بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فان من مقاصد الحج العظيمة تعميق الاستجابة لله تبارك وتعالى والامتثال لامره والطواعية له سبحانه وتعالى والانقياد لشرعه وهذا مقصد عظيم جليل من مقاصد الحج ينبغي ان يتنبه له الحاج الموفق وهذا يبرز ويظهر في جوانب عديدة من اعمال الحج من اهمها واعظمها التلبية التي تتكرر من الحاج عشرات المرات. ولربما مئات المرات بحسب نشاط الحاج في التلبية وهي كلمات استجابة وامتثال لامر الله عز وجل وفي التلبية تتكرر كلمة لبيك اربع مرات وهي كلمة استجابة اي انا مستجيب لك يا الله ممتثل لامرك منقاد لشرعك دعوتني لحج بيتك فقلت لبيك اللهم لبيك قال الله عز وجل واذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ظامر يأتين من كل فج عميق فجاءت الاجابة من اهل الايمان لنداء الرحمن بان قالوا لبيك اللهم لبيك اي نحن مستجيبين لك يا الله ممتثلين لامرك منقادين لما دعوتنا اليه وتكرار كلمة لبيك في التلبية تأكيد للاستجابة فقولك لبيك اللهم لبيك اي استجابة من بعد استجابة. وانقياد من بعد انقياد. وامتثال من بعد امتثال ويشرع للملبي ان يرفع صوته بالتلبية كما جاء في الحديث عن نبينا صلى الله عليه وسلم انه قال اتاني جبريل فقال مر اصحابك او من معك ان يرفعوا اصواتهم بالتلبية وجاء عنه عليه الصلاة والسلام انه سئل ما الحج فقال العج والثج. والعج هو رفع الصوت بالتلبية ورفع الصوت بالتلبية له معنى عظيم. واثر جليل على العبد في تحقيق الاستجابة والامتثال لامر الله بسبحانه وقد جاء في حديث رواه الترمذي عن سهل رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من مسلم يلبي الا لبى من عن يمينه او عن شماله من حجر او شجر او مدر حتى تنقطع الارض من ها هنا وها هنا لا يسمع صوت هذه وهي تلبي لكن الامر كما اخبر صلوات الله وسلامه عليه ما كان عن يمينك وما كان عن شمالك من حجر او شجر او مدر كلها تلبي بتلبيتك حتى تنقطع الارض منها هنا وها هنا وان كنا لا نسمع صوت تلبية الشجر والحجر والجبال الا اننا من ذلك على يقين لان الذي اخبرنا بذلك الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى صلوات الله وسلامه عليه ومن شواهد ذلك في القرآن قول الله عز وجل تسبح له السماوات السبع والارض ومن فيهن وان من شيء الا لا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم انه كان حليما غفورا وقال جل وعلا يا جبال اوبي معه والطير ثم هذه التلبية المتكررة تكرارا كثيرا على لسان الحاج ليست قولا لا معنى له وتردادا لا فائدة من ورائه. حاشا وكلا بل ان هذا التكرار من شأنه ان يعمق في قلبك ايها الحاج استجابتك لله عز وجل وامتثالك لامره ليس فقط في مكة وفي تنقلاتك بين المشاعر بل في حياتك كلها دعاك الله عز وجل للحج فقلت لبيك اللهم لبيك فاخذ العبرة من هذه التلبية مطلوب دعاك الله الى الحج فقلت لبيك اللهم لبيك لم تقلها مرة بل قلتها مئات المرات مستجيبا لنداء الله سبحانه وثمة امور اعظم من الحج دعاك الله اليها فماذا انت قائل؟ وما حالك مع تلك الاوامر يا من امرك الله بالحج فلبيت النداء وجئت ميمما بيت الله العتيق ترجو رحمة الله وتخاف عقابه كيف حظك مع بقية الاوامر كيف شأنك مع الصلاة التي هي عماد الدين واعظم اركانه بعد الشهادتين كيف شأنك مع الصيام كيف شأنك مع الزكاة كيف شأنك في البعد عن النواهي وترك المحرمات ان كنت ممتثلا فاحمد الله واسأله المزيد وان كنت مفرطا مضيعا فحاسب نفسك قبل ان تحاسب في يوم الوعيد هذه عبرة عظيمة ومهمة للغاية مستفادة من الحج احذرها ايها الحاج الموفق في ذهنك وانت تلبي قل لنفسك يا نفس الله عز وجل امرني بالصلاة وفريضة الصلاة اعظم من فريضة الحج كيف انا مع الصلاة كيف انا مع هذه الفريضة كيف انا مع الزكاة التي هي قرينة الصلاة في كتاب الله كي تعمق في قلبك صدق الاستجابة لله سبحانه وتعالى والصلاة بلا ريب اهم من الحج واعظم يدل لذلك دلائل كثيرة منها ان الاحاديث التي يذكر فيها عليه الصلاة والسلام مباني الاسلام الخمسة يقدم فيها صلوات الله وسلامه عليه الصلاة والزكاة والصيام على الحج قال صلى الله عليه وسلم بني الاسلام على خمس شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله واقام الصلاة وايتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت. متفق عليه ثم ايضا اذا تأملت من جهة اخرى الا وهي نزول هذه الشرائع على نبينا صلوات الله وسلامه عليه وترتيبها في النزول اول ما بعث به عليه الصلاة والسلام التوحيد وكان عمره اذ ذاك اربعين سنة ومضى في الدعوة الى كلمة التوحيد عشر سنوات ثم لما بلغ عمره خمسين سنة فرضت عليه الصلاة ثم مكث على ذلك خمس سنوات بعد ذلك في السنة الثانية من الهجرة فرظ عليه الصيام ولم يفرض الحج الا في السنة التاسعة من الهجرة وهذا الترتيب يدل على ان التوحيد اعظم ثم الصلاة ثم الصيام والزكاة ثم الحج اما ان يكون الانسان مضيعا للتوحيد مثلا ويحج ماذا ينفعه حجه وقد ضيع الاصل والاساس او يحج وهو مضيع للصلاة وقد قال عليه الصلاة والسلام العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة وغيرهم وذكرت عنده الصلاة يوما فقال عليه الصلاة والسلام من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وابي ابن خلف. رواه الامام احمد والدارمي وغيرهما والادلة في شأن الصلاة وتعظيم قدرها وبيان رفيع مكانتها كثيرة ولهذا ينبغي ان نستشعر ان التلبية واعمال الحج عموما تعمق في قلوبنا الاستجابة لله والامتثال لامره سبحانه وتعالى وكم من اناس اكرمهم الله سبحانه وتعالى بان استفادوا من حجهم فعادوا الى بلادهم على خير حال وعلى احسن مآل حفظا لاوامر الله وبعدا عن نواهيه وتحقيقا لتقواه سبحانه وتعالى الحاصل ان من مقاصد الحج العظيمة وغاياته الجليلة المباركة تعميق الاستجابة لاوامر الله فعلا للاوامر وتركا للنواهي فينبغي على الحاج ان يجعل من مقاصده في حجه التي يفيدها ويحصلها فيه تعميق الاستجابة لله فيرجع الى بلده بحال مباركة وحال عظيمة فيها الاستجابة والطواعية والامتثال لاوامر الله والبعد عن نواهيه فالحج يعمق ذلك في العبد تعميقا عظيما وقد قال تعالى الحج اشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فان خير زاد التقوى واتقوني يا اولي الالباب قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله في تفسيره لهذه الاية وقوله فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج اي يجب ان تعظموا الاحرام بالحج وخصوصا الواقع في اشهره وتصونوه عن كل ما يفسده او ينقصه من الرفث وهو الجماع ومقدماته الفعلية والقولية خصوصا عند النساء بحضرتهن والفسوق وهو جميع المعاصي ومنها محظورات الاحرام والجدال وهو المماراة والمنازعة والمخاصمة لكونها تثير الشر وتوقع العداوة والمقصود من الحج الذل والانكسار لله. والتقرب اليه بما امكن من القربات والتنزه عن مقارفة السيئات فانه بذلك يكون مبرورا والمبرور ليس له جزاء الا الجنة وهذه الاشياء وان كانت ممنوعة في كل مكان وزمان فانها يتغلظ المنع عنها في الحج واعلم انه لا يتم التقرب الى الله بترك المعاصي حتى يفعل الاوامر ولهذا قال تعالى وما تفعلوا من خير يعلمه الله اتى بمن للتنصيص على العموم فكل خير وقربة وعبادة داخل في ذلك اي فان الله به عليم وهذا يتضمن غاية الحث على افعال الخير وخصوصا في تلك البقاع الشريفة والحرمات المنيفة فانه ينبغي تدارك ما امكن تداركه فيها من صلاة وصيام وصدقة وطواف واحسان قولي وفعلي ثم امر تعالى بالتزود لهذا السفر المبارك فان التزود فيه الاستغناء عن المخلوقين والكف عن اموالهم سؤالا واستشرافا وفي الاكثار منه نفع واعانة للمسافرين. وزيادة قربة لرب العالمين وهذا الزاد الذي المراد منه اقامة البنية بلغة ومتاع واما الزاد الحقيقي المستمر نفعه لصاحبه في دنياه واخراه فهو زاد التقوى الذي هو زاد الى القرار وهو الموصل لاكمل لذة واجل نعيم دائم ابدا ومن ترك هذا الزاد فهو المنقطع به الذي هو عرضة لكل شر وممنوع من الوصول الى دار المتقين فهذا مدح للتقوى ثم امر بها اولي الالباب. فقال واتقوني يا اولي الالباب ايا اهل العقول الرزينة اتقوا ربكم الذي تقواه اعظم ما تؤمر به العقول وتركها دليل على الجهل وفساد الرأي. انتهى كلامه كم هو جميل بالحاج ان يعود الى وطنه بعد حجه مداوما على الطاعات مستجيبا لاوامر الله منقادا لشرعه معظما لدينه قد عمر قلبه بالتقوى الذي هو اصل الزكاء واساس الصلاة وقد قال الله سبحانه وتعالى في اثناء ايات الحج ذلك ومن يعظم شعائر الله فانها من تقوى القلوب قال ابن تيمية رحمه الله فالمقصود تقوى القلوب لله وهو عبادتها لله وحده دون ما سواه. بغاية العبودية له والعبودية فيها غاية المحبة وغاية الذل والاخلاص. وهذه ملة ابراهيم الخليل وهذا كله مما يبين ان عبادة القلوب هي الاصل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ان في الجسد مضغة اذا صلحت صلح الجسد كله واذا فسدت فسد الجسد كله الا وهي القلب نسأل الله عز وجل ان يصلح قلوبنا وان يوفقنا لكل خير انه تبارك وتعالى سميع قريب مجيب. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته