بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله واصحابه اجمعين اما بعد فهذه معاشر الاخوة الكرام دعوات جامعة ثابتة عن نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام نقف متأملين في دلالاتها العظيمة ومعانيها الرفيعة لنستفيد عند دعائنا بها الفائدة التامة المرجوة. لان المسلم كلما كان على علم وفهم ومعرفة بمعاني ادعية الرسول صلى الله عليه وسلم كان ذلكم اكمل في حقه وارفع في نيل الاثار والثمار التي تترتب على هذه الادعية المباركة. فاذا جملة من الادعية الجامعة الثابتة عن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم مع وقفات في بيان معانيها ودلالاتها اول هذه الدعوات ما جاء في حديث انس ابن مالك رضي الله عنه قال كان اكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار رواه البخاري ومسلم معاشر المؤمنين هذه دعوة عظيمة وصفها انس بن مالك رضي الله عنه بانها كانت اكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وكان عليه الصلاة والسلام كثيرا ما يدعو بهذه الدعوة وهي دعوة عظيمة جامعة لخيري الدنيا والاخرة. ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا قنا عذاب النار وقد ذكر الله تعالى هذه الدعوة في القرآن الكريم عندما اخبر في كتابه عن اهل الايمان به وبرسوله صلى الله عليه وسلم ممن حجوا بيته الحرام انهم يسألونه جل وعلا هذه المسألة العظيمة ذكر الله جل وعلا ذلك عنهم على وجه المدح لهم. قال ومنهم من يقول ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار وقد جمعوا في هذا الدعاء بين مصلحتي الدارين الدنيا والاخرة قوله ربنا نداء فيه الاقرار بربوبية الله عز وجل. المستلزم توحيده في العبادة واخلاص الدين له. عز وجل وقوله اتنا في الدنيا حسنة هذا دعاء لنيل خير الدنيا فان الحسنة المطلوبة في الدنيا تشمل كل مطلوب دنيوي مما يحسن وقوعه عند العبد فيشمل العافية والصحة والرزق الهنيء والدار الرحبة الطيبة والزوجة الصالحة بالنسبة للرجل والزوج الصالح بالنسبة للمرأة والولد الذي تقر به العين والعلم النافع والعمل الصالح والامن وغير ذلك من الامور المحبوبة للعبد التي يحسن عنده ويطيب له وقوع وحصولها له وعندما نتأمل معاشر الاخوة كلام اهل العلم المراد بالحسنة بقوله فمنهم من يقول ربنا اتنا في الدنيا حسنة فمن اهل العلم من قال الحسنة العافية ومنهم من قال الرزق ومنهم من قال الدار الطيبة ومنهم من قال الزوجة الصالحة فهذه كلها معان يشملها قوله ات في الدنيا حسنة وقوله وفي الاخرة حسنة اي واتنا في الاخرة حسنة والحسنة في الاخرة تتناول امورا عديدة من دخول الجنة وتوابع ذلك من حصول الامن من الفزع في عرصات يوم القيامة وتيسير الحساب وغير ذلك من الخيرات التي ينالها اهل الايمان في اليوم الاخر واعظم ذلك واجله وارفعه قدرا رؤية الله سبحانه وتعالى في جنات النعيم. وهذا احسن شيء يناله اهل الجنة كما قال الله تعالى للذين احسنوا الحسنى وزيادة وقوله وقنا عذاب النار اي اصرف عنا عذاب النار وهذا فيه الدعاء بالنجاة من النار وعدم الدخول فيها وهو يشمل سؤال الله تبارك وتعالى البعد عن اسباب دخول النار من المحرمات والاثام ونحو ذلك ايها الاخوة ان هذه دعوة جامعة شاملة لخيري الدنيا والاخرة ولا غرو اذا ان تكون اكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم. وقد جاء في صحيح مسلم ان انس راوي هذا الحديث رضي الله عنه كان اذا اراد ان يدعو بدعوة دعا بها لا اي جعل حاجته في هذه الدعوة مثلا شخص اراد بيتا واسعا فجعل طلبه للبيت الواسع في ضمن هذه الدعوة فقال ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي ظمن ذلك يريد البيت الواسع او الولد الصالح او الزوجة الصالحة او نحو ذلك فهي دعوة تشمل خير الدنيا وقوله في الاخرة حسنة تشمل خير الاخرة كله فهذا من جوامع كلم رسول الكريم عليه الصلاة والسلام وكان عليه الصلاة والسلام يأتي بهذا الدعاء مع اكثاره منه بين الركنين الركن اليماني والحجر الاسود. كما ثبت في سنن لابي داوود عن عبد الله ابن السائب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما بين الركنين ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار وجاء في صحيح مسلم في حديث انس ابن مالك ان النبي صلى الله عليه وسلم عاد رجلا مريضا قد خفت اي صار مثل الفرخ اي ضعف واشتد به المرض فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هل كنت تدعو بشيء او تسأله شيئا؟ قال نعم قال كنت اقول اللهم ما كنت معاقبي به في الاخرة فعجله لي في الدنيا اي كان هذا الرجل يسأل الله عز وجل ان يعجل له العقوبة التي اراد ان يعاقبه بها في الاخرة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحان الله لا تطيقه اي لا تستطيع تحمل العقوبة. افلا قلت اللهم اتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار. قال فدعا الله له فشفاه الله وروى البخاري رحمه الله في كتابه الادب المفرد ان قوما اتوا انس بن مالك رضي الله عنه ليدعو لهم فقيل له ان اخوانك قد اتوك لتدعو لهم. قال اللهم اغفر لنا وارحمنا واتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار. فاستزادوه فقال مثلها. فقال ان اوتيتم هذا فقد اوتيتم خير الدنيا والاخرة وهذا يبين ان هذه الدعوة دعوة عظيمة جامعة ينبغي على كل مسلم الاكثار منها والعناية بها والمحافظة عليها الدعاء الثاني حديث عبدالله ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يقول اللهم اني اسألك الهدى والتقى والعفو افى والغنى. رواه مسلم وهذا الدعاء العظيم معاشر الاخوة جمع واشتمل على اربعة مطالب عظيمة وهي الهداية والتقوى والعفاف والغنى يقول الشيخ عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله في كتابه بهجة قلوب الابرار في تعليق له جميل على هذا الحديث قال هذا الدعاء من اجمع الادعية واجملها وهو يتضمن سؤال خير الدنيا وخير الدين. فان الهدى هو العلم النافع. والتقى العمل الصالح وترك ما نهى الله عز وجل عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم وبذلك يصلح الدين فان الدين علوم نافعة ومعارف صادقة فهي الهدى والقيام بطاعة الله ورسوله فهو التقى والعفاف والغنى يتضمن العفاف عن الخلق وعدم تعليق القلب بهم والغنى بالله رزقا والقناعة بما فيه وحصول ما يطمئن به القلب من الكفاية وبذلك تتم سعادة الحياة الدنيا والراحة القلبية وهي الحياة الطيبة فمن رزق الهدى والتقى والعفاف والغنى نال السعادتين وحصل كل مطلوب ونجا من كل مرهوب الدعوة الثالثة حديث ابي موسى الاشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يقول في دعائه اللهم اغفر لي خطئي وجهلي واسرافي في امري وما انت اعلم به مني. اللهم اغفر لي جدي وهزلي وخطأي وكل ذلك عندي. اللهم اغفر لي ما قدمت وما اخرت وما اسررت وما اعلنت وما انت اعلم به مني انت المقدم وانت المؤخر وانت على كل شيء قدير رواه البخاري ومسلم وهذه معاشر المؤمنين دعوة عظيمة من جوامع ادعية النبي صلى الله عليه وسلم في باب سؤال الله عز وجل مغفرة الذنوب وقد جاء هذا الاستغفار بالفاظ التعميم والشمول مع البسط والتفصيل بما يطلب العبد من ربه تبارك وتعالى ان يغفر له وذلك بذكر كل معنى بصريح لفظه دون الاكتفاء باللفظ الاخر الدال عليه فلو قال المسلم اللهم اغفر لي ذنبي كله او جميع اخطائي فان هذا الدعاء يشمل كل ما ذكر في هذا الحديث لكنه اتى في هذا المقال وفي هذا السؤال بالفاظ الشمول والبسط والتفصيل ليتناول وليستحظر العبد انواع اخطائه الخطأ الجديد والخطأ القديم والخطأ المعلن والخطأ الخفي والخطأ الذي عن جد والخطأ الذي عن هزل والذي عن عمد يستحضر انواع اخطائه ويطلب بذكرها بالتفصيل من رب العالمين ان يغفر له ذلك كله. والا ما قدمت لو قال اللهم اغفر لي ذنبي كله او اغفر لي كل ما صنعت لكان الكلام اوجز واخسر ولكن لما كان المقام مقام طلب غفران وتضرع ودعاء وافتقار وطلب عفو من الله جل وعلا جاء هذا الاسلوب الذي فيه البسط والتفصيل خطأي وجهلي واسرافي الى اخر ما جاء في هذه الدعوة العظيمة وهذا الاستغفار الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه تعليم للامة كيف يستغفرون الله؟ وكيف يتضرعون اليه تبارك وتعالى وكيف يطلبون منه ان يغفر لهم ذنوبهم؟ اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي واسرافي في امري وما انت اعلم به مني اللهم اغفر لي جدي وهزلي وعمدي وكل ذلك عندي اللهم اغفر لي ما قدمت وما اخرت اي الذنوب المتقدمة والذنوب المتأخرة وما اسررت وما اعلنت يعني ما وقع مني من الذنوب على وجه الاخفاء والاصرار وما وقع من من الذنوب على وجه الاعلان والاظهار ثم ختمه بقوله وما انت اعلم به مني انت المقدم وانت المؤخر اي تقدم من شئت بالتوفيق والهداية وتؤخر من شئت بالخذلان. وانت على كل شيء قدير اي الامور كلها بيدك ونواصي العباد معقودة بقضائك وقدرك والله تبارك وتعالى على كل شيء قدير فهذه دعوة عظيمة واستغفار مبارك ثبت عن رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه بعد ذلك الدعوة الرابعة ما جاء في حديث علي ابن ابي طالب رضي الله عنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم قل اللهم اهدني وسددني واذكر بالهداية هدايتك الطريق وبالسداد سداد السهم. وفي رواية اللهم اني اسألك الهدى والسداد. رواه مسلم وهذه الدعوة التي علمها النبي صلى الله عليه وسلم علي ابن ابي طالب دعوة مباركة تتضمن سؤال الله عز وجل الهدى والسداد وهما اجل المطالب واشرف المواهب ولا سبيل للعبد ان يحصل الهدى والسداد الا اذا وفقه الله عز وجل وهداه وسدده ولهذا جاءت هذه الدعوة يتوجه فيها العبد الى الله عز وجل ان يهديه ويسدده والهدى هو معرفة الحق تفصيلا واجمالا والتوفيق لاتباعه ظاهرا وباطنا. واما السداد فهو ان يوافق الحق. وان يصيب الهدى والسنة. وان يكون ملتزما بما كان عليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ومما يوضح هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث اخر سددوا وقاربوا والسداد هو اصابة السنة والمقاربة هي دون ذلك والسداد هو موافقة الحق واصابة سنة النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه وقوله واذكر بالهدى هدايتك الطريق وبالسداد سداد السهم اي تذكر هذين الامرين تذكر بالهدى هدايتك الطريق اي لو كنت ضالا في فلاة لا تعرف الطريق وتريد الهداية اليه واذكر بالسداد اصابتك السهم لان الرامي الذي يرمي ويريد ان يصيب قد لا يصيب قد يرمي ويقصد ان يصيب الرمية فلا يصيب فاذا سدد السهم حصلت الاصابة فتذكر هذين الامرين تذكر بالهداية هدايتك الطريق وبالسداد سداد السهم وابن القيم رحمه الله في كتابه اغاثة اللهفان علق هنا على هذا الدعاء فقال هذا من ابلغ التعليم والنصح حيث امره ان يذكر اذا سأل الله الهدى الى طريق رضاه وجنته كونه مسافرا وقد ضل عن الطريق ولا يدري اين يتوجه فطلع له رجل خبير بالطريق عالم به فسأله ان يدله على الطريق فهكذا شأن طريق الاخرة تمثيلا لها بالطريق المحسوس للمسافر الى الله سبحانه الى ان يهديه تلك الطريق فحاجته الى ذلك اعظم من حاجة المسافر الى بلد الى من يدله على الطريق الموصل اليها وكذلك السداد وهو اصابة القصد قولا وعملا فمثله مثل رامي السهم اذا وقع سهمه في نفس الشيء الذي رماه فقد سدد سهمه واصاب ولم يقع باطلا المصيب للحق في قوله وعمله بمنزلة المصيب في رميه. انتهى كلام ابن القيم رحمه الله تعالى ثم بعد ذلك الدعوة الخامسة ما جاء في حديث ابي هريرة رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اللهم اصلح لي ديني الذي هو عصمة امري واصلح لي دنياي التي فيها معاشي واصلح لي اخرتي التي فيها معادي واجعل الحياة زيادة لي في كل خير والموت راحة لي من كل شر رواه مسلم وهذه الدعوة هي ايضا من جوامع دعوات النبي الكريم عليه الصلاة والسلام وقد اشتملت على سؤال الله عز وجل صلاح الدين والدنيا والاخرة وبدأ اول ما بدأ بصلاح الدين لانه بصلاحه يصلح ما سواه فتقديم الدين على ما سواه فيه فائدة الاهتمام بالدين وان امر الدين مقدم على غيره نعم لا بأس ان يهتم الانسان بدنياه لكن الاهتمام بالدين مقدم على الاهتمام بالدنيا ولهذا جاء في الدعاء اللهم لا تجعل الدنيا اكبر همنا. اي انه لا بأس ان يهتم الانسان بالدنيا لكن لا يجوز ان يكون اهتمامه بالدنيا طاغيا على اهتمامه بالاخرة والدين ولذا جاء تقديم الدين لانه له الاولوية بالتقديم والاهتمام وكثير من الناس يهتم بالدنيا والشكليات والمظاهر ويكون اهتمامه بدينه اخر شيء يعتني بالمظاهر ما لا يعتني بصلاح دينه واقامة دينه وعلى كل حال فهذا الحديث فيه دلالة على ان الواجب على العبد ان يكون اهتمامه بدينه مقدما على اهتمامه باي امر اخر وقوله اللهم اصلح لي ديني هذا دعاء باصلاح الدين اي ان يصلح الله عز وجل له دينه والمعنى ان توفقني يا الله للقيام بواجباته وادابه وسننه ومستحباته ومقتضياته على الوجه الاكمل الذي ترضاه عنا وذلك بان يوفق الله عز وجل عبده للتمسك بالكتاب والسنة وفق هدي السلف الصالح الصحابة ومن اتبعهم باحسان فهذا هو صلاح الدين ثم قال الذي هو عصمة امري اي ما اعتصم به في جميع اموري كما قال الله عز وجل واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وفي هذا فائدة عظيمة ان التمسك بالدين على المنهج الصحيح فيه عصمة للعبد من موبقات الفتن ومظلات الفتن ومن الوقوع في الانحراف سواء في عقيدة او في العمل وفي هذا ايضا دلالة ان اضاعة الدين فيه انفراط الامر وضياعه. كما قال الله تعالى ولا تطع من اغفلنا قلبه عن واتبع هواه وكان امره فرطا وقوله واصلح لي دنياي هذا دعاء باصلاح الدنيا اي ان يعطيه الله عز وجل الكفاف فيما يحتاج اليه من دنياه ان يكون حلالا وان يكون معينا على طاعة الله عز وجل والقيام بما خلق له العباد وقوله التي فيها معاشي اي فيها مكان عيشي وزمن حياتي وفي هذا ان للانسان معاشا محدودا ورزقا مقدرا لن يموت حتى يستتمه ويستكمله وقوله واصلح لي اخرتي هذا دعاء باصلاح الاخرة واصلاح الاخرة يكون باللطف من الله سبحانه والتوفيق منه بالاخلاص في الطاعة وحسن الخاتمة ليفوز بالنعيم المقيم في الجنة ورضا الله سبحانه وتعالى يوم القيامة وقوله التي فيها معادي اي فيها مكان رجوع وزمن اعادة الى الله عز وجل ليجزي الذين اساءوا بما ويجزي الذين احسنوا بالحسنى وقوله واجعل الحياة زيادة لي في كل خير اي اجعل طول عمري وامتداد حياتي في هذه الحياة فرصة لي وسببا لي في فتيان الخير من القول والعمل الصالح وفي هذا ان طول عمر العبد مدعاة للزيادة في اعمال الخير واعمال البر والطاعة وقوله واجعل الموت راحة لي من كل شر. هذا فيه سؤال الله تبارك وتعالى ان يجعل وفاة العبد وموته وخروجه من هذه الحياة راحة له من الشرور والمحن والفتن والابتلاء بالمعصية والغفلة فهذه من الدعوات العظيمة الجامعة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يأتي بعد هذا دعوة جامعة من دعوات النبي الكريم عليه الصلاة والسلام في حديث عبد الله ابن عمرو ابن العاص رضي الله عنهما انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان قلوب بني ادم كلها بين اصبعين من اصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك رواه مسلم والدعوة هنا هي قوله صلى الله عليه وسلم اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم السبب الداعي للعناية بهذه الدعوة والاكثار منها لانه جاء في احاديث عديدة ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من هذه الدعوة مثل حديث انس في الترمذي وابن ماجة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر ان يقول يا مقلب القلوب ثبت قلبي على هناك وايضا جاء في حديث عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر ان يدعو يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. رواه احمد فالنبي عليه الصلاة والسلام كان يكثر من هذه الدعوة وهنا بين السبب من اكثاره من هذه الدعوة وهو ان القلوب كلها بين اصبعين من اصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء وجاء في حديث ام سلمة في السياق نفسه انها قالت يا رسول الله او ان القلوب لتتقلب؟ قال نعم ما من قلب الا هو بين اصبعين من اصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء فان شاء اقامه وان شاء ازاغه وهذا الحديث اعني حديث عبدالله بن عمرو وكذلك حديث عائشة وانس وام سلمة كلها في المعنى نفسه فيها بيان ان العبد ليس اليه شيء من امر سعادته وشقاوته فهدايته بيد الله وانصرافه عن الهدى ووقوعه في الضلال كل ذلك بيد الله عز وجل. قال الله تعالى افمن زين له او سوء عمله فرآه حسنا فان الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء وقال الله تعالى بل الله يمن عليكم ان هداكم للايمان وقال اخبارا عن حمد اهل الجنة في الجنة قالوا الحمدلله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان الله وقال سبحانه يثبت الله الذين امنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الاخرة ويظل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء والادلة على هذا المعنى كثيرة. ولهذا فان حاجة العبد ماسة وضرورته ملحة الى ان يكثر من سؤال الله عز وجل دائما وابدا ان يثبت قلبه على دينه وان يدعو الله عز وجل بهذه الدعوة العظيمة. اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك. اللهم يا مقلب القلوب ثبت ثبت قلوبنا على دينك فالعناية بهذه الدعوة ولا سيما معاشر الاخوة مع كثرة الفتن في هذا الزمان فتن الشهوات وفتن الشبهات وكثرة الصوارف والصواد فالعبد يحتاج ان يلح على الله عز وجل وان يكثر من هذه الدعوة العظيمة بعد ذلك معاشر الاخوة نأتي الى حديث اخر فيه دعاء عظيم كان يدعو به رسولنا صلوات الله وسلامه عليه. وهو ما ورد في حديث انس بن مالك رضي الله عنه قال كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول اللهم اني اعوذ بك من العجز والكسل والجبن والهرم واعوذ بك من عذاب القبر واعوذ بك من فتنة المحيا والممات رواه البخاري ومسلم وهذه الدعوة معاشر الاخوة فيها سبعة امور استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم منها الامر الاول استعاذته من العجز والعجز ضد القوة وضد القدرة واصله التأخر عن الشيء مأخوذ من العجز وهو مؤخرة الشيء فالذي يتأخر عن الشيء وعن القيام به فعله يسمى عجزا للزومه الضعف عن الاتيان بالشيء فقيل له اي هذا التأخر وعدم القيام بالامر قيل له عجز وهو ذهاب القدرة وعدم القدرة على فعل ما يريد الانسان فعله فتعود عليه الصلاة والسلام في هذه الدعوة من العجز عن القيام بالعبادات والقيام بمصالح الدين والدنيا المصالح الدينية والدنيوية تعوذ بالله تبارك وتعالى من ذلك وهذا ايضا فيه تعود من الذنوب التي اذا ارتكبها العبد او وجدت منه سببت له عجزا عن طاعة الله وعن القيام بعبادة الله واعاقته عن القيام بطاعة الله ثم الامر الثاني مما تعود منه النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الكسل وهو معطوف على العجز قال واعوذ بك من العجز ومن الكسل والكسل هو الفتور والتثاقل والخمول والتواني عن القيام بالاعمال الصالحة مع القدرة عليها اي ان لديه قدرة ولكنه خامل كسول متوان فيه فتور فهذا يسمى كسلا اما اذا كان ليس عنده قدرة للقيام بها فهذا يسمى عجز وبهذا نعرف الفرق بين العجز والكسل ذكر هنا معا قال اللهم اني اعوذ بك من العجز ومن الكسل وعرفنا الفرق بينهما ان العجز هو عدم القدرة على فعل ما اراد ان يفعله. اما الكسل فهو ان يكون عنده قدرة انه يتكاسل ويتوانى ويتثاقل عن القيام بها والنبي عليه الصلاة والسلام استعاذ من العجز ومن الكسل لان كلا الامرين يمنع العبد من اداء الحقوق الواجبة ومن تحصيل الامور النافعة الامر الثالث مما تعوذ منه النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الدعاء الجبن قال واعوذ بك من الجبن والامر الرابع الهرم وفي بعض الاحاديث يأتي الجبن مقرونا بالبخل اللهم اني اعوذ بك من الجبن والبخل فهما قرينان والجبن هو ترك الاحسان بالبدن والبخل هو ترك الاحسان بالمال الجبان لا يقدم ولا يقدم احسانا ببدنه في الامور التي تحتاج الى قوة وعزيمة وهمة واقدام فيكون جبانا لا يحسن ببدنه ولا يقدم ببدنه احسانا والبخيل هو الذي يترك الاحسان بماله فلا يقدموا احسانا بماله وبما وسع الله تبارك وتعالى عليه من مال فاذا الفرق بينهما ان البخيل هو الذي لا يحسن بماله والجبان هو الذي لا يحسن ببدنه والبخل والجبن قرينان في بعض الادعية مثلما ان العجز والكسل قرينان. وقد عرفنا الفرق بينهما الامر الرابع الهرم قال واعوذ بك من الهرم والهرم ان يبلغ الانسان في العمر الى سن تضعف فيه حواسه وقواه يضعف بصره وسمعه اضعف قدماه ويداه ويضطرب في فهمه وعقله وهو الذي يسمى في بعض الدعوات ارذل العمر. وايضا جاء في القرآن ومنكم من يرد الى ارذل العمر وقد جاء في بعض الاحاديث التعود منه. قال عليه الصلاة والسلام واعوذ بك من ان ارد الى ارذل العمر فاذا هذا التعود تعود عظيم يتعوذ فيه المسلم بالله تبارك وتعالى من الهرم اي ان يصل الى هذه الحال الى حال الخرف وسوء التفكير وسوء التصرف فيفقد قواه وحواسه وهذا فيه ان بقاء المسلم الى ان يموت ممتعا بحواسه وقواه يعد نعمة عظيمة ومنة كبيرة على من من يشاء تبارك وتعالى من عباده فيكون العبد الى ان يموت ممتعا بالقوى والحواس محافظا على طاعة الله تبارك وتعالى الى ان يتوفاه الله وهو على هذه الحالة وقد جاء في الحديث خير الناس من طال عمره وحسن عمله واعظم ما يعين على تحقيق هذا الامر ونيل هذا المطلب ان يحافظ المسلم في شبابه وصحته على حواسه بحفظها عن الحرام والمحافظة على طاعة الله تبارك وتعالى ولهذا جاء في الحديث احفظ الله يحفظك وكذلك مما يعينه على ذلك العناية بذكر الله وتلاوة القرآن وملازمة الدعاء. ولهذا جاء عن بعض السلف وهو عبد الملك ابن عمير رحمه الله انه قال ابقى الناس عقولا قرأت القرآن. يعني الذين يكثرون من قراءة القرآن تبقى لهم عقولهم سليمة في الكبر وقال الشعبي رحمه الله من قرأ القرآن لم يهرم لان هذا من اسباب حفظ العقل من الخرف ومن سوء الكبر الامر الخامس التعود من عذاب القبر. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث اخر يا ايها الناس استعيذوا بالله من عذاب القبر فان عذاب القبر حق ويأتي التعوذ من عذاب القبر في ادعية كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد اخبر عليه الصلاة والسلام ان الناس يعذبون في قبورهم وان اهل المعاصي يعذبون في قبورهم فيحتاج العبد ان يسأل الله عز وجل دائما ويلح عليه كثيرا ان يعيده من عذاب القبر الامر السادس والسابع في قوله واعوذ بك من فتنة المحيا والممات وهذا تعود من فتنة الحياة والموت وفتنة المحيا هو ما يتعرض له الانسان مدة حياته من الافتتان بالدنيا والشهوات وانواع الفتن التي تحصل للانسان في حياته والفتنة عند الموت قيل المراد بها ان يفتن عند الموت ان يأتيه عند موته ما يفتنه واضيفت الى الموت لقربها منه فهي فتنة محيا ولكن لقربها من الموت قيل فتنة الممات ولهذا يقولون ما قارب الشيء يعطى حكمه فحالة الموت وان كانت حياة فهي شبيهة بالموت ويجوز ان يكون المراد بفتنة الممات اي فتنة القبر الفتنة التي تكون للناس في قبورهم فقد جاء التعوذ بالله من فتنة القبر ولا يكون هذا متكررا مع قوله في الدعاء نفسه واعوذ بك من عذاب القبر. لان فتنة القبر شيء وعذاب القبر شيء اخر ولهذا جاء الجمع بينهما في بعض الاحاديث كما سيمر معنا لاحقا ان شاء الله وعذاب القبر مترتب على فتنة القبر والسبب غير المسبب اذا قوله فتنة الممات يحتمل ان تكون هي فتنة القبر ولا يكون هذا مكررا مع قوله واعوذ بك من عذاب القبر لان عذاب القبر مسبب عن الفتنة اولا يفتنون ثم من لا يوفق في فتنة القبر يعذب والملكان اللذان يأتيان لامتحان الانسان في قبره يسميان في بعض النصوص الفتانان ويسمى الفتان لانه يفتن الناس ان يمتحنهم في قبورهم ويحتمل ان المراد بالفتنة اي في اللحظات الاخيرة ما قبل الموت. وعلى كل حال الشيطان حريص جدا على الانسان ولا سيما في في لحظاته الاخيرة والاعمال بالخواتيم. فينبغي على الانسان ان يجاهد نفسه على البعد عن الفتن وعن اسباب الفتن ويسأل الله جل وعلا ان يحفظه ويجنبه الفتن الى ان يتوفاه سبحانه وتعالى وهو راض عنه وقد جاء في مناقب الامام احمد لابن الجوزي ان عبد الله ابن الامام احمد رحمهما الله قال لما حضر ابي الوفاة جعل يقول لا بعد لا بعد فقلت اي عبدالله يا ابتي اي شيء هذا اي ماذا تقول؟ قال ابليس قائم حذائي عاض على انامله يقول لي يا احمد فتني وانا اقول له لا بعد اي حتى اموت الشيطان حريص على الانسان ولا سيما في لحظاته الاخيرة حتى يفتنه عن دينه. والمسلم يتعوذ بالله عز وجل من الفتن فتنة المحيا وفتنة الممات. ويتعوذ بالله من عذاب القبر فهذه تعوذات عظيمة مباركة ثابتة عن نبينا الكريم عليه صلوات الله وسلامه بعد ذلك معاشر الاخوة نأتي الى حديث اخر وحديث عائشة رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول اللهم اني اعوذ بك من الكسل والهرم والمغرم ومن فتنة القبر وعذاب القبر وفتنة النار وعذاب النار ومن شر فتنة الغنى واعوذ بك من فتنة الفقر واعوذ بك من فتنة المسيح الدجال اللهم اغسل عني خطاياي بماء الثلج والبرد ونق قلبي كما نقيت الثوب الابيض من الدنس وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب. رواه البخاري ومسلم وهذا الحديث فيه تعوذ من احد عشر امرا ودعاء الله وسؤاله امورا ثلاثة فنبدأ اولا بالامور التي استعاذ منها عليه الصلاة والسلام على ترتيبها في الحديث الاول قال اللهم اني اعوذ بك من الكسل وقد سبق الكلام على معناه الثاني قوله والهرم وايظا سبق الكلام على معناه والثالث قوله المأثم. وهو ما يوجب الاثم ان يكون سببا للوقوع في الاثم الامر الرابع المغرم وهو ما يقتضي الغرم وهو الدين. اي ما يلزم الانسان اداءه بسبب جناية او معاملة او نحو ذلك فيتعوذ بالله عز وجل من المغرم. وقد جاء في الحديث ان النبي صلى الله عليه وسلم قيل له ما اكثر ما استعيذ من المغرم فقال ان الرجل اذا غرم حدث فكذب ووعد فاخلف رواه البخاري ومسلم والجمع بين المأثم والمغرم فيه اشارة الى حق الله وحق العبيد. لان المأثم هذا اثم يتعلق بطاعة الله عز وجل والمغرم هذا يتعلق بامور الناس فالمأثم اشارة الى حق الله والمغرم اشارة الى حقوق العبيد الامر الخامس قوله ومن فتنة القبر وهذا سبق الكلام على معناه والسادس عذاب القبر وايضا سبق الكلام على معناه. والامر السابع من فتنة النار وقال بعده وعذاب النار فتعوذ بالله عز وجل من فتنة النار وتعوذ ايضا من عذاب النار وفتنة النار هي سؤال الخزنة على سبيل التقريع والتوبيخ واليه الاشارة بقوله عز وجل كلما القي فيها افوج سألهم خزنتها؟ الم يأتكم نذير؟ فهذه فتنة تكون للناس في النار وعذاب النار اي ان عذب يوم القيامة في نار جهنم. الامر التاسع من شر فتنة الغنى والمراد ما يحصل سبب الغنى من البطر والاسر والشح والبخل والتكاسل عن الواجبات وعدم اداء الزكاة الى غير ذلك من شرور فتنة واعوذ بك من شر فتنة الفقر يراد بالفقر هنا الفقر المدقع الشديد الذي لا يصاحبه خير ولا ورع حتى ان من ابتلي بذلك يفعل امورا لا تليق باهل المروءة ولا تليق بالمسلم الناصح لنفسه فيكون بسبب ذلك لا يبالي في فعل الحرام او التعدي على حقوق الناس وهذه كلها امور تترتب على فتنة الفقر وايضا قيل ان فتنة الفقر ما يحصل بسبب الفقر من السخط والقنوط والجزع ونحو ذلك. وقيل المراد بفتنة في الفقر ايضا فقر النفس الذي لا يرده ملك الدنيا حتى لو ملك الدنيا كلها ونفسه فقيرة لا يحس بما عنده من الغنى وما عنده من النعمة الامر الحادي عشر قوله واعوذ بك من فتنة المسيح الدجال وهذا تعوذ بالله من فتنة المسيح الدجال التي هي اعظم الفتن الكائنة في الدنيا. كما يدل على ذلك حديث ابي امامة الله عنه قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر في الحديث قوله انه لم تكن فتنة في الارض منذ ودرأ الله ذرية ادم اعظم من فتنة الدجال. والمراد من فتنة الدجال ما يظهر على يديه من الامور التي يضل بها ويفتنهم عن دينهم كما هو مبين وموضح في احاديث الرسول صلى الله عليه وسلم معاشر الاخوة هذه احد عشر امرا تعوذ منها النبي صلى الله عليه وسلم في هذا التعود الجامع ثم بعد ذلك سأل الله عز وجل ثلاثة مطالب المطلب الاول في قوله اللهم اغسل عني خطاياي بماء الثلج والبرد. وهذا فيه ان الداء يداوى بضد فالخطايا كما قال اهل العلم فيها من الحرارة والاشتعال ما يضاده الثلج والبرد والماء البارد ولهذا قال اغسل عني خطاياي بماء الثلج والبرد والمطلب الثاني قال ونق قلبي من خطاياي كما نقيت الثوب الابيض من الدنس اي نظف قلبي من الذنوب كما نظفته الثوب الابيض من الدنس شبه نظافة القلب بنظافة الثوب الابيظ وذلك لان زوال الدنس من الثوب الابيظ تتبين نظافته اما الثياب غير البيض فلا يتبين فيها مثل هذا كما يتبين في الثوب الابيظ. والمقصود هنا ان ينظف القلب من الذنوب كنظافة الثوب الابيظ الذي قد نظف من الدنس فلم يبقى فيه اي اثر الامر الثالث وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب. والمراد بالمباعدة هنا محو ما حصل من الخطأ طايا وترك المؤاخذة بها والوقاية مما لم يقع منه وشبه ذلك بالبعد بين المشرق والمغرب مبالغة في البعد عن الخطايا والذنوب قال احد العلماء كما نقل ذلك ابن حجر رحمه الله في كتابه فتح الباري يحتمل ان يكون في الدعوات الثلاث اشارة الى الازمنة الثلاث. فالمباعدة الواردة في الدعوة الثالثة للمستقبل. والتنقية الواردة في الدعوة الثانية للحال والغسل الوارد في الدعوة الاولى للماضي اي انه قال اغسل عني هذه الاشياء الماضية ثم ثانيا نق قلبي اي في الحال والحاضر ثم ثالثا باعد بيني وبين خطاياي اي فيما استقبله من ايام فبعض اهل العلم يقول ان في هذا اشارة الى الازمنة الثلاثة الماضي والحاضر والمستقبل. الماضي يغسل والحاضر ينقى والمستقبل يباعد فيه الانسان عن الوقوع في هذه الاثام والذنوب ومن الدعوات الجامعة معاشر المؤمنين ما جاء في حديث عبدالله ابن عمر رضي الله عنهما قال كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اني اعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك. رواه مسلم وهذا تعود جامع استعاذ فيه النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الامور اولا زوال النعمة ويكون زوالها بعدم شكر المنعم والتمادي في معصيته تبارك وتعالى واستعمال النعمة فيما يسخطه جل وعلا والبخل بما تقتضيه النعمة على صاحبها من اداء الزكاة فتعوذ بالله تبارك وتعالى من زوال النعمة ثم تعوذ بالله من تحول العافية وتحول العافية اي ذهابها عن الانسان وانتقالها عنه والعافية تكون في في البدن وتكون في السمع وتكون في البصر وتكون في المال كل هذه الاشياء تكون فيها العافية ولهذا جاء في الدعاء الاخر اللهم عافني في سمعي اللهم عافني في بصري اللهم عافني في بدني وجاء ايضا في الدعاء الاخر اللهم اني اسألك العافية في الدنيا والاخرة والاحاديث في هذا المعنى كثيرة. فالعافية تشمل هذا كله ثم تعوذ بالله من فجاءة النقمة. قال وفجاءة نقمتك لانه اذا انتقم من العبد وفاجئه بالنقمة فقد احل به من البلاء ما لا يقدر العبد على دفعه ورده ولو استدفع بسائر المخلوقين وان اجتمعوا والفجاءة من مفاجأة الامر اي اتيانه الى الانسان بغتة فتعود عليه الصلاة والسلام من ذلك ثم ذكر امرا يجمع هذا كله فقال ومن جميع سخطك لانه سبحانه اذا سخط فعلى العبد فقد هلك العبد وخسر. ولهذا قال ومن جميع سخطك فجاء بهذه الدعوة الشاملة التعوذ بالله تبارك وتعالى من كل امر يسخط الله عز وجل ومن الدعوات الجامعة والتعوذات العظيمة ما ثبت في حديث مصعب ابن سعد عن ابيه رضي الله عنه قال تعودوا بكلمات كان النبي النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بهن. اللهم اني اعوذ بك من الجبن واعوذ بك من البخل واعوذ بك من ان ارد الى ارض العمر واعوذ بك من فتنة الدنيا وعذاب القبر رواه البخاري في صحيحه وهذا التعوذ العظيم لا نقف عنده لان معانيه سبق ان مرت معنا في الاحاديث المتقدمة ومن الدعوات الجامعة ما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه اللهم اني اعوذ بك من شر ما عملت واعوذ بك من شر ما لم اعمل وهذه استعاذة جامعة تعم التعوذ بالله من كل شر سواء آآ الشر الذي عمله العبد او الشر الذي لم يعمله. فالعبد يستعيذ من شر اعماله التي قام بها ومن شر ما له التي سيعملها او يخشى ان يعملها وجاء في رواية اخرى اللهم اني اعوذ بك من شر ما علمت واعوذ بك من شر ما لم اعلم وهذا الدعاء فيه اشارة الى ان فيصيب العبد من شر انما هو بسبب اعماله واساءاته كما قال الله تعالى وما اصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديهم ويعفو عن كثير ومن الدعوات الجامعة ما جاء في حديث ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال تعوذوا بالله من جهد البلاء من درك الشقاء ومن سوء القضاء ومن شماتة الاعداء. رواه البخاري ومسلم. وقوله جهد البلاء المراد به كل ما يصيب المرء من شدة ومشقة وامور لا يطيقها ولا يتحملها ولا يقدر على دفعها وقوله ودرك الشقاء الدرك اي اللحوق والوصول الى الشيء والشقاء هو نقيض السعادة وهو الهلاك او ما يؤدي الى وهذا يكون في امور الدنيا والاخرة ومعنى درك الشقاء اي ان يدركني وقوله وسوء القضاء اي سوء المقضي وهما يسوء الانسان او يوقعه في المكروه وهو عام في النفس والمال والاهل والولد والخاتمة يشمل ذلك كله الامر الرابع قوله شماتة الاعداء اي ما يحصل للقلب من الم بسبب فرح الاعداء ببلية نزلت على العبد وفي الدعاء ولا تشمت بي عدوا اي لا اقع في شيء يفرح العدو عند وقوع فيه فيشمت بي بالله تبارك وتعالى من ذلك ومن الدعوات الجامعة ما جاء في حديث زيد ابن الارقم رظي الله عنه قال لا اقول لكم الا كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كان يقول اللهم اني اعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم وعذاب القبر اللهم اتي نفسي تقواها وزكها انت خير من زكاها انت وليها ومولاها اللهم اني اعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها. رواه مسلم في صحيحه وهذا الحديث اوله فيه التعوذ بالله من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم وعذاب القبر وهذه الامور سبق الكلام عنها ثم في اخر الحديث قوله اللهم اتي نفسي تقواها وزكها انت خير من زكاها انت وليها ومولاها ثم بعد ذلك التعود لقوله اللهم اني اعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشفع ومن دعوة لا يستجاب لها قوله اللهم ات نفسي تقواها وزكها انت خير من زكاها انت وليها ومولاها يتضمن سؤال الله عز وجل تقوى النفس وتزكية النفس بالايمان والصلاح والاستقامة على طاعة الله وملازمة خشية الله تبارك وتعالى الى ان ينال العبد ذلك ولاية الله قوله اللهم اني اعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع من نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها هذا فيه التعوذ بالله عز وجل من هذه الاشياء. اولا الاستعاذة بالله من العلم الذي لا ينفع لان العلم الذي لا ينفع يكون وبالا على صاحبه ثانيا القلب الذي لا يخشع لانه يكون قاسيا لا تؤثر فيه الموعظة ولا تفيده النصيحة ولا يؤثر فيه الترغيب والترهيب ثالثا النفس التي لا تشبع لانها تكون متكالبة على حطام الدنيا متجرأة على المال الحرام ليست قانعة بما يكفيها من الرزق الحلال فلا تزال في تعب الدنيا وعقوبات الاخرة والعياذ بالله والامر الرابع الاستعاذة بالله من الدعوة التي لا يستجاب لها. لان الرب سبحانه هو الذي بيده ازمة الامور يعطي ويمنع يقبض ويبسط فاذا توجه العبد اليه في دعائه ولم يستجب له خاب الداعي وخسر فتوجه الى الله عز وجل ان يعيده من دعوة لا يستجاب لها وهذا فيه سؤال الله عز وجل اجابة الدعوة وهنا نلاحظ ان هذه الامور الاربعة التي جاء التعوذ منها كل امر مرتبط بغاية معينة فالعلم غايته العمل فاذا لم يوجد فهذا يتعوذ منه والقلب خلق ليخشع فاذا لم يخشع فهذا يتعوذ بالله منه. والنفس ان تكون مقبلة على الاخرة وما يرضي الله عز وجل ومتجافي عن دار الغرور فاذا لم تكن كذلك وكان همها الدنيا والجشع والطمع فهذا امر يستعاذ بالله منه. والدعاء يراد به الحاجة ونيل المراد فاذا لم تحصل الحاجة باجابته فانه لم ينتفع به. فهذه الامور كلها مرتبط بعضها ببعض ومن الدعوات الجامعة ما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول اللهم لك اسلمت وبك امنت وعليك توكلت واليك انبت وبك خاصمت اللهم اني اعوذ بعزتك لا اله الا انت ان تظلني انت الحي الذي لا يموت والجن والانس يموتون. رواه مسلم هذا معاشر الاخوة فيه التعوذ بالله من الضلال وهو الانحراف عن صراط الله المستقيم وسبيله القويم يتعوذ لله من ذلك ولكن بين يدي الدعاء توسلات الى الله تبارك وتعالى. اولها التوسل بالاسلام اللهم لك اسلمت اي استسلمت وانقضت لامرك ونهيك وبك امنت وهذا فيه التوسل بالايمان وهو الاقرار بامور الايمان واصوله وهي الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر والقدر خيره وشره ثم التوسل الى الله بالتوكل عليه وعليك توكلت اي فوضت اموري كلها اليك دون غيرك ثم التوصل الى الله بالانابة اليك انبت اي اليك رجعت وعدت الى ما يقرب اليك ويدني منك. ثم قال وبك خاصمت اي بك احتج وادافع وبما مننت به علي من الحجج والبراهين اخاصموا الاعداء في هذا الاعتصام بالكتاب والسنة ومن يعتصم بالله فقد هدي الى صراط مستقيم وقوله اللهم اني اعوذ بعزتك هذه استعاذة بعزة الله وعزته صفة من صفاته والله يقول ولله العزة ثم قوله لا اله الا انت هذا فيه توسل الى الله بالاقرار بالتوحيد والاخلاص لله عز وجل بالعبادة ثم بعد ذلك جاء المطلوب قال ان تظلني اي من ان تضلني اتعوذ بك من ان تظلني فقوله ان تظلني هذا متعلق باعوذ بعزتك اي اعوذ بعزتك يا الله من ان تضلني وهذا فيه ان الهداية والضلال بيد الله من يهدي الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا وقوله انت الحي الذي لا يموت هذا ثناء على الله بصفة الحياة وهي حياة كاملة لم تسبق بعدم ولا يلحقها فناء الله جل وعلا منزه عن النقائص ومنزه عن الفناء تبارك وتعالى قال والجن والانس يموتون هذا تأكيد لان الله عز وجل هو المنفرد بالحياة. كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام وهنا اشير الى فائدة نفيسة جدا مستفادة من هذا الحديث وهي لو قيل على ضوء هذا الحديث ما هي الامور التي تعين العبد على السلامة من الضلال والوقاية غاية منه والجواب على ذلك ان نقرأ هذه الخصال العظيمة التي جاء في هذا الحديث التوسل الى الله تبارك وتعالى بها لينجي عبده من الضلال فنتأمل في هذه الخصال وهي لك اسلمت وبك امنت وعليك توكلت واليك انبت وبك خاصمت. ثم نجاهد انفسنا على تحقيقها والمحافظة عليها فانه بهذا تكون النجاة وتكون اه السلامة للعبد من الضلال باذن الله تبارك وتعالى ومن الدعوات الجامعة ما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم علمها هذا الدعاء اللهم اني اسألك من الخير كله عاجله واجله ما علمت منه وما لم اعلم واعوذ بك من الشر كله عاجله واجله ما علمت منه وما لم اعلم اللهم اني اسألك من خير ما سألك عبدك ونبيك واعوذ بك من شر ما عادك به عبدك ونبيك اللهم اني اسألك الجنة وما قرب اليها من قول وعمل واعوذ بك من النار وما قرب اليها من قول وعمل واسألك ان تجعل كل قضاء قضيته لي خيرا رواه ابن ماجة ورواه البخاري ايضا في كتابه الادب المفرد وقد جاء في رواية البخاري لهذا الحديث في كتابه الادب المفرد ان النبي صلى الله عليه وسلم قال يا عائشة عليك بجمل الدعاء وجوامعه. قالت يا رسول الله وما جمل الدعاء وجوامعه؟ قال قولي وذكر لها هذا الدعاء. فدلت هذه الرواية على ان هذا الدعاء من جوامع الادعية وكوامل الادعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا ظاهر في الحديث وواضح للمتأمل فقوله اللهم اني اسألك من الخير كله عاجله واجله ما علمت منه وما لم اعلم شامل لجميع الخيرات في الدنيا والاخرة الظاهرة والباطنة وقوله واعوذ بك من الشر كله عاجله واجله ما علمت منه وما لم اعلم شامل لجميع التعوذ بالله تبارك وتعالى من جميع الشرور في الدنيا والاخرة الظاهرة منها والباطنة وقوله اللهم اني اسألك من خير ما سألك منه عبدك ونبيك واعوذ بك من شر ما عاذ به عبدك ونبيك فيه تأكيد لما قبله وفيه ايضا تفضيل لاختيار النبي صلى الله عليه وسلم على اختيار الداعي وذلك لان النبي صلى الله عليه وسلم انصح لانفسنا منا واحرصوا علينا من انفسنا. لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم قال الله تعالى النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم. فهو احرص على الانسان من نفسه. ولهذا جاء هذا الدعاء اللهم اني اسألك من خير ما سألك عبدك ونبيك. لان ما دعا به صلى الله عليه وسلم اكمل الدعاء وافظله وانفعه لك ايضا ما تعوذ منه النبي صلى الله عليه وسلم هو شر ما تعوذ منه. فتعوذ النبي صلى الله عليه وسلم من الشرور كلها فهذا فيه تأكيد لما قبله من ان ادعية النبي صلى الله عليه وسلم وتعوذاته هي اكمل شيء واحسنه للعبد وقوله اللهم اني اسألك الجنة وما قرب اليها من قول وعمل هذا فيه دعاء بالفوز بالجنة وايضا فيه دعاء بالاسباب التي توصل الى الجنة وتدني العبد منها وقوله واعوذ بك من النار وما قرب اليها من قول وعمل هذا فيه سؤال الله عز وجل الوقاية من النار والنجاة من دخولها وايضا في نفسه فيه سؤال الله عز وجل النجاة من الاسباب الموجبة لدخول النار. وخص النار هنا بالذكر مع انها داخلة في الشر كله لانها اشد العذاب وابقاه. وقوله واسألك ان تجعل كل قضاء قضيته لي خيرا. جاء في رواية البخاري رحمه الله لهذا الحديث في كتابه الادب المفرد وما قضيت لي من قضاء فاجعل عاقبته رشدا. وهي مفسرة لهذه الرواية اي ان تجعل عاقبة اموري الى رشد بان تكون المآلات حميدة والعواقب طيبة. فاذا كان قضاه الله لعبده مصيبة فتكون العاقبة خيرا بالصبر ونيل ثواب الصابرين. واذا كان ما قضاه الله تبارك وتعالى نعمة فتكون العاقبة حميدة وذلك بالشكر ونيل ثواب الشاكرين. ففي المصيبة ينال ثواب الصابرين وفي النعمة ينال ثوابها الشاكرين ثمان هذا الحديث فيه فائدة عظيمة نتعلمها من قول عائشة رضي الله عنها في اول هذا الحديث قالت ان رسول الله صلى الله عليه قلما علمها هذا الدعاء وفي الرواية الاخرى قال لها عليك بجوامع الدعاء فهذا فيه اهمية تعليم الاهل والاولاد الدعاء عناية بهذا الباب العظيم ومن الدعوات الجامعة ما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو رب اعني ولا تعن علي انصرني ولا تنصر علي امكر لي ولا تمكر علي واهدني ويسر الهدى لي وانصرني على من بغى علي. اللهم اجعلني لك شاكرا لك ذاكرا لك راهب لك مطواعا لك مخبتا اليك اواها منيبا رب تقبل توبتي واغسل حوبتي واجب وثبت حجتي واهدي قلبي وسدد لساني واسلل سخيمة صدري. رواه ابو داوود والترمذي وغيرهما وهذا الدعاء معاشر المؤمنين دعاء عظيم اشتمل على اثنين وعشرين سؤالا ومطلبا. هي من اهم المطالب واعظمها ومن اعظم اسباب صلاح العبد في دنياه واخراه. المطلب الاول ربي اعني وهو طلب العون من الله اي وفقني من الذكر والشكر وحسن العبادة والثانية قوله ولا تعن علي اي لا تغلب علي من يمنعني من طاعتك من النفس الامارة بالسوء ومن شياطين الانس والجن والثالث قوله وانصرني وهو طلب النصر من الله جل وعلا اي مكني من الغلبة على الكفار اعدائي واعداء دينك وقيل انصرني اي على نفسي الامارة بالسوء فانها اعدى اعدائي والرابع قوله ولا تنصر علي بمعنى لا تسلط علي احدا من خلقك والخامس قوله وامكر لي اي الحق مكرك باعدائي وارزقني الحيلة السليمة والفكر القويم للسلامة من شرهم دفع كيدهم بحيث لا يشعر العدو بما هديتني اليه من سبيل دفع كيدهم وعدوانهم. والسادس قوله ولا تمكر عليه اي ولا تهدي عدوي الى طريقة دفعه اياي عن نفسه. والسابع قوله واهدني اي دلني على ابواب الخيرات ومن علي بالعلم النافع وبصرني بعيوب نفسي والثامن قوله ويسر الهدى لي اي وسهل لي اتباع الهداية وسلوك طريقها وهيئ لي اسباب الخير حتى لا استثقل الطاعة ولا اشتغل عن العبادة والتاسع قوله وانصرني على من بغى علي اي انصرني على من ظلمني وتعدى علي وهذا تخصيص بعد قوله اولا وانصرني ولا تنصر علي والعاشر قوله اللهم اجعلني لك شاكرا اي الهمني شكرك على نعمائك والائك علي والحادي عشر قوله لك ذاكرا اي في الاوقات كلها قائما وقاعدا وعلى جنب والثاني عشر قوله لك راهبا اي خائفا منك في السراء والضراء. والثالث عشر قوله لك مطواعا اي كثير الطوع وهو الانقياد والامتثال والطاعة. والرابع عشر قوله لك مخبتا من الاخبات وهو الخشوع والتواضع والخضوع والمعنى اجعلني لك خاشعا متواضعا خاضعا. ويقال اخبت الى الله اي اطمأن اليه خشع له وخضع وعلامته ان يذل القلب بين يدي ربه اجلالا وذلا له وانكسارا والخامس عشر قوله اليك اواها منيبا الاواه هو كثير الدعاء والتضرع والبكاء والمنيب هو التائب الراجع الى الله في اموره واكتفى في قوله اواها منيبا بصلة واحدة لكون الانابة لازمة للتأوه ورديفا له فكانه شيء واحد ومن ذلك قوله تعالى ان ابراهيم لحليم اواه منيب وتقديم الجار والمجرور في هذا وفيما قبله للاهتمام والاختصاص وتحقيق الاخلاص والسادس عشر قوله ربي تقبل توبتي اي بجعلها صحيحة بشرائطها واستجماع ادابها والسابع عشر قوله واغسل حوبتي اي وامحو ذنبي واثمي والثامن عشر قوله واجب دعوتي اي دعائي. والتاسع عشر قوله وثبت حجتي اي على اعدائي في الدنيا والعقبى وثبت قلبي وتصديقي في الدنيا وعند سؤالي الملكين والعشرون قوله واهدي قلبي اي الى معرفة ربي ومعرفة الحق والهدى الذي امر به وبعث به رسله والحادي والعشرون قوله وسدد لساني اي صوب وقوم لساني حتى لا ينطق الا بصدق والقول السديد والثاني والعشرون قوله واسلل سخيمة صدري اي واخرج سخيمة صدري وهي غشه وغله وحقده وحسده ونحوها مما ينشأ من الصدر ويسكن في القلب من مساوئ الاخلاق وبهذا يتبين ما اشتمل عليه هذا الحديث من مسائل عظيمة والمطالب الجليلة الدالة على عظم شأن هذا الدعاء ورفيع مكانه وقد جاء في كتاب الاعلام العلية في مناقب ابن تيمية رحمه الله للحافظ البزار ان هذا الدعاء كان اغلب دعاء شيخ اسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ومن الدعوات الجامعة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء في حديث زياد ابن علاقة عن عمه رضي الله عنه قال كان صلى الله عليه وسلم يقول اللهم اني اعوذ بك من منكرات الاخلاق والاعمال والاهواء فهذا التعود اشتمل على التعوذ بالله عز وجل من هذه المنكرات الثلاث المنكر الاول منكر الاخلاق يعني الاخلاق المنكرة الاخلاق السيئة فكل خلق سيء وقبيح يدخل في قوله اعوذ بك من منكرات الاخلاق وقوله والاعمال اي واعوذ بك من منكرات الاعمال ومنكرات الاعمال هي الذنوب والمعاصي والاثام التي يقع فيها الانسان ومنكرات الاهواء اي ما يدعو اليه الهوى من الشرور والمفاسد والانحرافات فهذا تعوذ عظيم من منكرات الاخلاق ومن منكرات الاعمال ومن منكرات الاهواء. والنبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه في دعاء اخر في استفتاح الصلاة انه قال اللهم اهدني لاحسن الاخلاق لا يهدي لاحسنها الا انت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها الا انت وقوله واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها الا انت مثل قولي هنا واعوذ بك من منكرات الاخلاق اي سيئها ومن الدعوات الجامعة ما ثبت في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من قول سبحان الله وبحمده استغفر الله واتوب اليه. قالت فقلت يا رسول الله اراك تكثر من قول سبحان الله وبحمده استغفر الله واتوب اليه. فقال خبرني ربي اني سارى علامة في امتي فاذا رأيتها اكثرت من قول سبحان الله وبحمده استغفر الله واتوب اليه فقد رأيتها اذا جاء نصر الله والفتح فتح مكة ورأيت الناس يدخلون في دين الله افواجا فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا. رواه مسلم وقد جاء في رواية اخرى لهذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر ان يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي يتأول القرآن رواه البخاري ومسلم ومعنى قول عائشة رضي الله عنها يتأول القرآن اي يفعل ما امره الله به في القرآن. فالله سبحانه وتعالى قال قال له في القرآن فسبح بحمد ربك واستغفره ففعل ذلك. فكان صلى الله عليه وسلم في ركوعه وسجوده يقول سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي فيستحب للمسلم في ركوعه وسجوده ان يدعو بهذه الدعوة العظيمة التي كان الله صلى الله عليه وسلم يكثر منها. وبهذا معاشر الاخوة نصل الى ختام ذكر هذه الدعوات الجامعة تعليق عليها ونسأل الله العظيم بمنه وكرمه ان يتقبل منا وان يجعل ذلك في موازين حسناتنا اجمعين وان بما علمنا وان يزيدنا علما وان يجعل ما تعلمناه حجة لنا لا علينا. وان يهدينا وان يهدي لنا وان يهدي بنا ان ييسر الهدى لنا وان يوفقنا الى كل خير انه تبارك وتعالى سميع الدعاء وهو اهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل وصلى الله وسلم وبارك وانعم على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين طائفة من جوامع ادعية النبي صلى الله عليه وسلم وتعوذاته ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم اني اسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي واسرافي في امري وما انت اعلم به مني اللهم اغفر لي جدي وهزلي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي اللهم اغفر لي ما قدمت وما اخرت وما اسررت وما اعلنت وما انت اعلم به مني انت المقدم وانت المؤخر وانت على كل شيء قدير اللهم اني اسألك الهدى والسداد اللهم اصلح لي ديني الذي هو عصمة امري واصلح لي دنياي التي فيها معاشي واصلح لي اخرتي التي فيها معادي واجعل الحياة زيادة لي في كل خير واجعل الموت راحة لي من كل شر اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك اللهم اني اعوذ بك من العجز والكسل والجبن والهرم واعوذ بك من عذاب القبر واعوذ بك من فتنة المحيا والممات اللهم اني اعوذ بك من الكسل والهرم والمأثم والمغرم ومن فتنة القبر وعذاب القبر وفتنة النار وعذاب النار ومن شر فتنة الغنى واعوذ بك من فتنة الفقر واعوذ بك من فتنة المسيح الدجال اللهم اغسل عني خطاياي بماء الثلج والبرد ونق قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الابيض من الدنس اللهم اني اعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك اللهم اني اعوذ بك من الجبن واعوذ بك من البخل واعوذ بك من ان ارد الى ارذل العمر واعوذ بك من فتنة الدنيا وعذاب القبر اللهم اني اعوذ بك من شر ما عملت ومن شر ما لم اعمل اللهم اني اعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الاعداء اللهم اني اعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم وعذاب القبر اللهم ات نفسي تقواها وزكها انت خير من زكاها انت وليها ومولاها اللهم اني اعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها اللهم لك اسلمت وبك امنت وعليك توكلت واليك انبت وبك خاصمت اللهم اني اعوذ بعزتك لا اله الا انت ان تضلني انت الحي الذي لا يموت والجن والانس يموتون اللهم اني اسألك من الخير كله عاجله واجله ما علمت منه وما لم اعلم واعوذ بك من الشر كله عاجله واجله ما علمت منه وما لم اعلم اللهم اني اسألك من خير ما سألك عبدك ونبيك واعوذ بك مما عاذ به عبدك ونبيك اللهم اني اسألك الجنة وما قرب اليها من قول وعمل واعوذ بك من النار وما قرب اليها من قول وعمل واسألك ان تجعل كل قضاء قضيته لي خيرا ربي اعني ولا تعن علي وانصرني ولا تنصر علي وامكر لي ولا تمكر علي واهدني ويسر الهدى لي وانصرني على من بغى علي اللهم اجعلني لك شاكرا لكذاكرا لك راهبا لك مطواعا لك مخبتا اليك اواها منيبا رب تقبل توبتي واغسل حوبتي واجب دعوتي وثبت حجتي واهد قلبي وسدد لساني واسلل سخيمة صدري اللهم اني اعوذ بك من منكرات الاخلاق والاعمال والاهواء سبحان الله وبحمده استغفر الله واتوب اليه وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه وسلم. مع تحيات اخوانكم في مؤسسة دار ابن رجب للانتاج الاعلامي والتوزيع بالمدينة النبوية. هاتف رقم ثمانية ثلاثة سبعة ثمانية تسعة ثلاثة ثمانية