بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد عن ابي هريرة رضي الله عنه ان رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم اوصني قال لا تغضب فردد مرارا قال لا تغضب. رواه البخاري وعن حميد بن عبد الرحمن عن رجل من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال قال رجل يا رسول الله اوصني. قال لا تغضب قال قال الرجل ففكرت حين قال النبي صلى الله عليه وسلم ما قال فاذا الغضب يجمع الشر كله. رواه احمد لقد جاء الاسلام بتوجيهاته القويمة هاديا لكل فضيلة. داعيا الى كل خير مسددا الناس في الاقوال والاعمال. مبعدا نفس الانسان عن رعونتها وعن التصرفات الهوجاء والافعال النكراء والاقوال الشنيعة وهذا من كمال هذا الدين وجماله وحسن وفائه بمصالح العباد حيث ارشد الى كامل الاخلاق ومجامع الخير واصول البر في احوال الناس كلها وشؤونهم جميعها وفي كل ما يأتون ويذرون وعندما نتأمل وصايا الاسلام في جانب الاخلاق نجد اجمل الاخلاق وازكاها واطيب الاداب وارفعها. متمثلة فيما يدعو اليه الاسلام وان مما يتنافى مع الخلق العظيم الذي دعا اليه دين الاسلام سرعة الانفعال والغضب والتفاعل مع ما يمليه الغضب من افعال قبيحة واقوال نكراء ذلك ان الغضب يجر الانسان الى الوقوع في تصرفات هوجاء واعمال شنيعة واقوال بذيئة يندم بعد ذهاب جمرة الغضب على فعلها غاية الندم وقد قيل الغضب اوله جنون ونهايته ندم والغضب هو غليان دم القلب وازدياد خفقانه طلبا لدفع امر مؤذ يتوقع الانسان حصوله او طلب الانتقام ممن حصل منه الاذى فيفضي بالانسان الى اقوال سيئة والى افعال شنيعة وعندما تزداد شدة الغضب ووطأته على القلب لا يملك الانسان في الغالب زمام نفسه بل ينطلق اللسان والفحش والبذاء وتنطلق الجوارح بالقتل والضرب والعدوان ويأتي الاسلام داعيا المسلم ان يملك نفسه عند الغظب اذ تركه والسلامة منه وهذه نتائجه يعد من مجامع الخير ومن اصول البر واسس الفضيلة قال جعفر بن محمد الغضب مفتاح كل شر وقيل لابن المبارك اجمع لنا حسن الخلق في كلمة. قال ترك الغضب وقول النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الوصية الجامعة لا تغضب يتضمن امرين عظيمين لابد منهما الاول ان يدرب المسلم نفسه على الاخلاق الفاضلة والاداب الحسنة من الصبر والحلم والاناة والبعد عن عجلة الى غير ذلك من الاخلاق فاذا ورد عليه وارد الغضب تلقاه بجميل خلقه وعظيم ادبه وحسن حلمه وطيب صدره والامر الثاني انه عندما يوجد الغضب وتنعقد اسبابه فعلى المسلم ان يملك نفسه في اقواله وافعاله فلا يندفع وقت غضبه لا بقول ولا فعل فلا يقول شيئا ولا يقدم على فعل حتى تنطفئ جمرة الغضب وعليه ان يبادر في هذا المقام الى التعوذ بالله من الشيطان الرجيم لان الشيطان هو الذي يزين للانسان الغضب وله نزغ عجيب ودخول سريع على الانسان وقت فورة غضبه فيدفعه الى الافعال الشنيعة والاقوال السيئة جاء في الصحيحين من حديث سليمان ابن سرد قال استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده جلوس واحدهما يسب صاحبه مغضبا قد احمر وجهه فقال النبي صلى الله عليه وسلم اني لاعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد لو قال اعوذ بالله من الشيطان الرجيم فقالوا للرجل الا تسمعوا ما يقول النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال اني لست بمجنون وبالمبادرة الى التعوذ عند شدة وطأة الغضب وشدة تأثيره تحمد العاقبة فيسلم المرء من حضور الشيطان ونزغه والله تعالى يقول واما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله ثمان النبي عليه الصلاة والسلام وجه الى امرين عظيمين على المسلم ان يعتني بهما حال غضبه الامر الاول يتعلق باللسان والامر الثاني يتعلق بالجوارح اما الاول ففي المسند للامام احمد عن ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال اذا غضب احدكم فليسكت اي ليمنع نفسه من الكلام حال الغظب لانه ان تكلم وهو غضبان سيتكلم بما لا يحمد عاقبته من اقوال سيئة وكلمات بذيئة ولعن وشتم بل ربما بعض الناس يلعن نفسه ويلعن والديه وذلك عند اشتداد غضبه ثم اذا هدأ الغضب ندم اشد الندم على ما كان منه من اقوال بذيئة وافعال سيئة فعليه وقت الغضب الا يقول ولا كلمة واحدة بل يمتنع عن الكلام حال الغضب لانه حال اشتداد غضبه لا يدرك ما يقول ولا يعي ما يتكلم به فاذا امتنع عن الكلام حتى تطفأ جمرة الغضب وتذهب فورته. فحينئذ سيكون الكلام سديدا وتكون عاقبة حميدة قال مؤرق العجل ما كنت في الغضب شيئا الا ندمت عليه في الرضا واما الامر الثاني وهو يتعلق بالافعال ففي المسند عن انس بن مالك رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال اذا غضب احدكم وهو قائم فليجلس فان ذهب عنه الغضب والا فليضطجع ذلك ان الغضبان وقت شدة فورة الغضب حال القيام وامامه من اغضبه فانه سيكون قريب التناول للاعتداء والبطش والظلم لكنه ان ملك نفسه حين الغضب فقعد سيكون تباعد ممن اغضب فان سكن الغضب فبها ونعمت. وان لم يسكن فانه يضطجع فسيكون ابعد وابعد ومن يفعل هذين التوجيهين العظيمين التوجيه الذي يتعلق بالقول بالامتناع من الكلام والتوجيه المتعلق بالافعال بالامتناع من الحركة وذلك بالقعود او الاضطجاع حتى تنطفئ جمرته حققوا كمال الرجولة وحقيقة الشدة والقوة. كما قال صلى الله عليه وسلم ليس الشديد بالسرعة انما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب فان من لا يملك نفسه عند الغضب اذا غضب قال فيمن غضب عليه ما ليس فيه من العظائم وهو يعلم انه كاذب وربما علم الناس بذلك ويحمله حقده وهوى نفسه على الاصرار على ذلك والسرعة الذي يصرع الناس ويكثر منه ذلك فاراد عليه الصلاة والسلام ان الذي يقوى على ان يملك نفسه عند الغضب ويردها عنه هو القوي الشديد لغلبته هواه المرضي الذي زينه له الشيطان فدل هذا ان مجاهدة النفس اشد من مجاهدة العدو لان النبي عليه الصلاة والسلام جعل للذي يملك نفسه عند الغضب من القوة والشدة ما ليس للذي يغلب والناس ويصرعهم كان ابن عون رحمه الله اذا اشتد غضبه على احد قال بارك الله فيك ولم يزد الحاصل ان من ركائز الاخلاق المهمة البعد عن رعونة النفس والا ينساق الانسان في افعاله وكلماته وتصرفاته مع الرعونات التي تكون فيها النفس ولا سيما عند الغضب فان من يتكلم او يفعل وقت الغضب يكون كلامه وفعله غير منضبط بضابط الخلق لان الكلام وقت الغضب غير متزن ولا منضبط والافعال ايضا وقت الغضب غير متزنة ولا منضبطة والذي يقول او يفعل وقت الغضب افعاله واقواله بعيدة عن الخلق بعيدة عن الادب وهذا الحديث يعد من الاحاديث الجامعة في باب الاخلاق وليتأمل قول الصحابي الذي طلب من النبي صلى الله عليه وسلم ان يوصيه فقال له لا تغضب فاعاد فكرر النبي صلى الله عليه وسلم لا تغضب قال ففكرت حين قال النبي صلى الله عليه وسلم ما قال فاذا الغضب يجمع الشراء كله اي لما كرر النبي عليه الصلاة والسلام الوصية بلا تغضب دعاه هذا الى التأمل في الغضب فوجد انه ما عشر ان يجمعوا سرورا كثيرة قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله هذا الرجل ظن انها وصية بامر جزئي وهو يريد ان يوصيه النبي صلى الله عليه وسلم بكلام كلي ولهذا ردد فلما اعاد عليه النبي صلى الله عليه وسلم عرف ان هذا كلام جامع وهو كذلك فان قوله لا تغضب يتضمن امرين عظيمين احدهما الامر بفعل الاسباب والتمرن على حسن الخلق والحلم والصبر. وتوطين النفس على ما يصيب الانسان من الخلق من الاذى القولي الفعلي فاذا وفق لها العبد وورد عليه وارد الغضب احتمله بحسن خلقه وتلقاه بحلمه وصبره ومعرفته بحسن عواقبه فان الامر بالشيء امر به وبما لا يتم الا به والنهي عن الشيء امر بظده وامر بفعل الاسباب التي تعين العبد على اجتناب المنهي عنه وهذا منه الثاني الامر بعد الغظب الا ينفذ غضبه فان الغضب غالبا لا يتمكن الانسان من دفعه ورده ولكنه يتمكن من عدم تنفيذه فعليه اذا غضب ان يمنع نفسه من الاقوال والافعال المحرمة التي يقتضيها الغضب فمتى منع نفسه من افعال اثار الغضب الضارة؟ فكانه في الحقيقة لم يغضب وبهذا يكون العبد كامل القوة العقلية والقوة القلبية. كما قال صلى الله عليه وسلم ليس بالسرعة انما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب فكمال قوة العبد ان يمتنع من ان تؤثر فيه قوة الشهوة وقوة الغضب الاثار السيئة بل يصرف هاتين القوتين الى تناول ما ينفعه في الدين والدنيا والى دفع ما يضره فيهما فخير الناس من كانت شهوته وهواه تبعا لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وغضبه ومدافعته في نصر الحق على الباطل. وشر الناس من كان صريع شهوته وغضبه ولا ولا قوة الا بالله هذا وجماع الخلق في اربعة احاديث من حفظها وحققها جمع اصول الاخلاق والاداب قال ابو محمد ابن ابي زيد القيرواني رحمه الله جماع اداب الخير وازمته تتفرع من اربعة احاديث قول النبي صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليقل خيرا او ليصمت وقوله صلى الله عليه وسلم من حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه وقوله للذي اختصر له في الوصية لا تغضب. وقوله صلى الله عليه وسلم المؤمن يحب لاخيه ما يحب لنفسه ففي الحديث الاول الارشاد الى ظبط اللسان. بالتفكر والتدبر فيما سيقوله فان كان فيه خير نطق به وان كان فيه شر امسك عنه وان اشتبه عليه فلا يدري اخير هو ام شر امسك عنه ومن لم يحسن ظبط لسانه لم يكن من اهل حسن الخلق وفي الثاني الارشاد الى ترك الفضول من القول والسماع والنظر ونحو ذلك وفي الثالث الارشاد الى ضبط النفس وعدم الانسياق مع انفعالات النفس ورعوناتها وفي الرابع الارشاد الى سلامة قلب المؤمن تجاه اخوانه المسلمين فلا يكون فيه غل ولا حقد ولا حسد ولا غير ذلك من ادواء القلوب اصلح الله قلوبنا وزكى سرائرنا وهدانا اليه صراطا مستقيما. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله رسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته