بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد عن انس بن مالك رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله اخوانا ولا يحل لمسلم ان يهجر اخاه فوق ثلاث. متفق عليه وعن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اياكم والظن فان الظن اكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد والله اخوانا متفق عليه ان ديننا الاسلامي دين اصلاح وصلاح وتربية وادب وخلق وزكاء وسمو ورفعة جاء بتزكية القلوب وتطهيرها وتنقية النفوس وتصفيتها واصلاح وطهارة الظاهر والباطن يطهر القلوب من اضرانها والنفوس من سخائمها ومن الدعاء المأثور عن نبينا صلى الله عليه وسلم اللهم اتي نفسي تقواها وزكها انت خير من زكاها انت وليها ومولاها والمؤمن في هذه الحياة مأمور باصلاح باطنه كما هو مأمور باصلاح ظاهره وكما ان الظاهر يحصل له انواع من الامراض والاسقام فكذلك باطن الانسان يتعرض لانواع من الامراض والاسقام وعندما يتأثر الباطن فان الظاهر تبع له في صلاحه وفساده ولهذا كان متأكدا على كل مسلم ان يفتش عن قلبه وان يتأمل في نفسه وان يتدبر في اخلاقه الباطنة هل هي اخلاق زاكية واعمال فاضلة ام هي بخلاف ذلك فيصلح ما فسد ويحافظ على ما صلح ومن خصال القلوب الذميمة وخلالها المشينة التي جاء الاسلام بالتحذير منها والنهي عنها وبيان خطورتها على الافراد والمجتمعات خصلة الحسد والحسد شر عظيم ووباء مهلك وداء فتاك اذا سرى في الانسان افسده واضر به ظررا عظيما وهو شر يتعوذ بالله منه كما قال الله تعالى ومن شر حاسد اذا حسد وجاء في النهي عنه والتحذير منه نصوص متكاثرة واحاديث متظافرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو صفة الاشرار من الخلق. ولهذا حسد ابليس قديما ابانا ادم على ما اتاه الله من النعمة والفضل وما من عليه به من الفضائل حيث خلقه بيده واسجد له ملائكته واسكنه جنته وعلمه اسماء كل شيء فحسده ابليس حتى تسبب في خروجه من الجنة والحسد هو الذي افضى باحد ابني ادم الى قتل اخيه حسدا وعدوانا قال تعالى واتل عليهم نبأ ابني ادم بالحق اذ قربا قربانا فتقبل من احدهما ولم يتقبل من الاخر قال لاقتلنك. قال انما يتقبل الله من المتقين لئن بسطت الي يدك لتقتلني ما انا بباسط يدي اليك لاقتلك اني اخاف الله رب العالمين اني اريد ان تبوء بإثمي واثمك فتكون من اصحاب النار. وذلك جزاء الظالمين. فطوعت له نفسه قتل اخيه فقتله فاصبح من الخاسرين والحسد صفة اليهود الاشرار حسدوا نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم على ما اصطفاه الله به وعلى ما من الله عليه به من والرسالة فحسدوه على ذلك وامتنعوا من قبول دعوته لا لشيء الا حسدا له ولامته عليه الصلاة والسلام فاضمروا لهم كل عداوة واكنوا لهم كل بعظا قال الله تعالى ود كثير من اهل الكتاب لو يردونكم من بعد ايمانكم كفارا حسدا من عند انفسهم وقال تعالى ام يحسدون الناس على ما اتاهم الله من فضله والحاسد عدو لنعمة الله لا يقر له قرار ولا يهدأ له بال ولا يطمئن له خاطر ولا يزول عنه هم الا اذا النعمة زالت وارتحلت ولم تبقى بيد من يحسده والحاسد مثله كمثل افعى مليئة بالسم لا يهدأ بالها حتى تفرغ سمها قال ابن القيم رحمه الله فان النفس الخبيثة الحاسدة تتكيف بكيفية خبيثة وتقابل المحسود فتؤثر فيه بتلك الخاصية واشبه الاشياء بهذا الافعى فان السم كامن فيها بالقوة فاذا قابلت عدوها انبعثت منها قوة غضبية وتكيفت بكيفية خبيثة مؤذية فمنها ما تشتد كيفيتها وتقوى حتى تؤثر في اسقاط الجنين ومنها ما تؤثر في في طمس البصر والحاسد عدو لنعمة الله على عباده لا يرضى قسمة الله ولا يرضى بحكمة الله ولا يرضى بتدبيره جل في علاه فاذا رأى ان الله انعم على عبد بنعمة ومن عليه بمنة وميزه بميزة امتلأ قلبه وكراهية وبغضا لذلك ولهذا فان اعظم اوصاف الحاسد انه عدو لنعمة الله على عباده قال ابو حاتم البوستي رحمه الله بئس الشعار للمرء الحسد لانه يورث الكمد ويورث الحزن وهو داء لا شفاء له والحاسد اذا رأى باخيه نعمة بهت واذا رأى به عثرة شمت ودليل ما في قلبه كمين على وجهه مبين. وما رأيت حاسدا سالم احدا والحسد داعية الى النكد الا ترى ابليس حسد ادم فكان حسده نكدا على نفسه فصار لعينا بعدما كان مكينا ويسهل على المرء تردي كل ساخط في الدنيا حتى يرضى الا الحسود فانه لا يرظيه الا زوال النعمة التي حسد من اجلها الحاسد لا يرضى باقدار الله ولا يرظى بتدبيره ولا يقنع بحكمته فاذا انعم الله على عبد بنعمة عن حكمة بالغة وتدبير سابق كره ذلك وابغضه وشنأ ذلك وقلاه وامتلأ قلبه غيظا وحنقا واذا امتلأ قلب الحاسد بغضا للمحسود ربما حمله حسده على البغي والعدوان والظلم والقتل كما تقدم في قصة قتل احد ابني ادم دم اخاه حسدا وبغيا فالحسد يتولد منه سرور عظيمة من البغي والظلم والعدوان وغير ذلك من انواع الاثام وقد تقدم قول النبي صلى الله عليه وسلم لا تحاسدوا ولا تناجسوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله اخوانا فالتناجس والتباغض والبيع على بيع الاخ وغير ذلك من الاعمال كلها في الغالب اثر من اثار الحسد ونتيجة من نتائجه المشينة والحاسد شغله حسده عن شكر الله على نعمائه. والاعتراف لله بقدره وقضائه فلا يزال بهمه وحسده مغموما وبغله وحقده متماديا ولا يزال على هذه الحال ماضيا. فهو عن الطاعات بعيد ومن المعاصي والعدوان والاثم قريب والحسد يترتب عليه اضرار كثيرة واخطار عظيمة على الحاسد نفسه وعلى المجتمع المسلم ينشر بغيا وعدوانا ويفكك بين الاسر المترابطة والبيوت المجتمعة ويفرق بين المتحابين وله من الاثار الجسيمة والاخطار العظيمة ما حد له ولا عد وعندما يتأمل الحاسد في النتائج التي يحصلها والاثار التي ينالها من حسده لا يجد شيئا لا يجد ثمارا نافعة ولا فوائد حميدة وانما يجد اثارا سيئة وحصادا مرا في الدنيا والاخرة والواجب على كل مؤمن ان يقنع بما اتاه الله وان يحمد الله عز وجل على فضله وان يسأله سبحانه من فضله العظيم وخيره العميم يقول الله تعالى ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله ان الله كان بكل شيء عليما قال ابن القيم رحمه الله ويندفع شر الحاسد عن المحسود بعشرة اسباب احدها التعوذ بالله من شره والتحصن به واللجأ اليه الثاني تقوى الله وحفظه عند امره ونهيه فمن اتقى الله تولى الله حفظه ولم يكله الى غيره قال الله تعالى وان تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك فمن حفظ الله حفظه الله ووجده امامه اينما توجه ومن كان الله حافظه وامامه فممن يخاف السبب الثالث الصبر على عدوه والا يقاتله ولا يشكوه ولا يحدث نفسه باذاه اصلا فما نصر على حاسده وعدوه بمثل الصبر عليه السبب الرابع التوكل على الله ومن يتوكل على الله فهو حسبه والتوكل من اقوى الاسباب التي يدفع بها العبد ما لا يطيق من اذى الخلق وظلمهم وعدوانهم وهو من اقوى الاسباب في ذلك فان الله حسبه اي كافيه ومن كان الله كافيه وواقيه فلا مطمع فيه لعدو السبب الخامس فراغ القلب من الاشتغال به والفكر فيه وان يقصد ان يمحوه من باله. كلما خطر له فلا يلتفت اليه ولا يخافه ولا يملأ قلبه بالفكر فيه وهذا من انفع الادوية واقوى الاسباب المعينة على اندفاع شره السادس الاقبال على الله والاخلاص له وجعل محبته وترضيه والانابة اليه في محل خواطر نفسه وامانيها تدب فيها دبيب تلك الخواطر شيئا فشيئا. حتى يقهرها ويغمرها ويذهب بها بالكلية فتبقى خواطره وهواجسه وامانيه كلها في محاب الرب والتقرب اليه السبب السابع تجريد التوبة الى الله من الذنوب التي سلطت عليه اعداءه فان الله تعالى يقول وما اصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم السبب الثامن الصدقة والاحسان ما امكنه فان لذلك تأثيرا عجيبا في دفع البلاء ودفع العين وشر الحاسد ولو لم يكن في هذا الا تجارب الامم قديما وحديثا لكفى به فما يكاد العين والحسد والاذى يتسلط على محسن متصدق وان اصابه شيء من ذلك كان معاملا فيه باللطف والمعونة والتأييد وكانت له فيه العاقبة الحميدة السبب التاسع وهو من اصعب الاسباب على النفس واشقها عليها ولا يوفق له الا من عظم حظه من الله وهو اطفاء نار الحاسد والباغي والمؤذي بالاحسان اليه فكلما ازداد اذى وشرا وبغيا وحسدا ازددت اليه احسانا وله نصيحة وعليه شفقة قال الله تعالى ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي احسن. فاذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها الا الذين صبروا وما يلقاها الا ذو حظ عظيم السبب العاشر وهو الجامع لذلك كله. وعليه مدار هذه الاسباب وهو تجريد التوحيد والترحل بالفكر في الاسباب الى المسبب العزيز الحكيم والعلم بان هذه الات بمنزلة حركات الرياح وهي بيد محركها وفاطرها وبارئها ولا تضر ولا تنفع الا باذنه فهو الذي يمس عبده بها وهو الذي يصرفها عنه وحده. لا احد سواه قال تعالى وان يمسسك الله بضر فلا كاشف له الا هو وان يردك بخير فلا راد لفضله وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله ابن عباس رضي الله عنهما واعلم ان الامة لو اجتمعوا على اي ينفعوك لم ينفعوك الا بشيء كتبه الله لك ولو اجتمعوا على ان يضروك لم يضروك الا بشيء كتبه الله عليك فاذا جرد العبد التوحيد فقد خرج من قلبه خوف ما سواه وكان عدوه اهون عليه من ان يخافه مع الله بل يفرض الله بالمخافة وقد امنه منه وخرج من قلبه اهتمامه به واشتغاله به وفكره فيه وتجرد لله محبة وخشية وانابة وتوكلا واشتغالا به عن غيره فيرى ان اعماله فكره في امر عدوه وخوفه منه واشتغاله به من نقص توحيده فالتوحيد حصن الله الاعظم. الذي من دخله كان من الامنين قال بعض السلف من خاف الله خافه كل شيء. ومن لم يخف الله اخافه الله من كل شيء هذا والله وحده المرجو ان يحفظ علينا ايماننا وان يطهر قلوبنا من الحسد والغل وكل خلق دميم. انه تبارك وتعالى خير مسؤول وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته