بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال بت عند خالتي ميمونة فتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع اهله ساعة ثم رقد فلما كان ثلث الليل الاخر قعد فنظر الى السماء فقال ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار لايات لاولي الالباب ثم قام فتوضأ واستنى فصلى احدى عشرة ركعة ثم اذن بلال فصلى ركعتين ثم خرج فصلى الصبح متفق عليه وعن ابن عباس رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول اذا قام الى الصلاة من جوف الليل اللهم لك الحمد انت نور السماوات والارض ولك الحمد انت قيام السماوات والارض ولك الحمد انت رب السماوات والارض ومن فيهن انت الحق وعدك الحق وقولك الحق ولقاؤك حق والجنة حق والنار حق والساعة حق اللهم لك اسلمت وبك امنت وعليك توكلت واليك انبت وبك خاصمت واليك حاكمت اغفر لي ما قدمت واخرت واسررت واعلنت انت الهي لا اله الا انت متفق عليه وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور فلما بلغ هذه الاية ام خلقوا من غير شيء ام هم الخالقون ام خلقوا السماوات والارض بل لا يوقنون ام عندهم خزائن ربك ام هم المسيطرون كاد قلبي ان يطير. رواه البخاري السماوات والارض ايتان عظيمتان دالتان على عظمة الخالق جل في علاه وتفرده بالجلال والكمال وانه سبحانه المعبود بحق ولا معبود بحق سواه ومن يقرأ كتاب الله جل وعلا يتكرر عليه ورودا في الايات لله ما في السماوات وما في الارض له ما في السماوات وما في الارض رب السماوات والارض له مقاليد السماوات والارض له ملك السماوات والارض وما خلقنا السماء والارض وما بينهما لاعبين في مواطن كثيرة في كتاب الله عز وجل تقرب من الاربع مئة اية فجدير بكل مسلم ان يقف متأملا في هاتين الايتين الباهرتين العظيمتين الدالتين على كمال الرب وعظمته وان يتأمل ايضا فيما يتبع هذا الايمان بان لله ما في السماوات وما في الارض من لوازم عظيمة هي من ايات القرآن للقلوب لتزكوا وتصلح وتطيب وقد اثنى الله في كتابه على المتفكرين في خلق السماوات والارض وذم المعرضين عن ذلك فقال تعالى ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار لايات لاولي الالباب وقال تعالى وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن اياتها معرضون قال ابن القيم رحمه الله فقف عند كل كلمة من قوله تعالى ان في السماوات والارض لايات للمؤمنين وفي خلقكم وما يبث من دابة ايات لقوم يوقنون واختلاف الليل والنهار وما انزل الله من السماء من رزق فاحيا به الارض بعد موتها وتصريف الرياح ايات لقوم يعقلون ثم تأمل وجه كونها اية وعلى ماذا جعلت اية اعلى مطلوب واحد ام مطالب متعددة وكذلك سائر ما في القرآن الكريم من هذا النمط كاخر سورة ال عمران وقوله في سورة الروم ومن اياته الى اخرها وقوله في سورة النمل قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى الى اخر الايات واضعاف ذلك في القرآن الكريم. وكقوله في سورة الذاريات وفي الارض ايات للموقنين وفي انفسكم افلا تبصرون وكأين من اية في السماوات والارض يمرون عليها وهم عنها معرضون فهذا كله من الحق الذي خلق به السماوات والارض وما بينهما. وهو حق لوجود هذه المخلوقات مسطور في صفحاتها يقرأه كل موفق كاتب وغير كاتب كما قيل تأمل سطور الكائنات فانها من الملأ الاعلى اليك رسائل وقد خط فيها لو تأملت خطها الا كل شيء ما خلى الله باطل لم يخلق الله العالم عبثا واما الحق الذي هو غاية خلقها فهو غاية تراد من العباد وغاية تراد بهم فالتي تراد منهم ان يعرفوا الله تعالى وصفات كماله وان يعبدوه لا يشركوا به شيئا فيكون هو وحده الههم ومعبودهم ومطاعهم ومحبوبهم قال تعالى الله الذي خلق سبع سماوات ومن الارض مثلهن يتنزل الامر بينهن لتعلموا ان الله على كل شيء قدير. وان الله قد احاط بكل شيء علما فاخبر انه خلق العالم ليعرف عباده كمال قدرته واحاطة علمه وذلك يستلزم معرفته ومعرفة اسمائه وصفاته وتوحيده وقال تعالى وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون فهذه الغاية هي المرادة من العباد. وهي ان يعرفوا ربهم ويعبدوه وحده واما الغاية المرادة بهم فهي الجزاء بالعدل والفضل والثواب والعقاب قال تعالى ولله ما في السماوات وما في الارض ليجزي الذين اساءوا بما عملوا ويجزي الذين احسنوا بالحسنى وقال تعالى ان الساعة اتية اكاد اخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى وقال تعالى ليبين لهم الذي يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا انهم كانوا كاذبين وقال تعالى ان ربكم الله الذي خلق السماوات والارض في ستة ايام ثم استوى على العرش يدبر الامر ما من شفيع الا من بعد اذنه. ذلكم الله ربكم فاعبدوه. افلا تذكرون اليه مرجعكم جميعا وعد الله حقا انه يبدأ الخلق ثم يعيده ليجزي الذين امنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم سراب من حميم وعذاب اليم بما كانوا يكفرون فتأمل الان كيف اشتمل خلق السماوات والارض وما بينهما على الحق اولا واخرا ووسطا وانها خلقت بالحق وللحق وشاهدة بالحق وقال رحمه الله عن سر كثرة ورود ذكر السماوات في القرآن الكريم قال ولهذا قل ان تجيء سورة في القرآن الا وفيه ذكرها اما اخبارا عن عظمها وسعتها واما اقساما بها واما دعاء الى النظر فيها واما ارشادا للعباد ان يستدلوا بها على عظمة بانيها ورافعها واما استدلالا منه سبحانه بخلقها على ما اخبر به من المعادي والقيامة واما استدلالا منه بروبيته لها على وحدانيته وانه الله الذي لا اله الا هو واما استدلالا منه بحسنها واستوائها والتئام اجزائها وعدم الفطور فيها على تمام حكمته وقدرته وكذلك ما فيها من الكواكب والشمس والقمر والعجائب التي تتقاصر عقول البشر عن قليلها فكم من قسم في القرآن بها كقوله والسماء ذات البروج والسماء والطارق والسماء وما بناها والسماء ذات الرجع والشمس وضحاها والنجم اذا هوى النجم الثاقب فلا اقسم بالخنس وهي الكواكب التي تكون خنسا عند طلوعها جوار في مجراها ومسيرها كنسا عند غروبها فاقسم بها في احوالها الثلاثة ولم يقسم في كتابه بشيء من مخلوقاته اكثر من السماء والنجوم والشمس والقمر وسبحانه يقسم بما يقسم به من مخلوقاته لتضمنه الايات والعجائب الدالة عليه وكلما كان اعظم اية وابلغ في الدلالة كان اقسامه به اكثر من غيره وفي اعظم اية من كتاب الله عز وجل اية الكرسي التي سيق فيها من براهين التوحيد ودلائله ما لم ياتي في اية اخرى من القرآن ذكر فيها من جملة البراهين ملكه عز وجل للسموات والارض قال الله تعالى الله لا اله الا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الارض من ذا الذي يشفع عنده الا باذنه فهذا الملك والتفرد من اعظم براهين وجوب توحيده واخلاص الدين له جل في علاه ان من له ما في السماوات وما في الارض قد احاط بالخلق علما واحصاهم جل وعلا عددا قال الله تعالى ولله ما في السماوات وما في الارض وكان الله بكل شيء محيطا ان من له ما في السماوات وما في الارض احاط علما ببواطن الامور وخفايا القلوب وما تكنه الصدور فلا تخفى عليه خافية وهو على كل شيء قدير قال الله تعالى لله ما في السماوات وما في الارض وان تبدوا ما في انفسكم او تحفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير ان من له ما في السماوات وما في الارض سيقف بين يديه العباد ويكون مصيرهم ومردهم اليه. فيجازي المحسن باحسانه والمسيء باساءته. قال الله تعالى ولله ما في السماوات وما في الارض. والى الله ترجع الامور وقال تعالى ولله ما في السماوات وما في الارض ليجزي الذين اساءوا بما عملوا ويجزي الذين احسنوا بالحسنى فهو سبحانه انما خلق السماوات والارض وخلق الموتى والحياة وزين الارض بما عليها لابتلاء عباده وامتحانهم ليعلم من يريده ويريد ما عنده ممن يريد الدنيا وزينتها قال الله تعالى وهو الذي خلق السماوات والارض في ستة ايام وكان عرشه على الماء ليبلوكم اي هم احسن عملا وقال تعالى انا جعلنا ما على الارض زينة لها لنبلوهم ايهم احسن عملا وانا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا ان من له ما في السماوات وما في الارض تفرد جل في علاه بالحكم الجزائي يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء. فالامر امره والملك ملكه قال الله تعالى ولله ما في السماوات وما في الارض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله غفور رحيم وقال تعالى ولله ملك السماوات والارض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وكان الله غفورا رحيما ان من له ما في السماوات وما في الارض واجب على العباد ان يطيعوه وان يعملوا بوصاياه وان يتقوه في السر والعلن. وان يعلموا انه غني عنهم وانهم فقراء اليه وانه لا حول لهم ولا قوة الا بالله قال الله جل وعلا ولله ما في السماوات وما في الارض ولقد وصينا الذين اوتوا الكتاب من قبلكم واياكم ان اتقوا الله وان تكفروا فان لله ما في السماوات وما في الارض. وكان الله غنيا حميدا. ولله ما في السماوات وما في الارض وكفى بالله وكيلا ان يشاء يذهبكم ايها الناس ويأتي باخرين وكان الله على ذلك قديرا ان عقيدة المؤمن بان لله عز وجل ما في السماوات وما في الارض وتفكره في هاتين الايتين الباهرتين يثمر في حياته اثارا عظيمة صلاحا في قلبه واخباتا لربه خضوعا لمن له ما في السماوات وما في الارض وهذا العبد فرد من هذه المخلوقات وهو طوع تدبير خالقه ومولاه ولا غنى له عن ربه طرفة عين وكلما عمق العبد التدبر في هذا المعنى عرف نفسه وعرف ربه وقوى صلته بربه ومولاه فانه سبحانه لم يخلقهما لعبا. ولا اوجدهما باطلا. بل اوجدهما بالحق وللحق قال تعالى المتر ان الله خلق السماوات والارض بالحق وقال تعالى وما خلقنا السماء والارض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار. ام نجعل الذين امنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الارض ام نجعل المتقين كالفجار وقال تعالى وما خلقنا السماوات والارض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما الا بالحق ولكن اكثرهم لا يعلمون وقال تعالى وما خلقنا السماوات والارض وما بينهما الا بالحق وقال تعالى الله الذي خلق سبع سماوات ومن الارض مثلهن يتنزل الامر بينهن لتعلموا ان الله على كل شيء قدير وان الله قد احاط بكل شيء علما رزقنا الله التفكر في اياته وحسن الانتفاع بمواعظ القرآن وهداياته. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه به اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته