بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد عن تميم الداري رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال الدين النصيحة قلنا لمن يا رسول الله قال لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم رواه مسلم في هذا الحديث بيان عظم شأن النصيحة في دين الله وان عليها قيام دين الله فالدين كله قائم على النصح النصح لله والنصح لكتابه والنصح لرسوله صلى الله عليه وسلم والنصح لائمة المسلمين وعامتهم قال ابو داوود السجستاني رحمه الله الفقه يدور على خمسة احاديث الحلال بين والحرام بين وقوله صلى الله عليه وسلم لا ظرر ولا ظرار وقوله صلى الله عليه وسلم انما الاعمال بالنيات وقوله صلى الله عليه وسلم الدين النصيحة وقوله صلى الله عليه وسلم وما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما امرتكم به فاتوا منه استطعتم وهذه الكلمة العظيمة النصيحة هي جماع الدين لان الدين قائم عليها ولا يكون من اهل الدين القائمين به حقا وصدقا الا الناصح والنصيحة عمادها القلب ومدارها عليه. بما في قلوب اصحابها من النصيحة لله ورسوله وكتاب وما فيها من البر والصدق والاخلاص للكبير المتعال وقد ذكرها الله في القرآن وصفا لانبيائه الكرام عليهم السلام والصالحين من عباده قال الله تعالى عن نوح عليه السلام قال يا قومي ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين ابلغكم رسالات ربي وانصح لكم واعلم من الله ما لا تعلمون وقال تعالى عن هود عليه السلام قال يا قومي ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين ابلغكم رسالات ربي وانا ناصح امين وقال تعالى عن صالح عليه السلام فتولى عنهم وقال يا قومي لقد ابلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين وقال تعالى عن شعيب عليه السلام فتولى عنهم وقال يا قومي لقد ابلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فكيف اسى على قوم كافرين وقال تعالى عن المحسنين من عباد الله ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج اذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم وقد افاد الحديث انحسار الدين في النصيحة وان مواطن النصيحة خمسة لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم وتضمن الحث على هذه المواطن الخمسة لانها اذا كانت هي الدين فلا شك في ظرورة المحافظة عليها ولهذا ينبغي على العبد المسلم ان يجاهد نفسه على تحقيق النصح العظيم لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم اما النصح لله فبتوحيده جل في علاه واخلاص الدين له وافراده وحده بالعبادة بالا يدعى الا الله والا يسأل الا الله والا يستغاث الا بالله. والا يصرف شيء من العبادة الاله قل هذه سبيلي ادعو الى الله على بصيرة انا ومن اتبعني وسبحان الله وما انا من المشركين وقال تعالى قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين وان يكون الدين كله لله. وان يخلص له الدين الا لله الدين الخالص فانه عز وجل انما خلق الخلق واوجدهم ليعبدوه وليفردوه بالعبادة كما قال سبحانه وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون ويحق الله على العباد الذي خلقهم لاجله واوجدهم لتحقيقه قال عليه الصلاة والسلام يا معاذ اتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟ قلت الله ورسوله طوله اعلم قال حق الله على العباد ان يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وحق العباد على الله الا يعذب من لا يشرك به شيئا فالنصيحة لله تكون بالتوحيد والتعظيم لله وحسن المعرفة به وباخلاص الدين له وبالبراءة من الشرك والخلاص منه وان يحافظ العبد على طاعة الله من صلاة وصيام وزكاة وغير ذلك من الطاعات وان يقصد بها التقرب اليه ونيل رضاه والفوز بجنته واما النصيحة لكتاب الله فبتعظيم هذا الكتاب ومعرفة قدره العظيم وانه وحي منزل وانه كلام رب العالمين وانه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الامين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي وبين وباعتقاد عظمة هذا الكتاب فان الفرق بين كلام الله وكلام خلقه كالفرق بين الله وخلقه وان يعنى العبد بهذا الكتاب تلاوة وتدبرا وعملا بهدايات كتاب الله الذين اتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته اولئك يؤمنون به فان هذا القرآن انزل ليعمل به وليهتدى بهداياته ولتتدبر اياته كتاب انزلناه اليك مبارك ليدبروا اياته وليتذكر اولوا الالباب وقال جل وعلا ان هذا القرآن يهدي للتي هي اقوم فالاهتداء بهدايات القرآن والاستشفاء به وحسن العمل به كل ذلك من النصح لكتاب الله ومن النصح لكتاب الله ان يحذر العبد من ان يتخذ كتاب الله مهجورا سواء بهجر التلاوة او هجر التدبر او هجر العمل به فالواجب على العبد ان يحذر من ذلك كله ليكون من اهل النصح لكتاب الله وقال الرسول يا رب ان قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا واما النصيحة لرسوله عليه الصلاة والسلام فبمعرفة قدر هذا الرسول صلى الله عليه وسلم ومكانته العظيمة وانه اولى بكل مؤمن ومؤمنة من نفسه كما قال تعالى النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم لانه عليه الصلاة والسلام انصح لكل امرئ من نفسه واحرصوا على كل امرئ من نفسه واشفقوا على كل امرئ من نفسه وما ترك خيرا الا دل الامة عليه ولا ضرا الا حذرها منه صلوات الله وسلامه عليه ومن النصيحة له عليه الصلاة والسلام ان يحب محبة مقدمة على محبة النفس والوالد والولد والناس اجمعين وان يتبع امره ويتمسك بهديه القويم ونهجه المستقيم وقد قال الله تعالى لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الاخر وذكر الله الله كثيرا وقال تعالى وما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا وقال سبحانه فليحذر الذين يخالفون عن امره ان تصيبهم فتنة او يصيبهم عذاب اليم واما النصيحة لائمة المسلمين وهم الحكام والعلماء فبمعرفة ما اوجب الله سبحانه وتعالى تجاههم من نصح لهم واعظم ما يقوم عليه النصح لهم ان يحب لهم الخير والعافية وصلاح الشأن ولهذا ليس من النصح لائمة المسلمين في شيء ان يفرح بزلة ان وقعت او خطأ ان حصل وقد قال عليه الصلاة والسلام لا يؤمن احدكم حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه فالنصح لهم هو اولا بسلامة القلب ونقاءه تجاه من الغل والحقد والحسد والضغائن ونحو ذلك وكذلك بسلامة اللسان تجاههم فلا يكون فيه ثلب وشتم ووقيعة بل ليس فيه الا الدعاء لهم بالخير والعافية وان يقدم لهم كذلك من النصح والبيان بالطرق الشرعية والمسالك المرعية مما دل عليه كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وكل مخالفة لشرع الله فيما يتعلق بحقوق الولاة يعد غشا وليس نصيحة. حتى وان فعل له من فعله تدينا وتقربا لله فانه لا يتقرب الى الله بمخالفة هدي رسوله صلى الله عليه وسلم ولهذا فان الافتيات على ولاة الامر ونزع اليد من الطاعة والخروج على جماعة المسلمين هذا كله من الغش. وليس من النصيحة في شيء روى الترمذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال نضر الله امرأ سمع قالت فوعاها وحفظها وبلغها فرب حامل فقه الى من هو افقه منه ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم اخلاص العمل لله ومناصحة ائمة المسلمين ولزوم جماعتهم فان الدعوة تحيط من ورائهم واما النصيحة لعامة المسلمين فبان يحب لهم من الخير ما يحب لنفسه قال عليه الصلاة والسلام لا يؤمن احدكم حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه اي من الخير وان يأتي لهم من الاعمال والاقوال ما يحب ان يؤتى اليه. كما قال عليه الصلاة والسلام وليأت الى الناس الذي يحب ان يؤتى اليه وهذا هو جماع النصيحة لعامة المسلمين. راجع الى هذين الحديثين فقوله لا يؤمن احدكم حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه هذا يتعلق بعمل القلب بان يكون القلب محبا الخير للمسلمين غير غاش لا يحمل غلا او حقدا او سخيمة او نحو ذلك وحديث وليأتي الى الناس الذي يحب ان يؤتى اليه هذا فيه صلاح الظاهر قولا وفعلا فلا يأتي اليهم من الاقوال والافعال الا الشيء الذي يحب ان يعامل به واما ما لا يحب ان يعامل به من الاقوال او من الافعال فليحذر من معاملة اخوانه المسلمين به فان عاملهم بذلك فهذا ليس من النصيحة في شيء عن جرير بن عبدالله رضي الله عنه قال بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم. رواه مسلم وعن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حق المسلم على المسلم ست قيل ما هن يا رسول الله؟ قال اذا لقيته فسلم عليه واذا دعاك فاجبه. واذا استنصحك فانصح له واذا عطس فحمد الله فشمته واذا مرض فعده واذا مات فاتبعه رواه مسلم قال ابو عمرو ابن الصلاح رحمه الله النصيحة كلمة جامعة تتضمن قيام الناصح للمنصوح له بوجوه الخير ارادة وفعلا فالنصيحة لله توحيده ووصفه بصفات الكمال والجلال وتنزيهه عما يضادها ويخالفها وتجنب معاصيه والقيام بطاعته ومحابه بوصف الاخلاص والحب فيه والبغض فيه وما ضاها ذلك والدعاء الى ذلك والحث عليه والنصيحة لكتابه الايمان به وتعظيمه وتنزيهه وتلاوته حق تلاوته والوقوف مع اوامره ونواهيه وتفهم علومه وامثاله وتدبر اياته والدعاء اليه ودبوا تحريف الغالين وطعن الملحدين عنه والنصيحة لرسوله صلى الله عليه وسلم قريب من ذلك. الايمان به وبما جاء به وتوقيره وتبجيله والتمسك بطاعته واحياء سنته واستنشار علومه ونشرها ومعاداة من عاداه وموالاة من والاه ووالاها. والتخلق باخلاقه والتأدب بآدابه ومحبة اله واصحابه ونحو ذلك والنصيحة لائمة المسلمين معاونتهم على الحق وطاعتهم فيه وتذكيرهم به وتنبيههم في رفق ولطف ومجانبة الوتوب عليهم والدعاء لهم بالتوفيق وحث الاغيار على ذلك والنصيحة لعامة المسلمين ارشادهم الى مصالحهم وتعليمهم امور دينهم وستر عوراتهم وسد خلاتهم نصرتهم على اعدائهم والذب عنهم ومجانبة الغش والحسد لهم وان يحب لهم ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكره لنفسه وما شابه ذلك رزقنا الله خشيته في السر والعلن وجعلنا من الاتقياء الناصحين. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته