بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فان الحج من افضل الطاعات واجل القرب التي يتقرب بها المسلم الى ربه عز وجل بل هو عبادة من العبادات التي افترضها الله وجعلها احدى الدعائم الخمس التي يرتكز عليها الدين الاسلامي الحنيف والتي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله في الحديث الصحيح بني الاسلام على خمس شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله واقام الصلاة وايتاء الزكاة وصيام رمضان وحج البيت وثبت عنه صلى الله عليه وسلم في احاديث كثيرة ترغيب امته في الحج وحثهم على هذه الطاعة العظيمة وبين لهم ما يغنمونه في الحج من اجور عظيمة وثواب جزيل وغفران للذنوب روى مسلم في صحيحه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمرو بن العاص رضي الله عنه عند اسلامه اما علمت ان الاسلام يهدم ما كان قبله وان الهجرة تهدم ما كان قبلها وان الحج يهدم ما كان قبله وروى الشيخان من حديث ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته امه وروى مسلم من حديث ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم العمرة الى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء الا الجنة وقد حج صلوات الله وسلامه عليه بالناس في السنة العاشرة من الهجرة النبوية حجته التي رسم فيها لامته عمليا كيفية اداء هذه الفريضة العظيمة وحث على تلقي كل ما يصدر منه من اعمال او اقوال فقال خذوا عني مناسككم فلعلي لا القاكم بعد عامي هذا. رواه مسلم فسميت لذلك حجة الوداع وفيها نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى اليوم اكملت لكم دينكم واتممت وعليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا ان الحج فرصة عظيمة للتزود فيه من زاد الاخرة بالتوبة الى الله والانابة اليه والاقبال على طاعته والسعي في مرضاته ومن خلال الحج ومناسكه يتهيأ للحاج فرص كثيرة لتلقي الدروس النافعة والعبر المؤثرة والفوائد الجليلة والثمار الكريمة اليانئة في العقيدة والعبادة والاخلاق بدءا باول عمل من اعمال الحج يقوم به العبد في الميقات وانتهاء باخر عمل من اعمال الحج بطواف سبعة اشواط يودع فيها الحاج بيت الله الحرام فهو مدرسة تربوية ايمانية عظيمة يتخرج فيها المؤمنون المتقون فيشهدون في حجهم المنافع العظيمة والدروس المتنوعة والعظات المؤثرة فتحيا بذلك القلوب قوى الايمان ومنافع الحج لا تحصى وفوائده لا تستقصى وعبره ودروسه المستفادة منه لا يحاط بها وفي الحج من الفوائد والمنافع الدينية والدنيوية ما لا يحصيه المحصون ولا يقدر على عده العادون وفي ذلك يقول الله تعالى في القرآن الكريم واذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ظامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في ايام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الانعام فكلوا منها واطعموا البائس الفقير ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا ندورهم وليطوفوا بالبيت العتيق فالحج مليء بالمنافع العظيمة الدينية والدنيوية واللام في قوله تعالى ليشهدوا منافع لهم هي لام التعليل وهي متعلقة بقوله تعالى واذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر اي ان تؤدن فيهم بالحج يأتوك مشاة وركبانا لاجل ان يشهدوا ان يحضروا منافع لهم والمراد بحضورهم المنافع حصولها لهم وقوله تعالى في الاية منافع هو جمع منفعة ونكر المنافع لانه اراد منافع مختصة بهذه العبادة دينية ودنيوية لا توجد في غيرها من العبادات مجتمعة روى ابن ابي حاتم في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى ليشهدوا منافع لهم قال منافع في الدنيا ومنافع في الاخرة فاما منافع الاخرة فرضوان الله واما منافع الدنيا فما يصيبون من لحوم البدن في ذلك والذبائح والتجارات وروى عبدالرزاق عن مجاهد رحمه الله في قوله تعالى ليشهدوا منافع لهم قال التجارة وما ارظى الله من امر الدنيا والاخرة وروى ابن جرير الطبري في تفسيره عن مجاهد رحمه الله لقوله تعالى ليشهدوا منافع لهم قال الاجر في الاخرة والتجارة في الدنيا فالمنافع التي يحصلها الحجيج ويجنونها في حجهم لبيت الله الحرام عديدة ومتنوعة منافع دينية من العبادات الفاضلة والطاعات الجليلة التي لا تكون الا فيه ومنافع دنيوية من التكسب وحصول الارباح الدنيوية كما قال تعالى في سياق ايات الحج من سورة البقرة ليس عليكم جناح ان تبتغوا فضلا من ربكم ومن المنافع الدنيوية ايضا ما يصيبه الحجاج من البدن والذبائح كما قال الله تعالى لكم فيها منافع الى اجل مسمى ثم محلها الى البيت العتيق الا ان ما يحصله الحاج من منافع دينية في حجهم لبيت الله لا يقارن بهذه المنافع الدنيوية اذ في الحج من الاجور العظيمة والثواب الجزيل ومغفرة الذنوب وتكفير السيئات وغير ذلك مما لا يحصى من الفوائد الدينية العظيمة التي ينالها الحاج ان كان متقيا لله في حجه بامتثال اوامره واجتناب نواهيه واي خير اعظم واي منفعة اجل من ان يخرج الحاج من حجه كيوم ولدته امه بلا اثم ولا خطيئة. كما قال الله تعالى فمن تعجل في يومين فلا اثم عليه. ومن تأخر فلا اثم عليه لمن اتقى وقد اختار ابن جرير رحمه الله في تفسيره لهذه الاية بعد ان ذكر اقوال اهل العلم في معناها ان المراد فمن تعجل في يومين من ايام منى الثلاثة فنفر في اليوم الثاني فلا اثم عليه لحق الله ذنوبه ان كان قد اتقى الله في حجه فاجتنب فيه ما امره الله باجتنابه وفعل فيه ما امره الله بفعله واطاعه بادائه على ما كلفه من حدوده. ومن تأخر الى اليوم الثالث فلا اثم عليه. لتكفير الله له ما سلف من اثام واجرامه ان كان اتقى الله في حجه بادائه بحدوده ثم ذكر رحمه الله تظاهر الاخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام من حج هذا البيت ولم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته امه وقوله صلى الله عليه وسلم الحج المبرور ليس له جزاء الا الجنة. رواه مسلم وقوله صلى الله عليه وسلم تابعوا بين الحج والعمرة فانهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير فالحديد رواه النسائي فهذه النصوص تدل على ان من حج فقضى حجه بحدوده على ما امره الله فهو خارج من ذنوبه كما قال جل وعلا فلا اثم عليه لمن اتقى اي اتقى الله في حجه بفعل الاوامر واجتناب النواهي ولا ريب ان هذه فضيلة عظيمة. ومنفعة جليلة تسارع في نيلها القلوب المؤمنة. وتطمع في تحصيلها النفوس الصادقة فلله ما اجلها من فضيلة. واعظمها من منفعة عندما ينقلب الحاج الى بلده بعد قضائه لحجه وذنبه مغفور قد خرج من ذنوبه واثامه طاهرا نقيا كيوم ولدته امه ليس عليه ذنب ولا خطيئة اذا كان متقيا ربه في حجه بل ان الرب سبحانه من عظيم كرمه وجميل احسانه بعباده الحجيج يباهي بهم ملائكته يباهي بحجاج بيت الله الحرام عندما يقفون على صعيد عرفة فيقول جل وعلا انظروا الى عبادي كوني شعثا غبرا ضاحين من كل فج عميق اشهدكم اني قد غفرت لهم وبهذا يتبين ان الحاج يعود من حجه باكبر ربح واعظم غنيمة. الا وهي مغفرة ربه لذنبه فيبدأ بعد الحج حياة جديدة صالحة مليئة بالايمان والتقوى عامرة بالخير والاستقامة والمحافظة على الطاعة الا ان حصول هذا الاجر مشروط كما تقدم بان يأتي بالحج على وجه صحيح باخلاص وصدق وتوبة نصوح مع مجانبة لما بالحج من رفث وفسوق. فاذا كان كذلك جب ما قبله وخرج منه الحاج بتلك الحال الرائعة كيوم ولدته امه بلا اثم ولا خطيئة وللحج مقاصد عظيمة ينبغي على كل من اكرمه الله سبحانه وتعالى بحج بيت الله الحرام ان يستذكرها وان يستحظرها حتى يعمل في حجه على تحقيقها وتتميمها وتكميلها ومن المعلوم ان من يستحضر اهدافه في عمل ما من الاعمال يكون ذلك اتقن في العمل واكمل في اتمامه بخلاف من يسير في العمل دون ان تكون له اهداف محددة وغايات واضحة يؤدي العمل لاجلها لقد شرع الله جل وعلا عبادة الحج تلك العبادة العظيمة والطاعة الجليلة لمقاصد عظيمة وحكم جليلة واهداف نبيلة ينبغي على الحاج ان يعيها. ليعظم اجره وليتم عمله وليزيد بذلك ثوابه عند الله وليحقق بذلك ما شرع الحج لاجله من المقاصد العظيمة والاهداف النبيلة وليحقق شهود منافع الحج الجليلة التي دعا الله سبحانه وتعالى عباده لشهودها وحسن الانتفاع بها في قوله جل وعلا واذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ظامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم. واللام هنا كما تقدم لام التعليل اي اذن فيهم بالحج من اجل ان يشهدوا منافعه العظيمة وعبره الجليلة ودروسه المتنوعة ومن خلال هذا البرنامج باذن الله سبحانه وتعالى اورد اهم اهداف الحج واعظم مقاصده في كل يوم نقف مع هدف من اهداف الحج العظيمة ومقصد من مقاصده الجليلة راجين الله اجمعين ان يعلمنا ما ينفعنا وان ينفعنا بما علمنا وان يزيدنا علما وتوفيقا وان ينفعنا بهدي كتابه وان يوفقنا لاتباع سنة نبيه صلوات الله وسلامه عليه وان يصلح لنا شأننا كله انه سميع قريب مجيب. سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان لا اله الا انت استغفرك واتوب اليك. اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته