بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المهلكات ثلاث اعجاب المرء بنفسه وشح مطاع وهوى متبع. رواه البزار وعن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال بينما رجل يمشي قد اعجبته جمته وبرده اذ خسف به الارض فهو يتجلجل في الارض حتى تقوم الساعة. رواه مسلم وعن انس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو لم تكونوا تذنبوا قشيت عليكم ما هو اكبر من ذلك العجب العجب رواه البيهقي في شعب الايمان العجب خلق ذميم وداء مهلك وهو من اعظم افات القلوب وكم من انسان كان هلاكه بسبب عجبه بنفسه بان ينال حظا من الدنيا من مال او رئاسة او غير ذلك فيصاب بعجب يتعالى به على الاخرين فاذا اصيب بهذا الداء اهلكه وهو يدعو الى الكبر والكبر يتولد عنه ومن الكبر يتولد افات كثيرة وبين الكبر والعجب فرق قال ابو وهب المروزي سألت ابن المبارك ما الكبر قال ان تزدري الناس فسألته عن العجب قال ان ترى ان عندك شيئا ليس عند غيرك لا اعلم في المصلين شيئا شرا من العجب وكلاهما من ادواء القلوب الا ان الكبر يستدعي متكبرا عليه يرى نفسه فوقه واعلى منه واما العجب فاسترواح للنفس وركون الى رؤيتها ولا يستدعي غير المعجب به بل لو لم يكن الا وحده تصور ان يكون معجبا ولا يتصور ان يكون متكبرا والعجب يفضي الى التكبر والتكبر لا يكون الا عن عجب اذ هو اثر من اثاره واذا اجتمع في المرء كبر وعجب فقد استحكم هلاكه فانهما يسلبان الفضائل ويكسبان الرذائل وليس لمن استوليا عليه اصغاء لنصح ولا قبول لتأديب وليتأمل في ذلك قصة صاحب الجنتين التي ضربها الله عز وجل في القرآن مثلا تبيانا لخطورة هذه الافة قال الله تعالى واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لاحدهما جنتين من اعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا كلتا الجنتين اتت اكلها ولم تظلم منه شيئا وفجرنا خلالهما نهرا وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره انا اكثر منك مالا واعز نفرا ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما اظن انت بيد هذه ابدا وما اظن الساعة قائمة. ولان رددت الى ربي لاجدن خيرا منها منقلبا قال له صاحبه وهو يحاوره اكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا لكنه والله ربي ولا اشرك بربي احدا ولولا اذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة الا بالله ان ترني انا اقل منك مالا وولدا فعسى ربي ان يؤتيني خيرا من جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا او يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا واحيط بثمنه فاصبح يقلب كفيه على ما انفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم اشرك بربي احدا ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا فهذا رجل اهلكه العجب دخل جنته مع صاحبه يطوف به فيها ويريه حسنها وهو ظالم لنفسه قد تمادى به عجبه الى ان قال ما اظن ان تفنى هذه الجنة ابدا وما اظن ان الساعة قائمة ولئن رجعت الى ربي لاجدن في ذلك اليوم خيرا منها منقلبا ولما احل الله به العقوبة واحيط بثمره اي اصابه عقاب احاط بالثمر واستهلكه فلم يبق منه شيء والاحاطة بالثمر تستلزم تلف جميع اشجاره وثماره وزرعه فندم لذلك واشتد اسفه واصبح يقلب كفيه متحسرا على كثرة الاموال التي صرفها فيها احفظ محلة وتلاشت وندم اشد الندامة على ما كان منه من كفر وعجب وقول صاحبه له وهو يعظه ويناصحه ولولا اذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا وتا الا بالله يعد نصيحة بالغة ما احوج كل انسان اليها عندما يصاب بالعجب فان هذه الكلمة طاردة للعجب فاذا قالها المرء عند اعجابه بشيء تميز به من تجارة او غير ذلك ابعدت عنه العجب عن هشام ابن عروة عن ابيه انه كان اذا رأى من ماله شيئا يعجبه او دخل حائطا من حيطانه قال ما شاء الله لا قوة الا بالله. رواه البغوي في شرح السنة وذلك لانها توقفه على حقيقة الامر وهو ان هذا الذي ناله انما وقع له بمشيئة الله فلولا مشيئة الله واذنه الكوني القدري لما حصل له ذلك فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ولا قوة للعبد في تحصيل امر من الامور او اكتساب مصلحة من المصالح الا بالله فتكون هذه الكلمة موقفة له على الحقيقة فبها يتذكر فضل الله عليه وان هذا الامر انما هو بمشيئة الله وانه لولا ان الله عز وجل شاء ذلك وتفضل به لما كان فيتحول من عجب الى حمد وشكر وثناء على المنعم سبحانه. ومن غرور الى اقرار للمنعم لشأنه بنعمته وانه لولا فضل الله عليه ورحمته سبحانه لما حصل شيئا من ذلك ويحتاج العبد في مداواة العجب وطرده عن نفسه الى استحضار امور ثلاثة تطرد عنه العجب الاول ان يذكر نفسه بذنوبه وجوانب التقصير الاخرى التي عنده فاذا اعجب مثلا بعبادته او بحفظه او بصفات وجدت فيه فلينظر الى ذنوبه وجوانب القصور التي عنده والعبد لا يزال مقصرا مفرطا لا يزال عنده جوانب نقص فاذا اخذ يذكر نفسه بجوانب النقص التي عنده ومواضع الخلل التي فيه كان هذا خيرا له لتنشغل نفسه بتدارك النقص ومعالجة الخلل بدل الاعجاب بجانب معين وفق فيه للاحسان والاتقان وقد تقدم في الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم لو لم تكونوا تذنبوا خشيت عليكم ما هو اكبر من ذلك العجب العجب فالذنوب التي يقع فيها العبد وكل بني ادم مذنب خطاء تطرد عن العبد العجبى ان وفق لاستحضارها الامر الثاني ان يذكر نفسه بان هذا الامر الذي حصل له هو فضل الله عليه ونعمته وانه لولا فضل الله عليه ورحمته لما تيسر له هذا الامر كما تقدم في قول ما شاء الله لا قوة الا بالله فيذكر نفسه بفضل المنعم وان هذا محض فضل الله عليه والامر الثالث ان يذكر نفسه بالقصور الذي عنده في العمل نفسه الذي قام به لانه مهما قدم الانسان من اعمال لابد ان يكون عنده قصور ان كان الذي اعجب به حفظا مثلا يذكر نفسه بالامور الاخرى التي قصر فيها في الحفظ او في العبادة يذكر نفسه بالامور الاخرى التي قصر فيها في العبادة وهكذا فباستحضار هذه الامور الثلاثة يذهب باذن الله عن العبد العجب والنفوس تحتاج الى مداواة والعبد اذا لم يعمل على مداومة مداواة نفسه ومعالجة رعونتها وسفهها فانها تورده المهالك يوضح ذلك ما جاء في الصحيحين من حديث ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لن ينجي احدا منكم عمله قالوا ولا انت يا رسول الله؟ قال ولا انا الا ان يتغمدني الله برحمة وطالب العلم على وجه الخصوص ان اصيب بالعجب جره الى الكبر والتفاخر والتعالي على الناس فيهلك اورد الحافظ المنذري في كتابه الترغيب والترهيب تحت باب الترهيب من الدعوة في العلم والقرآن اورد فيه احاديث منها حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يظهر الاسلام حتى تختلف التجار في البحر وحتى تخوض الخيل في سبيل الله ثم يظهر قوم يقرأون القرآن يقولون من اقرأ منا من اعلم منا؟ من افقه منا ثم قال لاصحابه هل في اولئك من خير قالوا الله ورسوله اعلم قال اولئك منكم من هذه الامة واولئك هم وقود النار قال المنذري رواه الطبراني في الاوسط والبزار باسناد لا بأس به وروى الامام احمد عن الحارث بن معاوية الكندي انه قال لعمر انهم ارادوني على القصص اي اراده قومه ان يكون قاصا عليهم فقال له عمر اخشى عليك ان تقص فترتفع عليهم في نفسك ثم تقص فترتفع حتى يخيل اليك انك فوقهم بمنزلة الثريا فيضعك الله تحت اقدامهم يوم القيامة بقدر ذلك فهذا مدخل من مداخل العجب على النفوس نبه عليه عمر رضي الله عنه وذلك عندما يتصدر المرء للوعظ والتذكير والخطابة ويرى مثلا الناس قد تأثروا ببعضه وخطابته فقد يدخل عليه العجب فيقول اذا كنت قد اثرت فيهم هذا التأثير وتسببت في بكائهم وهدايتهم فانا افضل منهم فيهلك بذلك وتكون مصيبته عظيمة اذ ان الناس تهتدي على يديه وتستفيد وتستقيم وتصلح احوالهم وهو في هلاك اورد ابن الجوزي رحمه الله في كتابه القصاص والمذكرين عن ميمونة ابن مهران رحمه الله قال المستمع شريك المتكلم ولا يخطئ المتكلم احدى ثلاث اما ان يثمن قوله بما يهزل دينه واما عجب بنفسه واما ان يأمر بما لا يفعل والمستمع ايسر مؤونة المستمع ينتظر الرحمة والمتكلم ينتظر المقت فالمستمع ينتظر الرحمة لانه في مجلس وعظ وتذكير يستفيد وينتفع والمتكلم ينتظر المقت ان اصيب بالعجب او داخله الرياء ونحو ذلك من خوارم النية والعجب يهلك المرء لانه يرى نفسه كاملة ويعميه عن قصورها وتقصيرها فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال اثنتان مهلكتان العجب والقنوط رواه ابو نعيم في حلية الاولياء ووجه الجمع بينهما في الاهلاك ان القانط لا يطلب السعادة لشدة قنوطه والمعجب لا يطلبها ايضا لظنه انه قد ظفر بها واجتمعت فيه موجباتها وعلى العبد ان يكون ناصحا لنفسه فيشهد منة الله عليه وامداده له بالنعم وهدايته له لهذا الدين القويم قال الله تعالى يمنون عليك ان اسلموا قل لا تمنوا علي اسلامكم بل الله يمن عليكم ان هداكم للايمان ان كنتم صادقين والله سبحانه هو الذي جعل المسلم مسلما والمصلي مصليا والعالم عالما كما قال الخليل عليه السلام ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا امة مسلمة لك وقال ربي اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي وقال الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم وعلمك ما لم تكن تعلم. وكان فضل الله عليك عظيما فالمنة لله وحده بان جعل عبده قائما بطاعته وكان هذا من اعظم نعمه عليه قال الله تعالى وما بكم من نعمة فمن الله وقال ولكن الله حبب اليكم الايمان وزينه في قلوبكم وكره اليكم الكفر والفسوق والعصيان اولئك هم الراشدون وهذا المشهد من اعظم المشاهد وانفعها للعبد وفيه من الفائدة انه يحول بين القلب وبين العجب بالعمل ورؤيته فانه اذا شهد ان الله سبحانه هو المان به الموفق له الهادي اليه شغله شهود ذلك عن رؤيته والاعجاب به والله وحده الموفق والهادي الى سواء السبيل وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته