بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن انس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال اكبر الكبائر الاشراك بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين وقول الزور او قال وشهادة الزور متفق عليه وعن ابي بكرة رضي الله عنه قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الا انبئكم باكبر الكبائر ثلاثا الاشراك بالله وعقوق الوالدين وشهادة الزور. او قول الزور. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت متفق عليه وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال جاء اعرابي الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ما الكبائر قال الاشراك بالله. قال ثم ماذا؟ قال ثم عقوق الوالدين قال ثم ماذا؟ قال اليمين الغموس. قلت وما اليمين الغموس قال الذي يقتطع مال امرئ مسلم هو فيها كاذب رواه البخاري الاشراك بالله هو اعظم ادواء القلب واخطر امراضه فان القلب خلق لمعرفة فاطره ومحبته وتوحيده والسرور به والابتهاج بحبه والرضا عنه والتوكل عليه والحب فيه والبغض فيه والموالاة فيه والمعاداة فيه ودوام ذكره وان يكون احب اليه من كل ما سواه. وارجى عنده من كل ما سواه. واجل في قلبه من كل ما سواه ولا نعيم له ولا سرورا ولا لذة بل ولا حياة الا بذلك وهذا له بمنزلة الغذاء والصحة والحياة فاذا فقد ذلك وقع في الاشراك بالله فقد اصيب باعظم ادوائه والشرك اعظم الذنوب واظلم الظلم واقبح القبائح وانكر المنكرات وهو ابغض الاشياء الى الله واكرهها له واشدها مقتا لديه ورتب عليه سبحانه من عقوبات الدنيا والاخرة ما لم يرتبه على ذنب سواه واخبر انه لا يغفره وهو هضم لحق الربوبية وتنقيص لعظمة الالهية وسوء ظن برب العالمين. كما قال الله تعالى ويعذب المنافقين الثقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم واعد لهم جهنم وسات مصيرا فلم يجمع على احد من الوعيد والعقوبة ما جمع على اهل الشرك فانهم ظنوا به ظن السوء حتى اشركوا به ولو احسنوا به الظن لوحدوه حق توحيده ولهذا اخبر سبحانه عن المشركين انهم ما قدروه حق قدره في ثلاثة مواضع من كتابه وكيف يقدره حق قدره؟ من جعل له عدلا وندا يحبه ويخافه ويرجوه ويذل له قال تعالى ومن الناس من يتخذ من دون الله اندادا يحبونهم كحب الله وقال تعالى الحمدلله الذي خلق السماوات والارض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على ان الشرك نوعان. اكبر واصغر وهما يختلفان في الحد والحكم اما حد الشرك الاكبر فهو ان يسوى غير الله بالله سواء في الربوبية او الاسماء والصفات او الالوهية. فمن سوى غير الله بالله في شيء من خصائصه او حقوقه فانه يكون بذلك اشرك بالله شركا اكبر ينقل صاحبه من ملة الاسلام اما حد الشرك الاصغر فهو ما جاء في النصوص وصفه بانه شرك ولا يبلغ حد الشرك الاكبر كالحلف بغير الله وقول ما شاء الله وشئت وقول لولا كذا لكان كذا وكذا. ونحو ذلك من الالفاظ التي فيها شرك واما من حيث الحكم في الاخرة فانهما يختلفان. فالشرك الاكبر صاحبه مخلد في النار لا يقضى عليه يموت ولا يخفف عنه من عذابها. واما الشرك الاصغر فشأنه دون ذلك وهو اكبر من الكبائر كما قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه لان احلف بالله كاذبا احب الي من ان احلف بغيره صادقا لان في الحلف بغير الله صادقا شركا بالله وفي الحلف به كاذبا وقوع في كبيرة الكذب ولا تقارن الكبيرة بالشرك وهذا من فقه الصحابة رضي الله عنهم وقول النبي صلى الله عليه وسلم الا انبئكم باكبر الكبائر فيه تنبيه لخطورة الكبائر وعظم مضرتها على الناس. ليتقيها المسلم فلا يقع فيها. فان المسلم كما انه مأمور ان يعرف الخير ليعمل به. فكذلك هو مأمور ان يعرف الشر ليجتنبه وقد قيل قديما كيف يتقي من لا يدري ما يتقي اي كيف يتقي المحرمات ويجتنب المنكرات وهو لا يعرفها ولا يعرف خطورتها ولا يعرف العقوبات التي وردت في نصوص الشرع محذرة منها فتأكد على المسلم ان يعرف الكبائر من اجل اجتنابها واتقائها. ولا سيما الشرك الذي هو اعظمها اكبرها والواجب على المسلم ان يعيش حياته حذرا من الوقوع في الذنوب التي توجب غضب الله وسخطه واعظم ما يجب ان يخاف منه العبد ويحذر الشرك بالله فان الخوف من الشرك مطلب عظيم. يجب ان يكون في قلب كل مسلم. بل ينبغي ان يكون خوفه منه على نفسه اعظم من خوفه عليها من اي امر اخر وفي كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم نصوص عديدة اذا تأملها العبد جلبت لقلبه خوفا من الشرك وحذرا منه وتوقيا للوقوع فيه قال الله جل وعلا في موضعين من سورة النساء ان الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ففيهما بيان بين ان من لقي الله مشركا به فانه لا مطمع له في مغفرة الله. بل ان مآل فهو مصيره الى نار جهنم خالدا مخلدا فيها لا يقضى عليه فيموت ولا يخفف عنه من عذابها كما قال الله تعالى والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور وهم يسترخون فيها ربنا اخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل اولم نعمركم ما يتذكر من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير وان مما يجلب الخوف من الشرك الى القلوب المؤمنة ان نتأمل في حال الصالحين وحال الانبياء المقربين وخوفهم من هذا الذنب العظيم. ويكفي في هذا المقام ان تأملا دعوة امام الحنفاء ابراهيم الخليل عليه السلام. الذي اتخذه الله خليلا وحطم الاصنام بيده ودعا الى توحيد الله وقام في هذا الامر مقاما عظيما قال الله تعالى واذ قال ابراهيم ربي اجعل هذا البلد امنا واجنبني وبني ان نعبد الاصنام ربي انهن ان اضللن كثيرا من الناس. فمن تبعني فانه مني ومن عصاني فانك غفور رحيم فسأل امام الحنفاء عليه السلام الله سبحانه ان يجنبه وبنيه عبادة الاصنام اي ان يجعله في جانب بعيد عنها فلا يقربها ولا يقع فيها ولا في شيء من وسائلها او ذرائعها وذكر الموجب لخوفه عليه وعلى بنيه من ذلك بكثرة من افتتن وابتلي بعبادتها. فقال ربي انه هن اضللن كثيرا من الناس قال ابراهيم التيمي رحمه الله. ومن يأمن البلاء بعد ابراهيم؟ اي اذا كان ابراهيم الخليل عليه السلام خاف من شرك ودعا الله بهذه الدعوة العظيمة فكيف يأمن البلاء غيره فهذا يوجب الخوف الشديد من الشرك لانه امر لا يؤمن من الوقوع فيه وقد وقع فيه كثير من اذكياء الناس وقد كان نبينا عليه الصلاة والسلام يقول كل يوم ثلاث مرات اذا اصبح وثلاث مرات اذا امسى اللهم اني اعوذ بك من الكفر والفقر اللهم اني اعوذ بك من عذاب القبر لا اله الا انت رواه ابو داوود وكان يقول في دعائه كما في الصحيحين وغيرهما اللهم لك اسلمت وبك امنت وعليك توكلت واليك انبت وبك خاصمت اللهم اني اعوذ بعزتك لا اله الا انت ان تظلني انت الحي الذي لا يموت والجن والانس يموتون وعن النواس ابن سمعان الكلابي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من قلب الا بين اصبعين من اصابع الرحمن ان شاء اقامه وان شاء ازاغه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك قال والميزان بيد الرحمن يرفع اقواما ويخفض اخرين الى يوم القيامة رواه ابن ماجة ومن الادلة في هذا الباب ما جاء في المسند وغيره. ان النبي صلى الله عليه وسلم قال للصحابة رضي الله عنهم ان اخوف ما اخاف عليكم الشرك الاصغر قالوا وما الشرك الاصغر يا رسول الله؟ قال الرياء فاذا كان النبي عليه الصلاة والسلام طاف على الصحابة وهم من هم في الطاعة والتوحيد من الشرك الاصغر فكيف الشأن بمن هو دونهم في التوحيد والعبادة بل جاء في الادب المفرد للبخاري ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لا الشرك فيكم اخفى من دبيب النمل فقال ابو بكر وهل الشرك الا من جعل مع الله الها اخر فقال النبي عليه الصلاة والسلام والذي نفسي بيده لشرك فيكم اخفى من دبيب النمل الا ادلك على شيء ان اذا قلته ذهب عنك قليله وكثيره قال قل اللهم اني اعوذ بك ان اشرك بك وانا اعلم واستغفرك لما لا اعلم. وهي دعوة عظيمة يتأكد علينا ان نحفظها ونحافظ عليها ومما يجلب الخوف من الشرك ما ثبت في احاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من اخباره ان من الامة من سيرجعون الى عبادة الاوثان وقد جاء في هذا احاديث عديدة. منها ما ثبت في سنن ابي داوود وغيره عنه صلى الله عليه وسلم انه قال لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من امتي بالمشركين وحتى تعبد قبائل من امتي الاوثان وفي صحيح مسلم عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى ضرب الايات نساء دوس حول ذي الخلصة وكانت صنما تعبدها دوس في الجاهلية وفي الصحيحين عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا شبرا وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم قال ذلك عليه الصلاة والسلام نصحا للامة وتحذيرا لها من هذا الذنب العظيم ليأخذوا الحيطة والحذر ومما يجلب الخوف من الشرك ان المشرك ليس بينه وبين النار الا ان يموت كما في صحيح البخاري ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من مات وهو يدعو من دون الله ندا دخل النار فكل هذه الدلائل تدعو المؤمن الى ان يخاف من الشرك خوفا عظيما ثم ان هذا الخوف يحرك في قلبه الحرص على معرفة هذا الذنب الوخيم ليكون منه على حذر وليتقيه في بحياته كلها ولهذا جاء في صحيح البخاري عن حذيفة ابن اليمان رضي الله عنه قال كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت اسأله عن الشر مخافة ان يدركني وما من ريب ان في معرفة المسلم بالشرك وخطورته فائدة عظيمة في الدين اذا عرفه معرفة يقصد من ورائها السلامة منه والنجاة من الوقوع فيه فان من عرف الشرك والكفر والباطل وطرقه وابغضها وحذرها وحذر منها ودفعها عن نفسه ولم يدعها اقدسوا ايمانه وبهذا لا يزداد مع مر الايام الا بصيرة بالحق ومحبة له وكراهة للشرك والباطل ونفرة عن والله وحده الحافظ والهادي الى سواء السبيل. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد اله وصحبه اجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته