بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فان من مقاصد الحج العظيمة تحقيق تقوى الله جل وعلا وقد اكثر الله عز وجل في ايات الحج على قلتها من الوصية بالتقوى لانه يحصل في الحج من اسباب التقوى ما لا يحصل في غيره وذلك مع الوعي الصحيح بحقيقة الحج ومغزاه وقد تكررت الوصية بتقوى الله عز وجل في سياق ايات الحج من سورة البقرة ففي الاية الاولى من هذه الايات قال الله تعالى واتقوا الله واعلموا ان الله شديد العقاب وفي اثناء هذه الايات قال سبحانه وتزودوا فان خير الزاد التقوى واتقون يا اولي الالباب وختم جل وعلا ايات الحج بقوله واتقوا الله واعلموا انكم اليه تحشرون وقال سبحانه وتعالى في سورة الحج ذلك ومن يعظم شعائر الله فانها من تقوى القلوب وقال تعالى لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم والتقوى هي اعظم وصية وخير زاد ليوم المعاد وهي وصية الله سبحانه وتعالى للاولين والاخرين من خلقه كما قال سبحانه ولقد وصينا الذين اوتوا الكتاب من قبلكم واياكم ان اتقوا الله وهي وصية النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لامته فقد كان صلى الله عليه وسلم اذا بعث اميرا على سرية اوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله عز وجل وبمن معه من المسلمين خيرا وكان كثير الوصية بها في خطبه ولما خطب الناس في حجة الوداع يوم النحر وصى الناس بتقوى الله عز وجل ولم يزل السلف الصالح يتواصون بها وذلك لانها خير زاد يبلغ الى رضوان الله عز وجل ولما قال رجل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه اتق الله اجابه عمر بقوله لا خير فيكم ان لم تقولوها ولا خير فينا اذا لم نقبلها والنقول عن السلف في هذا المعنى كثيرة ما اجمل ان يعود الحاج من حجه متزودا بهذا الزاد العظيم المبارك فان وصية الله عز وجل بالتقوى المتكررة في ايات الحج ودعوته سبحانه لاولي الالباب الى تقواه تدل على ان اهل العقول والالباب ينبغي عليهم وقد اكرمهم الله بالحج ان يجعلوا تقوى الله جل وعلا من اكبر مقاصدهم في حجهم وان يعملوا عقولهم والبابهم في تلك المشاعر العظيمة ليستفيدوا منها تقوى الله الحج مدرسة عظيمة للتقوى وباب عظيم من ابوابها من خلال ما جعل الله سبحانه فيه من الشعائر العظيمة والمناسك الجليلة بادات المتنوعة التي اذا عني المسلم بتكميلها وتتميمها نال بذلك من تحقيق التقوى اوفر نصيب لان تلك الشعائر تعد امورا معينة على تحقيق تقوى الله جل وعلا وذلك لما في اعمال الحج من رياضة للنفوس وتمرين لها على لزوم طاعة الله سبحانه وتعالى والاقبال على عبادته والبعد عن الحالة التي كان عليها العبد من تفلت نفسه وعدم انضباطها بالالتزام باوامر الله والحاج يرى ذلك من نفسه في حاله ايام حجه لبيت الله الحرام يرى نفسه مقبلة على طاعة الله اقبالا لا يعهده منها فيراها معظمة للشعائر مقبلة على الطاعات معتنية بالواجبات حذرة اشد الحذر من النواهي والمحرمات فيتحرك قلبه في تلك المشاعر العظيمة بصدق الاقبال على الله تهيج نفسه بالخشوع والبكاء والاخبات والاقبال على الله سبحانه يرى من نفسه حالا مختلفا ولا شك ان الله عز وجل اودع في هذه الطاعة بابا عظيما للعظة والاعتبار وتحقيق تقوى الله سبحانه وتعالى ولهذا نلاحظ ان الايات الكريمات التي جاءت في القرآن الكريم في بيان حكم الحج واحكامه وغاياته ومقاصده تكرر فيها الوصية بتقوى الله عز وجل وهذا التكرار يدل على عظم شأن التقوى وعظم مكانتها وان الحج يعد بابا من ابواب تحقيقها ولزومها والعناية بها وتقوى الله عز وجل عمل بطاعة الله على نور من الله رجاء ثواب الله وترك لمعصية الله على نور من الله خيفة عذاب الله فليست مجرد كلمة تقال باللسان وانما التقوى حقيقة صادقة تقوم في قلب المتقي تظهر في سلوكه واعماله كلها كما قال النبي عليه الصلاة والسلام التقوى ها هنا ويشير الى صدره ثلاث مرات وقال في الحديث الاخر الاوان في الجسد مضغة اذا صلحت صلح الجسد كله واذا فسدت فسد الجسد كله الا وهي القلب وهذا فيه ان القلب اذا عمر حقا وصدقا بتقوى الله عز وجل صلحت الجوارح كلها واستقامت على طاعة الله تبارك وتعالى فينبغي على كل من اكرمه الله بالحج ان يجعل من طاعته هذه بابا لتكميل التقوى وتحقيقها والعناية بها من خلال هذا المنسك العظيم والطاعة العظيمة والعبادة الجليلة في جانبي التقوى اللذان هما فعل الاوامر وترك النواهي ولعلك ترى ذلك واضحا في قوله الحج اشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج هذا جانب الترك ثم قال وما تفعلوا من خير يعلمه الله وهذا جانب العمل وتقوى الله ترك وعمل ترك لما يسخط الله ويغضبه سبحانه وعمل بطاعته وبما يرضيه جل في علاه والحج باب لتمرين النفس ورياضتها على فعل الاوامر والمواظبة على الطاعات وترك النواهي والبعد عن الاثام والخطيئات والله جل وعلا لا ينظر الى الصور والاموال وانما ينظر الى القلوب والاعمال كما في صحيح مسلم عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله لا ينظر الى صوركم واموالكم ولكن ينظر الى قلوبكم واعمالكم وان مما يعين العبد على تحقيق التقوى والعناية بها ان يتذكر الموتى والوقوف بين يدي الله والجزاء والحساب والجنة والنار ولقد احسن من قال فيا عجبا ندري بنار وجنة وليس لدي نشتاق او تلك نحذر اذا لم يكن خوف وشوق ولا حيا فماذا بقي فينا من الخير يذكر وليس لحر صابرين ولا بلا فكيف على النيران يا قوم نصبر نبيع خطيرا بالحقير عماية وليس لنا عقل ولب منور فطوبى لمن يؤتى القناعة والتقى واوقاته في طاعة الله يعمر ان وصية الله بالتقوى المتكررة في ايات الحج ودعوته سبحانه لاولي الالباب الى تقواه تدل على ان اهل العقول والالباب ينبغي عليهم وقد اكرمهم الله بالحج ان يعملوا عقولهم والبابهم في تلك المشاعر العظيمة ليستفيدوا منها تقوى الله الحج مدرسة عظيمة للتقوى وباب عظيم من ابوابها والواجب على من اكرمه الله بالحج ان يستفيد من حجه تقوى الله وان يتزود فيه بزادها المبارك وان ينهل من معينها العذب وان يتقي الله بصيانة حجه عن الرفث والفسوق والجدال وان يتقي الله بحفظ وقته عن كل اسفاف وان يشغله بذكر الله والنافع من القول وان يتقي الله بالحرص على اتباع السنة ولزوم هدي خير الامة محمد صلى الله عليه وسلم وبالحذر من البدع اي والاهواء وان يتقي الله في مراعاة جميع اعمال الحج من ركن وواجب ومستحب دون تساهل او اهمال وان يتقي الله بالتفقه في دينه والاتيان بعبادته على بصيرة وان يتقي الله في اخوانه المسلمين من الحجاج وغيرهم وان يكون عونا لهم على كل خير يلقاهم بطلاقة وجه وصفاء قلب وحسن حديث وان يتقي الله بتوقير الكبير ورحمة الصغير وتعليم الجاهل وارشاد الضال وان يتقي الله بحفظ لسانه وغض بصره وكف يده وان يتقي الله باجتناب الغش والكذب والشح والسب والبذاء وسوء الظن وكلما عظم نصيب الحاج وحظه في حجه من التقوى عظم حظه ونصيبه من الاجر والثواب وغفران الذنوب كما قال الله تعالى فمن تعجل في يومين فلا اثم عليه ومن تأخر فلا اثم عليه لمن اتقى. واتقوا الله واعلموا انكم اليه تحشرون اي فلا اثم عليه لحق الله ذنوبه ان كان قد اتقى الله في حجه فاجتنب فيه ما امره الله باجتنابه وفعل فيه ما امره الله بفعله واطاعه بادائه على ما كلفه من حدوده وللتقوى على اهلها منافع عظيمة وثمار كريمة وفوائد جمة في الدنيا والاخرة فمن ثمارها حصول العلم النافع قال الله تعالى واتقوا الله ويعلمكم الله وقال تعالى يا ايها الذين امنوا ان تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ومن ثمارها الخروج من المحن وتحصيل الرزق الطيب وتيسير الامور قال تعالى ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب وقال سبحانه ومن يتق الله يجعل له من امره يسرا ومن ثمارها الفوز بمحبة الله قال الله تعالى ان الله يحب المتقين وهو معهم قال تعالى واعلموا ان الله مع المتقين ومن ثمارها نيل الفلاح والفوز بالمغفرة قال تعالى واتقوا الله لعلكم تفلحون وقال تعالى واتقوا الله ان الله غفور رحيم ومن اجل ثمارها دخول الجنة والتشرف برؤية الله قال الله تعالى ان المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر ومن ثمارها حصول الرفعة في الدنيا والاخرة قال تعالى والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة ومن ثمارها حصول العاقبة الحميدة قال تعالى والعاقبة للمتقين وقال تعالى والعاقبة للتقوى وثمار التقوى لا تحصى وفضائلها لا تستقصى واكرم الناس عند الله اعظمهم تقوى لله سبحانه وتعالى قال تعالى ان اكرمكم عند الله اتقاكم وقد قال عليه الصلاة والسلام في احدى خطبه في حجة الوداع الا لا فضل لعربي على عجمي ولا لاسود على احمر الا بالتقوى خيركم عند الله اتقاكم جعلنا الله جميعا من عباده المتقين واولياءه المقربين وسلك بنا صراطه المستقيم انه سميع مجيب وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته