بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد روى ابن ماجة وغيره عن عبد الله ابن عمرو ابن العاص رضي الله عنهما قال قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم اي الناس افضل قال كل مخموم القلب صدوق اللسان قالوا صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب قال هو التقي النقي لا اثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد هذا حديث عظيم الشأن وندرك عظم شأنه من السؤال الجليل الذي طرح على النبي صلى الله عليه وسلم اي الناس افضل فهذا السؤال يدل على جلالة قدر هذا الحديث وقول الصحابة رضي الله عنهم اي الناس افضل سؤال عائد الى ادراكهم رظي الله عنهم وارضاهم تفاضل اهل الايمان في الايمان وادراكهم ان امور الايمان وخصاله واعماله متفاضلة ليست في درجة واحدة فجاء جواب النبي عليه الصلاة والسلام في بيان اي الناس افضل يتعلق بامرين عظيمين القلب واللسان خصهما بالذكر وهذا فيه دلالة ظاهرة بينة على خطورة هذين العضوين من الانسان خطورة القلب وخطورة اللسان فان ايمان المرء لا يستقيم الا اذا استقام لسانه ولا يستقيم لسانه الا اذا استقام قلبه فاذا استقام القلب استقامت الجوارح واذا استقام اللسان استقامت الجوارح واللسان ترجمان القلب وخليفته في ظاهر البدن فاذا اسند القلب الى اللسان الامر نفذ فاللسان تابع للقلب والجوارح تابعة لهما فرجع صلاح العبد في احواله كلها واعماله جميعها الى صلاح هذين القلب واللسان ولهذا خص النبي عليه الصلاة والسلام في باب الافضلية اي الناس افضل ما يتعلق بصلاح القلب وصلاح اللسان وفي هذا المعنى قيل وما المرء الا قلبه ولسانه اذا حصلت اخباره ومداخله اذا ما رداء المرء لم يك طاهرا فهيهات ان ينقيه بالماء غاسله اي ليس المرء اذا حصلت اخباره ومداخله اي جمعت سيرته الا بقلبه ولسانه فاذا لم يكن للقلب واللسان نقاء وزكاء وصلاح فالمظاهر الاخرى لا تفيد ولا تنفع ما لم يكون نقيين فان قيمة المرء ومكانته تبرز من خلال هذين العضوين فالتفاضل بين اهل الايمان ليس عائدا فقط الى العمل الظاهر الذي يشاهد بل عائد بالدرجة الاولى الى باطن الانسان الى امور خفية في الانسان لا يعلمها الا الله ولا يطلع عليها الا الله فالمتحدث قد يتحدث بكلام قليل او كثير وقد يكون صادقا وقد يكون كاذبا حتى في كلمة التوحيد لا اله الا الله التي هي اعظم الكلمات قد يكونها بعض الناس مرات وكرات لكن لا يكون صادقا فيها ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم من قال لا اله الا الله صادقا من قلبه دخل الجنة فالصدق شرط من شروط قبول هذه الكلمة العظيمة فالقلب واللسان عليهما مدار الصلاح او الفساد ولهذا ينبغي على المرء ان تعظم عنايته بقلبه ولسانه قالوا صدوق اللسان نعرفه اي نعرف معنى صادق اللسان لكن ما معنى مخموم القلب قالوا فما مخموم القلب بالرجوع الى اللغة في بيان هذه المفردة مخموم يقال خممت الشيء او خممت البيت اي كنسته ويقال الخمامة اي القمامة والكناسة وهي الشيء القذر الذي بقاؤه في البيت يعد مؤذيا غير مريح لاهل البيت والتعامل معه بان يخمى ويقن ويرمى مع الكناسة والقمامة والقمامة فعاد المعنى في قوله مخموم القلب الى نظافة القلب ونقاءه قال ابو عبيد التفسير هو في الحديث وكذلك هذا عند العرب ولهذا قيل خممت البيت اذا كنسته ومنه سميت الخمامة وهي مثل القمامة والكناسة قالوا فما مخموم القلب قال التقي النقي التقوى معروفة والنقي من النقاء وهو النظافة والنزاهة نقي من ماذا قال عليه الصلاة والسلام في الحديث النقي لا اثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد اي نقي من هذه الامور نقي من الاثم والاثم هذا فيما يتعلق بين الانسان وبين الله والبغي هذا فيما يتعلق بين الانسان وبين العباد النقي اي الذي فيه النزاهة والنظافة والنقاء فيما يتعلق بينه وبين الله وفيما يتعلق بينه وبين العباد وهذا القلب اكثر القلوب خيرا وحرصا على البر تقربا الى الله وهو يجيش بانواع البر وينبع منه عيون الخير وتتفجر منه ينابيع البر وتغشاه منن الله ونعمه على دوام ولا غل ولا حسد من يتأمل هذا الحديث يدرك ان هذه الاشياء الغل والحسد وما شاكلها هي في الحقيقة خمامة لا يليق ان تبقى في قلب المسلم كما هو الشأن في انه لا يليق ان تبقى قمامة في بيته ايضا فلا يليق ان تبقى هذه الاشياء في قلبه واذا كان الانسان لا يرضى وجود الوسخ والقدر في البيت فكيف يرضى بوجود هذه الامور العظيمة او الخمامات العظيمة في قلبه ولهذا خير الناس عند الله من يعمل على تنقية قلبه من هذه الاوساخ وتنزيهه من هذه الاقدار وتطهيره من هذه الارجاس يطهر قلبه من هذه الاشياء ليلقى الله سبحانه بالقلب النقي القلب السليم كما قال تعالى الا من اتى الله بقلب سليم اما اذا لقي الله بقلب وسخ فيه القدر فهذه مصيبة عظيمة ولهذا في دعاء الرفع من الركوع في حديث عبد الله ابن ابي اوفى وهو في صحيح مسلم ان النبي عليه الصلاة والسلام كان يقول اذا رفع من الركوع اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد اللهم طهرني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الابيض من الوسخ كما ان الثوب الابيض يصاب باوساخ ينظف منها فالقلب ايضا يحتاج ان ينظف من الاوساخ وهي الخمامة التي تكون في القلب الغل والحسد ومثل هذه الاشياء التي تصيب القلب فتمرضه وتعطبه وتضره مضرة عظيمة اذا عاد الامر في الافضلية افضل الناس عند الله من اكرمهم الله عز وجل بصلاح القلب وصلاح اللسان اما لسانهم فصادق واما قلبهم فمخموم اي نظيف نقي ليس فيه الاوساخ والاقدار قلب يتقي الله سبحانه ويخاف الله وهذه التقوى لله عز وجل تثمر نقاء القلب وطهارته من هذه الاوساخ قال النقي ثم بين ذلك بين معنى النقي قال لا اثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد فهذا الحديث جمع بين هذين الامرين في ذكر الافضل افضل الناس عند الله وفي الدعاء العظيم الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم شداد ابن اوس قال اذا اكتنز الناس الدنانير والدراهم فاكنز هؤلاء الكلمات جمع فيه بين الامرين القلب واللسان. صدق اللسان ونقاء القلب قال فاكنز هؤلاء الكلمات اللهم اني اسألك الثبات في الامر والعزيمة على الرشد واسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك واسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك واسألك قلبا سليما ولسانا صادقا واسألك من خير ما تعلم واعوذ بك من شر ما تعلم واستغفرك لما تعلم انك انت علام الغيوب فذكر الامرين في هذا الدعاء قلبا سليما والقلب السليم هو القلب المخموم القلب النظيف اي قلبا نقيا زكيا مطهرا من الشرك والنفاق والغل والحسد ومن كل امراض القلوب واسقامها واذا زكى القلب وطاب صلحت الجوارح وحسنت وقد جاء في دعاء ابراهيم الخليل عليه السلام ولا تخزني يوم يبعثون يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم اي سليم من الشرك والنفاق وسليم من الرياء ونحوه وسليم من امراض القلوب واسقامها وهي كثيرة ومتنوعة واذا سلم القلب تبعته الجوارح في السلامة وقوله ولسانا صادقا صدق اللسان ان يكون كل ما يخرج من اللسان مطابقا لهذا القلب السليم. لانه مرتبط قم به ولهذا قيل الصدق مواطئة القلب اللسان واذا كان اللسان صادقا فان الجوارح كلها تتبعه على الاستقامة ومن الحكم العظيمة المأثورة المرء باصغريه وهي مقولة مشهورة فيها بيان لخطورة هذين العضوين من الانسان وانهما اهم الجوارح نفعا اذا صلحا واعظم الجوارح ظررا اذا فسد فالمرء ليس بوجهه او برجله او بيده او بسائر اعضائه وانما قيمة المرء ومكانته تنبع وتبرز من خلال هذين العضوين الخطيرين اللسان والقلب واللسان يؤثر على الاعضاء غاية التأثير. وهو تبع للقلب ولهذا جاء في الحديث الذي رواه الامام احمد عن انس ابن مالك رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يستقيم ايمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه اذا علم هذا فان على المرء العاقل الناصح الحصيف ان يعنى بهذين العضوين غاية العناية وان يهتم بهما غاية الاهتمام فانهما ان صلحا صلح البدن كله وان فسد فسد البدن كله قد قال عليه الصلاة والسلام فيما يتعلق بالقلب الا وان في الجسد مضغة اذا صلحت صلح الجسد كله واذا فسدت فسد الجسد كله الا وهي القلب وقال عليه الصلاة والسلام عن اللسان اذا اصبح ابن ادم فان الاعضاء كلها تكفر اللسان تقول اتق الله فينا فانما نحن فان استقمت استقمنا وان اعوججت اعوججنا. رواه الترمذي وغيره من حديث ابي سعيد الخدري رضي الله عنه وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم في بيان صفة القلب المخموم بانه النقي لا اثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد خص هذه الامور الاربعة لانها من اعظم افات القلوب اما الاثم فهو الذنوب التي تؤثم وتوجب العقوبة في حقوق الله من الشرك بالله وسوء الظن به وتعلق القلب بالاهواء المخالفة للشرع واما البغي فالتهيج بالعدوان على الناس فدخل في هذا الذنوب المتعلقة بحق الله والمتعلقة بحق العباد واما الغل فهو ما يجده المرء في قلبه من نار العداوة والحقد واما الحسد فهو كراهية نعم الله على عباده وتمني زوالها عمن فاقه في خير ونعمة هذا وكثير من الناس يهتم بصورته الخارجية ومظهره المشاهد ولا يهتموا بالمخبر ولهذا يكون منه انواع من الزلل والخطل ولا يبالي بذلك مما يخرم مكانته ويضعف منزلته ويوقعه مواقع الذل والهوان بينما اذا عني المرء بقلبه وحافظ عليه واعتنى بصلاحه واقامته في ضوء هدي الشريعة وادابها واعتنى بسلامته من هذه الافات صلحت حاله كلها والتوفيق بيد الله وحده لا شريك له نسأله جل في علاه ان يصلح قلوبنا وان يسدد السنتنا وان يوفقنا للاعمال الصالحات والطاعات الزاكيات وان يهدينا اليه صراطا مستقيما. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته