بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فان مقاصد الحج العظيمة اقامة ذكر الله سبحانه وتعالى بل ان الاعمال الصالحة كلها شرعت لاجله وما تقرب متقرب الى الله سبحانه وتعالى بمثله فالصلاة شرعت لاقامة ذكر الله قال الله تعالى واقم الصلاة لذكري والحج والصيام وكل طاعة انما شرعت لاقامة ذكر الله عز وجل ولهذا تكرر الامر بذكر الله عز وجل في ايات الحج من سورتي البقرة والحج تكرارا كثيرا تأكيدا على هذا المقصد العظيم من مقاصد الحج يقول الله تعالى فاذا افضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام وقال تعالى فاذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم اباءكم او اشد ذكرا وقال تعالى واذكروا الله في ايام معدودات ويقول جل وعلا واذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ظامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكر اسم الله في ايام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الانعام وقال تعالى فاذكروا اسم الله عليها صواف فذكر الله عز وجل من مقاصد الحج العظيمة بل ان الحج وغيره من الطاعات انما شرع لاقامة ذكر الله عز وجل ولهذا قال نبينا عليه الصلاة والسلام كما في مسند الامام احمد وغيره انما جعل الطواف بالبيت وبالصفا مروة ورمي الجمار لاقامة ذكر الله عز وجل الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة والوقوف بعرفات والمبيت بمزدلفة ورمي الجمار الى غير ذلك من اعمال الحج انما شرعت من اجل اقامة ذكر الله تعالى فذكر الله عز وجل هو اجل الاعمال واعظم الطاعات ولهذا يقول عليه الصلاة والسلام الا انبئكم بخير اعمالكم وازكاها عند مليككم وارفعها في درجاتكم وخير لكم من انفاق الذهب والورق اي الفضة وخير لكم من ان تلقوا عدوكم فتضربوا اعناقهم ويضربوا اعناقكم قالوا بلى قال ذكر الله تعالى والله تعالى يقول يا ايها الذين امنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة واصيلا ويقول جل وعلا والذاكرين الله كثيرا والذاكرات اعد الله لهم مغفرة واجرا عظيما فذكر الله عز وجل طاعة عظيمة وعبادة جليلة يجب ان تكون حاضرة في حجنا وصلاتنا وصيامنا وجميع طاعاتنا لان اعظم الناس اجرا في كل طاعة اكثرهم فيها ذكرا لله روى الامام احمد والطبراني عن معاذ بن انس الجهني رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ان رجلا سأله فقال اي الجهاد اعظم اجرا قال اكثرهم لله ذكرا قال فاي الصائمين اعظم اجرا قال اكثرهم لله ذكرا ثم ذكر الصلاة والزكاة والحج والصدقة كل ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اكثرهم لله ذكرا فقال ابو بكر رضي الله عنه لعمر رضي الله عنه يا ابا حفص ذهب الذاكرون بكل خير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اجل قال العلامة ابن القيم رحمه الله اخذا من هذا الحديث ان افضل اهل كل عمل اكثرهم فيه ذكرا لله عز وجل فافضل الصوام اكثرهم ذكرا لله في صومهم وافضل المتصدقين اكثرهم ذكرا لله عز وجل وافضل الحجاج اكثرهم ذكرا لله عز وجل وهكذا سائر الاعمال ولهذا فان الحجاج ليسوا في حجهم على درجة واحدة وليس اجرهم فيه سواء لان فيهم المكثر من ذكر الله وفيهم المتوسط وفيهم المقل وفيهم الغافل اللاهي المعرض والله المستعان ولهذا ينبغي للحاج ان يحرص على عمارة اوقات حجه بذكر الله عز وجل بالقلب واللسان وان يحرص على الا يكون من الغافلين اللاهين بل عليه ان يكون مقبلا على الله ذاكرا لله سبحانه مكثرا من ذكر الله فالتلبية ذكر لله وقراءة القرآن ذكر لله. والدعاء من ذكر الله عز وجل والتسبيح والتهليل والحمد كل ذلك ذكر لله عز وجل وحضور مجالس العلم التي يبين فيها الحلال والحرام هي ايضا من اقامة ذكر الله ويحرص الحاج على ملء اوقات حجه بذكر الله كذلك قراءة كتب العلم في بيان احكام الحج او غير ذلك من احكام الدين كل ذلكم داخل بذكر الله سبحانه وتعالى والحجاج يشتركون في اعمال الحج لكن يتفاوت اجرهم فيه بحسب حظهم من ذكر الله فيه فينبغي للحاج ان يتنبه لهذا المقصد العظيم من مقاصد الحج فيحرص على ان يكون من المكثرين لذكر الله. قراءة للقرآن واكثارا من التلبية واكثارا من التسبيح والتحميد والتهليل بذكر الله وقراءة في كتب اهل العلم في بيان الحج او غيره الى غير ذلك من الوجوه التي هي من الاقامة لذكر الله تبارك وتعالى ان ذكر الله عز وجل عبادة جليلة عظيم شأنها كثير ثوابها واجرها يسير فعلها ليس في العبادات مثلها فهي تعم الاوقات كلها والاحوال جميعها لا تختص بموسم ولا تتقيد بزمان. تصحب المؤمن في كل اوقاته. وجميع احواله قائما وقاعدا وعلى جنبه مع ما يترتب عليها من عظيم الثواب وجميل المآبي وكثير الاجر واذا تنافس عمال الاخرة في الاعمال وتسابقوا في الطاعات فان اهل الذكر هم السباقون في هذا المظمار المبارك مضمار التسابق لعلو الدرجات ورفيع المنازل روى مسلم في صحيحه عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم سبق المفردون قالوا وما المفردون يا رسول الله؟ قال الذاكرون الله كثيرا والذاكرات وبذكر الله عز وجل طرد للشيطان وفوز برضا الرحمن ونيل للجنان بل فوز بعالي الرتب فيها وذكر الله عز وجل حصن حصين وحرز متين فلا يقرب الذاكر شيطان واما الغافل عن ذكر الله عز وجل فان الشيطان منه قريب ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وفي ذكر الله عز وجل حط للاوزار وغفران للذنوب وتكفير للسيئات وذلك ان ذكر الله عز وجل هو احسن الحسنات والحسنات يذهبن السيئات والاحاديث في ذلك عن نبينا صلى الله عليه وسلم كثيرا وفي قلوب الناس قسوة لا يذهبها الا ذكر الله وفي قلوبهم صدأ لا يجلوه ولا يصقله الا ذكر الله فعن ابي الدرداء رضي الله عنه قال ان القلوب لتصدأ وان جلاءها ذكر الله قال ابن القيم رحمه الله ولا ريب ان القلب يصدأ كما يصدأ النحاس والفضة وغيرهما وجلاؤه بالذكر فانه يجلوه حتى يدعه كالمرآة البيضاء فاذا ترك صدى فاذا ذكر الله جلاه وصدأ القلب بامرين بالغفلة والذنب وجلاؤه بشيئين بالاستغفار والذكر وفي ذكر الله عز وجل طمأنينة القلوب وانسها وراحتها وزوال همومها وغمومها والامها واحزانها الا بذكر الله تطمئن القلوب ومن جلت هموم العباد واحزانهم وغمومهم بمثل ذكر الله فهو الفرج في الشدة والانس في الاحزان والراحة في الشدائد والكربات وفي ذكر الله عز وجل معونة على الطاعات كلها والعبادات جميعها فان ذكر الله عز وجل يلين الطاعات ويسهلها ولا تصبح شاقة على النفوس وفي هذا قصة الرجل الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم ان شرائع الاسلام قد كثرت علي فاخبرني بشيء اتشبث به قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله وفوائد الذكر وثماره واثاره التي يجنيها الذاكرون في دنياهم واخراهم كثيرة لا تحصى وعديدة لا تستقصى فجدير بكل مسلم ان تعظم عنايته بذكر الله وان يحرص كل الحرص على ان يكون من الذاكرين لله بالكثرة قال الله تعالى يا ايها الذين امنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة واصيلا وقال تعالى والذاكرين الله كثيرا والذاكرات اعد الله لهم مغفرة واجرا عظيما وجدير بالحاج الموفق ان ينتهز فرصة حجه لتحقيق هذا المقصد العظيم فهو خير ما امضى فيه اوقات حجه وافضل ما تقرب به العبد الى ربه. وهو مفتاح كل خير يناله العبد في الدنيا والاخرة والذاكرون الله فائزون بمعية الله لهم وذكره جل وعلا لهم في ملأه الاعلى فان من ذكر الله ذكره الله وكان معه معية خاصة حفظا ونصرا وتأييدا قال الله تعالى فاذكروني اذكركم وقال جل وعلا في الحديث القدسي من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم وقال الله تعالى في الحديث القدسي انا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه وفي ذكر الله عز وجل صيانة للسان وحفظ له من اللغو والباطل لان اللسان انما خلق للكلام فان لم يشغله صاحبه بذكر الله والنافع من القول والا اشتغل ولا بد بالحرام من غيبة ونميمة وسخرية وغير ذلك ومن اراد شاهد ذلك نظر واقع كثير من الناس في غفلتهم عن ذكر الله عز وجل كيف جرهم ذلك الى انواع من الباطل وصنوف من الاثام قال ابن القيم رحمه الله وفي الذكر اكثر من مئة فائدة ثم اخذ يعدد فوائد الذكر فذكر رحمه الله ما يزيد على السبعين فائدة. كل واحدة منها مفردها كافية لحفز النفوس وتحريك الهمم للاشتغال بالذكر. كيف وقد اجتمعت تلك الفوائد الكثار والعوائد الغزار والامر فوق ما يصفه الواصفون ويعده العادون فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة اعين جزاء بما كانوا يعملون نسأل الله عز وجل ان يصلح قلوبنا وان يزكي اعمالنا وان يصلح لنا شأننا كله انه سميع قريب مجيب وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته