فاذا تذكر انه سيموت وانه سيبلى وانه سيقف امام الله وان الله عز وجل سيسأله عما قدم في هذه الحياة فكل هذه الامور روافد عظيمة ودوافع كريمة لتحقيق الحياء من الله تبارك وتعالى ويعينه كذلك على تحقيق الحياء من الله ان يكون دائما نصب عينيه الدار الاخرة وما اعد الله تبارك وتعالى فيها من نعيم او عذاب قال صلى الله عليه وسلم ومن اراد الاخرة ترك زينة الدنيا فيكون مريدا باعماله وجه الله والدار الاخرة فيقبل على الاعمال الصالحة والطاعات الزاكية والاخلاق الفاضلة مستمرا عليها في هذه الحياة قال الله تعالى ومن اراد الاخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فاولئك كان سعيهم مشكورا وعندما ينزع الحياء من العبد فلا تسأل عن هلكته واجتماع انواع الشرور فيه. فقد جاء عن نبينا صلى الله عليه وسلم الاخبار بان من الامور التي كانت موروثة عن الانبياء عليهم السلام اذا لم تستحي فاصنع ما شئت ففي الصحيح عن نبينا صلى الله عليه وسلم انه قال ان مما ادرك الناس من كلام النبوة الاولى اذا لم فاصنع ما شئت وهذا الحديث يدل دلالة واضحة على ان من نزع منه الحياء فانه لا يبالي اي السرور فعل وفي اي الاثام والمعاصي وقع وذلك لانتزاع الحياء من قلبه وذهابه من نفسه فهو لا يستحي من الله فلا يبالي بالذنوب ولا يبالي في غشيان المعاصي والاثام فتنتقل به نفسه الردية وقلبه الممرظ الذي لا يستحي من الله باودية الهلكة واديا تلو الاخر. حتى يلقى الله عز وجل ويقف بين يديه. وقد اهلكته واوبقته الخطايا ان الواجب علينا ان نتدارك انفسنا ما دمنا في دار العمل بالحياء ممن خلقنا واوجدنا وتفضل علينا بصنوف النعم وانواع المنن فالتقصير في حقه كثير مع علمنا بانه تبارك وتعالى يرانا ويطلع علينا ولا تخفى عليه منا خافية والحياء منه ليس مجرد كلمة يقولها المرء بلسانه بل هو حقيقة تقوم في قلب العبد تبعث فيه فعل الخيرات واجتناب المنكرات ومراقبة رب الارض والسماوات في كل الاحايين وجميع الاوقات اصلح الله قلوبنا وزكى سرائرنا وعمرها بالحياء منه سبحانه. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته