بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فان من مقاصد الحج العظيمة بل اعظمها واجلها تحقيق التوحيد لله تبارك وتعالى والبراءة من ضده وهو الشرك بالله والخلوص منه فهذا اجل مقصد واعظم هدف لان التوحيد هو الاساس الذي خلقنا الله لاجله واوجدنا سبحانه لتحقيقه ومن خلال مناسك الحج العظيمة وشعائره الجليلة ومشاعره المباركة تظهر جليا مكانة التوحيد العظمى ومنزلته العليا وانه اساس يبنى عليه دين الله. وتقام عليه كل طاعة يتقرب بها المؤمن الى الله سبحانه بل ان كل طاعة وعبادة لا تكون قائمة على توحيد الله والبراءة من الشرك فان الله سبحانه لا يقبلها من العامل ولهذا قال جابر رضي الله عنه كما في صحيح مسلم في سياقه لحجة النبي صلى الله عليه وسلم قال فاهل النبي صلى الله عليه وسلم بالتوحيد لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك وهذه الكلمات العظيمات كلمات توحيد واخلاص لله جل وعلا وبراءة من الشرك فبينما كان المشركون يهلون بالشرك والتنديد جاء الاسلام بهذا الاهلال العظيم القائم على الاخلاص والتوحيد ففي صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان المشركون يقولون لبيك لا شريك لك قال فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ويلكم قد قد اي يكفي لا تزيد على ذلك ويلكم قد قد فيقولون الا شريكا هو لك تملكه وما ملك يقولون هذا وهم يطوفون بالبيت وفي قوله لا شريك لك وقد تكررت في التلبية مرتين مرة عقب اجابتي بقوله لبيك ومرة عقب قوله ان الحمد والنعمة لك والملك فالاول يتضمن انه لا شريك له في اجابة هذه الدعوة والثاني يتضمن انه لا شريك له في الحمد والنعمة والملك وهو اخلاص لله في نوعي التوحيد العلمي والعملي العمل في قوله لبيك اللهم لبيك والعلم في قوله ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك واذا تقرر ان الحمد كله لله والنعمة كلها من الله والملك كله لله ليس له شريك في ذلك بوجه من الوجوه فليفرض وحده بالتلبية والخضوع والمحبة والانقياد والطاعة والاذعان وكيف يجعل مع الله سبحانه وتعالى شريكا في العبادة من لا يملك في هذا الكون من قطمير وليس له مع الله سبحانه شركة في الملك ولا يملك نفعا ولا دفع وليس بيده عطاء ولا منع تعالى الله عما يشركون بل ان الامر كله لله لا شريك له وهذا من ابين ما يكون دلالة على فساد الشرك وان اهله من اسفه الناس واضلهم عن سواء السبيل وقد قال عليه الصلاة والسلام في الميقات عندما اهل بالحج اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة. رواه ابن ماجة ثم مضى الى مكة ملبيا بكلمات التوحيد العظيمة المشتملة على التوحيد وتحقيقه والبراءة من ضده. يرددها عليه الصلاة والسلام في طريقه الى مكة وفي تنقلاته بين المشاعر ثم ان الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة والوقوف بعرفات والمبيت بمزدلفة والقيام باعمال الحج الاخرى كل ذلك طاعات وعبادات قائمة على التوحيد يجب على كل حاج ان يقصد بهذه الاعمال كلها والطاعات جميعها وجه الله فان الله لا يقبل عمل عامل الا اذا كان قائما على التوحيد لله عز وجل ولهذا جاء في الحديث القدسي ان الله سبحانه وتعالى يقول انا اغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا اشرك فيه معي غيري تركته وشركه رواه مسلم وعلى الملبي الذي اكرمه الله سبحانه وتعالى بالتلبية بهذه الكلمات العظيمة ان يستحظر معانيها وان يعي دلالاتها وان يسعى حياته في تحقيق التوحيد الذي دلت عليه فيكون مخلصا دينه لله لا يسأل الا الله ولا يستغيث الا بالله ولا يتوكل الا على الله ولا يذبح الا لله ولا ينذر الا لله ولا ايصرف شيئا من العبادة الا لله قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك امرت وانا اول المسلمين بحيث يكون مستمسكا بالتوحيد محافظا عليه مراعيا لحقوقه مجانبا لنواقضه وما يضاده من الشرك بالله حذرا تمام الحذر من الوقوع فيه او في شيء من اسبابه ووسائله وطرقه جاعلا التوحيد اكبر مقاصده واهم غاياته وعنايته به مقدمة على العناية بكل امر. على هذا يحيى وعليه يموت وعليه يبعث باذن الله عز وجل وتأمل هنا المسلم يبدأ حجه اول ما يبدأ باعلان التوحيد ونبذ الشرك قائلا لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك يقولها ويرفع بها صوته وهو في الوقت نفسه مستشعر ما دلت عليه من وجوب افراد الله وحده بالعبادة والبعد عن الشرك فكما ان الله متفرد بالنعمة والعطاء لا شريك له فهو متفرد بالتوحيد لا ند له فلا يدعى الا الله ولا يتوكل الا على الله ولا يستغاث الا به ولا يصرف اي نوع من انواع العبادة الاله وكما ان العبد مطالب بقصد الله وحده في الحج فهو مطالب بقصده وحده في كل عبادة يأتيها وكل طاعة يتقرب بها فمن صرف شيئا من العبادات لغير الله اشرك بالله العظيم وخسر الخسران المبين وحبط عمله ولم يقبل الله منه ولا عدلا لقد جاء الاسلام بهذا الاهلال العظيم الاهلال بتوحيد الله واخلاص الدين له والبعد عن الشرك كله صغيره وكبيره دقيقه وجليله بينما كان المشركون عباد الاصنام والاوثان يهلون في احرامهم بالحج بالشرك والتنديد فكانوا يقولون كما تقدم في تلبيتهم لبيك لا شريك لك الا شريكا هو لك تملكه وما ملك فيدخلون مع الله في التلبية الهتهم الباطلة ويجعلون ملكها بيده وهذا هو معنى قول الله عنهم في القرآن الكريم وما يؤمن اكثرهم بالله الا وهم مشركون اي ما يؤمن اكثرهم بالله لانه الخالق الرازق المدبر الا وهم مشركون معه في العبادة اوثانا لا تملك شيئا واصناما لا ولا تضر ولا تعطي ولا تمنع بل لا تملك من ذلك شيئا لنفسها فضلا عن ان تملكه لغيرها روى ابن جرير الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال من ايمانهم اذا قيل لهم من خلق السماء ومن خلق الارض ومن خلق الجبال؟ قالوا الله وهم مشركون وعن عكرمة انه قال تسألهم من خلقهم ومن خلق السماوات والارض فيقولون الله فذلك ايمانهم بالله وهم يعبدون غيره وعن مجاهد قال ايمانهم قولهم الله خالقنا ويرزقنا ويميتنا. فهذا ايمان مع شرك عبادتهم غيره وعن ابن زيد قال ليس احد يعبد مع الله غيره الا وهو مؤمن بالله ويعرف ان الله ربه وان الله خالقه ورازقه وهو يشرك به الا ترى كيف قال ابراهيم افرأيتم ما كنتم تعبدون انتم واباؤكم الاقدمون فانهم عدو لي الا رب العالمين قد عرف انهم يعبدون رب العالمين مع ما يعبدون. قال فليس احد يشرك الا وهو مؤمن به الا ترى كيف كانت العرب لتقول لبيك لا شريك لك الا شريكا هو لك تملكه وما ملك المشركون كانوا يقولون هذا لقد كان المشركون في زمن النبي صلى الله عليه وسلم يقرون بان خالقهم ورازقهم ومدبر شؤونهم هو الله ثم مع هذا الاقرار لا يخلصون الدين له. بل يشركون معه غيره في العبادة من الاشجار والاحجار والاصنام وغيرها وقد جل الله هذا الامر وبينه في مواطن كثيرة من القرآن الكريم كقوله تعالى ولئن سألتهم من خلق السماوات والارض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فانى يؤفكون والايات في هذا المعنى كثيرة وهذا المعنى يكثر تقريره في القرآن الكريم الاستدلال على الكفار باعترافهم بربوبية الله جل وعلا على وجوب توحيده وافراده وحده بالعبادة واخلاص الدين له ولذلك يخاطبهم في توحيد الربوبية باستفهام التقرير فاذا اقروا بربوبيتي احتج بها عليهم على انه هو المستحق لان يعبد وحده ووبخهم منكرا عليهم شركهم به غيره مع اعترافهم بانه هو الرب وحده لان من اعترف بانه الرب وحده لزمه ان يخلص العبادة كلها له وبهذا يتبين ان الاعتراف بان الله هو الخالق الرازق المنعم المتصرف المدبر لشؤون الخلق لا يكفي في التوحيد ولا ينجي من عذاب الله يوم القيامة ما لم تخلص العبادة كلها لله وحده. فالله لا يقبل من عباده توحيدهم له في الربوبية الا اذا افردوه بتوحيد العبادة. فلا يتخذون معه ندا ولا يدعون معه احدا ولا يتوكلون الا عليه ولا يصرفون شيئا من العبادة الا له سبحانه. فكما انه سبحانه وتعالى المتفرد بالخلق فهو سبحانه المتفرد بجميع انواع العبادة ان النعمة على امة الاسلام عظيمة بهدايتهم الى توحيد الله في ربوبيته والوهيته واسمائه وصفاته والنعمة عليهم عظيمة بتوفيقهم الى الاهلال بتوحيد الله بعد ان كان غيرهم يهل بالشرك والتنديد فلله الحمد سبحانه على توفيقه وانعامه وهدايته حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا الكريم ويرضى. ونسأله جل في علاه ان يوفقنا اجمعين لكل خير. وان يصلح لنا لنا كله والا يكلنا الى انفسنا طرفة عين انه سميع الدعاء وهو اهل الرجاء وهو حسبنا ونعم وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته