بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فعن العباس ابن عبد المطلب رضي الله عنه انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذاق طعم الايمان من رضي بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا رواه مسلم وعن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال له يا ابا سعيد من رضي بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا وجبت له الجنة قال فقمت اعدها علي يا رسول الله ففعل. رواه مسلم وعن سعد ابن ابي وقاص رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال حين يسمع المؤذن اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله رضيت بالله ربا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا وبالاسلام دينا غفر له ذنبه رواه مسلم وعن ثوبان رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال حين يصبح وحين يمسي ثلاث مرات رضيت بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا كان حقا على الله ان يرضيه يوم القيامة رواه ابو داوود الرضا عمل من اعمال القلوب الجليلة وهو من جملة منازل السالكين ومن اعظم ما يتقرب به الى الله سبحانه مدح الله اهله واثنى عليهم وندبهم اليه ورغبهم فيه ورتب عليه الاجور العظيمة والثواب الجزيل وهذه الاحاديث عليها مدار مقامات الدين واليها ينتهي وقد تضمنت الرضا بربوبيته سبحانه والوهيته والرضا برسوله والانقياد له والرضا بدينه والتسليم له ومن اجتمعت له هذه الامور فحق على الله ان يرضيه يوم القيامة وفاز بالغفران والرضوان ودخول الجنان وقد دلت النصوص ان الرضا نوعان النوع الاول الرضا بالله ويدل عليه الاحاديث المتقدمة وقد تضمنت هذه الاحاديث امورا اربعة الرضا بالربوبية والرضا بالالوهية والرضا برسوله والانقياد له والرضا بدينه والتسليم له قال ابن القيم رحمه الله ومن اجتمعت له هذه الاربعة فهو الصديق حقا وهي سهلة بالدعوة واللسان. وهي من اصعب الامور عند الحقيقة والامتحان. ولا سيما اذا جاء ما يخالف فهوى النفس ومرادها من ذلك تبين ان الرضا كان لسانه به ناطقا فهو على لسانه لا على حاله فالرضا بالهيته يتضمن الرضا بمحبته وحده وخوفه ورجائه والانابة اليه والتبتل اليه وانجذاب قوى الارادة والحب كله اليه فعلى الراضي فعل الراضي بمحبوبه كل الرضا. وذلك يتضمن عبادته والاخلاص له والرضا بربوبيته يتضمن الرضا بتدبيره لعباده ويتضمن افراده بالتوكل عليه والاستعانة به والثقة به والاعتماد عليه وان يكون راضيا بكل ما يفعل به فالاول يتضمن رضاه بما يؤمر به والثاني يتضمن رضاه بما يقدر عليه واما الرضا بنبيه صلى الله عليه وسلم رسولا فيتضمن كمال الانقياد له والتسليم المطلق اليه. بحيث يكون اولى به من نفسه فلا يتلقى الهدى الا من مواقع كلماته. ولا يحاكم الا اليه. ولا يحكم عليه غيره. ولا يرضى من غيره البتة لا في شيء من اسماء الرب وصفاته وافعاله ولا في شيء من اذواق حقائق الايمان ومقاماته ولا في شيء من احكام ظاهره وباطنه لا يرضى في ذلك بغير حكم الله ولا يرضى الا بحكمه فان عجز عنه كان تحكيمه غيره من باب غذاء المضطر اذا لم يجد ما يقيته الا من الميتة والدم واحسن احواله ان يكون من باب التراب الذي انما يتيمم به عند العجز عن استعمال الماء الطهور واما الرضا بدينه فاذا قال او حكم او امر او نهى رضي كل الرضا ولم يبق في قلبه حرج من حكمه وسلم له تسليما ولو كان مخالفا لمراد نفسه او هواها او قول مقلده وشيخه وطائفته والرضا بالله فرض افترضه الله على كل مسلم فلا اسلاما ولا ايمان الا به وهو ان يرضى به سبحانه ربا خالقا مدبرا ويرضى به معبودا بحق لا معبود بحق سواه فاياه يقصد واليه يلجأ وله يصرف انواع العبادة. ولا يجعل معه شريكا ولا ندا ولا يتم هذا الرضا بالله الا بالرضا بدينه والرضا بنبيه صلى الله عليه وسلم ولهذا جمعت في الاحاديث المتقدمة وهذا النوع من الرضا متعلقه اسماء الله سبحانه وتعالى وصفاته والنوع الثاني هو الرضا عن الله بما يفعله بالعبد ويعطيه اياه وهذا متعلقه ثواب الله واجره وعطاءه ومنه وعونه سبحانه فالاول وهو الرضا بالله اصل والثاني وهو الرظا عن الله فرع عنه الاول فرض باتفاق اهل العلم والثاني وان كان من اجل الامور واشرف انواع العبودية فلم يطالب به العموم. لعجزهم عنه ومشقته عليهم واوجبته طائفة كما اوجب الرضا به والتحقيق ان الواجب في مثل هذا المقام هو الصبر والرضا مستحب ومن اكرمه الله عز وجل في هذا المقام بتحقيق الرضا فاز فوزا عظيما ثم ان تحقيق هذا المقام والظفر به يتطلب من العبد امورا عديدة جاءت مبينة في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم الا انها في الجملة ترجع الى امرين عظيمين واصلين متينين. ينبغي على كل ناصح لنفسه ان يعنى بهما اشد العناية الامر الاول ابتغاء الرضوان وفي هذا يقول الله سبحانه ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله. والله رؤوف بالعباد ويقول جل وعلا ومثل الذين ينفقون اموالهم ابتغاء مرضات الله ويقول سبحانه لا خير في كثير من نجواهم الا من امر بصدقة او معروف او اصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه اجرا عظيما ويقول جل وعلا ما كتبناها عليهم الا ابتغاء رضوان الله والايات في هذا المعنى كثيرة والامر الثاني اتباع الرضوان. يقول الله سبحانه افمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ومأوى جهنم وبئس المصير ويقول سبحانه الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء. واتبعوا رضوان الله. والله ذو فضل عظيم فتحصن لنا مما سبق في نيل هذا المقام وتحصيله ان يجمع العبد لنفسه بين هذين الامرين العظيمين والاصلين المتينين الاول ابتغاء الرظوان. ومعنى ابتغاء الرظوان الاخلاص في العمل وحسن التوجه للرب سبحانه ذي الجلال والكمال بحيث يكون العامل مخلصا في عمله يرجو به ثواب الله والدار الاخرة لا يبتغي شيئا في اي عمل يقدمه الا نيل الرضوان ولن يكون في صالح عمل العبد الا ما قصد به العبد وجه الله اما الاعمال التي قامت على الرياء مثلا والسمعة وحب الشهرة وحب الظهور وحب علو الصيت وحب الذكر الى غير ذلك من الاغراض فكلها لا تقرب العبد من رضوان الله وانما الذي يقرب العبد من الرضوان ما ابتغى به من عمله رظوان الله وما سوى ذلك فان الله لا يقبله منه. وان عظم العمل وكبر ولهذا قال الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي انا اغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا اشرك فيه معي غيري وشركه الثاني اتباع الرضوان بان يحرص العامل على الاعمال التي جاء بها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم فان رضوان الله لا ينال الا بلزوم دينه الذي رضيه لعباده وبعث به رسوله صلى الله عليه وسلم قال الله جل وعلا اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا فهذا الدين الذي رضيه سبحانه لعباده هو الذي يتبع لينال باتباعه رضوان الله سبحانه وعليه فهذه الايات يراد بها هذا المعنى ان يلزم المسلم الاعمال التي رضيها الله. وبعث بها رسوله صلى الله عليه وسلم ولهذا نقل شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في بعض كتبه عن بعض اهل العلم انه قال من اراد ان يبلغ محل الرضا فليلزم ما جعل الله رضاه فيه ثم قال رحمه الله هذا الكلام في غاية الحسن فانه من لزم ما يرضي الله من امتثال اوامره واجتناب نواهيه لا سيما اذا قام بواجبها ومستحبها فان الله يرظى عنه فمن اراد لنفسه محل الرضوان يوم يلقى الله فلن يجد ذلك الا باتباع النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ولزوم نهجه القويم فبهذين الاصلين ابتغاء الرضوان واتباع الرضوان يفوز العبد برضى الله وعظيم موعوده وجميع الايات التي وردت في هذا المعنى كلها ترجع الى هذين الاصلين المتينين وفيه ما يقول الفضيل ابن عياض رحمه الله في تفسيره لقوله تعالى ليبلوكم ايكم احسن عملا قال اخلصه واصوبه قيل يا ابا علي وما اخلصه واصوبه قال ان العمل اذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل واذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا. والخالص ما كان لله والصواب ما كان على السنة وقد جمع بين هذين الاصلين في ايات منها الاية التي ختمت بها سورة الكهف وهي قوله سبحانه وتعالى فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا. وهذا اتباع الرضوان ولا يشرك بعبادة ربه احدا. وهذا ابتغاء الرضوان باخلاص العمل لله جل وعلا وعلى المؤمن في هذا المقام العظيم ان يكون مسارعا للخيرات لا ان يكون متقاعسا متوانيا مفرطا مضيعا مسوفا وليكن رائده في هذا الباب وقدوته فيه انبياء الله ورسله عليهم صلوات الله وسلامه ومن الامثلة العظيمة في ذلك قول الله سبحانه عن نبيه موسى عليه السلام وعجنت اليك ربي لترظى ويستفاد من هذه الاية ان الاصل ان يسارع العبد في نيل مرضات الله لا ان يسوف او ان يؤخر فكم من اناس اخروا اعمالا ينال بها رضوان الله سبحانه فداهمهم الموت وباغتهم الاجل قبل ان يحققوا تلك الاعمال. وقبل ان يفوزوا بتلك الخصال فالواجب على العبد ان يكون ساعيا في الرظوان مسارعا الى نيله جادا ومجتهدا في تحصيله وان يكون دأبه دائما وابدا التماس الرضوان ليكون ممن قال الله فيهم والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله اولئك سيرحمهم الله ان الله عزيز حكيم. وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الانهار الخالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله اكبر ذلك هو الفوز العظيم جعلنا الله اجمعين منهم بمنه وكرمه. ووفقنا لكل خير وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته