بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فان من مقاصد الحج العظيمة تقوية الايمان فان في الحج مجالا واسعا لاصلاح النفوس وتهذيب القلوب وزيادة الايمان فكم فيه من الدروس الرائعة والعبر المؤثرة لاقبال القلوب على الله وشدة رغبها ورهبها ورجائها وخوفها وكثرة رجوعها وانابتها فكم من دمعة صادقة في الحج اريقت وكم من توبة نصوح قبلت وكم من عثرة اقيلت وكم من خطيئة حطت وكم من دعاء خاشع اجيب وكم من رقبة من النار اعتقت ومجالات تقوية الايمان واسباب زيادته في الحج عديدة ومتنوعة فهو يهدم ما كان قبله والمبرور منه ليس له جزاء الا الجنة ومن اداه بلا رفث ولا فسوق خرج من ذنوبه كيوم ولدته امه وهو ينفي الذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد كما صحت بذلك الاحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكم كان الحج نقطة تحول في حياة كثير من الناس من سيء الى حسن ومن حسن الى احسن والشواهد على هذا والوقائع المؤكدة له تفوق الحصر وكم من حاج تحرى مواطن الاجابة في الحج ومد يديه الى ربه خاشعا متذللا طامعا في فضل الله العظيم وسأل الله ان يجدد الايمان في قلبه وان يثبته عليه وان يصرف عنه الفتن ما ظهر منها وما بطن وان يصلح له دينه ودنياه واخرته وان يزينه بزينة الايمان وان يجعله من الهداة المهتدين والله عز وجل لا يخيب عبدا دعاه ولا يرد عبدا ناجاه وهو القائل واذا سألك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداعي اذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون وثبت في الحديث عن نبينا صلى الله عليه وسلم انه قال الحجاج والعمار وفد الله دعاهم فاجابوه وسألوه فاعطاهم. وهذا فيه ان الحاج مستجاب الدعوة بحري بمن اكرمه الله عز وجل بالحج ان يكون في حجه مخبتا لربه متواضعا لجنابه منكسرا بين يديه يرجو رحمته ومغفرته ويخاف عذابه ومقته تائبا من كل ذنب اكتسبته يداه ومن كل خطيئة مشت اليها قدماه مكثرا من الذكر والدعاء والاستغفار والتضرع لينقلب من حجه الى خير منقلب وليعود الى اهله وبلده على خير حال فيبدأ صفحة جديدة في حياة عامرة بالطاعة والصلاح والاستقامة بقلب مطمئن ونفس منيبة وفؤاد مخبت سائلا ربه الثبات على الايمان والسلامة من الفتن ولا شك ان الحج فرصة ثمينة ومناسبة عظيمة مباركة لتجديد الايمان وتقويته والزيادة فيه فينبغي على الحاج ان يحرص في حجه على تقوية ايمانه وزيادة يقينه وتقوية صلته بربه تبارك وتعالى وان يستفيد من عبر الحج ودروسه العظيمة لتقوية ايمانه وزيادته وما من شك ان الايمان هو افضل ما اكتسبته النفوس وحصلته القلوب ونال به العبد الرفعة في الدنيا والاخرة بل ان كل خير في الدنيا والاخرة متوقف على الايمان الصحيح فهو اعظم المطالب واجل المقاصد وانبل الاهداف فبالايمان يحيا العبد الحياة الطيبة في الدارين وينجو من المكاره والشرور والشدائد ويدرك جميل العطايا وواسع المواهب وبالايمان ينال ثواب الاخرة فيدخل جنة عرضها كعرض السماء والارض فيها من النعيم المقيم والفضل العظيم ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وبالايمان ينجو العبد من نار عذابها شديد. وقعرها بعيد وحرها اليم وبالايمان يفوز العبد برضا ربه سبحانه فلا يسخط عليه ابدا ويتلذذ يوم القيامة بالنظر الى وجهه الكريم في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة وبالايمان يطمئن القلب وتسكن النفس ويسر الفؤاد الذين امنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله الا بذكر الله تطمئن القلوب وكم للايمان من الفوائد العظيمة والاثار المباركة والثمار اليانعة والخير المستمر في الدنيا والاخرة ما لا يحصيه ولا يحيط به الا الله فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة اعين جزاء بما كانوا يعملون والايمان شجرة مباركة عظيمة النفع غزيرة الفائدة كثيرة الثمر لها مكان تغرس فيه ولها سقي خاص ولها اصل وفرع وثمار اما مكانها فهو قلب المؤمن فيه توضع بذورها واصولها ومنه تنشأ اغصانها وفروعها واما سقيها فهو الوحي المبين. كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فبه تسقى هذه الشجرة المباركة ولا حياة لها ولا نماء الا به واما اصلها فهو اصول الايمان الستة الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر والايمان بالقدر خيره وشره وعلى هذه الاصول الايمان بالله فهو اصل اصول هذه الشجرة المباركة واما فروعها فهي الاعمال الصالحة والطاعات المتنوعة والقربات العديدة التي يقوم بها المؤمن من صلاة وزكاة وحج وصيام وبر واحسان وغير ذلك واما ثمارها فكل خير وسعادة ينالها المؤمن في الدنيا والاخرة فهو ثمرة من ثمار الايمان ونتيجة من نتائجه من عمل صالحا من ذكر او انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة. ولنجزينهم اجرهم باحسن ما كانوا يعملون والناس يتفاوتون في الايمان تفاوتا عظيما بحسب تفاوتهم في هذه الاوصاف قوة وضعفا زيادة ونقصا فجدير بالعبد المسلم الناصح لنفسه ان يجتهد في معرفة هذه الاوصاف وان يتأملها ثم يطبقها في حياته. ليزداد ايمانه ويقوى يقينه ويعظم حظه من الخير كما عليه ان يحفظ نفسه من الوقوع في الامور التي تنقص الايمان وتضعف الدين ليسلم من عواقبها الوخيمة ومغبتها الاليمة وللايمان اسباب كثيرة تزيده وتقويه اهمها تعلم العلم النافع وقراءة القرآن الكريم وتدبره ومعرفة اسماء الله الحسنى وصفاته العلى وتأمل محاسن الدين الاسلامي الحنيف ودراسة سيرة نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم وسير اصحابه الكرام والتأمل والنظر في هذا الكون الفسيح وما فيه من دلالات باهرة وحجج ظاهرة وايات بينة ربنا ما خلقتها هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار كما ان الايمان يزيد بالجد والاجتهاد في طاعة الله والمحافظة على اوامره وحفظ الاوقات في طاعته وما يقرب اليه والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين وللايمان اسباب كثيرة تنقصه وتضعفه يجب على العبد المؤمن ان يحترز منها وان يحتاط من الوقوع في شيء منها واهمها الجهل بدين الله والغفلة والاعراض وفعل المعاصي وارتكاب الذنوب وطاعة النفس الامارة بالسوء ومخالطة ومخالطة اهل الفسق والفجور واتباع الهوى والشيطان والاغترار بالدنيا والافتتان بها بحيث تكون غاية منى الانسان واكبر مقصوده ولما تحقق سلف الامة وصدرها وخيارها بعظم شأن الايمان وشدة الحاجة اليه وان الحاجة اليه اعظم من الحاجة الى الطعام والشراب والهواء كانت عنايتهم به عظيمة ومقدمة على كل امر فكانوا يتعاهدون ايمانهم ويتفقدون اعمالهم ويتواصون بينهم كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لاصحابه هلموا نزدد ايمانا وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول اجلسوا بنا نزدد ايمانا وكان يقول في دعائه اللهم زدني ايمانا ويقينا وفقها وكان عبدالله بن رواحة رضي الله عنه يأخذ بيد النفر من اصحابه فيقول تعالوا نؤمن ساعة تعالوا فلنذكر الله ولنزدد بطاعته لعله يذكرنا بمغفرته وكان ابو الدرداء رضي الله عنه يقول من فقه العبد ان يعلم امزداد هو او منتقص اي من الايمان وان من فقه العبد ان يعلم نزغات الشيطان انا تأتيه وكان عمير بن حبيب الخطمي رضي الله عنه يقول الايمان يزيد وينقص فقيل وما زيادته ونقصانه قال اذا ذكرنا الله عز وجل وحمدناه وسبحناه فذلك زيادته. واذا غفلنا وضيعنا نسينا فذلك نقصانه. والنقول في هذا المعنى عنهم كثيرة ولهذا فان العبد المؤمن الموفق لا يزال يسعى في حياته بتحقيق امرين عظيمين ومطلبين جليلين الاول تقوية الايمان وفروعه والتحقق بها علما وعملا والثاني السعي في دفع ما ينافيها وينقضها او ينقصها من الفتن الظاهرة والباطنة ويداوي ما قصر فيه من الاول وما تجرأ عليه من الثاني بالتوبة النصوح وتدارك الامر قبل الفوات. والاقبال على الله واقبالا صادقا بقلب منيب ونفس مخبتة مطمئنة مقبلة على الله ترجو رحمة الله وتخاف عقابه روى الحاكم في المستدرك والطبراني في المعجم الكبير عن عبد الله ابن عمرو ابن العاص رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الايمان ليخلق في جوف احدكم كما يخلق الثوب فاسألوا الله ان يجدد الايمان في قلوبكم ووصف صلى الله عليه وسلم الايمان بانه يخلق كما يخلق الثوب اي انه يبلى ويضعف ويدخله النقص من جراء ما قد يقع فيه المرء من معاص واثام وما يلقاه في هذه الحياة من ملهيات وصوارف متنوعة تصرفه عن الايمان وفتن عظام تذهب جدة الايمان وحيويته وقوته وتضعف جماله وحسنه وبهائه وها هنا ارشد النبي عليه الصلاة والسلام الى ضرورة تجديد الايمان في القلب بالتوجه الصادق الى الله عز وجل بالسؤال قال فاسألوا الله ان يجدد الايمان في قلوبكم فالمقام يتطلب توجها صادقا الى الله وسؤالا ملحا اليه تبارك وتعالى ان يزيد الايمان ويقويه وان يجدده في القلب وان يمكنه فيه. والله تعالى يقول يثبت الله الذين امنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الاخرة ويقول جل وعلا ولكن الله حبب اليكم الايمان وزينه في قلوبكم وكان صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه اللهم زينا بزينة الايمان واجعلنا هداة مهتدين فمن الخير للعبد المؤمن ان ينصح لنفسه في ايمانه الذي هو اغلى شيء لديه. واثمن امر عنده وهو خير زاد للقاء الله سبحانه وتعالى. وقد جاء في اثناء ايات الحج قول الله سبحانه وتعالى زودوا فان خير الزاد التقوى فالحج فرصة عظيمة للتزود بزاد الايمان وتقوية الايمان وتمتينه والتوفيق بيد الله وحده نسأله جل في علاه ان يوفقنا اجمعين لكل خير وان يصلح لنا شأننا كله انه سميع قريب مجيب. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد محمد واله وصحبه اجمعين