بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن عمرو بن سعيد بن العاص قال كنت عند عثمان رضي الله عنه فدعا بطهور فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها الا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يؤت كبيرة وذلك الدهر كله. رواه مسلم وعن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هل ترون قبلتي ها هنا فوالله ما يخفى علي خشوعكم ولا ركوعكم. اني لاراكم من وراء ظهري. متفق عليه الخشوع عمل جليل من اعمال القلوب اذا عمر القلب به ظهرت اثاره على الجوارح سكونا وطمأنينة وتواضعا وتذللا روى الطبري عن علي بن ابي طالب رضي الله عنه قال الخشوع في القلب وروي نحوه عن قتادة وابراهيم النخاعي وغيرهما والخشوع خضوع القلب وسكونه وانكساره تعظيما لله ومحبة وخوفا وخشية وتظهر اثاره على الجوارح سكونا وطمأنينة وتواضعا قال ابن القيم رحمه الله والخشوع في اصل اللغة الانخفاض والذل والسكون قال تعالى وخشعت الاصوات للرحمن اي سكنت ودلت وخضعت ومنه وصف الارض بالخشوع. وهو يبسها وانخفاضها وعدم ارتفاعها بالري والنبات قال تعالى ومن اياته انك ترى الارظ خاشعة فاذا انزلنا عليها الماء اهتزت وربت والخشوع قيام القلب بين يدي الرب بالخضوع والذل والجمعية عليه وقيل الخشوع الانقياد للحق وهذا من موجبات الخشوع فمن علاماته ان العبد اذا خولف ورد عليه بالحق استقبل ذلك بالقبول والانقياد وقيل الخشوع غموض نيران الشهوة وسكون دخان الصدور واشراق نور التعظيم في القلب وقال الجنيد الخشوع تذلل القلب لعلام الغيوب واجمع العارفون على ان الخشوع محله القلب وثمرته على الجوارح قال النبي صلى الله عليه وسلم التقوى ها هنا واشار الى صدره ثلاث مرات وقال بعض العارفين حسن ادب الظاهر عنوان ادب الباطن ورأى بعضهم رجلا خاشع المنكبين والبدن فقال يا فلان الخشوع ها هنا. واشار الى صدره لا ها هنا واشار الى منكبيه وكان بعض الصحابة رضي الله عنهم وهو حذيفة رضي الله عنه يقول اياكم وخشوع النفاق فقيل له وما خشوع النفاق؟ قال ان ترى الجسد خاشعا والقلب ليس بخاشع ورأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلا طأطأ رقبته في الصلاة فقال يا صاحب الرقبة ارفع رقبتك ليس الخشوع في الرقاب انما الخشوع في القلوب ورأت عائشة رضي الله عنها شبانا يمشون ويتماوتون في مشيتهم فقالت لاصحابها من هؤلاء؟ فقالوا نساك فقالت كان عمر بن الخطاب اذا مشى اسرع واذا قال اسمع واذا ضرب اوجع واذا اطعم اشبع وكان هو الناسك وحقا وقال الفضيل بن عياض كان يكره ان يري الرجل من الخشوع اكثر مما في قلبه وقال حذيفة رضي الله عنه اول ما تفقدون من دينكم الخشوع واخر ما تفقدون من دينكم الصلاة ورب مصل لا خير فيه. ويوشك ان تدخل مسجد الجماعة فلا ترى فيهم خاشعا وقال سهل من خشع قلبه لم يقرب منه الشيطان ويروى عن سعيد بن المسيب انه رأى رجلا عبث في صلاته فقال لو خشع قلب هذا خشعت جوارحه وذلك لان الظاهر عنوان الباطن قال ابن تيمية رحمه الله والخشوع يتضمن معنيين احدهما التواضع والذل والثاني السكون والطمأنينة وذلك مستلزم للين القلب المنافي للقسوة فخشوع القلب يتضمن عبوديته لله وطمأنينته ايضا ولهذا كان الخشوع في الصلاة يتضمن هذا وهذا التواضع والسكون وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى الذين هم في صلاتهم خاشعون قال مخبتون اذلاء وعن الحسن وقتادة خائفون وعن مقاتل متواضعون وعن علي الخشوع في القلب وان تلين للمرء المسلم كنفك ولا تلتفت يمينا ولا شمالا وقال مجاهد غض البصر وخفض الجناح وكان الرجل من العلماء اذا قام الى الصلاة يهاب الرحمن ان يشد بصره او ان يحدث نفسه بشيء من امر الدنيا وعن عمرو بن دينار ليس الخشوع الركوع والسجود ولكنه السكون وحب حسن الهيئة في الصلاة قال الله تعالى قد افلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون وهذا تنويه من الله بذكر عباده المؤمنين وذكر فلاحهم وسعادتهم وباي شيء وصلوا الى ذلك وفي ضمن ذلك الحث على الاتصاف بصفاتهم وفي مقدمة هذه الصفات الخشوع في الصلاة وهو حضور القلب بين يدي الله تعالى مستحظرا لقربه فيسكن لذلك قلبه وتطمئن نفسه وتسكن حركاته ويقل التفاته متأدبا بين يدي ربه مستحظرا جميع ما يقوله ويفعله في صلاته من اول صلاته الى اخرها فتنتفي بذلك الوساوس والافكار الرديئة وهذا روح الصلاة ولبها والمقصود منها وهو الذي يكتب للعبد فالصلاة التي لا خشوع فيها ولا حضور قلب كالجسد الذي لا روح فيه والذي يعين العبد على تحقق هذا الخشوع في الصلاة هو تفقه قلبه في معاني القرآن وفي اسماء الله وصفاته بحيث يرى لكل اسم وصفة موضعا من صلاته ومحلا منها قال ابن القيم رحمه الله فانه اذا انتصب قائما بين يدي الرب تبارك وتعالى شاهد بقلبه قيوميته واذا قال الله اكبر شاهد كبريائه واذا قال سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا اله غيرك شاهد بقلبه ربا منزها عن كل عيب سالم من كل نقص محمودا بكل حمد فحمده يتضمن وصفه بكل كمال وذلك يستلزم براءته من كل نقص تبارك اسمه فلا يذكر على قليل الا كثره ولا على خير الا ان ماهو وبارك فيه. ولا على افة الا اذهبها. ولا على شيطان الا رده خاسئا داحرا وتعالى جده اي ارتفعت عظمته وجلت فوق كل عظمة وعلى شأنه على كل شأن وقهر سلطانه كل سلطان فتعالى جده ان يكون معه شريك في ملكه وربوبيته او في الهيته او في افعاله او في صفاته واذا قال اعوذ بالله من الشيطان الرجيم فقد اوى الى ركنه الشديد واعتصم بحوله وقوته من عدوه الذي يريد ان يقطعه عن ربه ويباعده عن قربه واذا قال الحمد لله رب العالمين وقف هنيهة يسيرة ينتظر جواب ربه له بقوله حمدني عبدي فاذا قال الرحمن الرحيم انتظر الجواب بقوله اثنى علي عبدي فاذا قال ما لك يوم الدين انتظر جوابه يمجدني عبدي فيا لذتا قلبه وقرة عينه وسرور نفسه بقول ربه عبدي ثلاث مرات فوالله لولا ما على القلوب من دخان الشهوات وغيم النفوس لاستطيرت فرحا وسرورا بقول ربها فاطرها ومعبودها حمدني عبدي واثنى علي عبدي ومجدني عبدي ثم يكون لقلبه مجال في شهود هذه الاسماء الثلاثة التي هي اصول الاسماء الحسنى. وهي الله والرب والرحمن فشاهد قلبه من ذكر اسم الله تبارك وتعالى الها معبودا موحدا مخوفا لا يستحق العبادة غيره ولا تنبغي الا له قد عنت له الوجوه وخضعت له الموجودات وخشعت له الاصوات تسبح له السماوات السبع والارض ومن فيهن وان من شيء الا يسبح بحمده وله من في السماوات والارض كل له قانتون وشاهد من ذكر اسمه رب العالمين قيوما قام بنفسه وقام به كل شيء فهو قائم على كل نفس بخيرها وشرها قد استوى على عرشه وتفرد بتدبير ملكه فالتدبير كله بيده ومصير الامور كلها اليه فمراسيم التدبير نازلة من عنده على ايدي ملائكته بالعطاء والمنع والخفظ والرفع والاحياء والتولية والعزل والقبض والبسط وكشف الكروب واغاثة الملهوف واجابة المضطرين يسأله من في السماوات والارض كل يوم هو في شأن لا مانع لما اعطى ولا معطي لما منع ولا معقب لحكمه ولا راد لامره ولا مبدل لكلماته تعرج الملائكة والروح اليه وتعرض الاعمال اول النهار واخره عليه فيقدر المقادير ويوقت لهالمواقيت ثم يسوق المقادير الى مواقيتها. قائما بتدبير ذلك كله وحفظه ثم يشهد عند ذكر اسم الرحمن جل جلاله ربا محسنا الى خلقه بانواع الاحسان. متحببا اليهم بصنوف النعم وسع كل شيء رحمة وعلما واوسع كل مخلوق نعمة وفضلا فوسعت رحمته كل شيء وسعت نعمته الى كل حي. فبلغت رحمته حيث بلغ علمه واستوى على عرشه برحمته وخلق خلقه برحمته وانزل كتبه برحمته وارسل رسله برحمته وشرع شرائعه برحمته وخلق الجنة برحمته. والنار ايضا برحمته. فانها سوطه الذي يسوق به عباده المؤمنين الى الجنة ويطهر به ادران الموحدين من اهل معصيته وسجنه الذي يسجن فيه اعدائه من خليقته فاذا قال اياك نعبد واياك نستعين ففيهما سر الخلق والامر والدنيا والاخرة وهي متظمنة لاجل الغايات وافظل الوسائل فاجل الغايات عبوديتهم. وافضل الوسائل اعانته فلا معبود يستحق العبادة الا هو ولا معين على عبادته غيره فعبادته اعلى الغايات واعانته اجل الوسائل ثم يشهد الداعي بقوله اهدنا الصراط المستقيم. شدة فاقته وضرورته الى هذه المسألة. التي ليس هو الى شيء اشد فاقة وحاجة منه اليها البتة فانه محتاج اليها في كل نفس وطرفة عين وهذا المطلوب من هذا الدعاء لا يتم الا بالهداية الى الطريق الموصل اليه سبحانه. والهداية فيه وهي هداية التفصيل وخلق القدرة على الفعل وارادته وتكوينه وتوفيقه لايقاعه له على الوجه المرظي المحبوب للرب سبحانه وحفظه عليه من مفسداته حال فعله وبعد فعله ثم يأخذ في مناجاة ربه بكلامه واستماعه من الامام بالانصات وحضور القلب وشهوده وعن علي ابن ابي طالب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه كان اذا قام الى الصلاة قال وجهت وجهي للذي فطر السماوات والارض حنيفا وما انا من المشركين ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك امرت وانا من المسلمين اللهم انت الملك لا اله الا انت انت ربي وانا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا انه لا يغفر الذنوب الا انت واهدني لاحسن الاخلاق لا يهدي لاحسنها الا انت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها الا انت لبيك وسعديك والخير كله في يديك والشر ليس اليك انا بك واليك تباركت وتعاليت استغفرك واتوب اليك واذا ركع قال اللهم لك ركعت وبك امنت ولك اسلمت خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي واذا رفع قال اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الارض وملء ما بينهما وملئ ما شئت من شيء بعد واذا سجد قال اللهم لك سجدت وبك امنت ولك اسلمت سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره تبارك الله احسن الخالقين ثم يكون من اخر ما يقول بين التشهد والتسليم اللهم اغفر لي ما قدمت وما اخرت وما اسررت وما اعلنت وما اسرفت وما انت اعلم به مني انت المقدم وانت المؤخر لا اله الا انت رواه مسلم اللهم اجعلنا لك خاشعين خاضعين واصلح لنا شأننا اجمعين. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته